الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرفة رقم (2)

قحطان الفرج الله

2022 / 2 / 6
المجتمع المدني


 
بعيدًا عن تزاحم السكرتيرات ورنات الكعوب العالية، ومدراء المكاتب منتفخي الكروش، بعيدًا عن ضجيج المتملقين والمتزلفين، غرفة (رقم 2) بمساحة لا تتجاوز (2x2.5)م، مكتب متواضع ونصف طقم من أثاث، تتزاحم على حوائطها شهادات الشكر و التقدير وصورة السيدة العذراء، وابنها المصلوب، غرفة لا تحمل لوحة عليها (سيادة أو معالي) أو (مدير)حتى، ولا شعار (ممنوع الدخول)، فهي تستقبل الجميع في أي وقت، متواضعة حد عدم التصديق إن لها من مثيل في هذا الزمان، إنها غرفة لمدير عام مستشفى من أهم مستشفيات العاصمة بغداد، (مستشفى القديس روفائيل/ الراهبات) شعارها (زغر المكتب، وكبر غرفة الإنعاش)، إنها غرفة تُدر الإنسانية، غرفة (غالب منصور) الفنان الذي يبحث عن الابتسامة في عيون العراقيين، المحارب الغيور.
كم قليلة ونادرة تلك النفوس التي تحتفي بحبّ الخير، وأول محبّة الخير أن تكون عراقيًا خالصًا لوجه العراق.
لم تكن معرفتي به بتخطيط مسبق، بل إنها صدفة القدر الجميل. اتصل بي أحد اقاربي، وهو من نفس هذه الطيّنة الطيّبة، وكان والدي (رحمه الله) يعاني من عدة أمراض، ويكابر متحديًا أشد الآلام، اذهب إلى مستشفى الراهبات ستجد شخصًا في انتظارك يقوم باللازم، في الصباح استقبلنا شخص وديع بابتسامة حانية كأنه يعرفنا من قديم الأزل، تحدث مع والدي بودّ مفرط عن الجنوب عن الحكمة عن الماضي عن (الحسچة) لم يكن همه إلا إعادة البسمة إلى الوجوه التي تعاني ألم المرض، حينها كنت انتظر قدوم المدير، فسألت أين السيد غالب؟: رد بفتور أنا هو… كنت أتوقع إن هذا الرجل أحد موظفي الإدارة، كنت أتوقع مكتبًا كمكاتب المدراء في مخيلة العراقيين من هذا الزمن، ولكني وجدت روحًا أوسع من كلّ المكاتب وهمة أقوى من جيوش الناتو وشرفًا عظيمًا يحمل نبل العراقي الأصيل.
ليس غريبًا أن تثير في النفوس جدران ذلك المشفى أصالة الذوق الرفيع لمديره، كأنك تسير في معرض فني أو (كليري) اُنتقيت لوحاته بكلّ حرفية. الخير هو سر الجمال، والجمال هو أكسير الحياة السعيدة.
يمرون في حياة الإنساني أناس كُثر ‏ولكن من يعلقون في الذاكرة ‏هم الأقل، ‏وكم من عابرين‏ مروا ‏دون أن يتركوا أثرًا يذكر، الأقل هم الأكثر تأثيرًا، هم الأكثر حضورًا، هم الأكثر حبًا هم الأكثر ‏حياة…. ‏الأقل هؤلاء اللذين ‏يعبرون نحو القلوب دون الحاجة إلى الجسور، الذين يحاربون الغياب الطويل بالحضور الدائم الذين يتمركزون بين جنبات الأرواح، هؤلاء هم الأكثر حضورًا والأقل عددًا. ‏وآهمٌ من يعتقد أن الذهب باهظ الثمن لندرته فقط، بل هو أثمن المعادن لشدة مقاومته وقدرته على البقاء لاحتفاظه بلونه الواحد المتوهج الذي يشارك الشمس في اشتعالها ولا يتقلب ولا يرتضي الانطفاء.
في هذه العراق ما يستحق الحياة حقًا، في هذا البلد الكثير من بذور المحبّة الحبيسة التي تحتاج أن نلتفت إليها ونرعاها بكلّ الودّ والمحبّة، دعونا نقول شكر لعراقي أصيل اسمه غالب منصور احبّ بلده وغامر بحياته في اشد وأصعب ظروف التطرف والهمجية التي مرت بها بغداد في عصرها الحديث دعونا نقول شكرًا (أبا زين) شكرًا من القلب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح


.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف




.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي


.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية




.. كاميرا العربية ترصد نقل قوارب المهاجرين غير الشرعيين عبر الق