الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تكون كاتبا مؤثرا؟

الطيب طهوري

2022 / 2 / 3
المجتمع المدني


العنوان سؤال طرحته الكاتبة الجزائرية المقيمة في واشنطن سهيلة بورزق على مجموعة من الكتاب العرب في ندوة افتراضية،كان من المفترض ان اكون من المشاركين فيها ، لكن الكورونا اللعينة التي زارتني وكل عائلتي منعتني من تلك المشاركة.. كيف تكون كاتبا مؤثرا؟..
من المقصود بالكاتب هنا؟..هل هو المبدع أدبيا؟..هل هو كل من يمارس الكتابة في الشأن العام أديبا كان أو سياسيا او عالم اجتماع أو عالم اقتصاد أو رجل دين أو عالما نفسيا..أوفيلسوفا..إلخ..
في تصوري، كل الذين ذكرتهم وغيرهم يندرجون ضمن المقصود بالكاتب.. ما المقصود بمؤثر؟.. التأثير في المتلقين نوعان: تاثير سلبي وتأثير إيجابي.. لكن، ماذا تعني بالتأثير قبل ذلك؟ وفيماذا يبدو أساسا؟ في تصوري دائما، التاثير هو إحداث تغيير ما في الفرد أو المجتمع ، سلبيا كان ذلك التأثير أو إيجابيا..تأثير عقلي أو مشاعري أو جمالي..
يبدو هذا التأثير أساسا في جوانب ثلاثة ، كما ذكرت:
- تشكيل وعي الناس بما يجعلهم أكثر قدرة على فهم الحياة وأكثر قدرة أيضا على التنظيم والنضال من أجل ما هو أحسن اجتماعيا ..
- أنسنتهم مشاعريا بما يجعلهم يحبون بعضهم بعضا ويقبلون التعايش مع بعضهم مهما اختلفوا..
- بناء مخيلاتهم بما يجعل حياتهم أكثر اتساعا وجمالا..
هذه الجوانب الثلاثة هي ما يشكل ما نعتبره تأثيرا إيجابيا، سواء على ذات الفرد أو الذات الجماعية.. نقيض ذلك هو ما نعتبره تأثيرا سلبيا..حين يجعل الكاتب من كتاباته وسيلة لتزييف وعي الناس، حيث يقف مع القوى التي ترفض التغيير الإيجابي للمجتمع في مختلف بنياته، ويتبنى الدفاع عن نظم الحكم المستبدة الفاسدة التي تحرص على توجيه انظار الناس نحو ماهو هامشي أو مزيف من القضايا،بدل توجيههم نحو ماهو أساسي، وينظر، من منطلق ذلك إلى الشعب الذي يعيش بين أفراده على انه شعب قاصر، لم يصل بعد إلى المرحلة التي تسمح له بحكم نفسه بنفسه..ويحتقره.. وهذا ما يتميزبه، عموما ما يعرفون بمثقفي اللسلطة..أو يعمل على دفع الناس إلى رفض المختلف عما هو سائد بينهم فكرا وإبداعا، وجعلهم، من ثمة، يناصبون العداء كل كتاب المختلف، ويرفضون الفكر النقدي..إلخ..هذا في الجانب الذهني..
في الجانب المشاعري يعمل الكاتب المؤثر سلبيا على جعل الناس في مجتمعه يكرهون الآخر المختلف فكرا أو عرقا أو معتقدا أو لونا ،ويتعصبون لفكرهم الأحادي أو عرقهم أو معتقدهم أو لونهم..في الجانب الجمالي يغلق عليهم أبواب الاطلاع على فكر وإبداع الاخرين المختلفين في مجتمعه او في المجتمعات الاخرى، ومن ثمة يقلص كثيرا من حياتهم، حيث تصير حياة ضيقة لا تتجاوز حدود حياتهم القطيعية المشتركة، ويبدو هذا أكثر عند الكتاب الدينيين..
الكتاب الدينيون وكتاب السلطة عموما هم من يهيمنون، بشكل أو بآخر، على ذهنيات الناس ومشاعرهم ومخيلاتهم..ووسائلهما الأساسية في مواصلة تلك الهيمنة هما المساجد التي تعد بالآلاف في كل دولة عربية ،ووسائل الإعلام المرئية، إلى جانب المنطومات التربوية المؤدلجة التي تكوِّن الفرد المؤمن بدل بناء الفرد المواطن..
هذا التاثير السلبي ، للأسف الشديد، هوما نراه مهيمنا في عالمنا الموصوف بالعربي..ومن هنا كنت أحبذ ان يكون عنوان الندوة: كيف تكون كاتب مؤثرا إيجابيا؟
هنا اطرح السؤالين الضروريين:
- ماذا يجب ان يتوفر في الكاتب ليكون مؤثرا إيجابيا؟ - ماذا يجب أن يتوفر في المجتمع حتى تكون علاقته بالكتاب إيجابية؟ ولنبدأ بالكاتب..الكتاب نوعان: كاتب مبدع وكاتب دراس وباحث ومحلل.. بالنسبة للكاتب المبدع، لابد أن تتوفر فيه هذه الشروط الأساسية:
- أن يكون صادقا مؤمنا بما يتبناه ويعبر عنه من قضايا ومواقف وتصورات..
- أن يكون ذا ثقافة واسعة في مختلف جوانب الحياة والمعرفة ، حتى يستطيع التعبيربعمق عما يتناوله في كتاباته..
- أن يكون متحكما في لغته التعبيرية، ملما بأسرارها ويمتلك القدرة على توظيفها بما يجعلها لغة موحية مؤثرة.. بالنسبة للكاتب الدارس، الباحث والمحلل لابد ان يتميز ب:
- أن يكون متمكنا في تخصصه،ذا ثقافة واسعة في مختلف جوانب المعرفة والحياة، مثله مثل الكاتب المبدع..
- أن يكون موضوعيا في تناوله الموضوع الذي يتناوله،عقلاني الطرح..
- أن يكون على دراية واسعة بمختلف المصطلحات التي يوظفها والنظريات التي ينطلق منها في تناوله موضوعه..
- أن لا يسمح للإيديولوجية التي يتبناها ان تغطي على الحقائق التي يتوصل إليها..والآن، ماذا يجب أن يتوفر في المجتمع حتى تكون علاقته بالكتاب إيجابية؟ عندما نتأمل المجتمعات القارئة والمجتمعات التي بينها وقراءة الكتاب مسافة شاسعة ونقارن بينهما، ندرك ماذا يجب ان يتوفر في المجتمع حتى يكون مجتمعا قارئا، يتأثر إيجابيا بما يقرأ.. للأسف، المتأمل في عالمنا الموصوف بالعربي يجد أن مجتمعه محدود العلاقة بالكتاب..نسبة المقروئية فيه ضعيفة جدا جدا، مقارنة بالمجتمعات الغربية مثلا...السؤال الذي يواجهنا هنا: لماذا مجتمعنا الموصوف بالعربي لا يقرأ في عمومه؟..القراءة الفردية موجودة،بالتأكيد، لكنها لم تصل إلى أن تكون ظاهرة اجتماعية..
حين نقارن بين سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي واليوم نجد ان المجتمع العربي كان مجتمع قراءة (نسبيا) بينما صار الآن عكس ذلك تماما ، رغم اتساع دائرة التعليم وكثرة الجامعات ودور النشر..لماذا؟ كان الكتاب مدعما..لم تكن هناك انترنات..مختلف الكتب والمجلات الناطقة بالعربية والفرنسية كانت تملأ رفوف مكتباتنا ( أتحدث هنا عن بلدي الجزائر)..كانت هناك شركة توزيع عمومية للكتاب..ويمكن القول ،ولو باحتشام، أن السلطة كانت لها سياسة ثقافية ترى في الثقافة عموما ضرورة لابد منها ولابد من الاهتمام بها( نتذكر في هذا الإطار ما كان يسمى بالثورة الثقافية على غرار الثورتين اصناعية والزراعية)..لم يكن المجتمع متدينا بالكيفية التي نراه عليها الان..
فماذا حدث، يا ترى، حتى صار الكتاب آخر ما يفكر فيه الناس في بلادنا؟..
