الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر والصوفية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 2 / 7
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١١٦ الشعر والتصوف

شوبنهاور كان ينظر إلى هؤلاء الذين يعتقدون في وحدتهم المطلقة بالمجانين، ويعتبر المتوحد كمجنون محاصر في برج حصين، وهو البرج الذي حاول ديكارت أن يخرج منه بواسطة الكوجيتو "أنا أفكر .. إذا أنا موجود"، غير أن ديكارت فشل في الهروب وأخطأ الطريق، لأن ألأنا التي تفكر ليست هي ذاتها الأنا المحاصرة والتي تقول أنا موجود. أما نيتشة فقد كان - بحساسيته المفرطة حتى لا نقول المرضية - أكثر واقعية وأكثر قربا من التحليل الظاهراتي حين يقول " شيئ ما يفكر"، واعيا بوجود هوة بين الأنا وبين الوعي، ذلك أن الكوجيتو المزعوم، حسب تعبير سارتر ليس القول " أنا واع بهذا الكرسي " وإنما القول " ثمة وعي بهذا الكرسي"، أي إكتشافة لهذه المنطقة النائية من الوعي، نوع من "نومانز لاند No man s land" خالية من هذه الكينونة المزيفة والمفترضة "أنا". أما بودلير فإنه يقول في كتابه "قلبي عاريا" : "أنا الجميع، الجميع أنا"، لأنه كان يرى أنه "في بعثرة الأنا ومركزيتها، ثمة كل شيئ". ولا شك أن بودلير كان يبحث عما يمكن تسميته بالحدود القصوى للوعي، الوعي بمعنى الإدراك والمعرفة وليس بالمعنى الأنطولوجي المطلق، مستعملا في ذلك الحشيش والأفيون ومواد أخرى مشابهة، ومشكلته ليست معرفة الآخر وإنما معرفة ذاته وعلاقته بهذه الذات. وبودلير كرامبو وبقية الشعراء، يريدون الخروج من ذواتهم ومراقبة هذه الذات وهي تعيش تجربتها الوجودية والفنية لنقلها للآخرين، أي محاولة معرفة ميكانيكية الإبداع. ولا شك أن بعض هذه التجارب تجعلنا نفكر في تجارب بعض المتصوفة الذين تمكنوا أو خيل إليهم أنهم تمكنوا من الخروج من ذواتهم واتحدوا بالكون ووصلوا لمرحلة أو درجة الحلول في الكون وفي الأشياء أو في ذات الله، أو أن الله حل في أجسادهم أو في أرواحهم .. وهذه الشطحات لا تدوم في حقيقة الأمر سوى فترات قصيرة من الزمن وسرعان ما يعود بعدها الإنسان إلى زنزانته المعتادة، والتي حكم عليه أن يقضي فيها بقية أيام حياته. والشعوب في جميع أنحاء العالم منذ القدم كانوا يعرفون هذه الظاهرة التي أكتشفوها باستعمال النباتات المخدرة، مثل الفطر والصبار في أمريكا الجنوبية ونبات الداتورا والحشيش والأفيون في أفرقيا وآسيا. أما في أوروبا فإنهم لم يكتشفوا هذه العقاقير السحرية إلا مأخرا. وهذا التقارب الصوري هو ما أدى إلى الخلط بين التجارب الصوفية وبين الشعر لدى البعض، كما فعل أدونيس حين أعتبر رامبو شاعرا صوفيا - سنعود لذلك لاحقا -، وذلك لأن أسلوب الصوفية المميز في إستعمال اللغة الشعرية والرؤيا والمبالغة في إستعمال الرموز واللجوء للإشارات والمعميات، التي تتطلب التأويل والترجمة، قريبة من اللغة الشعرية الرمزية التي يستعملها الشعراء من أمثال رامبو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة