الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرسول ريان: رسول في زمن كثُر فيه المدعون

آدم الحسناوي

2022 / 2 / 7
المجتمع المدني


تابع العالم، ومعه نحن، بشكل جمّ، العمليات التي تمت مباشرتها لإنقاذ ريان أورام، منذ اليوم الأول. وعليه، فقد اقترنت تراجيديا مأساته بفانطازيا وفاته؛ وبتكهنات حول ملابسات الوفاة، وموعدها الدقيق.

لكن قصة ريان لم تأخذ بعدا تراجيديا وفانطازيا فحسب، ولا حتى بعدًا إنسانيا في الفهم التعاطفي للإنسانية. اقترنت حادثة ريان بما هو أعمق من ذلك؛ فقد وحدت الإنسانية جمعاء في قضية تتخطى كل الإيديولوجيات وكل الإثنيات. بل كانت قضية الطفل ريان أورام، بفعل طبيعتها الأممية، شبيهة بالميثولوجيا الدينية. فقد تشابهت الحادثة المأساوية، في طبيعتها التخليصية، بالرواية السنية المتعلقة بشق صدر رسول الإسلام محمد. بينما، وفي جانب آخر، يمكننا فهم طبيعة مأساة ريان وتضحيته بوجوده معنا، في شكل لا واعي، من أجل تخلصينا من الأنانية المقارنة بنا؛ بطبيعة وفاة رسول المسيحية يسوع، عندما حاول تخليص العالم من شروره بعدما قدم ذاته كفدائي للخطيئة المرتكبة في زمانه. لقد كان ريان رسولا، ولم يكن ريان الرسول، على غرار بولس الرسول، صاحب طرح الخلاص المقدس في العهد الجديد. فقد كان ريان بمثابة مخلص في صورة النبي، بدل تجسيد الراوي التي اقترنت ببولس الرسول. وعليه، فهذه جملة من القضايا التي عالجتها مأساة ريان أورام:
- كشف الطفل ريان أورام زيف شعار الإعلام المغربي، سواء الرسمي أو الالكتروني، في غيابه للموضوعية، وتعامله مع قضية تراجيدية بمحاولة تمجيد السلطة الرسمية. ولنا في تساؤلات -الصحفيين المغاربة!- الموثقة خير مثال على ذلك؛ حيث غابت أدنى مقومات المهنية، مع عدم مراعاة الظرفية، في محاولات لاستغلالها من أجل طرح بروباغندا معينة، لا الوقت وقتها، ولا المكان مكانها.
- لقد بينت حادثة وفاة ريان المأساوية الصورة القاتمة للمخزن، ذلك المخزن الذي عمل على الدخول في تحالفات جيواستراتيجية وسياسية جديدة، إضافة للتكلفة الباهضة التي قدمها للاستثمار في الدمار، وهنا الحديث عن التكلفة التي قدمها للاستثمار في التقنيات العسكرية، مقابل إهماله لحق الفرد في الحياة، عن طريق توفير معدات تتوخى التعامل مع هكذا حالات. هكذا تطرح تساؤلين مفادهما: ما الوظيفة الفعلية للدولة، كيف ما كانت طبيعة هذه الدولة؟ لو كانت الصدفة التي ألقت بريان في أحضان جبال الريف غيرت موضَعته ووُلد في مدينة الرباط، هل كنا سنعيش نفس المأساة؟
- غياب الوسائل التقنية الملائمة المساعدة في عملية إنقاذ ريان بواسطة الحفر. فرغم حداثة تكون سلسلة جبال، أي تكونها خلال نهاية الزمن الجيولوجي الثاني وبداية الزمن الجيولوجي الثالث، إلا أنه، حسب وجهة نظري، كان الأولى، في بداية عملية الحفر، استخدام المعدات التقنية المخصصة للحفر، بدل الاعتماد على الجرافات (التراكتور)، ومع تقدم عملية الحفر، واقترابها، خلال مرحلة الحفر العمودي من موضع الحفر الأفقي، يمكن مباشرة عملية الحفر باستخدام الجرافات تفاديا لانهيار التربة قرب موضع تواجد الطفل ريان. كانت العملية، ولو تمت بالشكل الصحيح، أنجع في اختزال المدة الطويلة التي استغرقتها عملية الإنقاذ.
- قامت حادثة ريان أورام بإصلاح لا واعي لما أفسده نظامان فاسدان براغماتيان حاولا، قدر الإمكان، عن طريق تحالفاتهما الجيوسياسية، فصل شعبين يشتركان في وحدة المصير والتاريخ والدين، فضلا عن اشتراكهما في المقدس الأممي، أي في إنسانيتهما. تم ذلك، بادئ ذي بدء، عن طريق الممارسات التي اقترنت بتغيير التحالفات الجيوسياسية، مقترنا، ذلك، بالقوى الإقليمية الصاعدة، والقوى الكلاسيكية، إضافة إلى محاولات الكيان الصهيوني التوغل، بشكل أعمق، في إفريقيا، التي اعتبرها المفكر الراحل سمير أمين، في فهمه لطبيعة نمط الإنتاج الرأسمالي، على ضوء الفهم الألتوسيري لإعادة إنتاج شروط الإنتاج، بالبذرة التي تحمل بداخلها بوادر إنهيار المنظومة الرأسمالية اللاإنسانية القائمة على تشييئ الأفراد. لقد بلور طرحه، ذاك، من خلال نظريته المركز والمحيط. هكذا، إذن، كانت مأساة ريان موحدة لشعبين تم فصلهما، بفعل ما ذُكر سابقا، عن طريق الإعلام اللامهني اللذان يتوفران على ترسانة منه، لخدمة أجندة معينة. إضافة إلى الجدل الذي دخلناه مؤخرا، والمتعلق بحرب الراپ بين البلدين الشقيقين.
- لقد تم توحيد الدول الناطقة باللسان العربي في قضية أبعد ما تكون عن الفهم الشوفيني للتوحد، داعين، ولو اختلفنا في طبيعة الدعاء، حول الرجاء في إنقاذ الطفل ريان أورام.
- لقد غابت قضية الغرب والشرق في مأساة ريان أورام، فلاحظنا غيابا تاما للتعالي الغربي في التعاطي مع المآسي المشرقية. فحملة التضامن مع ريان، والتغطية الإعلامية لقضيته، كذلك، انتشرتا كالنار في الهشيم.
- أختتم ملاحظتي بحجم التكافل الذي عرفته قضية ريان، تكافل محلي بغياب الفوارق الجهوية، عن طريق دمج جهود أفراد من مختلف أرجاء المغرب -ولنا في حكاية العم علي خير مثال. مقابل دمج الجهود التقنية والعلمية مع المجهود اليدوي، في محاولة للحفر بأقصى سرعة، حسب الرؤية اللحظية. كما لاحظنا تكاثفا أمميا، سبق ذكره، مع القضية؛ فقد تلقت، ربما، جميع الآلهة المعبودة في الأرض دعوات لإنقاذ الطفل ريان أورام.
لذا، لن نكون مزايدين باعتبارنا ريان رسولا مخلصا، في زمان كثر فيه الأنبياء والرسل، بين المدعين من العامة، وبين بعض أشباه المثقفين الذين أصابتهم، خلال مراحلهم العمرية المتقدمة، حالة أشبه بالهلاوس الجماعية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيام لا تقيهم برد الشتاء ولا حر الصيف.. موجات الحر تفاقم معا


.. العالم الليلة | ترمب: أتطلع لمناظرة بايدن.. ونتنياهو لعائلات




.. الأمم المتحدة تبدي انزعاجها من إجراءات إنفاذ القانون ضد محتج


.. الأمين العام للأمم المتحدة: نحث الأطراف بقوة على التوصل لاتف




.. اعتقال مرشحة للرئاسة الأمريكية في احتجاجات داعمة لغزة