الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الشر لدى غوتفريد لايبنتز

هيبت بافي حلبجة

2022 / 2 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدنا ماري بيكر في إشكالية الشر ، وقبل أن ننتقد ماهية الشر في المعتقد الإسلامي ، نود أن ننتقد مفهوم الشر لدى الفيلسوف الألماني لايبنتز .
المقدمة الأولى : لقد أصل لايبنتز منظومته الفكرية الفلسفية على قاعدة مؤتلفة من أربعة إطروحات ، تتضافر وتتعاشق وتتكامل ، الأولى تتعلق بوجود الإله ، الثانية تتعلق بأساس اللاهوت ، الثالثة تتعلق ببنية الكون ، الرابعة تتعلق بالعلاقة مابين ذلك الإله وبنية الكون ، أي كيف يتدخل الإله في موضوع تقرير وتحديد سلوك تلك البنية ومصيرها وعلاقة أجزائها فيما بينهم .
الإطروحة الأولى : رغم إنه لايدرك حقيقة رؤيته هذه ، يقرر لايبنتز إن ثمة إله هو الإله ، هو ماهو ، أي ينطلق من موضوع الإله نفسه دون أن يربط ذلك بإشكالية أخرى ، فماذا يعني هذا التصور ، سيما في علاقة هذه الإطروحة بمنظومته الفكرية . فمن جانب هو ينطلق من مفهوم الإله ، من التصور الإلهي ، كإنه مسلمة أكسيوم بدهية ، كإن لايبنتز يعرفه معرفة حقة ، معرفة يقينية . ومن جانب هو ينفي عنه مسبقاٌ دون دراية ، دون إدراك خواصه الإشكالية ، كل مايمكن أن يربك العلاقة البشرية بهذا الإله ، فهو لايهتم بماذا ، ولاكيف ، ولامتى ، لإنه يعرفه كما هو هو ، أو بالأدق بما إنه هو ، هو هو . ومن جانب ثالث ندرك ، الآن بوضوح ، مفهوم لايبنتز عن الخلق ، فهذا الإله قد خلق الكون هكذا ، ولهذا السبب نلتزم مع لايبنتز بمفردة الكون دون سواها ، لإن ، في النهاية ثمة الإله والكون حيث الأول خالق والثاني مخلوق .
الإطروحة الثانية : من خلال الإطروحة الأولى يمكننا ان نستشف ونستشرف إن اللاهوت المرتبط بهذا الإله هو مصدر فهمنا لهذا الكون ، أي إن لايبنتز يؤصل درجة المعرفة لدينا ، ليس على أساسها العلمي الجدلي والبحثي ، أو على مضمونها الذاتي والمستقل ، إنما على أساس هذا اللاهوت الإلهي ، لإنه كان يرفض بالمطلق فكرة حلول القواعد العلمية محل فكرة هذا الإله ، وهكذ ، حسبه ، يكون الإله ضرورة ، ضرورة مطلقة ، لكل القواعد والقوانين العلمية . وهذا يفضي بنا إلى نتائج عديدة لكنها خارج سياق موضوعنا الحالي .
الإطروحة الثالثة : ومن خلال الإطروحتين السابقتين يتجلى المدلول الفعلي لمفهوم بنية هذا الكون ، إذ يؤكد لايبنتز إن الإله قد خلق الكون على شكل وحدات صغيرة جدا ، وحدات كونية يسميها المونادا ، وهنا ينبغي أن ندرك الأمور التالية : الأمر الأول إنه يؤكد إن الإله قد خلق الكون عبر عدد مأهول من المونادات دون أن يدرك حقيقة التمايز مابين مفهومين ، الأول هو خلقه للمونادا التي شكلت في تآلفها وإئتلافها كوننا هذا ، والثاني هو خلقه للكون من وحدات صغيرة هي المونادا . الأمر الثاني ينبغي ألا نخلط مابين تناهي المونادا في الصغر ومابين الذرات ، فلاعلاقة مابينهما ، ولاتخاطر ولاتماثل ، فإذا كان الكون مؤتلفاٌ من الذرات فإن المونادا هي التي تضفي على الذرات وعلى الأشجار والنباتات وعلى الحيوانات وعلى الإنسان وعلى السماء معناها الفعلي الأصيل والأصلي . الأمر الثالث إن الكون برمته مؤتلف من المونادا ، الإنسان والحيوان والنبات والجماد ، إذا كل مانراه من الأشياء مكون من المونادا . الأمر الرابع رغم إن هذه المونادات متماثلة ومتضاهية فإنها منفصلة ومستقلة ، ويشبه لايبنتز الأمر بوجود عدد رهيب من الساعات ، فإنها لا تتداخل فيما بينها ، كما لا تؤثر على بعضها البعض ، لكنها عند تمام الساعة ، السابعة مثلاٌ ، فإنها جميعها تدق في ذات الثانية .
الإطروحة الرابعة : يرفض لايبنتز فكرتين جوهريتين ، الأولى مفهوم العلل العرضية ، والتأثير المتبادل سواء مابين الأشياء وسواء مابين هذه الوحدات الكونية ، المونادات . الثانية مفهوم إن الإله يتدخل في شؤونها في كل لحظة . لذلك إعتقد إن الإله قد أودع في تلك الوحدات الكونية برنامجها الخاص بها ، برنامج يحدد سلوكها ، يعين خواصها ، يمنحها كينونتها الأصلية ، أي إن كل مونادا تتصرف تماماٌ وتطابقاٌ مع ما أوحى إليها الإله منذ الأزل ، وهذا هو جوهر فرضية الإرتساق المسبق المودع في كل وحدة كونية .
المقدمة الثانية : في موضوع نظرية المعرفة لديه ، ينسجم مع إطروحاته الأصيلة ، فطالما إن ثمت إله ، هو ماهو ، وإنه قد خلق الكون من مونادات ، نظام وحدة الوجود الأولية ، أو قد خلق المونادات لتؤتلف الكون ، ولقد أودع فيها بما تعرف بفرضية الإنسجام المسبق أو قانون الإنسجام المسبق ، فإنه وفي خصوص نظرية المعرفة البشرية ، لم يجار ديكارت العقلاني ، ولم يساير جون لوك الحسي ، إنما تمايز عنهما معاٌ : ليؤكد إن الإله قد أودع في الفكر البشري مايجعله يدرك القضايا والأمور كما ينبغي لكن هي لاتظهر كما من المفروض أن تكون إلا بشرط التجربة ، فبها تتجلى كافة تلك الأفكار والإطروحات والتصورات المغروسة في الفكر البشري .
والآن ، وعلى ضوء ما تقدم ، يمكننا أن ندرك بصورة أدق مفهوم الشر لديه وكيف عالج إطروحاته الفعلية بصدد العلاقة مابين الإله الخير والصالح بالمطلق ومابين الشر كمحتوى منقوص وناقص .
المقدمة الثالثة : كما إعتقد بوجود الإله هناك ، يعتقد بحدوث الشر وبوجود الشر ، ويرى إن حدوث الشر و وجوده يتعارضان من حيث الفهم الأولي البسيط مع منطق هذا الإله الذي هو بالضرورة ، كامل الخير ، مطلق القدرة ، كلي العلم ، كمال الرحمة ، تام الإدراك مابين السبب والنتيجة ، فكيف ، وهذا هو السؤال المحوري ، كيف خلق هذا الإله الشر ، وكيف يسمح بحدوثه ، وكيف يسمح بماهو ناقص أن يطعن في كماله .
لكي ندرك كيف صاغ لايبنتز إطروحته في هذا الشأن ، دعونا نرى في البداية ، ماهي أنواع الشر لديه . يقسم لايبنتز الشر إلى ثلاثة أنواع : الشر الأخلاقي ، الشر المادي ، الشر الميتافيزيقي .
الشر الأخلاقي : هو الشر الذي يحدثه الإنسان ، ويرتكبه في حدود الأذى للآخرين ، من قتل وإغتصاب وإعتداء وسرقة ، وشهادة الزور وإستلاء على الممتلكات والحرمان من العيش بكرامة وإضطهاد وظلم وجور . يقترفه الشخص في حدود الإرادة ، وفي حدود النفس ، في حدود النفوذ والسلطة والقوة ، ويصادر بذلك المعنى والمفهوم الحقيقيين للحياة لدى الآخرين . وربما هذا النوع من الشر هو الذي يختزل موضوعات الجريمة في إشكالية التاريخ البشري .
الشر المادي : وهو الشر الذي ينتج ، من حيث الأصل ، من عوامل الطبيعة ، الزلازل الفيضانات الكوارث البيئية الأعاصير البراكين . وهنا لامناص من الذكر إن لايبنتز حينما يفارز مابين هذه الأنواع الثلاثة ، فإنه يفارز مابينها من حيث المصدر المسبب وليس من حيث النتيجة ، كما توهم البعض ، فالشخص قد يسبب أضراراٌ مادية لكن نوع الشر هو الشر الأخلاقي ، كما إن الطبيعة قد تقتل هذا وذاك لكن نوع الشر هو الشر المادي .
الشر الميتافيزيقي : وهذا الشر هو المنسوب إليه تاريخياٌ ، ويتلخص في المضمون الآتي : ثمت نوعان من الكينونة ، كينونة تامة كاملة مطلقة كلية ، وكينونة ناقصة . النوع الأول هو الذي لايسمح ، من حيث التأصيل والمبنى ، أن يحدث الشر ، أن يقترف الشر ، تماماٌ ، ومن حيث التشبيه فقط ، إن النور لايمكن أن يسمح بحضور الظلام ، الظلام لايمكن أن يكون في حضور النور . وأما النوع الثاني فهو الذي ليس فقط يسمح بحضور الشر إنما يرتكب الشر . وهنا المفصل الجوهري : إن الشر كما هو ، كما هو لدى لايبنتز ، يتعاشق ويتعانق بالضرورة مع الكائن الذي يمتلك كينونة ليست كاملة ، مامعنى هذا المفصل ، معناه إن الإله كما هو ، هو كامل الكينونة ، والإله كخالق لايمكن إلا أن يكون كلي الكينونة ، وإما ما تبقى فبحكم إنها مخلوقات فإنها بنفس الضرورة ناقصة الكينونة ، محدودة الكينونة ، متناهية الكينونة ، أي هو مصدر الشر .
المقدمة الرابعة : وهنا لابد من تأصيل مفهوم الشر :
الخطوة الأولى : حسب لايبنتز ، هناك الإله وهنالك المخلوقات ، والمخلوقات لايمكن أن تكون تامة وكلية الكينونة ، لإنها لو كانت كذلك ، فستكون بالحتمية إما جزء من الإله وإما إله مستقل وهذا مرفوض من حيث الطابع الوجودي .
الخطوة الثانية : هل يستطيع الإله أن يخلق كائناٌ تام الكينونة ، هل يمتنع ذلك عن الذات الإلهية ، يجيب لايبنتز إن من يخلق ماهو تام الكينونة كإنه يخلق ماهو شبيه به ، مماثل لذاته ، يضاهيه في كل شيء ، أي سيكون مطلق العلم ، كلي القدرة ، كامل الخير ، تام الإدراك في العلاقة مابين السبب والنتيجة ، وهذا مستحيل بطبعه لإنه ، حينها ، نكون إزاء إله جديد .
الخطوة الثالثة : هل بمقدور الإله أن يخلق إلهاٌ ، أي لكي يمكن لهذا الإله أن يخلق كائناٌ كامل الكينونة ، لابد أن يخلق إلهاٌ ، وهذا هو التناقض بعينه ، إذ كيف يمكن أن ينوجد إله مخلوق من قبل إله آخر ، إذ كيف يمكن أن يكون المخلوق بدرجة الخالق ، هذا هو حكم الإستحالة بعينه ، أي نحن في النهاية إزاء خالق ومخلوق ، ولابد للخالق من أن يكون تام الكينونة ولابد أن يكون الآخر منقوص الكينونة لإنه مخلوق . وهكذا نكون إزاء النتيجة النهائية : الإله الخالق هو تام الكينونة فهو تام الخير ، والكائن المخلوق هو ناقص الكينونة فهو ناقص الخير ، فهو مصدر الشر .
نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضنا على النحو التالي :
أولاٌ : في المقام الأول ثمة مغالطة جسيمة تتعلق بموضوع الكينونة التامة والكينونة الناقصة ، فحسبه إن الإله ، هو الكينونة التامة قد خلق مخلوقات هي بالضرورة كينونات ناقصة ، وإن كل كينونة ناقصة هي بالأصالة مصدر الشر . إذن إن الإله قد خلق مصدر الشر ، وهو هنا لايخلق مصدر الشر فقط إنما يرتكب الشر نفسه ، لإن فعله ، وهو الخلق ، ينصب في خلق الشر ذاته . أي إن الكينونة التامة تقترف أيضاٌ الشر ، فالشر ليس متوقفاٌ على الكينونة الناقصة . أي إن الإله الذي خلق الكينونة الناقصة قد إقترف الشر بعينه .
ولتقريب المفهوم للأذهان نأتي بالأية التالية في النص الإلهي : والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها ، والليل إذا يغشاها . والسماء ومابناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها . سورة الشمس 1 – 10 . إن هذا النص الإلهي يؤكد على موضوعة الوجوديا في الأشياء ، وعلى إن الإله قد زرع في النفس فجورها وتقواها ، ومن الواضح والمعلوم إن التقوى لايمكن أن يتحقق ضد تلك الحالات النفسية إلا من خلال العقل ، فإله الكون يلوم ذلك المزارع في ضواحي شنغهاي على عدم إستخدام عقله في تزكية نفسه بينما لايلوم نفسه في عملية خلقه أساس ومصدر الفجور ، فمن يخلق منبت الفجور هو الذي يقترف الشر بعينه ، بل شره أعظم بمليارات المرات من شر ذلك المزارع المسكين الذي قد لايفلح في تزكية نفسه ، سيما وإنه ليس أساس خلق مصدر الفجور في الأنفس ، أي إن الإله يرتكب الحماقات ، الحماقات والشر بعينها ، ويطلب من المزارع البسيط أن يكون حصيفاٌ رصيناٌ .
ثانياٌ : في المقام الثاني ، إن الحديث عن الكينونة الكاملة والكينونة الناقصة هو منطق سخيف وتافه للأسباب التالية :
السبب الأول : إن الكينونة لايمكن أن تتحقق إلا إذا تحققت كما هي ، فهي إما أن توجد أو ألا توجد ، إما أن تكون أو ألا تكون . مثلها مثل الرقم الواحد ، على سبيل المثال ، فالواحد كي يكون لابد أن يكون هو هو . فإذا نقص لم نعد إزاء الرقم واحد ، كنا إزاء صفر فاصلة تسعين ، صفر فاصلة ستين . وإذا زاد لم نعد كذلك إزاء الرقم واحد ، كنا إزاء واحد فاصلة عشرة ، واحد فاصلة ثلاثين .
السبب الثاني : إن الكينونة ليست شيئاٌ مستقلاٌ ، الكينونة مرتبطة بنيوياٌ بالكائنية وكلتاهما مرتبطتان بالذات ، أي لاكينونة بدون كائنية كما لاكائنية بدون كينونة ، ولاذات بدونهما ولاهما بدون ذات . من هنا ينبغي أن تكون الكينونة كما هي ، كما هي ، كي يتحقق الشرط الموضوعي للكائنية ، كي يتحقق الركن الجوهري للذات . فالإنسان كي يكون إنساناٌ لامندوحة من التطابق المطلق للكينونة مع الكائنية ، ومن تطابقهما مع الذات البشرية ، وإلا أحدثنا خللاٌ في مفاهيم عديدة ، مثل مفهوم الأخلاق ، ومضمون المسؤولية وحتى فحوى التسلسل المنطقي وحتى محتوى البراهين .
السبب الثالث : إذا كان الإله ، حسب لايبنتز ، هو الخالق وهو تام الكينونة ، فلايمكن أن يخلق كائناٌ ناقص الكينونة ، إن عندها لن يكون الشيء هو ذات الشيء المقصود في أساس الخلق . مثلها مثل قولنا إن هذا هو مربع الشكل ، ومن المعلوم إن المربع له أربعة أضلاع متعامدة فيما بينها بصورة قائمة بحيث أن تكون زواياها الأربعة قائمة فيما بينها ، فيأتي شخص ويقول هذا مربع ناقص ضلع هنا ، وهذا الزاوية لم تعد قائمة لإن هذا الضلع قد إنحرف نحو الداخل ، فبدون شك هذا لم يكن مربعاٌ من الأصل والأساس .
ثالثاٌ : إن نظرة لايبنتز ، في هذا الخصوص ، تنطلق من محتوى مبدأ الهوية ، هو هو ، هو الأبدي هو ، بغض النظر عن نمو هذا الشيء ، عن حالة التطور لديه ، فالإله هو هناك ، هو هو ، والشخص هو ذاته من يوم التلقيح إلى لحظة الوفاة ، إلى أبد الآبدين ، لذلك فإن لديه كينونة ثابتة وكائنية ثابتة وذات ثابتة ، في حين إن هذه العناصر الثلاثة هي متحركة ، على الأقل ، في خواصها . وهذه الخواص وهذه الكينونة ليست فقط متحركة إنما هي ، حسب حالة النمو والتطور ، قابلة للتغيير .
فالحيوان المنوي يمتلك خواصه وكينونته ، وكذلك البويضة تملك خواصها وكينونتها ، وآن التلقيح تنتج بويضة ملقحة تمتلك هي الأخرى خواصها وكينونتها ، في حين تذوي خواص وكينونة كل من الحيوان المنوي والبويضة الأنثوية . لذلك من المغالطة أن نؤصل مفهوم الشر على أساس الكينونة ، وإذا كان لابد من كل ذلك : فإن إله لايبنتز كما إله الإسلام هو أساس الشر ، هو الذي أقترف كل الشرور والآثام والخطيئة الكبرى . بل إن إله الإسلام هو أكثر شراٌ من إله لايبنتز ، فإذا كان الشيطان هو مصدر الشرور ، كما سنرى في الحلقة القادمة ، فإن خالقه هو أساس كل تلك الشرور ، فالله ، إله الإسلام ، هو يخلق الإشكالية كما في محنة إبليس ، وحين يتصرف إبليس تماماٌ كما ينبغي ، يزعم هذا الإله ، الله ، إن إبليس قد عصى أمره ، فيحوله إلى مصدر الشر ، رغم إن ذلك الأمر خاطىء ومغالط ومعوج ، وإن تصرف إبليس كان قويماٌ صحيحاٌ .
رابعاٌ : في مسألة أنواع الشر ، الشر الأخلاقي ، الشر المادي ، الشر الميتافيزيقي ، وتأصيل محتوى الشر على قاعدة الشر الميتافيزيقي والكينونة الناقصة . ثمة مغالطة بشعة في هذا التأصيل :
فإذا دققنا وتأملنا في الشر المادي ، وهو الشر القادم من الطبيعة ، بتعبيراته هو ، الكوارث الطبيعية ، البراكين ، الزلازل ، الفيضانات ، الإنهيارات الثلجية ، الحرائق الطبيعية ، نرى إن هذه الحيثيات تمارسها الطبيعة بحكم قواعدها وقوانينها وأصولها الفيزيائية وغيرها ، وهي تمارسها وتطبقها لإنها ينبغي أن تكون على تلك الشاكلة وإلا فإن الطبيعة كاذبة غير صادقة ، وهي لايمكن إلا أن تكون صادقة في قوانينها وأصولها ، وهذه ليست له أية علاقة بمفهوم الكينونة الناقصة أو الكينونة الكاملة . بل بالعكس لإت كينونة الطبيعة على تلك الصورة ، هي تمارس ذاتها .
وإذا دققنا وتأملنا في الشر الأخلاقي ، وهو الشر القادم من الإنسان ، من قتل وتدمير وسرقة ونصب وإحتيال وإغتصاب ، وكل أنواع الجريمة ، نرى إن ، ماعدا حالات خاصة ، إن الإنسان يقوم بها بصورة مقصودة ومتعمدة وهو يدرك تماماٌ بما يقوم به ، هو يقوم بها ليس لإته كامل الكينونة أو ناقص الكينونة ، إنما لإنه يريد إرادة أن يقترف هذا الشر ويمارسها بكامل كينونته .
خامساٌ : وفي المقام الأخير ، إن إله الكون سواء هو كامل الكينونة أم ناقصها ، لايستطيع أن يخلق من هو ناقص الكينونة أو من هو كامل الكينونة ، بل هو لايستطيع أن يخلق أي كان ، لإن مجرد أن يخلق كائناٌ من كان فهو ناقص الكينونة ، فهو ناقص في ذاته ، فالخلق يوازي ويماثل النقص في الأس والأساس .
فإذا وجد إله ، حسب فكرة الأديان ولايبنتز ، وللجدل ، فإنه لايستطيع أن يخلق أي شيء ، أو أن يقوم بأي شيء ، أو أن يتصرف ضمن أي شيء ، هو إله مائت ، إله جامد تماماٌ ، إله جاف بالمطلق ، إله لاكينونة له ، ولاكائنية له ، ولاذات له .
زد على ذلك ، هو لايستطيع أن ينتحر كما ينتحر الإنسان ، لايستطيع أن يتزوج كما يتزوج الإنسان ، لايستطيع أن يضحك أن يبكي أن يأكل ويشرب كما يفعل الإنسان . هو لايستطيع أن يقوم بأي شيء على الإطلاق . فهو ليس هو ، فهو معدوم ، فهو السلب المطلق . وإلى اللقاء في الحلقة الثانية والعشرين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مخاوف من استخدامه كـ-سلاح حرب-.. أول كلب آلي في العالم ينفث


.. تراجع شعبية حماس لدى سكان غزة والضفة الغربية.. صحيفة فايننشا




.. نشاط دبلوماسي مصري مكثف في ظل تراجع الدور القطري في الوساطة


.. كيف يمكن توصيف واقع جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة؟




.. زيلنسكي يشكر أمير دولة قطر على الوساطة الناجحة بين روسيا وأو