لنكن صرحاء..في تلك المرحلة كان هناك أمل يدفع بالناس إلى التعلق بالمستقبل والعمل على بنائه، رغم الأحادية الحزبية والإيديولوجية الاشتراكية التي كانت مهيمنة..لكن المؤكد أن تلك الأحادية وتلك الإيديولوجية كانتا تحملان فيهما بذور فنائهما..الريعية اقتصادا والأحادية السياسية والفكرية التي راحت تضيق أكثر عليها وتمنع الرأي المخالف كفكر نقدي من التواجد كان لابد أن توصل إلى ما كان بعدها..إلى نقيضها، ولو شكليا، حيث الذين كانوا سادة تلك المرحلة هم الذين صاروا سادة المرحلة الجديدة، مرحلة اقتصاد السوق والتعددية السياسية المظهرية الشكلية..في المرحلة الجديدة رأينا انتشارا واسعا لما سمي بالصحوة الدينية..صار المجتمع أكثر تدينا وأكثر ماضوية..تحجبت المرأة بشكل لا حدود له..انتشرت ثقافة الاستهلاك المفرطة..انتشر التعصب الديني الذي عادى كل فكر مخالف..تم التخلي عن سياسة دعم الكتاب..سيطرت ثقافة المهرجانات على حساب ثقافة بناء الوعي..تأدلجت المنظومة التربوية..هيمن رجل الدين على ذهنيات ومشاعر الناس الذين صار مستقبلهم في ماضيهم ( الريع الفكري)..صارت جمل: قال فلان..روي عن فلان..جاء في قول فلان..إلخ، هي جمل الخطاب المسجدي وغير المسجدي..وغابت جمل: يقول العقل..حسب رأيي..يحيل ما يحدث في الواقع إلى..إلخ ..
ارتفع سعر الكتاب مقابل تدهور كبير للقدرة الشرائية..انتشرت الانترنات..عمت الدروس الخصوصية كل المستويات التعليمية، من الابتدائي حتى الجامعي..
والتلميذ الذي لا يرتبط بالكتاب تعلقا به وقراءة له،حيث يصير جزء أساسيا من حياته، لن يصير قارئا حين يخرج من التعليم ويتوجه إلى الحياة العملية..انتشار الدروس الخصوصية قضى على كل علاقة للناس بالكتاب..
عم الفساد أيضا وبرزت بشكل كبير عقلية الحوص في ارتباط وثيق بانهيار قيم المجتمع الإيجابية،قيم العمل والعلم والأمانة والنزاهة لتحل مكانها قيم النهب والرشوة والمحسوبية واللاكفاءة..وهكذا راحت علاقة الناس بالكتاب تتدهور تدريجيا حتى وصلت إلى ما نعيشه الآن..وأعتقد أن ما نعيشه في الجزائر لا يختلف ،في عمومه، عما تعيشه المجتمعات العربية الآخرى..
والحل؟..ماذا يجب علينا ان نفعل لنجعل قراءة الكتاب في بلداننا ظاهرة اجتماعية أساسا؟.. المجتمعات التي تتعلق بالكتاب ويتعامل الناس فيها معه على أساس انه غذاء فكري وروحي وجمالي لابد منه، هي في عمومها مجتمعات علمانية ديمقراطية، تعامل الفرد فيها على أنه مواطن مسؤول..المجتمعات التي لا تعطي للكتاب أهمية وتتعامل معه على أنه شيء هامشي لا قيمة له هي مجتمعات تحكمها انظمة سياسية مستبدة وفاسدة، تتعامل مع الفرد فيها على أساس أنه رعية خاضع، قاصر.. هذا يعني أننا مجبرون، إذا أردنا فعلا الانخراط في العصر كفاعلين ،أن نناضل من أجل بناء دول عربية مدنية ديمقراطية، يكون نظام الحكم فيها نظاما مسؤولا فعلا،يتحمل مسؤوليته، ويعمل من ثمة على إيجاد سياسة ثقافية تعطي للثقافة دورها الأساس في بناء الفرد المواطن بدل الرعيةالخاضع..دون بناء الدول العربية المدنية الديمقراطية لن تصير المقروئية غذاء عقليا،روحيا وجماليا يوميا، مثلها مثل الغذاء الجسدي..
دون بناء تلك الدول المدنيةالديمقراطية لن نصير مجتمعات عصرية،حية وفاعلة.. بالتاكيد، الأمر صعب..القوى الدينية التي تهيمن على ذهنيات الناس ومشاعرهم وتصورهم للحياة ومواقفهم من قضاياها ، من جهة، وأنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة والعميلة التي تتحكم في معيشنا اليومي، لن تقبل ببناء تلك الدول..لكن..ليس أمام المثقفين النقديين الحالمين ببناء دول عصرية يكون الفرد فيها مواطنا حقيقيا،واعيا ومسؤولا، سوى النضال المتواصل..و.. ما ضاع حق وراءه طالب..والحق هنا جماعي..إنه مستقبلنا ومستقبل أبنائنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #