الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صراع الاجيال

بولات جان

2006 / 9 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بولات جان(ايفار دريا).1

* القمع والتبعية التي طبقها العجائز الخبيرون و المحتالون في المجتمع الهرمي على الشبان اليافعين ليس له مثيل في الاستغلال وجعل قوة عظيمة كالشبيبة وقوداً لحروب تافهة!

* من الصعب ضبط الشبيبة اليقظة و الواعية المتوجهة نحو الحرية. فهي تتصدر الشرائح التي تُبلى بها الأنظمة السائدة.

* الشيء الأكثر رعباً بالنسبة للكهول هو الاتحاد بين الشبان و الفتيات. فالفتيات تكونّ مستعبدات مرتين، الأولى لأنها أنثى و الثانية لأنها شابة! لذا فإن النظام البطرياركي يفزع من يقظة الشابات أكثر من خوفهم من الشبان!

* فمنذ ايام المخادع (أنكي) و حتى يومنا الراهن و الشبيبة تنزف بغزارة و اطماع الكهول الخبيثة لم تشبع بعد.



حلّت لعنة الآلهة بالشرق حينما قام الرجل باغتصاب الألوهية من المرأة و سرق منها سر الحياة و نشر الضغينة و الكره بين الجنس البشري. نشبت الصراعات الدموية بين الرجل و المرأة و التي انتهت بتربع الرجل على العرش المصنوع من جماجم البشر... استعبد المرأة و اخرجها من مسرح التاريخ، و جاء الدور على الشريحة الاكثر حيوية في اي مجتمعٍ ما، اي الشبيبة الفتية. فالشبيبة تربط بين صفاء و نقاء الطفولة و عزيمة و قوة الرجل، تربط بين الإقدام و الجرأة و العاطفة الصادقة النبيلة... الشبيبة هي الديناميكية الاكثر قوة و فعالية و طاقة في كل مراحل العمر... و ما كان من الكهول الماكرين، بعد أن تم لهم استعباد المرأة، عملوا على الاستفادة من القوة الجسدية و ديناميكية الشبيبة في سبيل تحقيق طموحاتهم. منذ ذلك العهد اللعين و حتى يومنا هذا و الشبيبة بمثابة وقود عجلة الحرب الدائرة لأجل اطماع الكهول الماكرين. فهم لا يرون في الشبيبة سوى شريحة سفيهة يمكن خداعها و دفعها للحرب و الموت في سبيل اطماع الكهول.

القمع والتبعية التي طبقها العجائز الخبيرون و المحتالون في المجتمع الهرمي على الشبان اليافعين ليس له مثيل في الاستغلال وجعل قوة عظيمة كالشبيبة وقوداً لحروب تافهة. فهذا الموضوع المدرَج في العلوم الأدبية المسماة بـ"الجيرونتوقراطيا Jerontokrasi"*، إنما هو حقيقة واقعة. لكن، وكيفما تعزِّز الخبرةُ صاحبَها العجوز من جهة، فإنَّ كِبَر سنه يُضعِفه (من الناحية الجسدية و الطاقة و قدرة الإقدام و الجسارة)تدريجياً من الجهة الثانية. فرضت هذه الخاصيات على العجائز المسنين أن يُسخِّروا الشبان في خدمتهم. فقاموا بغسل أدمغتهم، بآيات و أساطير و أقاويل و كل سبل الخداع و الإضلال، ليطوروا هذه الآلية، ويربطوا كل حركات الشبان بأنفسهم. تستمد البطرياركية قوة عظمى من هذه الظاهرة. فهم ، أي النظام الأبوي المحتال، يستثمرون القوى الجسدية الغضة، ليحققوا من خلالها آمالهم وطموحاتهم التي لا تكفي قوتهم العجوز بتحقيقه. استمرت هذه التبعية المحيقة بالشبان حتى راهننا، مع تجذرها المتواصل. و لأجل كل ذلك فأن ربط مصير الشبان و استعبادهم بسقوط المرأة أمر واقعي و حقيقة تاريخية.

كلما ذاد الكهول عن استغلالهم للشبان، ازداد هم بحركات تمرد و رفض الطاعة على مرّ التاريخ. فكل ثوار العالم كانوا شباناً على الأغلب. و انطلاقاً من هذه الحقيقة فأن الكهول حريصين جداً على إبقاء الشبان جهلة و مقودين دائماً من قِبل العقل المفكر المسمى بـ(الخبير و الحكيم الكهل). يأتى مصدر تطلع الشبيبة إلى الحرية من هذه الظاهرة التاريخية. إذ لا تُزَوَّد الشبيبة بالأقسام الحساسة والحرجة من المعلومات الاستراتيجية. والحال هكذا منذ عهد الحكماء المسنين القدامى، وحتى رجال العلم ومؤسساتهم في راهننا. بل ما يُمنَح إياها ليس سوى معلومات مخدِّرة ومؤمِّنة لصيرورة تبعيتها. وحتى إذا مُنِحَت المعلومات، فلا تُمنَح أدوات تطبيقها أو ساحة تجربتها و تربة زرعها و إنماءها... فالتسويف والإمهال الدائم هو تكتيك إداري ثابت لا يتغير. هذا علاوة على أن الاستراتيجيات والتكتيكات وأنظمة القمع والاضطهاد والدعاية السياسية المطبقة على المرأة، سارية المفعول على الشبيبة أيضاً. تنبع رغبة الشبيبة وطموحها الدائم إلى الحرية من حالة القمع الاجتماعي الخاصة تلك، وليس من حدود عمرها الجسدي. أما المصطلحات التي يطلقها الكهول المحتالون على الشبان كـ"الثمِل، السكران، المراهق الغِرّ القليل التجربة"، فهي ألفاظ دعائية أساسية مبتَكَرة للحط من قدر الشبيبة و كرهها لذاتها و الحياء من عمرها و حقيقتها الدياليكتيكية. كما أن ربطها بالغرائز الجنسية على الفور، وجذبها إلى التمرد والعصيان، وإتْباعها بالدوغمائيات الحفظية والمتصلبة؛ يرتبط بعملية إعاقة تَوَجُّه طاقاتها الكامنة نحو النظام القائم، بغرض توطيده وتجذيره.

الكهول يحتاطون من الشباب و يعملون على كبت قوة الشبيبة و توجيهها للوجهة التي يريدونها هم. فهم يخافون من القوة و الطاقات العظيمة للشبان و لذا يبذلون جهوداً لإبقائهم جهلة و بعيدين عن عقيدة الحرية و عواطف العزة أو التعاطف مع المرأة. الكهول يجهدون لجعل الشبان ينظرون للمرأة ككتلة لحم طرية و دسمة و ليس على الشاب إلا التمتع بها و تدميرها. و ما الافلام الخلاعية إلا واحدة من مئات الطرق التي يستخدمها الكهول المحتالون ضد الشبان. و الشيء الأكثر رعباً بالنسبة للكهول هو الاتحاد بين الشبان و الفتيات. فالفتيات تكونّ مستعبدات مرتين، الأولى لأنها أنثى و الثانية لأنها شابة! لذا فإن النظام البطرياركي يفزع من يقظة الشابات أكثر من خوفهم من الشبان!

ليس بمقدور أية قوة من ضبط الشبيبة

من الصعب ضبط الشبيبة اليقظة و الواعية المتوجهة نحو الحرية. فهي تتصدر الشرائح التي تُبلى بها الأنظمة السائدة. ولأن هذا معروف يقيناً على مر التاريخ، فقد تعرض شريحة الشبيبة لشتى ممارسات ومعاملات لا تخطر على البال أو الخاطر، لتكون الضحية فيها تحت قناع التدريب والتعليم. وقد لعب إسقاطها في هذه الحالة - بعد إسقاط المرأة - دور المفتاح في تفوق المجتمع الهرمي الذكري المحتال. لم يكن هباء أن يَعتَبِر النظام المسيطر على الشبيبة والمراقِب إياها، نفسَه بأنه الأقوى على الإطلاق. واستمرت نظم المجتمع الدولتي فيما بعد بتطبيق ممارسات مشابهة عليها. إذ أن شبيبةً غُسِلَ دماغها على هذه الشاكلة، يمكن تحفيزها للهرع إلى أي عمل كان، وجعلها تمتهن أي مهنة شاقة - بما فيها الحرب - وتَنجَرُّ وراء كافة الأعمال العصيبة، بل وتكون في المقدمة أيضاً. و لإبقاء الشبيبة كخاتم في اصبع الكهول، فهم يقومون ببرمجتهم حسب ما يريدون، مستخدمين الدين و العلم و الحيلة و الرياضة و الترهيب و التشويق و الابتزاز و حتى القتل و الارهاب. باختصار، إن علاقة المسنين مع الشبيبة بإتباع الأخيرة وربطها بهم حصيلة نقاط ضعف المسنين وقوتهم في آن معاً؛ لم تفقد من وتيرتها وكثافتها شيئاً - ولو بمثقال ذرّة - بمواصلة النظم المهيمنة إياها بأقوى الأشكال. فمنذ ايام المخادع (أنكي) و حتى يومنا الراهن و الشبيبة تنـزف بغزارة و اطماع الكهول الخبيثة لم تشبع بعد. عليّ التذكير ثانية بأن الشبيبة ليست حدثاً جسدياً أو عمرياً، بل اجتماعي. طبقاً لما هي عليه المرأة التي تشكل ظاهرة اجتماعية، لا جسدية. وتتمثل المهمة الأولية لعلماء الاجتماع في الغوص في منابع هذه التحريفات المحيطة بهاتين الظاهرتين، وكشف النقاب عنها وفضحها. و إن لم يُفعل ذلك فإن التاريخ اللعين سيبقى سائراً رأساً على عقب و اللعنة التي حلّت على أرضنا لن تزول و لن يحّل شيء اسمه " الديمقراطية"!



الشبيبة في المجتمع الديمقراطي...

من المهم بمكان الأخذ بخصوصية أكبر لفئة الشباب خلال الكفاح الديمقراطي للمجتمع. بالعلم أن شريحة الشباب معرضة في كل لحظة الوقوع في المصيدة التي ينصبها الكهول المحتالون الخبيرون في هذه الاعمال الشائنة. ففي المجتمع التقليدي تنسحق شريحة الشبيبة بين مطرقة المجتمع الذكوري السلطوي التقليدية، وسندان التخبط تحت عبء ايدلوجيا النظام الرسمي المستبد السائد! و رغم هذه الحالة الانسحاقية للشبيبة، فهي تتمتع ببنية ذات ديناميكيات منفتحة لكل جديد و بمقدورها التجدد في كل لحظة لدرجة قد تؤدي بها لحالة ذبذبة و غليان دائم و هذا نتيجة يفاعتها و صفاءها الفكري و عوز الخبرة. إنها غافلة لأبعد الحدود إزاء المجريات الحاصلة، وبعيدة كل البعد عن كشف و استيعاب ما يُرسَم لها من مخططات من قِبل المسنين. تتخبط وتعجز حتى عن التقاط أنفاسها ضمن الآلاف من مكائد وحيَل المجتمع الرأسمالي التي تسلب العقول و تسكره. كل هذه الحقائق الملموسة تستلزم بالضرورة تعبئة الشبيبة-في المجتمع الديمقراطي- بتربية و توعية اجتماعية خاصة، مناسب لخصوصياته الفكرية والروحية و الفيزيولوجية، بحيث يجذبها وينقذها من الشراك المنصوبة. تعليم و تدريب الشبيبة عمل يتطلب الصبر والجهد المضني و المعرفة العالية في المجال النفسي و الفكري و الجسدي و الجنسي و الاجتماعي. فبالأحرى يمكن تنشئة جيل واعي و صحيح من الشبان و الشابات بعد تعمق المدربين لهذه النواحي التي اتينا على ذكرها.

مقابل كل ذلك، يبقى جيل الشباب متميزاً بجرأة مِقدامة تخولها لتدوين الملاحم بديناميكياتها و اندفاعها العظيم نحو الجميل و الحر و السامي. فما من عمل يستعصي على جيل الشبيبة النجاح فيه، إن استوعب الأهداف والأساليب المؤدية إليها و اقتنع بها بكل جوارحه و نفض له كل خلجات روحه الفتية. فإذا ما رأت الشبيبة في الحياة المميَّزة بالأهداف والأساليب المحددة انضباطاً أولياً لها، واستنفرت طاقاتها بموجبها، وإذا لم تثبط من همتها وصبرها؛ فبمقدورها إبداء أهم المساهمات البارزة في الكفاح والقضايا التاريخية.

الحملة التي ستتطور في الحركة الشبيبية الديمقراطية، بريادة الكوادر المتحلين بهكذا ميزات، هي حلقة الضمان للانتصار في النضال الديمقراطي للمجتمع. إذا ما افتقرت الحركة الشبيبية لمجتمع ما لديناميكية الشبيبة، ستكون فرصتها في النصر محدودة. فخبرات المسنين وديناميكية الشبيبة ظاهرتان تفرضان وجودهما في كل فترة من فترات التاريخ. ومَن فلح في إقامة الأواصر السليمة بين الظاهرتين في مسيرته، كانت نسبة النجاح لديه مرتفعة في كل زمان. لا يمكن لخيالات شبيبتنا الراهنة السامية أن تجد معناها، إلا في حال إدراكها كيفية نفاذها من أزمة النظام الاجتماعي القائم. وأي شبيبة تنعدم لديها الخيالات، لن تنجو من التردي والانحطاط، ومن خسران الحياة برمتها؛ إلا إذا عادت إلى خيالاتها الحقيقية. الشرط الأولي بالنسبة للشبيبة كي تقوم بانطلاقتها، هو استيعاب حالة الفوضى العارمة للأزمة الأخيرة التي يمر بها النظام الرأسمالي. بالإضافة إلى أن هضمها لقيم المجتمع الديمقراطي والأيكولوجي، ولقيم حرية الفاميني، سيمدها بإمكانات النصر التاريخية، وسيجعلها الصاحبة الحقيقية للدور المنوط بها في بناء المجتمع الذي تتوق إليه، أثناء بنائها لذاتها على نحو صحيح وسليم. كل شيء منوط بالمشاركة الكفوءة والقديرة والصائبة للشبيبة في الحملة الاجتماعية التاريخية.
المصدر الرئيس:الدفاع عن الشعب للمفكر عبد الله أوجلان. 2004








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق لسكاي نيوز عربية: هذه هي الطر


.. جماعة أنصار الله: إطلاق مسيرات هجومية على يافا وأم الرشراش




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان الرسائل العسكري


.. ما أبرز ما تناولته الصحف العالمية بشأن الحرب على غزة والتصعي




.. طلب إسرائيلي لقوة اليونيفيل بإخلاء ونقل بعض مواقعها