الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ريان من إغران بشفشاون وملحمة تضامن عبرت حدود الأوطان والأديان

علي أحماد

2022 / 2 / 11
المجتمع المدني


ريان طفل صغير من قرية إغران الجبلية بشفشاون شمال المغرب .. شاءت الأقدار أن تزل قدماه ويهوي فـي بئر سحيقة وهو فـي ربيعه الخامس يوم الثلاثاء 01 فبراير 2022 وقد كان يرتع قرب دار والديه فـي غفلة منهما لحظة اهمال واستهتار. بعد لحظات من تسوية الحساب مع صاحب جرافة كنست المكان افتقد الأب الصغير. بحث فـي الجوار وتساءل بحرقة المكتوي بالنار كيف اختفى ريان دون سابق إنذار وكأن الأرض انشقت و ابتلعته. فـي الحال فكر والألم يعتصر أحشاءه والقلب تملأ دقاته المتتالية قفص الصدر ان فلذة كبده قد يكون قربانا آدميا لعوالم سفلية ببئر مهجورة بقيت فوهتها مفتوحة ومستوية مع الأرض دون أن تجود بقطرة ماء تروي الظمآن وتبل أرضا فلاحية دونه تظل بورا وبوارا . سمع للطفل أنين يخرج من باطن الأرض وعلى الفور مشدودا الى حبل تدلى هاتف محمول مشغل الكاميرا فأظهر الطفل عالقا في البئر...
فـي الحين ، وفـي رمشة عين استجابت السلطات لصرخة الأب وسخرت كل الوسائل الضرورية والمتاحة لإنقاذ الطفل وإرجاعه الى ذويه سالما غانما. انتشر الخبر كالنار فـي الهشيم فـي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي ونزل على رؤوس الخلق كالصاعقة وحج الى عين المكان من كل صوب وحدب ومن كل فج عميق ألاف المغاربة لتتبع تفاصيل الحدث عن كثب يحذوهم الأمل فـي اخراج ريان من غياهب الجب كمكان موحش وضيق وحيدا دون أنيس أو رفـيق . اكتسب ريان ود وتعاطف المغاربة وعدد من الدول العربية . هب الوطن لنجدة ريان. وكشف هذا التضامن اللامشروط جوهر الإنسان فزالت حواجز الحدود واختلاف الأديان والأوطان . بدى لأول وهلة كم افتقدنا هذا التضامن والتآزر ، وتأكدنا يقينا كم هو رائع هذا الشعب عندما تجعله المآسي يتحد وينسى خلافاته التي كرستها القبلية و غذتها الأحزاب لتعم الفرقة والتناطح من أجل مغانم آنية ويتحدى المصائب والفتن . ريان يقبع فـي حفرة على عمق يجاوز الثلاثين مترا قطرها ثلاثون سنتمترا تضيق حتى الاختناق فـي الأسفل...
التربة بهذا المكان هشة حيث الجبل والغابة والخوف سيد الموقف من انجراف التربة مكمن الخطر يقض مضجع لجنة اليقظة. ما بالنا قوم يغط في النوم وعند الكارثة يشكل لجنة لليقظة توكل اليها مهمة إصلاح أعطاب سياسة الحكومات المتوالية !
تقتضي الخطة حفر حفرة موازية للبئر مما تطلب عملا مضنيا ومجهودا جبارا وبطوليا من سائقي هذه الآلات الصفراء الضخمة الهادرة ليل نهار فـي تسابق مع عقارب الساعة التي بدت انها تزحف بطيئة لهول المصاب وبدأت تنسف التراب نسفا بالأطنان ولسان حالها سننسف هذا الجبل من أجل ريان لنجعل بيننا وبينه منفذا حتى لا يبقى بينا والطفل سدا . الخير فـي أبناء هذا الوطن مجبول يتجلى أوقات المحن ...
تظهر صور الإستغوار عبر شاشة حاسوب موصول بخيط كاميرا متدلية الى جوف البئر الطفل ريان وجها معفرا بالتراب وهو يتململ فـي محبسه مكورا كجنين فـي بطن الأم / الأرض. ضخت الصور شحنة من الأمل المغلف بالحذر فـي نفوس المشاهدين، وزرعت الحماس والتفاؤل فـي الحفارين. كان عمي علي الملقب ب ( الصحراوي ) المتطوع لحفر نفق من سبعة أمتار للوصول الى الطفل بعدما باءت بالفشل كل محاولات المتطوعين من النزول الى قاع البئر بسب ضيقه وقلة الأوكسجين . رغم خطورة العملية خاطر الرجل شهامة وإيثارا بحياته من أجل حياة الطفل . هذه طينة من البشر تكشف معدن الأحرار ومنبت الأخيار ومشرق الأنوار. هذا المغرب وطن يهب الفتى ليلبي نداءه ليسطر ملحمة من ملاحم هذا الشعب الأبي . بسطاء هذا الوطن لا يخلفون دائما وأبدا موعدا مع خدمة الإنسانية بروح المواطنة فـي أبهى وأسمى تجلياتها بسواعد -رجال ونساء - تحمل الوطن عاليا دون طمع أو إذعان لإغراء . علمتنا محنة ريان أن الوطن من أجل ابن من أبنائه يزحزح الجبال ، وأن المغاربة يمكن أن تجمعهم مأساة طفل هوى فـي الهاوية. كانوا عفويين وعلى الفطرة فـي تضامنهم . جفا النوم جفونهم ، سهروا الليالي والدموع فـي المآقي والقلوب بلغت الحلقوم. يتابعون المشهد الأليم على شاشات الهواتف فـي لقطات تحبس الأنفاس. الكل يتضرع الى الديان أن يحفظ ريان و يعيده الى حضن أمه ليطمئن قلبها وتقر به عينها كما أعاد موسى الى أمه وقد قذفته في اليم وليدا ، وينقذه الحفارة كما التقط السيارة جميل الله وأخرجوه من غياهب الجب بعدما كاد له إخوته ليخلو لهم وجه أبيهم فبكاه اسرائيل حتى ابيضت عيناه . وكما لفظ الحوت يونس من بطنه على الشط بعد اليأس والقنط . ورب قائل هؤلاء أنبياء وعهد المعجزات قد ولى .
اطمئن فسواعد الأبطال من عامة الشعب تهبش وتنبش لتصل اليك في سباق محموم مع الزمن ، والزمن بطبعه لا أمان له غدار . هنا وهناك تسمع من جمهور غفير التكبير والتهليل ودعاء أثير في مشهد مؤثر و مثير. منابر اعلامية الكترونية وفضائية تبث الأحداث لعلها تحقق السبق وإن اضطرت لتشويه الحقائق وزيادة منسوب القلق لدى المتشوق الى المعلومة الملغومة .
بغية الصحافة من كل هذا الزعيق والنعيق رفع رأسمالها ، و ما بكاؤها ونحيبها وراء الميكروفين سوى تمثيلية سمجة وفجة لكسب تعاطف المشاهد ، فهي كالكواسر الضارية تنتعش من مآسي الآخرين . فليرفإ الله بنا وبأبويه المكلومين ، فهذا ريان - من أبناء الشعب والإنسانية قاطبة - يقبع في حفرة عميقة موحشة وحيدا يواجه قدره العنيف دون ماء ولا أكسجين ضرورة الحياة . وربما - من رأي الأطباء -يعاني رضوضا وكسورا تشل وظائف المخ والكلى والرئتين !
لقد سطر الكل بجهودهم وتفانيهم ملحمة مغربية شعبية بامتياز ، ولكننا في مثل هذه المواقف لانعدم من يلقننا درسا في المواطنة / الوطنية ، ومن يبخس الناس أشياءهم أو من يجلد الذات ....رأى العالم أن المغرب - بالجمع والإجماع - قد هب لنجدة ريان من مواطنين عاديين ، سلطات عليا وقوات عمومية ، ليتأكد لنا بالملموس والمحسوس أن الوطن وإن جار علينا عزيز فهو أرض نحب ان ندفن في طياتها. فيها نموت و نحيى .. نجوع و نعرى ...نسعد و نشقى.. نفرح ونحزن... نأمل ونتألم...نضحك ونبكي ...نمرض ونشفى . نغزل من دمائنا له علما أحمر قان ومن خضرة غاباته ومروجه وسهوله ننسج نجمة خضراء. لقد كشف التضامن جوهر ومكنون الإنسان.
ما أقسى الإنتظار ، ولكن لله في خلقه شأن وليس لنا في هذه الدنيا الفانية سوى الصبر/ الاصطبار الذي يزين لها فيها العيش ولولاه لتلمظناه علقما وحنظلا . وهو علاج الفواجع و المواجع . كم يلزمنا من المآسي لتتفجر فينا ينابيع الإنسانية ؟
لا يضيرنا في شيء ان يذكرنا البعض من عرب الشرق – عبر تدوينات مريبة ومسمومة - بمحنة أطفال سوريا واليمن ، ونقول كل الأطفال ريان فلنا منهم ببلدنا مثال وشبيه في السهول والجبال وكثبان الرمل ..أطفال تسترهم الأسمال وتأويهم الخيام والكهوف وبيوت من طين دون تأفف وقد توردت منهم الخدود . يحتاجون الى المشفى لدواء العلل .. مدرسة لمحاربة الجهل وطريقا للتواصل ومدخولا قارا يعين على نوائب الدهر ضمن تنمية مستدامة تحفظ للإنسان كرامته وتجنبه مد اليد طلبا للعون ! . ريان لفت الإنتباه الى مأساة الطفل في كل زمان ومكان .
عجبا لهذه الجماهير الغفيرة لم يوحدها غلاء الأسعار واكتواء الأجراء بإجراءات الحجر الصحي ، ولم تخرج محتجة ترفع شعارات تندد بسياسة الحكومة وقرارتها المجحفة واللاشعبية والعشوائية .
نحن في حاجة ماسة الى علماء الاجتماع وسيكولوجية الجماهير لنأخذ من حادثة ومأساة ريان الدروس والعبر .. ولا تمضي هكذا فرجة لإشباع فضول عاطفة جياشة . ماذا حقق المغرب لأطفاله، أم هي حقوق على ورق ؟
كم من هوة / حفرة وجب و يجب ردمها وطمرها ؟
الفوارق الطبقية ؟ اقتصاد السوق و الريع ؟ الليبرالية المتوحشة ؟ تحريرالأسعار ؟ الرشوة ، المحسوبية والوساطة ؟ خوصصة التعليم والتطبيب ؟ ...ضعف القدرة الشرائية ؟ الفقر والهشاشة ؟ لوبيات الفساد ...
الإعلام صانع الأبطال ... لن ننس الطفلة السمراء نعيمة زهرية أكدز التي افتقدها أبواها ذات يوم لأيام متتالية حتى وجدها راعي غنم في الجوار أشلاء آدمية مرمية فوق صخور جبل ولم تنل حظا من الشهرة ولا وساما من البطولة تعاطف الناس !
انتهى الحفر اليدوي بعد طول انتظار لمدة خمسة أيام قضاها ريان في ظلمات البئر وحبس فيها المغاربة انفاسهم ...كم كان الأمل كبيرا في إخراج ريان من الحفرة حيا يرزق ، ولكن شاءت الأقدار أن يأخذ عزرائيل روح الملاك الطاهر ولو كان في حفرة سحيقة ومظلمة ليخرج منها جثة هامدة يوم السبت 05 فبراير 2002 حوالي العاشرة ليلا . مشهد مروع و صادم. ريان له الجنان في عنان السماء ولنا السلوان في الأرض وتحت السماء.
وري جثمان الطفل ريان الثرى بقريته في جنازة مهيبة . وبقيت الشائعات تلاحق مأساة ريان تتغذى على الخرافة والسحر والشعوذة وقصص اطفال زهريين ( زهري ملكي من النوع النادر ) منذورين لاستخراج الكنوز من جوف الأرض ( الصندوق الأسود والتمائم ) و طقوس عبدة الشيطان من أتباع الماسونية ( للسيطرة على العالم ) حيث تقدم قرابين آدمية في محراب الشهوة ...

ميدلت| المغرب فبراير2022








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد منح اليونسكو جائزة حرية الصحافة إلى الصحفيين الفلسطينيين


.. الأمم المتحدة التوغل في رفح سيعرض حياة الآلاف للخطر




.. السلطات التونسية تنقل المهاجرين إلى خارج العاصمة.. وأزمة متو


.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص




.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة