الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يخافون من فيلم؟

حميدة العربي

2022 / 1 / 31
المجتمع المدني


الإنسان الذي يبني بيته بأساسات هشة وغير متماسكة يبقى، دائماً، قلقاً ومتوتراً وحذراً بحساسية عالية، يراقب الطقس والانواء دون هوادة، ينتابه الخوف أبداً من أية ريح خفيفة قد تهدم ذلك البيت لأنه غير واثق من أساساته. وكذا المجتمع الغير متماسك ذو الأساسات الهشة والغير متينة يهتز وينهار من أية نفخة، في حين المجتمع القوي الأساسات والواثق من بنائه لا تهمه العواصف ولا الزلازل. يعيش حياته واثقاً مطمئناً مهما كانت المتغيرات أو المؤثرات
عقدة الناس، عندنا، هي الخوف، الخوف من أي شيء ومن كل شيء، لأنهم غير واثقين من بنائهم وغير واثقين من أنفسهم.. يخاف على ابنائه من أقرب الناس إليه ويخاف من الآخر رغم وجود مشتركات كثيرة بينهم، كل أفراد المجتمع يتوجسون ويخافون من بعضهم البعض.. لا ثقة ولا أمان بينهم، يرفضون الجديد ولا يتقبلون المختلف ويسعون لتغيير الآخر ليكون شبيهاً بهم أو نسخة ثانية منهم، ومن لا يمشي حسب إرادتهم ويفكر مثلهم يعتبرونه خصماً ويتخذون منه موقفاً معادياً. من يرى شيئاً لا يعجبه أو لا يتناسب مع قناعاته يطالب بتغييره أو إلغائه أو منعه أو استنكاره او التهجم عليه خوفاً على نفسه وبنيانه من التأثر، لأنه يعرف نفسه ضعيفاً لا يستطيع الصمود، فلو كان واثقاً من صلابة نفسه ويقظة ضميره لسار في طريقه دون وساوس أو تخوف. رغم إن هذا التخوف ليس في صالح الفرد ولا المجتمع لأنه دليل ضعف وفشل.
يثورون لمشهد خاطف، موجود مثله في الواقع، ويغمضون أعينهم عن المشاكل والقضايا الأساسية في المجتمع ( السرقة، الرشوة، العنف، الاغتصاب، الغش، التزوير، التحرش، الفقر، الجهل.. وغيرها الكثير) ينشغلون، بكل حماس وإصرار في أمور ثانوية ( فيلم أو مسلسل، موضة جديدة، خصلة شعر منفلتة على جبين فتاة، صورة لإعلان ترويجي في الشارع.. الخ) لاعتقادهم إن هذه الأشياء هي التي ستزلزل بنائهم لإنهم غير واثقين منه وممكن أن ينهار من أبسط الأشياء. دون أن يتوقفوا مع أنفسهم ويتساءلوا، هل البنيان هش وضعيف الى هذا الحد الذي يجعله يتهاوى بسبب فيلم أو مسلسل؟ هل الخوف الدائم من أي شيء سيجعل المجتمع محصناً فعلاً؟ وهل عقلية المنع هي الحل الأمثل لمواجهة تسونامي الحداثة؟ التجارب التاريخية تؤكد عكس هذا تماماً.
فيلم ( أصدقاء ولا أعز ) واحد من الأفلام التي كشفت بعض الحقائق الموجودة أصلاً في كل المجتمعات لكن الناس لا يريدون رؤيتها معروضة أمامهم ولا يتقبلون من يذكّرهم بها، مجرد الإشارة إليها سيذكّرهم بفشلهم في كل ما عملوه واعتقدوا إنه صحيح وسليم.. وخيبتهم من إن البناء ليس صلباً كما يتمنون ( كالأب الذي يربي ابنه ويعلمه ثم يكتشف إنه فاشل وعاق فيبدأ بتعنيف أمه ولوم المدرسة) ومن صدمتهم أفرغوا غيظهم وغضبهم في شخص الممثلة، وهي أضعف الحلقات في هذا الأمر ( مثل الذي يلعن الريح لأنها هزت ستائر بيته وكشفت ما خلفها ). دعك من المشهد الذي استخدموه سلاحاً واهناً ضدها فالمجتمعات تُخفي تحت ستار الكتمان مختلف أنواع المساوئ، والسينما العربية منذ بدايتها امتلأت بمشاهد الإغراء والإيحاءات والقبلات وبدلات الرقص المكشوفة وأزياء البحر، والثياب الشفافة التي تكشف الكثير من التفاصيل لكن لم يهتم أحد ولم يعترض. هل كانت العقلية مختلفة، تعرف إن هذا تمثيل لن يؤثر في المجتمع، والفنان حر في ما يقدم وما يلبس؟ هل كانت الناس واثقة من نفسها ومن تربيتها لأبنائها وتماسك مجتمعها، ولم يسكنها الخوف وعدم الثقة بنفسها وبالآخرين؟ و ـ مع هذا كله ـ عدم وجود وسائل تواصل، كما الآن، والتي توفر الفرصة لكل من هب ودب أن يدلو بدلوه في عملية الشحن والتحريض والانتقاد. حتى إن البعض لم يشاهد الفيلم لكنه تابع ما كتبه الآخرون فأصيب بالعدوى وشارك بالهجوم.. ربما كسباً للإعجابات؟
الأفلام والمسلسلات الاجنبية ايضاً أغلبها مليئة بالمشاهد الجريئة والعري وما شابه؟ يتابعونها بشغف واهتمام ويصفقون لها ويمنحونها جوائز، فقط لأنها لا تشير الى مجتمعهم ( النسخة الأصلية الإيطالية، من فيلم، أصدقاء ولا أعز. عرضت في أكبر مهرجان عربي للسينما عام 2016 وفاز بالجائزة الأولى لأفضل سيناريو، والكل امتدحوه وصفقوا له ولم يعترض أحد.) والمنصة التي عرضت الفيلم منصة أجنبية، مشفرة، يدفعون من أموالهم كذا مبلغ ( اشتراك) لكي يتابعونها وهم يعرفون ماذا تقدم من مواضيع وأكثرها لا يتناسب مع أفكارهم وقناعاتهم.. فلماذا يدفعون لها ويتابعونها؟
هؤلاء الناس ـ الذين يتجاهلون مشاكلهم الأساسية ومعاناتهم الدائمة وقضاياهم الرئيسية ويتناسون ما يستحق الاهتمام فعلاً ـ لو استثمروا هذا الانشغال والجهود المبذولة في التصيد اللامجدي والنقد المؤذي والمتابعة السلبية وراء أجهزة الكومبيوتر ووفروا الأوقات الثمينة والطويلة المستقطعة من حياتهم، ووظفوها في أمور تحسّن واقعهم وتغيّر أوضاعهم وتنمّي أفكارهم، لأصبحوا في مقدمة المجتمعات وأكثرها تطوراً.. لنتذكر إنه لا شيء يعطل حياة الإنسان إلا:
قلة الوعي، حيث يتأثر الفرد بما يقال ويُنشر دون تفكير وتساؤل، ما يجعله هدفاً لنوايا الآخرين وفي متناول أهوائهم.
كثرة الفراغ، وضياع الوقت في صغائر الأمور التي لا نفع فيها ولاخير ولا تقدم
انعدام الهدف في الحياة، يجعله منشغلاً بالآخرين وحشر أنفه في كل صغيرة وكبيرة، حتى تلك التي لا يفهم بها.. مفوتاً الفرصة على نفسه في أن يعيش الحياة ويترك الآخرين بسلام. ودون أن يتذكر إنها.. حياة واحدة لا أكثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - استشهاد طفلين بسبب المجاعة في غزة


.. أمريكا.. طلاب مدرسة ثانوي بمانهاتن يتظاهرون دعما لفلسطين




.. وفاة 36 فلسطينيا في معتقلات إسرائيل.. تعذيب وإهمال للأسرى وت


.. لاجئون سودانيون عالقون بغابة ألالا بإثيوبيا




.. الأمم المتحدة تكرم -رئيسي-.. وأميركا تقاطع الجلسة