الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيكولوجية الحب في ثقافات الشعوب

سعاد جبر

2006 / 9 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تبدو مفردة الحب بحد ذاتها كون خاص في الجمال والاحساس الصادق بالوجود ، والدينامية البشرية التي تشكل نجمات ساطعة في سماء تلك المفردة النابضة بالحياة ، وتغيب تلك المفردة بلا عودة في عوالم الأشكالات الأجتماعية التي تتأزم نحو تدمير الذوات والوجود ، ويشكل ذلك الغياب اسرار انسحاب الأحساس بالوجود مع تلك التأزمات و نكهة الشعور بالسعادة في الحياة
وشغلت تلك المفردة عوالم الأدباء في مساحات الإحساس المرهف ، وعوالم السيكولوجيين في دراسة الدينامية المحركة لتلك المفردة الهادئة الصاخبة في الآن ذاته في حياة البشر ، وماهية دوافع تلك المفردة في تحريك الوجود ، وما يوؤل معها إلى اسرار ساحرة ، في اكتسائه بالورد والسلام ، وألق تجليات المعاني السامية بين الآنام ، وروعة تألقه بطيور الحب المسافرة بلا حدود في اطياف حياتنا المتنوعة
وبعيداً عن الرؤية المقارنة لتنظيرات المدارس النفسية التي تعاطت مع هذه المفردة العذبة علمياً ، فإنها تؤطر جميعاً بعيداً عن صخب الأقوال وتناقضاتها ، في اعتبار تلك المفردة دافعاً محفزاً في ان يكون للفرد علاقة حميمة بأخر يبادله المحبة ويفهمة ويتجاوب معه ، وهي سمة فطرية نولد بها ، في عوالم الأحساس والمشاعر ، وليس لها اسباب فسيولوجية ، وتؤول انعكاسات فيما نبديه او نتلقاه من معاملة طيبة وحنان ورعاية ، او قد تظهر في حرارة اللقاء والمصافحة باليد ، وقد تترجم فيما يرتسم على ملامحنا من سرور وحبور وكلام مؤثر يؤطر تلك المشاعر المرهفة ، وقد نسقطها على الوجود شعراً ، وقد تكون مناجاة مع الطبيعة بكل موجوداتها الجميلة ، وقد يعبر عنها بالتقبيل والاحتضان ، وقد تؤول مع اوج الأنفعالات إلى دموع غزيرة في لغة الفرح ، وهنا تبدو هالة المساحة التي شغلت المفكرين بين الفرح والحزن في الخط الفاصل بينهما ، عند يؤول اوج الفرح إلى صورة شكلية للحزن من خلال الدموع ، والعكس صحيح عندما يؤول اوج الحزن والصدمة إلى لغة شكلية للفرح عبر جنون الضحكات ، وهو الجدل بحد ذاته القائم بين العبقرية والجنون في الخط الفاصل بينهما ، حيث تختلط المفردات جميعا في جدلية هذا الحد الفاصل بينهما سواء بين الفرح والحزن او العبقرية والجنون
لذلك فأن الحاجة إلى الحب في حياتنا هي عين الحاجة في ان يكون إلى جوارنا من يشبع فينا حاجات متنوعة ترتقي من الحاجات الحسية التي تتعلق بالحواس كلها ، إلى ان تغدو مجردة عند نضج الأنفعالات فتصبح حاجات معنوية تتعلق بالمعاني والجوهر ، بعيداً عن الشكل المحسوس والمظهر الخارجي المادي ، وهذه المعادلة تخضع لجدلية واسعة لأن الصورة التعبيرية للحب تبقى حالة وسط بين لغة الحواس ولغة المشاعر ، ويصعب ان تتجرد إلى المعني المطلق دونما ان تختلط بحراك حسي يعبر عنها ، سواء في لغة المعاملات البشرية الرقيقة او الصورة الأوج من خلال اللغة الجنسية ، وفي ظل تلك الجدلية تبرز طروحات السيكولوجيين في تفسير مضامين اللغة الصوفية وما يعتريها من معاني الحب الألهي ولغة التوحد بالوجود ، حيث تعبر عن المعني المطلق في لغة الحب والتجرد بلا حدود ، حيث تغدو الذات والوجود في هالة تلك المفردة حيث تكتسي بالقداسة في البدء والأنصهار والختام
ويقابل هذا النمط من المشاعر الصوفية المتفردة في الجوهر المطلق في اعلى درجاته ، النمط المادي البحت في اعلى درجاته ، فيما يعرف بالحب من النظرة الواحدة ، إذ يعتبر ضرب من الشهوة ، وذلك لأن اتصال النفوس وتلاقيها على حد قول ابن حزم الأندلسي لايكون الا بعد ان تتهيأ لهذا الأتصال وتسعد له بعد ايصال المعرفة اليها بما يشاكلها ويوافقها ، ومقابلة الطبائع التي تخفى على المحب من محبوبه بما يشابهها عنده ، وحينئذ يكون اللقاء صحيحاً ويحدث اثره ، واما ما يقع من أول وهلة ببعض اعراض الأستحسان الجسدي فهذا سر الشهوة ومعناها على الحقيقة ، فإذا تجاوزت المحبة الشهوة إلى توافق الطبائع يكون العشق ، وهنا تدخل اشكالية ان يحب المرء اثنتين ويتزوج اثنتين ، فالأولى لاتتحقق ، لأنه ليس للمحب من وقت وجهد يصرفه على غير محبوبه من اسباب دنياه ، فكيف يشتغل قلبه وفكره بحب ثان في الأن ذاته ، وانما الزواج يصح لأنه يقرأ من خلال الشهوة ويسمى محبة على الظاهرفهو كناية مجازية تحت مضمون المحبة لا على وجه الحقيقة ، ولا تتحقق على وجه الحقيقة الا لأمرأة واحدة لااثنتان او اكثر في الأن ذاته ، وهنا انوه بأن ما ذكر سابقاً هو حول نوعية الحب التي تدور فطريا بين الرجل والمرأة في الزواج وفلك العلاقات التي تدور في هذا الأطار ، لا مشاعر الحب التي تدخل تحت مظلةالأمومة والرحم ، لأن هناك اغصان متنوعة لشجرة الحب في الحياة ، بدءا من المفردة التي تكتسى بالقداسة في لغة الأيمان والروحانيات ، او حب الأباء او الحب الأخوي ، وهناك الحب المرتبط بالجنس فقط ، وهناك الحب الموضوعي عندما يشحن الوجود بمشاعره وجدانيا ، يقابله الحب الذاتي الذي يتمركز في الطفولة نحو دائرة الأم ، وهناك صور سلبية تنطلق من مشاعر الحب عندما ينحرف عن السوية فيكون في صورة الحب الجنسي المثلي ، الذي يعد شذوذاً جنسياً ، والحب العصابي الذاتي عندما يحب الشخص نفسه كما لو كانت موضوعاً خارجياً وهو عندما يتعاطى مع الطرف الأخر كأن يكون زوجاً مثلاً فهو في الصورة الخارجية يشبع بمشاعره الطرف الأخر ظاهراً ، ولكن في الواقع يشبع كل منهما في الأخر ناحية عصابية ، وليس تعلق احدهما بالأخر ، وهناك الحب الشفاف الذي يتجاوز حدود الموضوع الجنسي ليؤول في اطار المحبة المتجردة الشفافة ، التي تتشكل مدادها من التوافق واردادة كل من الطرفين ، على تأطير تلك العلاقة بالطهر والشفافية ولغة الأستمرارية رغم كل الحواجز المعيقة ، وتعنون بصورة الحب الزوجي الحقيقي او المنشود في الديانات ، حيث ينطلق إلى الجوهر ويتجاوز الحقيقة الشبقية المحضة ، وربما تفتقد تلك المعاني حقيقة في واقعنا مع كافة اشكال الأزمات التي تهدد العلاقات بين البشر ، وربما نجدها ولكن في مساحة جد ضيئلة في واقعنا المتخم بالماديات ولغة المصالح وتضخم الأنا والنزوات الشخصية المحضة
وما سبق ذكره يؤكد تلك الجدلية السيكولوجية التي تميز بين الحب كعاطفة وبين ان يكون علاقة بدنية ، وهنا الخط الفاصل لمعاني الطهر والشفافية في العلاقات ، ولغة النزوة والأنا في ادارة تلك العلاقات ، او ما يعرف بلغة الأسقاطات السيكولوجية في هذا الصدد
وفي اطار تجلية تلك المفردة سيكولوجياً ، تبرز تساؤلات حول لغة الشعوب في التعاطي معها ، فالمشاعر واحدة في البشر ، ولكن اشكال التعبير عنها متفاوت بحسب لغات العالم ، وما تترجمة تلك اللغات من انعكاس في الواقع الأجتماعي ، لأن اللغة ليست موضوعا خارجاً عن المجتمع ؛ انما هي من رحم المجتمع ، والعلاقة متداخلة بينهما ، فكل منهما يفد إلى الأخر في علاقة دورية لاتنتهي
فالمرأة الفرنسية تمارس الحب على طبيعتها، في اطار التلذذ والسيكولوجيا المفتوحة ، ولاتستنكف ان تظهر عواطفها علناً ، وتنأى عن لغات الكبت في مشاعرها ، في حين تكتنف لغات التعبير عن عاطفة الحب لدى الأسبان والأيطاليين بعض التحفظات ، وهذا يؤكده الأدب الفرنسي حول مفردة الحب الذي كتب فيه حتى الثمالة ، في حين لم تظهر بجلاء مشتهرلدى الأدب الأسباني ، وربما يفسره في ادبهم تأثرهم بالحضارة الأسلامية ، التي حافظت لديهم على حمرة الخد عند مخاطبة المرأة بمفردة الحب ومتعلقاتها ، كما يسجلها تراثهم الأدبي ، اما في البعد الأيطالي فتحفل لغة المآسي والألالم مقارنة مع هذه المفردة العذبة وانعكاساتها الأجتماعية ، الذي اتخمته الملاحم والألالم والحروب والتناقضات الأجتماعية
وترتبط مفردة الحب لدى الألمان بسيكولوجيا الحرمان والعذابات ، وهذه لغة انعكاساتها في الأدب الألماني ، وربما التراث الألماني احدث انعكاساته بجلاء في هذا الصدد ، والقرءاة المتأملة له عبر رحلة الصراعات الدموية ، والقومية المتفردة
وفي الأدب الأنكليزي هناك تقدير لمفردة الحب في اللغة الشعرية ، ولكنها لغة عملية ترتبط بالمادة اكثر ، وهي لاتخلو من مشاعر رقيقة ، ورسالة متميزة احدثت اثرها في الأدب العالمي عامة
اما المرأة الأمريكية فهي اقل نساء العالم الغربي معرفة بالحب الحقيقي ، الجوهر المطلق ، وربما اثرت حركة البراجماتية التي قادها ديوي ، في احداث انعكاساتها على المجتمع والسياسة ، في ظل لغة المنفعة والمصالح المتوقعة ، ومن هنا وردت على مساحات علاقات الحب لغة تجربة الحبيب وفيما بعد تقرر المرأة اعجابها به ، بناء على العلاقة الجسدية المحضة ، والمنافع المادية وقد تتزوجه وسرعان ما يحدث الأنفصال في ظل العلاقات المحكومة بالأنا والنزوات على غرار السياسة الأمريكية لتيار المحافظين ، فهي تحتفي بحلفائها وسرعان ما تجهز عليهم بسياسة العزل والحصار والأنفصال حتي القتل بنخب الثمالة ، كما تعكسها سياسة بوش والمحافظين العاشقين لمفردة الحرب مقابل مفردة الحب والفرق بينهما راء ولكنها تعني للسياسة الأمريكية الشئ الكثير في تدمير الذوات والأرض والحضارة معاً
وعلى سبيل الأستطراد تعد امريكا من اعلى دول العالم في معدلات الطلاق ، ويعد الأمريكي من اكثر الناس قصورا في النضج الأنفعالي في موضوع الحب ، واشدهم جهلا في مشاعر الأنوثة ومتطلباتها سيكولوجيا ، لأنه يعي الحب وسيكولوجيته في ظل الموضوع الجنسي ونزوات الذات وتلذذها في لغة الأنا المحضة على الوجه الأغلب لا التعميم بالطبع
وفي التراث العربي حفلت مفردة الحب بمساحات واسعة في لغة الشعراء والعاشقين ، وبلغت حد الجوهر المعنوي في التعاطي مع المحبوبة ولغة الأسقاطات بكافة تجلياتها على ديار المحبوبة ومتعلقاتها المادية ، وفي الواقع العربي ، الذي نحيا مخاضه الأن ، لايمكننا ان نجد سمة فاصلة لتلك المفردة في الواقع العربي الذي اتخم بالتبعية ، بحيث يصعب سيكولوجيا ايجاد سمة سيكولوجية فاصلة له ، فهو متأثر بلغة ماضوية سلبية كبلت المرأة وبالتالي كبلت تلك المفردة وخضعت لأطار حرمان تلفظها والخوض في ابعادها الا في اطر معينة ، او انسحبت لتغدو موضوعا جنسيا بحتاً كما في مساجلات بعض الفقهاء وربما لعبت الحركة الفنية عبر صورها الدرامية المتنوعة في ترسيخ تلك الرؤية القاصرة لتلك المفردة ، وربما تطرفت لتغدو في بعد الأباحية المطلقة حينا كما هي في اللغة الفرنسية او اللغة الأمريكية البراجماتية النفعية ، وربما نجدها متأثرة بسيكولوجيا الحرمان والألالم كما هي في التراث الشيعي ، وربما وجدناها محددودة المجالات في اطار الهي مقدس ، يحرم الخوض بها في مجالات اوسع واكثر رحابه لأن ذلك خروجا عن الثوابت كما في اطارها السلفي ، وما زال الأطار الأسلامي المعتدل يحوم حول الدائرة السلفية ولم يخرج إلى مجالات اكثر رحابة في التعاطي معها ، والجدلية الدائرة هنا تعود للخط الفاصل بين تلك المفردة ومضامين الثقافة الجنسية وما يعتري تلك الثقافة من كبت في التعبير والمداولة الواقعية تحت مظلة التأصيل والأنفتاح معا
وما سبق ذكره يعزز عدم امكانية تحديد سمات فاصلة لتلك المفردة في واقعنا العربي المعاصر رغم اننا نستطيع استخلاص سمات فاصلة لها في التراث الثقافي والأدبي على وجه التحديد للحضارة العربية الأسلامية
وفي نهاية مقالتي هنا ، ارجو ان اكون قد وفقت في تغطية ما تستحقه مني كباحثة سيكولوجية مفردة الحب ، فضلا عما تتطلبه مني تلك المفردة مني كأستحقاقات في اطار عملي في الأدب والنقد ، وما يؤطر تلك المجالات من مشاعر مرهفة وموضوعية محضة ، وازجي اسمى معاني الحب والتقدير لك قارئ ومار على مقالتي ، ومطالعتكم حروفي شرف لي ايما شرف








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو