الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معالم النظام الاجتماعي المعاصر / 14

رياض عبد الحميد الطائي
كاتب

(Riyad A. Al-taii)

2022 / 1 / 27
المجتمع المدني


الفصل الثالث ( في شؤون السكن والبيئة السكنية )
أولا ) حول مفاهيم ( السكن ، البيئة السكنية )
السكن حاجة اساسية لكل انسان ، تبرز اهمية السكن في النظام الاجتماعي في كونه يمثل مأوى للانسان ومكان راحته ومستقره ، وبالتالي فهو مصدر اساسي لشعور الانسان بالاستقرار والاطمئنان النفسي ، وهو احد اعمدة استقرار الكيان الاسري والكيان الاجتماعي , لا يمكن لأي انسان ان يحيا حياة كريمة من غير ان يكون له مسكن لائق به وبأسرته ، المسكن هو بيئة الانسان الاولى ، وهو المدرسة الاولى التي يتلقى بداخلها الثقافة والمعلومات التي تهيئه لدخول البيئة السكنية الاوسع اي الحي السكني او المجتمع, البيئة السكنية التي يحيا فيها الافراد لها تأثير بالغ على النظام الاجتماعي العام ، فالبيئة السكنية لها تأثير في تشكيل مزاج الانسان وطباعه وطريقة تفكيره واسلوب تعامله مع محيطه وفي تشكيل السلوك العام والثقافة العامة السائدة بين الافراد ، ان الحالة النفسية للانسان الفرد وحالة العلاقات الاسرية والاجتماعية ونمط السلوك العام في المجتمع والتي تمثل بمجملها النظام الاجتماعي تتأثر بحالة البيئة السكنية التي يحيا فيها افراد المجتمع ، الحرمان من السكن ينعكس سلبا على النظام الاجتماعي ويؤدي الى غياب الشعور بالانتماء للوطن ( مواطن بلا سكن يعني مواطن بلا وطن ) ، السكن هو حق من حقوق المواطنة ، هو الوطن الاول للانسان ، منذ فجر الحضارة البشرية كان سعي الانسان الدؤوب وجهاده الشاق في الحياة من اجل تأمين احتياجاته المادية الاساسية وهي الطعام والسكن ، الحرمان من الاحتياجات المادية الاساسية ينعكس سلبا على الحالة النفسية ، فالحالة النفسية او المعنوية للانسان انما هي انعكاس لحالته المعيشية ( مأكلا ومسكنا ) او لحالة بدنه الصحية .. وبالتالي هي انعكاس مباشر للواقع المادي الذي يحيط بالانسان ولطبيعة الاوضاع الاقتصادية والصحية في البيئة التي يحيا فيها ، فاذا كان الطعام حاجة لا غنى عنها لكل كائن حي ، فان المسكن حاجة ضرورية لا غنى عنه لكل انسان .. لانه مكان راحته ومأوى عائلته ومستودع ممتلكاته ، كما ان حالة السكن لها تأثيرات عميقة على نمط العلاقات الاجتماعية وعلى مجمل الحياة الاقتصادية والسياسية للبلد , حيث نلاحظ ان من المؤشرات المهمة عن الحالة الاقتصادية لأي بلد هي مستوى اسعار العقارات فيه وخاصة المساكن , اذ يؤدي ارتفاع مستوى اسعارها بشكل غير طبيعي الى اضطرابات اجتماعية تنعكس على الواقع الامني في البلد وتهدد الاستقرار والسلم في المجتمع , ولهذه الاسباب جميعا كان اهتمامنا بموضوع السكن وجعلنا له الاهمية القصوى والاولوية في الاهتمام .
ـ في برنامجنا الاصلاحي أكدنا بانه يجب ان يكون المسكن الدائم تمليك وليس استئجار انطلاقا من قناعتنا بانه لا يتفق مع حقوق المواطنة ان يسكن المواطن وعائلته في مسكن مستأجر وهو مقيم في وطنه ويدفع حق الوطن ( الضريبة ) ويؤدي الخدمة الاجتماعية العامة ، الاجانب فقط هم الذين يسكنون في مساكن مستأجرة لانهم يقيمون بشكل مؤقت وليسوا مواطنين من ابناء البلد , بل اننا من فرط اهتمامها بموضوع السكن ذهبنا الى مدى أبعد عندما عبرنا عن اهتمامها حتى في طريقة تصميم المساكن وطريقة تخطيط وتنظيم التجمعات السكانية لما لها من تأثير مباشر على الحالة النفسية للانسان الفرد وعلى شكل العلاقات الاسرية والاجتماعية ونمط السلوك العام في المجتمع والتي تشكل بأجمعها مرتكزات النظام الاجتماعي ، وكلنا على دراية بمقدار بؤس ومعاناة حياة التشرد التي تصيب الناس عند اضطرارهم لترك مساكنهم اثناء الحروب او الكوارث الطبيعية لنقدر بناءا على ذلك مكانة المسكن في حياة الانسان ، ومن هنا كان الاهتمام الكبير بموضوع السكن
ـ ذكرنا سابقا بان الحقوق الاجتماعية الثابتة والدائمة لكل مواطن هي :
1) ضمان أمن المواطن على حياته وعلى ممتلكاته
2) تأمين مصدر رزق دائم لكل مواطن في اطار نظام اقتصادي سليم
3 ) تأمين سكن مناسب لكل مواطن في اطار نظام سكني سليم
وان ما نقصده بكلمة ( سكن ) هو محل الاقامة الدائم ،
المتطلبات الثلاثة المذكورة آنفا ( الأمن ، الرزق ، السكن ) تعتبر ركائز مبدأ المواطنة ، فاذا كانت ( أداء الضريبة ، واداء الخدمة الاجتماعية العامة ، واحترام والتزام الدستور والقوانين الصادرة عن الدولة ) تمثل حقوق الوطن على المواطن ، فان ( توفير الأمن ، والرزق الدائم ، والمسكن ) تمثل الحقوق الرئيسية للمواطن على الوطن ، والدولة بسلطاتها الثلاثة مسؤولة عن تنفيذ حقوق المواطن وفي مقابل ذلك يكون المواطن مطالب بأداء واجباته تجاه الوطن ، الحقوق والواجبات عبارة عن معادلة متوازنة ، هذه المعادلة توضع بصورة تعاقد بين الوطن والمواطن ، التعاقد بين الوطن والمواطن يقع في اطار عقد يسمى (عقد المواطنة ) ، ( الوطن ) هو الطرف الاول في العقد ويتمثل في الدولة بسلطاتها الثلاثة باعتبارها الجهة القائمة على مقدرات البلد وتتولى دائرة شؤون الاسرة القيام بهذه المهمة عن الطرف الاول ، ويكون المواطن هو الطرف الثاني ، ويشمل التعاقد كل مواطن بالغ عاقل مؤهل ، (عقد المواطنة )عقد اختياري لمن يرغب في الدخول في منظومة الحقوق والواجبات ، وتتولى اجهزة الحكومة التنفيذية الاشراف على تنفيذه ، الغرض من (عقد المواطنة ) هو تنمية الحس الوطني والشعور بالمسؤولية لدى كل مواطن ، حقوق المواطن التي يتم تثبيتها في ( عقد المواطنة ) هي الحقوق الاساسية لكل مواطن ، حق العيش بكرامة هو حق دائم وثابت لكل انسان ، وان الحقوق المادية الاساسية التي تضمن العيش بكرامة لكل مواطن تتمثل في الرزق الدائم والمسكن الدائم ، وهناك حقوق مادية اخرى تأتي بعد الاساسية مثل خدمات الرعاية الصحية والتعليم والنقل ، وطبعا ان حجم الخدمات ما بعد الاساسية التي يجب على الدولة ان تقدمها لمواطنيها يتوقف على امكانات الدولة ومقدرتها الاقتصادية .
ثانيا ) رؤية حول ( النظام السكني والبيئي )
المقصود بالنظام السكني هو مجموعة القوانين والضوابط والتعليمات الخاصة بتشكيل وتنظيم المساكن التي يحيا فيها افراد المجتمع ، ويشمل النظام السكني الوحدات السكنية والاحياء السكنية اوالمجمعات السكنية بمبانيها وطرقها واسواقها ومرافقها الخدمية وحدائقها وكل ما يتعلق بشؤون التجمعات السكانية واحتياجات الانسان المقيم فيها من حيث اسلوب تخطيط الاحياء السكنية وأسلوب بناء المجمعات السكنية ، وطريقة تجاور الوحدات السكنية مع بعضها ، واسلوب توزيع الفضاءات في المجمعات السكنية ، وطريقة التعامل مع عناصر الطبيعة المحيطة ( اشعة الشمس ، المطر ، الحرارة ، البرودة ، الرطوبة ، الرياح ، الغبار ، ... الخ ) ، ويشمل النظام السكني ايضا الضوابط الخاصة باسلوب بناء الوحدة السكنية من حيث الشكل والمحتوى ، ونمط توزيع محتوى الوحدة السكنية اومكوناتها بما يتناسب مع طبيعة البيئة المحيطة ومع النظام الاجتماعي العام ، وندرج ادناه رؤيتنا حول ثوابت النظام السكني والبيئي في المجتمع :
ـ كل أسرة هي كيان اجتماعي مصغر مستقل ، يجب ان يكون لكل اسرة مسكنا مستقلا تمليكا خاصا بها في المدينة التي تمثل مقر اقامتها الدائم , ولا يجوز ان تشترك اكثر من اسرة في السكن في مسكن واحد مهما كانت الظروف والمبررات
ـ استنادا الى مبدأ المواطنة فانه لا يجوز ان يكون سكن الأسرة في محل اقامتها الدائم في الوطن مقابل مبلغ بدل ايجار ، السكن بالايجار يتعارض مع مبدأ المواطنة ، السكن مقابل بدل ايجار يكون في حالة عندما تكون الاسرة مقيمة في غير محل اقامتها الدائم
ـ تقع على عاتق الدولة بالدرجة الاولى مسؤولية توفير مسكن دائم ، ملكا خالصا ، لكل اسرة مقيمة في محل اقامتها الدائم في الوطن لغرض تحقيق الاستقرار الاجتماعي والذي هو اهم واجب يقع على عاتق الدولة
ـ ان توفير مسكن دائم ملكا خالصا لكل اسرة من قبل الدولة لا يعني ان توزع الدولة مساكن بالمجان ، وانما يكون التوزيع مقابل ثمن مناسب ويتم استرداد ثمن المسكن بالاقساط المناسبة لدخل العائلة ، ولكن يجب توفير المساكن التمليك لكل أسرة ، حيث تقوم الدولة ومن مواردها المتاحة بتشييد مجمعات سكنية متكاملة لغرض توفير المساكن لمواطنيها مقابل مبالغ يدفعها المستفيدون على شكل اقساط شهرية ميسرة ، يكون مقدار القسط متناسبا مع دخل المواطن ومع تكلفة انشاء الوحدة السكنية , ينبغي على الدولة ان تكون عونا لمواطنيها من ذوي الدخل المحدود ولا تضغط عليهم من الناحية المادية مقابل توفير احتياجاتهم الاساسية ، فالدولة هي الاب لجميع المواطنين وهي الراعي لمصالحهم ، يجب على الدولة ان تشرع قانون يسمى ( قانون الاسكان الوطني ) لتنظيم مسألة السكن لمواطنيها من العوائل والعزاب
ـ مراعاة ان تكون طريقة تشكيل وتوزيع المباني داخل المجمعات السكنية او الاحياء السكنية بما يؤمن انسيابية حركة وسائل النقل دخولا وخروجا من المجمع السكني ، وكذلك يؤمن حركة الخدمات في مدخلاتها ومخرجاتها اليومية في المجمع السكني بشكل دائم وسلس دون عراقيل ، حيث تشمل المدخلات اليومية المياه الصالحة للشرب والاغذية و الطاقة الكهربائية والوقود ( المحروقات ) ، اما المخرجات اليومية فتشمل النفايات ومياه الصرف الصحي بما لا يؤدي الى الاضرار بالنظام البيئي ، وهذا يستوجب مراقبة النشاط البشري في التجمعات السكنية ومعالجة الظواهر الضارة بالنظام البيئي او الضارة بالصحة العامة
ـ الوحدة السكنية العائلية التي تمنحها الدولة يتم تسجيلها في دائرة شؤون العقارات بأسم الزوج والزوجة مناصفة ، اي ان ملكية المسكن ستكون مناصفة بين الزوج والزوجة ويشتركان كلاهما مناصفة في تسديد اقساط الوحدة السكنية ، وفي حالة الانفصال بين الزوجين وكان لديهما اطفال فان الافضلية في تحويل ملكية المسكن ستكون الى الام لكي تبقى فيه مع اطفالها ، وتتولى الدولة اعادة الاموال الى الزوج والتي سددها عن قيمة حصته في المسكن وتقيد على ذمة الزوجة التي تستمر في السداد بنفس قيمة اقساطها السابقة
ـ الاسر المؤقتة من غير اطفال ( عقود الزواج المؤقت ) تكون غير مشمولة بخطة الدولة في تمليك الوحدات السكنية للاسر ، الدولة مسؤولة عن الاسر الدائمية وليس المؤقتة ، الاسر المؤقتة تستأجر مسكن لغرض اقامتها المؤقتة
ـ نرى في مسألة السكن ضرورة ان ينفصل العزاب البالغين ـ الذكور والاناث ـ عن العوائل ، فمن غير المناسب ان يسكن الافراد العزاب البالغين مع اسرهم التي لديها اطفال او مراهقين لان الاطفال عادة يقلدون البالغين في تصرفاتهم ويتطفلون على حاجياتهم وعلى خصوصياتهم مما ينعكس سلبا على تربية الاطفال ونشأتهم
ـ في تنظيم المساكن يجب ان يكون هناك نوعين من الوحدات السكنية ، وحدة سكنية عائلية ووحدة سكنية عزابية ، يقصد بالوحدة السكنية العائلية اي مبنى تتوفر فيه الحد الادنى من المتطلبات السكنية للاسرة والمتمثلة بغرف المنام بعدد مناسب وغرفة اعداد الطعام ( المطبخ ) وغرفة الحمام والتي هي المكونات الاساسية للمسكن العائلي القياسي ، ويجب ان تتوفر في هذا المبنى شروط المتانة والامان والصحة لتكون مأوى صالح للانسان ليستقر فيها بشكل دائم ، اما بالنسبة لسكن المواطنين العزاب البالغين المؤهلين فانه يتم بناء مجمعات سكنية خاصة بهم شبيه بالاقسام الداخلية الخاصة بطلبة الجامعات .. ليمارسوا العيش باستقلالية وليتحملوا مسؤولية ادارة شؤونهم بانفسهم ، واننا نقصد بالفرد الاعزب البالغ المؤهل هو كل انسان ـ ذكر كان ام أنثى ـ اكمل من العمر 20 عاما ، غير متزوج ، هؤلاء العزاب الذين لم يسبق لهم الزواج او الذين كانوا سابقا متزوجين واصبحوا عزابا ( نتيجة الانفصال او وفاة الشريك ) ولا يملكون مساكن منفصلة خاصة بهم يتوجب عليهم السكن في مجمعات خاصة بالعزاب ، وتكون المجمعات السكنية الخاصة بالعزاب على نوعين : ( مجمعات خاصة للذكور ، ومجمعات خاصة للاناث ) هذه المجمعات تشتمل على غرفة فردية مع حمام ملحق بكل غرفة ، اما الطعام فيتم توفيره عن طريق مطاعم ملحقة بالمجمع السكني ، ويكون السكن في مجمع العزاب مقابل اجور زهيدة تدفع اسبوعيا كأشتراك في المجمع
ـ يجوز للدولة عند رغبتها في الاسراع في معالجة مشكلة السكن واختصار الزمن ان تلجأ الى تحديد ملكية الاشخاص من المساكن من خلال اصدار تشريع مؤقت ينص على ان كل مواطن بالغ لا يحق له ان يملك اكثر من مسكن واحد فقط ومازاد عن المسكن الواحد يتم شرائه من قبل الدولة ومن ثم بيعه بالتقسيط الى الاسر التي لا تملك مسكن ، ونؤكد هنا ان اللجوء الى هذا الاسلوب هو لاغراض مؤقتة لتجاوز مرحلة طارئة وليس بشكل دائم , لاننا لا نؤيد تدخل الدولة في حرية التملك ، ولكن لكون الحقوق فوق الحريات , وان المسكن هو حق من حقوق المواطن وله الاولوية ، اما حرية التملك فهي تأتي لاحقا ، فان على الدولة ان تتدخل لمعالجة مشكلة الحقوق حتى لو كانت على حساب الحريات , الوطن كيان واحد وكل المواطنين هم ابناء وطن واحد متساوين في الحقوق والواجبات , وليس عدلا ان تكون هناك عائلة من ابناء الوطن لا تملك مسكنا واحدا ومواطن اخر يملك أكثر من مسكن ، وليس عدلا ان يكون هناك مواطن عاطل محروم من فرصة العمل ومواطن آخر يمارس اكثر من فرصة عمل في آن واحد ، المسكن والعمل حقوق ثابتة تتحمل مسؤوليتهما الدولة , فكل الشعب هم ابناء الدولة , وعلى الدولة ان تحرص على توفير المساكن لابنائها وعلى توفير ارزاقهم لكي يتحقق الاستقرار الاجتماعي
ـ حتى تتمكن الدولة من تحقيق اهدافها في مجال الرعاية الاجتماعية فانه يجب وضع ضوابط صارمة لغرض السيطرة على النمو والتوسع الاسري ومنع الزيادة المنفلتة في عدد السكان والذي يقوض بالتالي جهود الدولة في مجال الخدمات والرعاية لمواطنيها ومن ضمنها تحقيق الاكتفاء في المساكن , وهذا يتحقق من خلال الاهتمام بالتنظيم الداخلي لكيان الأسرة واشاعة ثقافة التحكم بحجم الاسرة والاكتفاء بطفلين فقط لكل اسرة
يتبع الجزء / 15








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط