الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التراث في خدمة الإنسانية

أشرف عبدالله الضباعين
كاتب وروائي أردني

(Ashraf Dabain)

2022 / 2 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


التراث (Heritage) بشكل عام هو ما ورثناه من الأجداد والآباء من أشياء ملموسة كالبيوت والمعابد والمعالم والملابس والمنتجات والعقائد والعلوم والآداب والفنون المكتوبة أو المرسومة أو المنقوشة أو المعبر عنها بشكل ملموس...إلخ، كذلك مثيلاتها غير الملموسة مثل العادات والتقاليد والقيم والعلوم والآداب الشفهية والفنون غير المكتوبة -كالرقص مثلا- والفكر والعقائد المتناقلة شفهيًا وغيرها. ويُعرف التراث أيضًا بأنه حضور الماضي الذي انتهى، وقد نعرفه أيضاً بأنه إنتاج ملموس أو غير ملموس خلال فترة زمنية في الماضي وتفصلها عن وقتنا الحاضر مسافة زمنية تشكلت خلالها هوة حضارية وتغير كبير.
والتراث الإنساني (Human Heritage) هو كل جهد أو عمل أو فكر...إلخ، قام به البشر منذ بداية الخليقة حتى الآن، وعندما نقول "كل" فهذا يشمل كل شيء من ابتداع البشر. أما التراث الثقافي (Cultural Heritage) فهو ما خلفه البشر من أعمال ملموسة والمصنفة تحت بند آثار وأيضًا أعمال غير ملموسة مثل العادات والتقاليد والقيم وما يندرج تحتها من أشياء غير مكتوبة. إذا كلا التعريفين (التراث الإنساني والتراث الثقافي) يصلحان في الإشارة لجهد البشر عبر العصور وكلاهما يضمان في مفهومهما مفاهيم أقل شمولية مثل الحضارة والمدنية والفكر ...إلخ.
بناءً على ما سبق يمكن أن نقول أن التراث يقدم لنا أسلوب حياة، لكن هل يصلح التراث للحياة؟ هنا يبرز الفرق بين مصطلحين فكريين
(إعادة إحياء التراث Heritage Revival)* و(عيش التراث)، فالفكر الحديث يبحث عن طرق لإعادة إحياء التراث، فالعالم يتطور ويتقدم، فلا يمكن العودة للماضي إلا لإبراز تقدم البشر ولإظهار كيف عاش الأجداد، لذا فهو يصلح ليكون عبرة ونصيحة ودروس مستفادة ومتراكمة يُبنى عليها بشكل عام، فالتراث قد لا يكون في أجزاء كبيرة منه صالحًا لزماننا هذا أو في المستقبل لأن بعض التراث أصبح مع الزمن غير صالح و/ أو غير مقبول، فعلى سبيل المثال لا الحصر كان شراء العبد من التراث في الحضارات السابقة أما اليوم فهو أمر مرفوض وضد الإنسانية. ثم أن التراث يُعبر عن هوية الأمم، وحقوقها ووجودها وانتمائها، لذا فالتراث مهم للشعوب الأصلية (Indigenous Peoples) وهو أحد أركان الترافع أمام محكمة العدل الدولية والمحاكم الأخرى فيما يتعلق بحقوق الشعوب الواقعة تحت الإحتلال/ الأراضي المحتلة
(Occupied Lands).
يندرج تحت مصطلح إعادة إحياء التراث بند مهم وهو توثيق هذا التراث وحفظه وأرشفته ونقله للأجيال القادمة، وهناك منظمات ومؤسسات دولية وإقليمية تعمل ضمن هذا الإختصاص، ناهيك أن تقديم وتسويق وترويج أي موقع أثري سياحيًا أصبح يتضمن في جزئية كبيرة منه عمليات إعادة إحياء التراث للمكان من خلال ما يسمى إعادة بناء قصة المكان (The story of the site) والتي غالبًا يبنى جزء كبير منها من خلال المعثورات واللقى الأثرية، والرواية التاريخية ( (Historical Story وقد يتم أيضًا إدخال قصة مكان موقع شبيه، أو حتى عناصر مشوقة للقصة لا تستند لوقائع ملموسة الهدف منها التأثير في الزائر.
بدأ الاهتمام "بعلم التراث" منذ ما يزيد عن القرن بقليل ثم تطور الاهتمام بها كمادة للدراسة والبحث، لكن كان اهتمام البشر بما ورثوه من أجدادهم مستمر منذ عصور ضاربة في عمق التاريخ.
السؤال الذي يطرح نفسه: ما الفرق بين كلمة التراث والآثار؟ لعل هذين المصطلحين يجعلان الأمر مربكاً للبعض! فما هي التسمية الصحيحة؟ واذا كانا مختلفين فما تعريف الآثار وما تعريف التراث؟
في قانون الآثار الأردني رقم 21 لسنة 1988 وتعديلاته في القانون المعدل رقم 23 لسنة 2004 الآثار هي المواد التي تعود لسنة 1750 وما قبل، بالتالي يُفهم بأن التراث هو ما يعود بعد ذلك، وعرفت المادة الثانية من قانون حماية التراث العمراني والحضري لسنة 2005 الموقع التراثي: "الموقع التراثي المبنى أو الموقع ذو القيمة التراثية من حيث نمط البناء أو علاقته بشخصيات تاريخية أو بأحداث وطنية أو قومية أو دينية هامة وأُقيم بعد سنة 1750 ميلادية بما لا يتعارض مع قانون الآثار النافذ المفعول رقم (21) لسنة 1988 وفقا لأحكام هذا القانون ويشمل ذلك ما يلي : المبنى التراثي: المنشآت والمفردات المعمارية ذات الخواص المعمارية أو التاريخية أو الثقافية التي تحكي أحداثا معينة، الموقع الحضري: النسيج العمراني والساحات العامة والمجاورات السكنية وتنسيق المواقع التي تمثل القيم الثابتة التي بنيت عليها ثقافة السكان". فإذا كانت الآثار تقع ضمن ولاية دائرة الآثار العامة، والتراث العمراني والحضري (Urban and Urban Heritage) أو (Cultural Urban Heritage) أو (Heritage Urbanism)** يقع ضمن ولاية اللجنة الوطنية لحماية التراث العمراني والحضري، فإن التراث غير المادي (Intangible Cultural Heritage) يقع ضمن ولاية وزارة الثقافة الأردنية.
وهذه الخصوصية الأردنية قد تكون سبب في فصل الآثار عن التراث، وقد يكون لها مبرراتها، لكن قوانين الآثار العربية الأخرى لم تفصل بين الآثار والتراث. وإذا كانت المؤسسات والمنظمات الدولية تعتبر التراث الثقافي والآثار متكاملان ويأخذان معًا نفس المفهوم، فإن المطلوب هو إعادة تموضع المفاهيم المحلية ضمن المفاهيم العالمية، وهنا أُعبر عن وجهة نظر شخصية.
ومن هنا لا بد لنا من أن نعرج سريعًا لأنواع التراث:
كلمة تراث حسب معجم المعاني الجامع هي الإراث وجذرها الفعل الثلاثي تَرَثَ، فمن ترك تُراثًا، تَرَكَ إرثًا ينتقل من جيل إلى جيلٍ، ويقال: وَرَثَ يَرِثُ وِرثَةً أو إرثًا أو تُراثًا.
أما اِصطلاحًا، فالتراث هو مجموعة من الموروثات التي تم نقلها من الجيل السابق أي جيل الآباء والأجداد إلى الجيل الحالي كما سبق وذكرنا.
يقسم التراث إلى عدة مجالات حسب النوع والمضمون وهي:
1- من الناحية الدينية هناك تراث ديني (Religious Heritage) فنقول على سبيل المثال تراث إسلامي ليشير إلى الموروث الإسلامي، وتراث مسيحي ليشير إلى الموروث المسيحي... إلخ، فلكل دين تراثه، والتراث في الأديان منه ما هو منقول شفاهة، ومنه ما هو مكتوب. ثم هناك أكثر تخصصية كلما دخلنا في العمق، فمثلا التراث الديني المسيحي يقسم إلى تراث مسيحي شرقي وتراث مسيحي غربي، والتراث المسيحي الشرقي يقسم بدوره إلى تراث شرقي بيزنطي أي تراث الروم، وتراث سيرياني، وتراث قبطي، وتراث أرمني... الخ.
2- التراث الطبيعي (Natural Heritage) وهو ما عالجته اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، والتي أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة في دورته السابعة عشرة في باريس في 16 تشرين ثاني/ نوفمبر عام 1972م وسنأتي على ذكرها في مقالٍ لاحق.
3- التراث الثقافي (Cultural Heritage) وهو تراث الأمم المادي والمعنوي ( الملموس وغير الملموس) وقد يسمى أيضًا بالتراث الحضاري، ومن ضمن التراث الثقافي تراث أكثر خصوصية يسمى بالتراث القومي أو الوطني ((National Heritage، كأن نقول تراث عربي أو تراث كردي أو تراث فارسي أو تراث تركي أو تراث أمازيغي وهكذا، والتراث الثقافي غالبًا ممزوج بالتراث اللغوي ( Linguistic Heritage) وغيرها من أنواع التراث المتخصص التي تندرج تحت هذا النوع.
4- التراث الخليط وقد يكون تراث مكون من عدة أنواع من التراث، كأن نقول أن التراث المغربي تراث خليط بين التراث الأمازيغي والتراث العربي والتراث الإسلامي ومتأثر أيضًا بالتراث الفرنسي، وهناك تراث أوسع مناطقيًا.
5- تراث من حيث أسلوب النقل أو التراث الشفهي والتراث المكتوب، فنقول أن بعض التراث تراث منقول شفهيًا وبعضه الآخر تراث مكتوب، بعضه ملموس كأن نقول آثار وبعضه غير ملموس لا مادي مثل العادات الشعبية.
6- التراث العلمي (Scientific Heritage) من حيث التعاطي مع العلوم والأبحاث، فلكل مدرسة علمية في تخصص ما تراثها وأسلوبها.
7- التراث المحلي (local heritage) وقد يسمى أيضًا بالإرث الوطني، والتراث القومي أو التراث العام كما أوردنا سابقًا.
—————————-
*إعادة إحياءُ التُّراث: يهدف هذا الموضوع إلى استحضار نوع أو أكثر من التراث ونشره وقد يكون السبب مثلا اتّخاذه مثالاً رفيعًا أو أنموذجًا يمثل الماضي، ويُعَدّ إعادة إحياء التراث مظهرًا من مظاهر النَّهضة في القرن التّاسع عشر، ويلتصق إعادة إحياء التراث بعلم يسمى علم تحقيق التراث وهو علم يبحث فيما تركه السَّلف مكتوبًا وإعادة نشره بشكل واضح ومنظَّم وموثَّق.
**من ترجمة الكاتب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم