الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيمان بـ (الوراثة) جبرا ، و ليس بـ (التعقل) اختيارا

محمد بن زكري

2022 / 1 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتبت هذه العجالة ، كرد على مقال للزميل الاستاذ سعود سالم ، يحمل عنوان : (قراءة القرآن) . غير أنه لطول الرد نسبيا ، رأيت نشره منفصلا في شكل مقالة قصيرة .. كالآتي :

صحيح أن اللغة تخضع - كأية ظاهرة اجتماعية - للتطور و التغير ، زمكانيا و في شتى الاستعمالات الوظيفية ، سواء من حيث دلالة الكلمة منفردة أم من حيث دلالتها في تركيب إصطلاحي . غير أن ذلك يظل محصورا داخل فضاء الجماعة الاجتماعية الواحدة التي تتكلم أصلا تلك اللغة ، بما هي اللغة رموز صوتية مشحونة بالدلالات ، كوسيلة تواصل بين أفرادها .
و من ثَم ، نلمس أن المسلم (المؤمن) الباكستاني أو الافغاني ، يقرأ القرآن في نصه (العربي) ، متعرفا على الحروف و الكلمات ، و قادرا على النطق بها نطقا صحيحا ؛ لكن دون أن يفهم معاني تلك الكلمات و دون أن يعي مدلولاتها ، في سياق ما يقرأه من النص القرآني ؛ فهو إذن يقرأ القرآن ـ دون ان تتأتى له إمكانية إجراء تلك العملية المعقدة ، من آليات الادراك و التذكر و التخيل و التحليل و الاستنتاج (أي دون تعقل) . لكونه لا يفهم - أصلا - اللغة العربية التي يقرأ بها القرآن في الكتاب المفتوح أمامه . و ذلك لسبب بسيط ، هو كونه مسلما (بالوراثة) لا غير ، أي أنه مسلم بالتكييف الاجتماعي ، و إسلامه مفروض عليه من خارجه .

و على سبيل المثال ، فإنه حتى خمسينيات القرن الفائت ، كان أطفال الكتاتيب الأمازيغ في ليبيا ، يحفظون القرآن - جزء عمَّ - عن ظهر قلب ، دون أن يفهوا (يتعقلوا) منه كلمة واحدة ، فهم لا يبدءون بتعلم اللغة العربية إلا بدخول المدرسة الابتدائية .
و إن المؤمن المسلم ، كما كل مؤمني الديانات الاخرى ، هو - عموما - مؤمن بالوراثه و التكييف التربوي و البرمجة الاجتماعية ، و ليس لأنه قد (اختار) الإسلام طريقا له في الحياة ، بعد تفكير و تدبير وتعقل . ذلك ان (الاختيار) بين العقائد ، لا يكون إلا بفهمها و المقارنة و المفاضلة فيما بينها ، و ذلك لا يتأتى إلا عبر أدوات اللغة ، و الحال أن المسلم (العادي) الباكستاني أو الأفغاني / مثلا ، لا يفهم لغة القرآن ، التي هي ليست لغته ، بالرغم من أنه يستطيع - بالتلقين و الإجبار - قراءة القرآن (العربي) و حفظه . فالإيمان هنا لا يدخل فيه العقل ، و تنتفي عنه صفة العقلانية .

و اتصالا بالموضوع ، فإنه حسب المتخصصين في لغات الشرق القديمة ، و في دراسات فقه اللغة المقارن ، نجد أن كلمة (قرآن) دخيلة على اللغة العربية ، خاصة و أنه لم يعثر على أي نص او نقش باللغة العربية قبل القرآن ، فالكلمة هي آرامية / سريانية الأصل - و السريانية لا زالت لغة حية محكية و مكتوبة بالحرف السرياني ، و هي الاصل الذي تفرعت منه اللغة العربية كما نعرفها اليوم - و أصل الكلمة في السريانية هو (قريانا) ، و تعني كتاب الصلوات أو التراتيل الكنسية . و كذلك هي كلمة (فرقان) ، فأصلها السرياني هو كلمة (فرقانا) ، و تعني (الخلاص) ، فهي كلمة ذات مدلول لاهوتي مسيحي ، يتصل بفكرة خلاص البشر بواسطة فداء المسيح ، فالعرب في جزيرتهم قبل الإسلام - و حسب التراث الإسلامي نفسه - لم يكونوا أمة قراءة .
إذن .. فالمسلم هو من قرأ القرآن بإيمان مسبق ، أي بعقل (مخدر) سابق البرمجة ، أو بوعي زائف ، فوضَع عقله - فعلا - بين قوسين . أما غير المؤمن - و أتجنب استعمال كلمة (الملحد) التي تساوي عند المسلم كلمة (كافر) ذات البعد الديني السلبي ، و التي يستعملها المسلمون كشتيمة مقذعة - فهو من قرأ القرآن ، و فهم مدلولات كلماته و نصوصه في بعديها التاريخي و الايديولوجي ، مستحضرا في عملية القراءة كل كيانه ، مركزا فيما يقرأه كل فعالياته العقلية (التعقلية) ، التي يمكن أن نسميها العقل العلمي النقدي ، ليخلص بذلك إلى الشك بتماسك بنية الموروث الميتافيزقي أو إلى رفض طروحاته - بالمطلق - كمقدات و نتائج .
و .. هذ وجهة نظر ، غير محصنة - طبعا - ضد النقض .
و آسف لعدم السماح بالتعليق ، تجنبا لضياع الوقت و الجهد سدى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب