الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو دولة طالبانية في -أتشيه- الاندونيسية!

عبدالله المدني

2006 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


احتفلت الحكومة الاندونيسية و "حركة أتشيه الحرة" الانفصالية المعروفة اختصارا باسم "غام GAM" هذا الشهر بالذكرى السنوية الأولى لاتفاقية السلام التي وقعت بينهما في هلسنكي في أغسطس من العام المنصرم لإنهاء نحو أربعة عقود من الصراع المسلح في إقليم أتشيه الغني بموارده من النفط و الغاز و المعادن بدليل امتلاكها لأكبر مكمن مغمور للغاز الطبيعي في العالم و بتقديرات تصل إلى 40 بليون متر مكعب. هذه الاتفاقية التي صمدت، على عكس كل الاتفاقيات المشابهة بين الطرفين، لأسباب وعوامل ومستجدات كثيرة. فلئن كانت الخسائر الضخمة التي مني بها الأتشيون، و من ضمنهم المتمردون، بسبب موجة المد البحري الهائل (التسونامي) في ديسمبر 2004 كانت دافعا للتوصل إلى الاتفاقية الجديدة، فان ما ساعد على صمود الأخيرة و نجاحها هو احترام أطرافها لها و التزامهم ببنودها، و لا سيما البنود الخاصة بتخفيض التواجد العسكري و الأمني الاندونيسي في الإقليم بالتزامن مع إلقاء المتمردين لأسلحتهم.

و جاءت موافقة البرلمان الاندونيسي في شهر يوليو الماضي على القانون الأساسي للحكم في الإقليم، ليعزز العملية السلمية، و ليعطي الضؤ الأخضر للجماعات السياسية المحلية لتشكيل تنظيماتها الحزبية و الانخراط رسميا في العمل السياسي السلمي استعدادا لإجراء الانتخابات التشريعية المحلية في نوفمبر القادم.

و مما لا شك فيه أن هذه التطورات لا تحمل معها فقط السلام و الاستقرار لإقليم ساده الاضطراب و العنف منذ عام 1976 ، و إنما تمنح أيضا الديمقراطية الاندونيسية مزيدا من القوة و المناعة و الاستمرارية و المرونة لجهة المحافظة على الوحدة الوطنية، واحتواء الاختلافات الجهوية و العرقية، و إبعاد تأثير العسكر على صناعة القرار السياسي، الأمر الذي يوفر في مجمله الاستقرار الضروري للنمو الاقتصادي وقدوم الاستثمارات الاجنبية.

و الحقيقة أن الطرف الأكثر استحقاقا للثناء على هذا الإنجاز هو الرئيس الاندونيسي "سوسيلو بامبانغ يودويونو" و نائبه "يوسف كالا" اللذان توفرت لهما عوامل قلما كانت متوفرة لأسلافهما منذ سقوط نظام سوهارتو الديكتاتوري في عام 1998 ، مثل التفاهم بين بعضهما البعض، و احتكام الأول على نفوذ قوي داخل مؤسسة الجيش بحكم خلفيته العسكرية، و احتفاظ الثاني بعلاقات جيدة مع مختلف الساسة و الأحزاب و الجماعات الإسلامية بحكم صفته المدنية و البرلمانية و رئاسته لأحد أكبر الأحزاب السياسية (حزب غولكار). هذه العوامل مجتمعة لعبت دورا في تخطيهما للمصاعب الكثيرة التي واجهتهما في سبيل إبرام الاتفاقية و تنفيذها على الأرض. فعلى حين كانت غام معنية فقط بالحصول على تأكيدات و ضمانات لإقامة حكم ذاتي في الإقليم بمعنى ترك أبناء الأخيرة يديرون شئونهم الداخلية بمعزل عما هو سائد و مطبق في باقي أنحاء البلاد، فان الرجلين كانا في مواجهة جملة من القضايا مثل كيفية نيل موافقة و دعم أحزاب البلاد السياسية المختلفة و جماعات المصالح المتعارضة و المؤسسة العسكرية القوية لخطة الحكم الذاتي، و كيفية التعامل مع ما قد تجره الخطة من مطالب مماثلة في أجزاء أخرى من البلاد عرفت بتطلعاتها الانفصالية مثل بابوا و امبون وسولاويزي، هذا ناهيك عن كيفية التصرف مع الجماعات الإسلامية المطالبة بتطبيق أحكام الشريعة في البلاد و التي قد تجد في موافقة جاكرتا على تطبيق مثل هذه الأحكام في أتشيه تشجيعا لمرئياتها.

و الجزئية الأخيرة هي لب موضوعنا باعتبارها تشكل مصدر تهديد محتمل للاستقرار في أتشيه و مبعث خوف من إحجام المؤسسات الاجنبية عن الاستثمار فيه، بل و أيضا منفذا لانتقاد جاكرتا من قبل حلفائها في الغرب و شركائها في تكتل آسيان، خاصة مع توارد أنباء حول انتقال أعضاء في جماعات إسلامية اندونيسية راديكالية (مثل جبهة المدافعين الإسلامية و مجلس المجاهدين الاندونيسيين وحزب التحرير) إلى الإقليم لمساعدتها على التطبيق المتشدد للشريعة و اتخاذ أراضيها كبؤرة انطلاق نحو تعميم التجربة على باقي الأقاليم الاندونيسية و صولا إلى إقامة دولة إسلامية خالصة.

صحيح أن إقامة نظام مطبق للشريعة الإسلامية هو مطلب قديم يعود إلى الأربعينات، حينما انضم الأتشيون إلى حركة مقاومة الاستعمار الهولندي بقيادة الرئيس الأسبق احمد سوكارنو مقابل وعد بالسماح لهم بذلك بعد نيل الاستقلال، و هو ما لم يف به الأخير. وصحيح أن رخصة استثنائية منحت للسلطات المحلية في الإقليم لإقامة الحدود الشرعية منذ عام 2001 و ذلك ضمن محاولات حكومة الرئيس الأسبق عبدالرحمن واحد لإقناع الانفصاليين بإلقاء السلاح، و بما أدى إلى تطبيق بعض أحكام الشريعة بالفعل منذ ذلك الحين. غير انه في الأشهر الأخيرة، و مع دخول اتفاقية الحكم الذاتي حيز التنفيذ، لوحظ وجود توجه متزايد نحو إسباغ المظاهر الطالبانية على المجتمع الآتشي. فصار تطبيق عقوبة الجلد في الساحات العامة القريبة من الجوامع مثلا مظهرا من مظاهر الحياة اليومية التي لا تخطئها العين. ثم أن هذه العقوبة التي كانت مقتصرة في الماضي على المثليين و المرتشين و مرتكبي الزنا و شاربي الكحول صارت الآن تطبق بحق المشتركين في جوائز اليانصيب و المتخلفين عن أداء صلاة الجمعة و المجتمعين في الحفلات الغنائية الراقصة، و النساء غير المحجبات، ومرتديات الملابس الضيقة، مع وجود توجه نحو التوسع فيها طبقا لما صرح به ريحان اسكندر نائب رئيس المجلس الإقليمي لأتشيه لكي تشمل بائعي الطعام و السجائر والمرطبات خلال نهار رمضان وأصحاب صالونات التجميل و صانعي التماثيل مثلا.
وفي تبريره لمثل هذه العقوبة التي لا تطبق في باقي أنحاء اندونيسيا، بالرغم من حقيقة أن أكثر من 90 بالمئة من سكانها البالغ عددهم 235 مليون نسمة مسلمون، يقول مصطفى جيلانغ غانغ احد حكام المقاطعات في أتشيه "أن الجلد على الأقدام و الظهور في الساحات العامة ليس هدفه إيقاع الأذى البدني بحق المجرمين و إنما المبالغة في إهانتهم وإذلالهم في المجتمع كي لا تقم لهم قائمة".

وهكذا، يبدو من غير المستبعد أن تشهد أتشيه قريبا فرمانات متشددة أخرى من قبل سلطتها الذاتية الجديدة، قد تشمل إجبار النساء على التزام منازلهن و تحريم عمل المرأة و اقتصار الالتحاق بالمدارس على الذكور على نحو ما فعلته حركة طالبان في أفغانستان. و في هذا السياق تقول إحدى جماعات حقوق الإنسان الاندونيسية أن تاريخ الإقليم بحسب ما تصوره الآثار و المنحوتات و الفنون الشعبية حفل منذ أقدم العصور بمشاركة المرأة للرجل في الحقل و البحر و ميادين القتال، بل ظهرت في مختلف الأزمنة و الأمكنة دون حجاب، و بالتالي فان ما يراد لها اليوم و ما قد يفرض عليها لاحقا ليس إلا محصلة لتأثر بعض الجماعات الاندونيسية بالتفسيرات المتشددة للإسلام القادمة من الشرق الأوسط و المغايرة لما عرفه الاندونيسيون منذ فجر دخولهم الإسلام.

أما جماعة " نهضة العلماء" التي تمثل الإسلام المستنير الوسطي و تضم نحو 40 مليون اندونيسي، فتقف موقفا معارضا من تطبيق الشريعة في أي جزء من أجزاء البلاد، قائلة انه سيؤجج الخلافات بين أبناء الديانات المختلفة في اندونيسيا، بل حتى بين المسلمين أنفسهم بحكم انتمائهم إلى مدارس و مذاهب متعددة. و هذا هو نفس موقف مجلس الشعب الاستشاري الذي دأب على رفض إدخال أي نص حول الموضوع في الدستور. و يتسق هذا مع نتائج استطلاع للرأي اجري مؤخرا في البلاد، و جاء فيها رفض 60 بالمئة من الاندونيسيين لتطبيق أحكام الشريعة، و معارضة 77 بالمئة منهم لإجبار النساء على ارتداء الحجاب و العباءة، و هي تقريبا نفس النسبة التي عارضت قطع يد السارق وضرب عنق المرتد عن الإسلام. أما فيما يتعلق برجم مرتكبي الزنا أو جلدهم فكانت نسبة المعارضين هي 63.3 بالمئة.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندوة توعية للمزارعين ضمن مبادرة إزرع للهيئه القبطية الإنجيلي


.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا




.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج


.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان




.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل