الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح الديني والإسلام السياسي في عصر النهضة بين القطيعة والإستمرارية

فارس إيغو

2022 / 2 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا حكمنا على الشيخ محمد عبده (1847 ـ 1905) فقط من خلا ل ردوده على فرح أنطون في المناظرة الشهيرة التي جرت بينهما عام 1903 على صفحات مجلة المنار التي كان يرأسها ويديرها تلميذ الشيخ محمد عبده الشيخ محمد رشيد رضا (1865 ـ 1935) ومجلة الجامعة التي كان يملكها ويدير تحريرها فرح أنطون، لا بدّ أن نخرج بتقييم سلبي جداً، ونرفع صفة التنوير التي ألصقت لصقاً تلفيقياً مع صفة السلفي، وسببت نوعاً من الحرج بالنسبة للبعض من المفكرين، فكيف يكون الشخص سلفياً ومستنيراً في نفس الوقت؟
لكن، مع وضع إصلاحية محمد عبده في مكانها الصحيح على أنها نوع من السلفية كما يقول العروي في كتابه الشهير ((الأيديولوجية العربية المعاصرة)) (1)، أي أنها تبحث من داخل الإسلام على حل لأزمة العرب والمسلمين في عصر علت فيه أصوات الحداثة المنتصرة في أوروبا، وبدأ فائض قوتها المتعاظم يتجسد على شكل مد استعماري كولونيالي في العالم كله، وبالخصوص العالم العربي والإسلامي، لاستطعنا فهم التسمية الغريبة التي تعودنا على استعمالها لوصف التيار الإصلاحي الديني الذي تزعمه الشيخ محمد عبده نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
بعد هذا التحديد لسلفية الشيخ محمد عبده ((التنويرية))، هل يصل بنا الأمر إلى القول بأن الشيخ محمد عبده هو المؤسس النظري الأساسي للإسلام السياسي كما يفعل الباحثان المصريان حامد عبد الصمد ومؤمن سلام؟ (2).
يحاول هذا الباحثان وَصْل الشيخ محمد عبده بحسن البنا (1906 ـ 1948) مؤسس الإخوان المسلمين عام 1928 عن طريق وسط العقد، أي الشيخ محمد رشيد رضا (1865 ـ 1935) تلميذ محمد عبده الأكثر ملازمة له، وأن هذا الأخير، أي رشيد رضا هو المعبِّر الأمين الوحيد عن تلاميذ محمد عبده وعن فكره، بينما يعتقد الكثيرين من المفكرين العرب، ومن بينهم المغربي عبد الإله بلقزيز والسوري عبد الرزاق عيد وآخرين كثيرين، أن هناك قطيعة حدثت من طرف محمد رشيد رضا مع أستاذه، وأنها القطيعة التي تفصل بين الإصلاح الديني عند الأفغاني وعبده والكواكبي وقاسم أمين والإسلام السياسي الذي تجسد مع حركة الإخوان المسلمين وجماعة شباب محمد، وأن ظهور الإسلام السياسي في مصر واحتدام الصراع بين الإسلاميين والتيارات الحديثة هو الذي دفع الجيش المصري لحسم الصراع وتجميد الحياة السياسية في مصر مدفوعاً بالطبع بالنكبة عام 1948 وقيام دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني.
إن النتيجة التي يصل اليها الباحثان حامد عبد الصمد ومؤمن سلام من أن الشيخ محمد عبده هو الأب الروحي لحركات الإسلام السياسي، وأن هذه الحركات هي المترجم الأمين في السياسة لطروحات الشيخ محمد عبده النظرية، لا تبدو لي استراتيجية معرفية مفيدة، وإن كانت محاولة الشيخ محمد عبده هي محاولة لا تريد الخروج الكامل نحو الدولة الوطنية الديموقراطية، بل هي تقبل الديموقراطية البرلمانية التي لا تقطع مع المرجعية الإسلامية كما نجد ذلك في الستينيات والسبعينيات حينما ظهر مصطلح الدولة المدنية في مصر لدى بعض المفكرين الإسلاميين الذين كانوا يقفون موقفا وسطا بين الإخوان المسلمين والتيارات الحداثية وكذلك النظام الناصري، بمعنى أن مصطلح الدولة المدنية يؤكد على مفهوم الديموقراطية (3)، ولكنه يرفض الفصل، أي يرفض العلمانية، ويقول أحياناً بالتمييز والتمايز كما نجد ذلك لدى صاحب كتاب ((العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة)) عبد الوهاب المسيري (4).
إن موقف الباحثان المصريان يجعلهما يلتقيان موضوعيا مع ما كان يطرحه دائماً الدكتور محمد عمارة (1931 ـ 2020) في مقدماته لتحقيق كتابات رموز النهضة والإصلاح الديني من أن هناك استمرارية معرفية بين تيار الإسلام السياسي الذي إنطلق من مصر في أواخر العشرينيات من القرن الماضي وتيار النهضة والإصلاح الديني الذي تزعمه جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، في محاولة من عمارة لإعادة أسلمة كل رموز النهضة الإصلاحيين بإدخالهم إلى الحظيرة الأيديولوجية للإسلامويين، وبعث سلفية عابسة وغاضبة، وبعيدة جداً عن التنوير والذي يعتبر الدكتور محمد عمارة من كبار ممثليها في العقود الأربعة الأخيرة في مصر والعالم العربي والإسلامي.
وبالنتيجة، فإن محاولة جعل الشيخ محمد عبده المؤسس والمرجعية الأولى للإسلام السياسي من قبل الباحثين المصريين حامد عبد الصمد ومؤمن سلام ، ليست استراتيجية معرفية سليمة، حيث أن المقارنة هي المنهج الأول في مقاربة أي ظاهرة اجتماعية أو فكرية، والمقارنة بين المنظومتين الإصلاحية والإسلاموية لا تأتي في صالح ما يقولانه، وهو دعم موضوعي (غير مقصود من الباحثين) في اللعبة التي أجادها الدكتور محمد عمارة جيداً، حيث حاول هذا الأخير إعادة حشر الشيخ محمد عبده من ضمن المرجعيات الأساسية لحركة الإخوان المسلمين والفكر الأصولي السلفي الذي يعتبر عمارة من أكبر ممثليه في مصر. وقد كانت محاولة تقزيم علي عبد الرازق من قبل عمارة إلى حد القول بأن كتابه الإسلام وأصول الحكم هو من إملاء الدكتور طه حسين، وأن علي عبد الرازق كان أداة طيعة في يد هذا الأخير، ومن خلفه حزب الدستوريين الأحرار الذي ضمّ في عضويته بالإضافة إلى طه حسين أحمد لطفي السيد وعلي عبد الرازق نفسه، وآخرين غيره من الليبراليين في مصر في الثلث الأول من القرن العشرين هي من أكبر المحاولات التشويهية التي تمت في الحياة الثقافية العربية في القرن الماضي (5).
إن الاستراتيجية المعرفية التي تقول بأنّ الشيخ محمد عبده هو المؤسس النظري الأساسي للإسلام السياسي كما يفعل الباحثان المصريان حامد عبد الصمد ومؤمن سلام، هي استراتيجية معرفية خاطئة، هناك قطيعة حدثت مع الإصلاحية الدينية منذ كتاب ((الإمامة أو الخلافة الكبرى)) للشيخ رشيد رضا. ولا يمكننا فهم فكر رشيد رضا وتقلباته دون السياق التاريخي الذي تمثل في إنهيار السلطنة العثمانية عام 1923، ثم إعلان مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية سنة 1924. إن قيام الثورة الكمالية في تركيا، وانتصار القومية الطورانية العلمانية على الجامعة الإسلامية، وحزب الاتحاد والترقي على حزب الإصلاحيين، وتركيا الفتاة على الخلافة أحدث رد فعل ماضوي عند رشيد رضا تلميذ محمد عبده خوفاً من تكرار التجربة الكمالية في باقي أرجاء العالم العربي والإسلامي. وليس حسن البنا إلا التلميذ الحقيقي لرشيد رضا في مرحلة الردة عن إصلاحيّة شيخه محمد عبده، ولا يمكن أن نضع حسن البنا في السياق الإصلاحي الثائر على الجمود الديني للمؤسسة الأزهرية.
ولكن، في المقابل، إصلاحية محمد عبده لم تعد تصلح اليوم إلا لإصلاح مؤسسة الأزهر، أما الشعوب والأمم والدول فهي بحاجة لأفكار أخرى لا تتأسس على مرجعيات دينية، فالمشروع الوطني النهضوي ينبني على العودة للتاريخ لا للبحث عن حلول لمشاكلنا المعاصرة فيه كما يفعل الإصلاحيون الدينيون، بل لفهمه وهضمه واستيعابه في سبيل تجاوزه. فما نحتاج له هو تجديد الولادة (أو نشأة مستأنفة كما يقول ابن خلدون)، وليس تجديد الأصول الدينية التي تبقى مهمة بالنسبة للإصلاح الديني الداخلي. وما وجده محمد عبده في أوروبا ليس الإسلام من دون مسلمين بل، الاقتصاد الحديث والحداثة السياسية والاجتماعية والثقافية، أما في بلادنا فيوجد مسلمون مؤمنون على الإيمان والطريقة التقليدية، ونظم سلطانية محدثة هجينة، لم تأخذ من الحداثة سوى قشورها الاستهلاكية والتكنولوجية، بينما امتنعت عن روحها المتجلية في الحريات المدنية والسياسية.
الهوامش
(1) عبد الله العروي ((الأيديولوجية العربية المعاصرة)) (1967).
(2) انظر ((محمد عبده ... أكذوبة الشيخ المستنير))، يوتيوب تاريخ 29 حزيران 2020، على الرابط الالكتروني: https://youtu.be/tcxNb6yJLhg
(3) من هؤلاء المفكرين الإسلاميين طارق البشري، فهمي هويدي.
راجع أيضاً في هذا الصدد، موقع يوسف القرضاوي، فتاوى وأحكام، الإسلام والديموقراطية، تاريخ 19/04/2017.
(4) عبد الوهاب المسيري في كتابه ((العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة))، والكتاب في مجلدين صدرا عام 2002 عن دار الشروق. إنّ المسيري عندما يريد الحديث عن سيرورات العولمة بصورة إيجابية يستعمل مصطلح “التمايز” بدلاً من مصطلح “الفصل” عند العلمانويين كما يسميهم. انظر كتاب المسيري، الجزء الأول، ص: 19.
(5) انظر كتاب الدكتور محمد عمارة ((معركة كتاب الإسلام وأصول الحكم)) ((دار الشروق، الطبعة 1989).
وقد اعتبره البعض بالمُقاتل الأخير في مدرسة محمد عبده.
ويقول محمد عمارة عن نفسه: ((وأنا أيضا يطمئنني كثيرا أنني على صراط الوسطية الإسلامية أن هناك عشرات من الكتب في التيار العلماني تهاجمني، وأيضا في تيار الغلو الديني والجمود تهاجمني، وإذا كان إنسان يُهاجَم من هذا الفريق ومن هذا الفريق، فهذا دليل على أنه ليس هنا وليس هناك، وإنما هو في وسط بين هذين الفريقين)).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عبدة و الإخوان
بارباروسا آكيم ( 2022 / 2 / 8 - 15:56 )
لاحظ إنك طول المقالة تحاول إثبات أن محمد عبدة إصلاحي و أن حامد عبد الصمد غلطان !

هذا مختصر مقالتك الذي أختصره في ٧-;- أو ٨-;- كلمات

طيب ماهو الدليل ؟

الدليل سُجِلْ على قالب ثلج في فصل الصيف
البنا كان على قطيعة مع عبدة !!

طيب و بعدين ؟
هل هذا يثبت ان محمد عبدة إصلاحي ؟
طيب ماهمة كل الإسلاميين يكفرون بعضهم فما هو المختلف هاهنا ؟

إسمع ياسيد
أن تقول : إن إسلام البحيري إصلاحي
ممكن أن اهضم الموضوع
الشيخ ميزو إصلاحي
سأتقبل الفكرة
لكن واحد مثل محمد عبدة كل الفرق بينه و بين الإخوان إنه كان يؤمن بالتدرج في السيطرة على المجتمع
و هو رفع شعار : طريقنا الإسلام
قبل أن يرفع الإخوان شعار : الإسلام هو الحل
فهذه لن يطيقها صاحب خلايا دماغية لا تزال تعمل

فكافكم تمجيد لمجموعة متزمتين اموات
و انظروا الى مستقبلكم

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب