الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحكام الشرعية وسائل وليست غايات

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2022 / 2 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الشرع ليس هدفآ في حد ذاته وانما هو وسيلة لفلاح الانسان في الدنيا والآخرة ، والوسيلة تدور مع هدفها تطورآ ووجودآ كما الحكم الشرعي يدور مع علته وجودآ وعدمآ ، فالشرع وسيلة لتحقيقي غايات ثلاث الحرية للتطور والنمو ، والعدالة منعآ للظلم والافتراء ، والسلام بمفهوميه الاجتماعي والمجتمعي الدولي تحقيقآ للاستقرار والأمان ، فكيفما كان السبيل بعقل واعي وضمير حي لهذه الأهداف كان شرع الله .

فمفاهيم الحرية والعدالة والسلام وان كانت على مدار الأزمنة ثابتة المعنى الا أن مفاهيمها تظل في حالة تجريدية نسبية تتناسب مع قواعد وأطروحات كل زمن وظروفه وأحواله ،

ففي زمن الرق والقبيلة والإقطاع وندرة الموارد وانتشار واسع للفقر وحضور استيعابي هامشي لقيم المساواة والندية ، وعلو لركام الجهل والخرافة في مقابل هزال التراكم المعرفي والخبراتي والحضاري الإنساني ، واختزال دور المرأة في الخيمة وحلب الشاه ، والكسب القائم على المجهود العضلي بشكل أساسي ، فإن مفاهيم الحرية والعدالة والسلام تختلف في هذا الزمن او تلك الأزمنة عن زماننا هذا الذي يتسم بسمات تختلف كلية عما سبق شاء من شاء وأبى من أبى ، مما يعني أن الوسائل لتحقيق امعاني الثابتة لهذه المفاهيم بغية تحقيق غاياتها الحقيقية لابد أن تتغير ، وذلك ليظل الدين في النهاية صالحآ لكل زمان ومكان من خلال اقامة المعنى لا الحرف .

فعلى سبيل المثال لا الحصر ان الله حينما شرع للمرأة نصف نصيب الرجل من الميراث ، فقد كان ذلك لبنة أولى في اقامة بناء العدالة الذي نحن مأمورون باستكماله .

فالمرأة حين شرع لها النصف من الميراث كانت لاترث أساسآ ، هذا بعد أن تنجو من الوأد أساسآ ، حتى أن كثيرآ من الصحابة الكبار استعجب الأمر الإلهي بإرث النساء ، ولكن في زمن كان ينظر للمرأة نظرة دونية واذا بشر أحدهم بمولودة له أنثى فاذا هو كظيم ، وفي زمن انتشار الجهل والخرافة بين الرجال ناهيك بشكل أشد بين النساء ، وفي زمن الكسب وتشغيل المال يعتمد على المجهود العضلي والسفر شهورآ في رحلتي الشتاء والصيف وهو ما يضطلع به الرجال عادة ، وفي زمن اختزال دور المرأة في البيت والخيمة والولادة والتربية حصرآ ومازاد عن ذلك كان استثناء نادرآ ، وفي زمن كان الرجل هو من يتولى كافة مصاريف الزواج وتجهيز المنزل والانفاق عليه ، وفي زمن الأخ والعم والخال يتولون الانفاق على أخته أو ابنتهم المطلقة أو الأرملة وأولادها في حال عجز طليقها أو وفاته .

وليس كما في زماننا هذا حيث العيب في كثيرين منا أو في الغلاء الذي جعل معظم البيوت تتمنى أن تكفي نفسها أساسياتها أو ابتعاد المسافات لتوسع العمران ، والمرأة العاملة والمعيلة التي أصبحت (وفقآ للدراسات الرسمية وشبه الرسمية الإحصائية المنشورة ) قرابة نصف البيوت تعتمد على دخلها ، وفي زمن أصبحت الفتاة وأهلها يجهزونها ويساهمون في تأثيث منزل الزوجية بالنصف ، وفي زمن الكسب فيه يعتمد على العلم والمجهود الذهني والعمل المكتبي ، وفي زمن أصبحت ادارة الاموال واستثمارها والحفاظ عليها في البنوك وشركات التأمين أيسر وأضمن من الخيم والبيوت وقوافل الجمال ، وفي زمن أصبحت المرأة متعلمة كالرجال ونسبة النساء المتعلمات أصبحت مساوية للرجال ، فان للمرأة الآن أن ترث مثلها مثل الرجل تحقيقآ للعدالة والسلام الاجتماعي والأسري وبالتالي تحقيقآ لشرع الله .

وسيجادل الكثيرون أن الله لو كان يريد ذلك لأشار إليه في قرآنه الكريم ، والحقيقة أن الله في القرآن لم يشر الى أو يأمر أمرآ نهائيآ بإلغاء الرق ، الا أننا نتقبل اليوم بصدر رحب قرارات الغاء العبودية التي نشجبها أشد الشجب ونستنكرها أعتى استنكار .فهل نحن أحن على البشر من خالقهم ؟!.

الحقيقة أن ذلك دليل على ما سبق أن قلناه ألا وهو التجريد النسبي للمفهوم فمفاهيم الشرع الاساسية المتمثلة في الحرية والعدالة والسلام كانت تفهم وفقآ لسياق مجتمعي معين ليس محليآ فقط آنذاك بل عالميآ أيضآ فيما يتعلق بقضية العبودية والإسترقاق وهي مفاهيم ظلت على حالها حتى بدأت عملية تحرير الرقيق منذ عام ١٨٣٩م في بريطانيا واستمرت تدريجيآ حتى بعيد منتصف القرن العشرين حيث لم تلغي السعودية الرق الا عام ١٩٦٢م وموريتانيا في عام ١٩٨١م .

وبالتالي فان الشرع تعامل بتجريدية نسبية مع أحد المظاهر المجتمعية لعلمه وادراكه جل في علاه أن القصور المعرفي والمحدودية الإدراكية البشرية لا يمكن أن تقبل بحرية ومساواة واخاء بمفاهيمنا الحالية في تلك الأزمنة وأن مآل الأمر الى حروب ونزاعات ستدفع بقضايا التوحيد والإيمان الى الهامش في ظل نزاعات دنيوية وهو بالفعل ما حدث حتى بعد مرور أكثر من ألف ومائتي عام حينما اندلعت الحرب الاهلية الامريكية بسبب الرغبة في تحرير العبيد واستمرت الحرب ما بين ١٨٦١م الى ١٨٦٥م ، وهو ما يثبت أن العقلية البشرية تظل بحاجة الى التعاطي التدريجي معها خاصة في قضايا اجتماعية ظلت حبيسة ممارسة دهرية عتيقة ومنها قضية ميراث المرأة مثلآ .

وبالتالي فإن الأحكام الشرعية تظل وسائل لغايات أسمى ، قدرها الله لنا لسعادتنا في دنيانا وآخرتنا ، وليست أهدافآ في حد ذاتها لأن الإنسان هو المقصود ، وإنسان اليوم ليس هو إنسان الأمس ولا الغد ، فمع تطور الفكر الإنساني وواقعه المعاش وتحدياته يجب أن تكون الوسائل متناسقة وملبية لطموحات المجتمع الفاضل وملبية للمراد الإلهي فيه لأن الدين لكل زمان ومكان .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج