الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث مع غسّان غنّوم عن الدين

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2022 / 2 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قبل سنوات وفي حديث عن الدين مع صديقي المُترجم السوري غسّان غنّوم -رحمه الله- وقد درس في جامعة "ميغيل" العريقة في مونتريال لنيل درجة دكتور في الزراعة. قال: طُرح السؤال التالي على الجمهور في إحدى المُقاطعات الكندية: هل يلعب الدين دوراً إيجابياً أم سلبياً في المجتمع؟ كان السؤال واضحاً وصريحاً لا يحتمل التأويل، فأجاب أكثر من خمسين بالمئة: نعم، يلعب الدين دوراً إيجابياً في المجتمع.

كان الحديث يتناول مقولة: "الدين في المجتمعات العربية هو السبب الأساسي لتخلفها" و "الدين لله والوطن للجميع" و "فصل الدين عن الدولة" والمقولات منتشرة انتشاراً واسعاً عند أهل "اليسار الماركسي" في الوطن العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد الإنترنيت في توصيل الأفكار للجمهور. فما حقيقة هذا الطرح، وهل يسبح في فلكه الصحيح؟

ما الذي نعنيه بالدين هنا؟ في الحديث "الدين النصيحة" والأصل اللغوي لكلمة نصيحة: التلفيق بين الناس، من النصح وهو الخياطة، وذلك أن تلفق بين التفاريق. والدين هو صلة الإنسان بخالقه وهو -أي الدين- جمع من الشرائع والسنن والحقائق الإيمانية ومعاير السلوك التي تؤكد ارتباط المؤمن بخالقه. ويتبنى وجهة النظر هذه المؤمنون من الديانات السماوية اليهودية والمسيحية والإسلامية. وهنا تنبثق عن هذا كله صلة عاطفية بين الدين وبين حامله وبالتالي ينشأ عن التصور الديني للحياة رغبات ومساعي وآمال وعواطف. وهذا الجمع من الأحاسيس التي خلقها الدين في النفس البشرية هي التي تجعل منه قوة حيوية مهيمنة.

المعروف أن أهل الديانات السماوية يرفضون التقييم الذي أعطاه أهل العلم والفلسفة للدين، ويعتقدون أن الدين لا يمكن أن يكون ضلالاً في ضلال، لأنه يعيش طويلاً في أذهان الناس، ويحظى بتأثير كبير في سلوكهم وحياتهم وعاداتهم وتقاليدهم. ولا يمكن غض الطرف عن متعلقات الدين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فتاريخ الشرق هو تاريخ الأديان على حد تعبير كارل ماركس.

يعتقد القسم الأكبر من أصحاب الفكر العلماني أن نظام الحكم في المجتمع لا يستقيم إلا إذا أخذنا بما يظن أنه "نظرية الدولة العلمانية الحديثة" في الفكر الغربي. والدولة في الغرب تختلف اختلافاً بيناً عن الدولة في الشرق. فهل استطاع فلاسفة الشرق والغرب من أيام سقراط في أثينا إلى زكي نجيب محمود في القاهرة أن يكوّنوا تصوراً موحداً عن شكل الدولة التي تصلح لقيام علاقة تشاركية وعادلة بين الحاكم والمحكوم؟ وهل شكل الدولة الموحد هو مطلب كل البشر في كل المجتمعات على كوكب الأرض؟

والسؤال المهم في حديثي من غسان غنّوم كان هل الدين حركة ثورية في الحضارة البشرية بالمعنى العميق للكلمة أم حركة "رجعية" إن صحَّ التعبير؟ كان جوابه بأن الدين كان حركة نحو الأمام بكل تأكيد في عُرف ذلك الزمان الذي ظهرت فيه الإرهاصات الأولى للفكر الديني في الشرق خاصة. وقد طرحتُ عليه فكرة أربكته-رحمه الله- قلتُ: بما أن الدين بمختلف تجلياته قد تطور مع تطور الإنسان فإن التفكير المستقيم يقول بأن الدين وجد مع وجود الإنسان على الأرض وقبل ذلك في المجتمعات الحيوانية لا يوجد دين. هل هذا منطقي، أم أُعيد صياغة الفكرة. قال: هل تقصد بأن الدين أحد مكونات الجنس البشري؟

في العصر الحديث عرَّفت الفلسفة الماركسية الدين بأنه انعكاس وهمي للعالم، ناشئ من العجز، في الأدوار المبكرة للوعي البشري. وقد أُعيدت صياغة الفكرة من جانب الشاعر العراقي المتفلسف جميل صدقي الزهاوي. قال يخاطب الإنسان في بيتين من أطرف وأعمق ما نظم:

لما جهلت من الطبيعة سرها
واقمت نفسك في مقام معلل
صورتَ ربَّاً تبتغي حلاًّ به
للمشكلات فكان أعظم مشكل

ليس نقد الدين ما يفيد هنا بل نقد الواقع، لهذا بات المسار باتجاه معاكس لما أشار إليه كارل ماركس، فقد عدنا ننقد السماء بدل نقد الأرض. ليس الدين هو المنتج لظاهرة الجهاد أو للتعصب والتطرف مثلاً، بل الواقع ذاته. الواقع بما يعنيه من استبداد وتسلط العسكر وجهلهم، ومن ظروف اجتماعية انتجت الفساد العام من خلال التهميش والفقر والبطالة، ومن ثمَّ تحويل العباد إلى عبد وسيد وتهيئة المجال لجعل الطبقات المسيطرة تسعى إلى استغلال الدين من أجل تشويه الصراع الطبقي.

هل كان البشر قبل ظهور الدين في حياتهم أقل همجية ورعونة وأسلس انقياداً نحو السلم والسكينة ثم جاء الدين فصيرهم أكثر ميلاً للعراك؟ هل كان واقع معيشة البشر والصراع على السلطة والمال والجنس من العوامل التي لعبت دوراً في تحول الدين إلى عقيدة؟ وهل العقيدة هي المسؤولة عن تكوين الوجدان القمعي للأفراد ومصادرة حرية الضمير؟

هذه الأسئلة هي التي تحتاج إلى نقد وتفكيك من أجل وضع سياق يسمح برؤية صيرورة الصراع، وبالتالي يطرح البديل الذي يحقق مطالب الشعوب، النقد الذي يطال الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، النقد الذي يطال العجز الذي يشل يد "قوى التغيير" ويجعلها مغلولة إلى عنقها. وأكاد اسمع صرخة المفكر الماركسي الفلسطيني الراحل سلامة كيلة: لا تهربوا إلى نقد السماء فهي موجودة في الأرض، انقدوا كل ما يدفع إلى جعل الشعوب تريد العزاء الروحي، واشتغلوا على تغيير الواقع الذي ينتج ذلك، اشتغلوا على واقع يحمي إنسانية الإنسان، ويسمح له بحياة كريمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا