الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطاهر حداد: المفكر المظلوم

العفيفي فيصل

2022 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير يسأل كيف تمكنت تونس نسبياً من تخطي الفكر الرجعي والتقدم في مجال حقوق الإنسان وخاصة المرأة مقارنة بباقي الدول العربية، الجواب ببساطة وجود علماء ومفكرين ألفوا أبحاثاً وكتباً كان لها الأثر في هذا المجال ولو بعد حين، من أبرزهم الطاهر حداد، خريج جامعة الزيتونة، ورغم تكوينه الشرعي وخاصة في علوم الفقه إلا أنه لم يكن رجعياً مقلداً للأولين بل سعى إلى كشف مناط الأحكام فيها، ناقدا شرساً للفقه الذكوري التقليدي السائد، مستشهدا بآيات الذكر الحكيم والأحاديث النبوية التي تأمر بالعدل والتكامل بين الرجل والمرأة، وقد اهتم بدراسة النصوص الدينية التي توحي إلى أفضلية الرجل وهيمنته على المرأة، منطلقاً من مبدأ التمييز بين العقائد الثابتة والشرائع المتغيرة ديناميكيا بتغير البيئة والواقع. يرتكز الطاهر حداد على قاعدة التطور الفكري التدريجي للإنسان، وأن الإسلام بنصوصه الدينية جاء مسايراً لهذا التطور من دون حرق أية مرحلة، ضرب أمثلة عديدة، مثل ظاهرة العبودية التي كانت موجودة اجتماعيا ولكن الإسلام ضيّق من نطاقها ونفّر المسلمين منها، ظاهرة تعدد الزوجات التي كانت مفتوحة في الجاهلية ولكن الإسلام حددها وقيّدها، ظاهرة عدم حق المرأة في الميراث قبل الإسلام بل هي نفسها كانت تعتبر جزءا من التركة، فمنحها الإسلام الحق في الميراث، عدم حق المرأة في الشهادة حتى جاء الإسلام وأعطاها هذا الحق ...الخ، فهذه التشريعات في تلك الحقبة تعتبر قفزة نوعية في تحقيق حقوق المرأة، ولكن غاية الشرع ليست في ذاتها لأنها بداية إيجابية وليست نهائية، والأصل المواصلة في تحسين التشريعات مع تقدم الزمن بما يحقق مقاصد الدين الكلية والتي على رأسها تحقيق العدل. من هذا المنطلق طالب الطاهر حداد وبشدة وجوب تعليم المرأة، منحها الحق في العمل وتولي مختلف المسؤوليات على أساس الكفاءة، إعادة النظر في مسألة الميراث بحكم تغير الواقع إذ صارت المرأة تماماً كالرجل ذات قوامة ونفقة، إعادة النظر في مسألة تزويج البنات القاصرات، جعل التراضي بين الزوجين ركناً أساسياً مع أهلية المرأة، رفضه للطلاق اللفظي في ظل زمن التوثيق وجعله قضائياً لضمان الحقوق .... الخ. كعادة كل من يغرد خارج الصندوق، تعرض هذا الطاهر حداد لظلم واضطهاد شديد بسبب أفكاره وخاصة بعد إصدار كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" سنة 1930، حيث تم فصله من العمل ومن نشاطاته الحزبية وكذلك تم استبعاد قلمه من الصحافة، كما قام رجال الدين بتكفيره من على المنابر وفي الكتب والمقالات عبر الجرائد، وبتهييج الناس عليه باعتباره عدواً للإسلام، ما جعل حياته صعبة، فصار معتزلاً في بيته لحوالي خمس سنوات حتى وافته المنية وهو في منتصف الثلاثينيات من العمر. بعد مرور سنوات من وفاته، صارت أعمال هذا المفكر من أهم المراجع الفكرية التي تساهم في تحسين الوضع الاجتماعي التونسي، وقد اعتمد عليها الرئيس بورقيبة في اصلاحاته، والآن لا يمكن لأي باحث أكاديمي مهتم بشأن المرأة في الشريعة والحداثة أن يتجاوز أعماله ولا يطالعها، لقد صار هذا الرجل المظلوم في زمانه الآن أيقونة في تونس (الكثير من المعاهد والمكتبات والشوارع تحمل اسمه)، الشاهد أن عدم قبول الأفكار اليوم ومقاومتها لا يعني بالضرورة أنها خاطئة، فما هو مرفوض اليوم قد يُقبل مستقبلا لأن بنية الفكر الاجتماعي تتغير باستمرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية من قوات الاحتلال


.. لايوجد دين بلا أساطير




.. تفاصيل أكثر حول أعمال العنف التي اتسمت بالطائفية في قرية الف


.. سوناك يطالب بحماية الطلاب اليهود من الاحتجاجات المؤيدة للفلس




.. مستوطنون يقتحمون بلدة كفل حارس شمال سلفيت بالضفة الغربية