الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض ماهية الشر في الإسلام

هيبت بافي حلبجة

2022 / 2 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


بعدما إنتقدنا ماري بيكر في إشكالية الشر ، وإنتقدنا مفهوم الشر لدى لايبنتز ، نود أن ننتقد ماهية الشر في المعتقد الديني الإسلامي حسب النص الإلهي نفسه . ونود هنا أن نبدي ثلاثة ملاحظات ضرورية ، تتعلق بما نرمي إليه في هذا الخصوص :
الملاحظة الأولى : إن تفسيرات الفقهاء وأدعية الفكر الإسلامي لامجال لها هنا ، لإنها في رأينا ، هي تفسيرات عقيمة وكاذبة وباطلة ، ويدرك أصحابها إنهم يكذبون ويدلسون ، وهاهو أحدهم يزعم إن إله الكون قد أشار إلى مفهوم الديجتال في النص الإلهي ، هذا الإله الذي لايعرف كيف تشرق الشمس وأين تستقر ، هذا الإله الذي يقارن مابين الشمس والقمر ، لإنه لايدرك هذه المسائل الفلكية إلا من خلال البعد البصري البشري .
الملاحظة الثانية : إن مايسمى بالنص الإلهي ، وهو هذا القرأن المتداول حالياٌ ، هو صناعة بشرية ، تأليف بشري ، وهو يهتف ويصرخ من الحرف الأول حتى الحرف الأخير : ليس لي علاقة برب الكون ، إن من ألفني هم مجموعة بشرية ، وأنا لا أدري إن كان هناك رب للكون أم لا .
ومن المؤكد إن إله الكون لايمكن أن يوجد من حيث طبيعته ، من حيث مفهومه ، فلا إله ولانص إلهي ولا أنبياء ولارسل ، ولاجنة ولا نار .
الملاحظة الثالثة : ورغم التناقضات البشعة في ثنايا هذا النص الإلهي المزعوم ، فإننا في هذه الحلقة نلتزم فقط ، وفقط فقط ، بما ورد ، بما هو مدون فيه ، وسنحاول أن نؤصل لأبعاد مقدمات هذه الحلقة من تلك تلك الايات التي تبدو منطقية أكثر من غيرها . فإلى المقدمات :
المقدمة الأولى : يقول النص الإلهي في سورة العصر : والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . الآية 1ـ 3 . هذه هي سورة كاملة ومؤتلفة من ثلاثة آيات . والعصر آية ، إن الإنسان لفي خسر آية . إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر آية .
الآية الأولى والعصر تدل دلالة ثابتة وقطعية على القسم الإلهي فيما يخص الدهر ، وعمر الإنسان ، ، والضياع ، والتيه ، والليل والنهار ، وتنم عن الدلالات التالية :
الدلالة الأولى : إن إله الكون يريد أن يقرر قراراٌ قطعياٌ باتاٌ ، تاماٌ في خاصيته ، تاماٌ في أسه ، تاماٌ في دلالته ، فيقسم .
الدلالة الثانية : إن ما يأتي مابعد القسم هو نص القرار ، وهو المستكفي ذاته بذاته ، ولايجوز تأويله أو تفسيره أو تقييده بنص إلهي آخر ، إلا إذا سمح نص القرار بذلك .
الدلالة الثالثة : إن نص القرار يقتضي ، من حيث المبتغى والأصل ، دوام فاعليته ، دوام أثره ، دوام شرعيته ، في خصوص جوهره ، أي في خصوص فحواه . أي دوامه من حيث مايبتغي وعدم زواله ، وعدم إبطاله تحت أي شرط كان ، تحت أي شرط تناقضي كان .
الآية الثانية إن الإنسان لفي خسر ، إن الإنسان ، كل الناس ، كل كائن من حيث هو إنسان ، هو في هلاك ، هو في شر ، هو في ضلال . وهذا يدل على الدلالات الثلاثة التالية :
الدلالة الأولى : إن الشر هو الأصل في الحقيقة البشرية ، وهو المتأصل ، وهوسابق للخير بالمطلق ، وحينما ولد الإنسان ولد معه الشر كتوأم بنيوي ، وكان الخير معدوماٌ بالمعنى الغيابي . وحينما ولد الإنسان كان ضائعاٌ تائها ضالاٌ مهزوماٌ ، وكأنه كان يعيش في حالة من الخسوف التام ، حالة برية مطلقة ، همجية كاملة ، حالة شر كلية .
الدلالة الثانية إن مفردة الإنسان بأل التعريف وبالصيغة المطلقة تدل على إن الإنسان من حيث وجوده الإنطولوجي ، من حيث هو هو ، هو في حالة هلاك أبدية ، حالة كلية من التيه والضلال ، أي إن الشر مصاحب بنيوياٌ ، ومتآلف تكوينياٌ مع إنطولوجية الإنسان ، ومتطابق معها ، ومتماثل لها .
الدلالة الثالثة : إن صيغة الآيات : والعصر . إن الإنسان لفي خسر . تدل بالثبات إن وجود الإنسان مستقل عن وجود مؤلف هذه الآية ، عن وجود إله الكون . لإنه لو كان خالق هذا الإنسان لقال بالقطع : والعصر . إن الإنسان لفي نعيم . إلا من كفر فأولئك من أصحاب الجحيم . إذ كيف يسمح هذا الإله أن يخلقه في حالة من الهلاك والضلال ، إذ كيف يسمح بخلق الشر أولاٌ كقاعدة مطلقة .
الآية الثالثة إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر . هذه الآية تدل على الملاحظات الثلاثة الآتية :
الملاحظة الآولى : إن أداة الإستثناء هنا ليست أداة إستثناء بالمعنى المتعارف عليه ، أي هي لاتقتطع الجزء من الأصل ، أو الخاص من العام ، إنما هي تفسر حالة العلاقة مابين الخسر ومابين الإيمان ، حيث الأول يتحقق في الكل قاطبة ، يتحقق بداءة ، يتحقق بالضرورة ، وبعدما أن يتحقق يأتي الإيمان ليحول ماهو هالك وضائع وتائه إلى ماهو يستقر في حالة إنقاذ ونجاة وفلاح .
الملاحظة الثانية : في الحقيقة إن أداة الإستثناء ، إلا ، غير موفقة ، إذ كان من الأجدر إستبدالها ب ، وأما ، لتغدو الآية على النحو التالي : والعصر . إن الإنسان لفي خسر . وأما الذين آمنوا هم في نعيم . والسبب إن الإيمان ليست حالة أصيلة لدى البشر ، إنها حالة طارئة ، حالة تطرأ على الأصل القطعي وهو ، إن الإنسان لفي خسر . ثم إن ، إلا ، ينبغي أن تأتي مطابقة تماماٌ مابين المقصودين ، الأول والثاني ، كأن نقول : لقد أتى كل رجال القرية إلا أحمد . خذ كل الورود إلا الحمراء فهي لجارك . وهكذا يتحقق التوافق مابين المقصودين ، رجال القرية وأحمد هو أيضاٌ من رجال القرية ، الورود والورود الحمراء هي من تلك الورود ، بينما لايتحقق ذلك في حالة الإيمان ، فالإيمان ، وحسب نصوص عديدة من النص الإلهي ، لايتعلق بطبيعة الشخص منذ المنذ ، بل حتى نبي إله الكون لم يكن مؤمناٌ في البداية .
الملاحظة الثالثة : إن هذه الآية تتناقض جذرياٌ مع آيات أخرى ومع أسباب نزولها ، نورد ما ورد على لسان محمد متولي الشعراوي ، الناقل عن أبن عباس ، حيث إن الوحشي قاتل حمزة ، قابل نبي إله الكون وقال له : يا رسول الله ، إني أشركت بالله وقتلت وزنيت فهل لي نصيب في المغفرة . فنزلت الآية 70 من سورة الفرقان : إلا من تاب وعمل عملاٌ صالحاٌ فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراٌ رحيماٌ . فرد الوحشي : ثمت شرط وهو من عمل عملاٌ صالحاٌ فربما لن أقوم به . فنزلت الآية 48 من سورة النساء : إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . فرد الوحشي وكأنه يفاوض إله الكون : ثمت شرط وهو لمن يشاء وقد لا أكون تحت مظلة مشيئة الله . فنزلت الآية 53 من سورة الزمر : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم . فرد الوحشي : الآن لايوجد شرط ، ودخل الإسلام .
المقدمة الثانية : يقول النص الإلهي في سورة الشمس : والشمس وضحاها . والقمر إذ تلاها . والنهار إذ جلاها . والليل إذ يغشاها . والسماء ومابناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها . الآية 1 ـ 10 .
دعونا نتجاوز إشكالية إن إله الكون كان يعتقد ، بسذاحة وحسب رؤية البصر ، إن الليل يغلف الشمس ويجعلها مظلمة ، فإن الآيات الأربعة الأخيرة هي التي نكترث بها في هذه الحلقة ، وهنا لابد من الملاحظات الأربعة التالية :
الملاحظة الآولى : ونفس وماسواها . إن مفردة ، نفس ، هي كوردية زرادشتية ، لذلك فإن النص الإلهي يعرف كل المفردات التي سبقتها بأل التعريف ، الشمس ، القمر ، النهار ، الليل ، السماء ، الأرض ، في حين إنه لايعرف كلمة نفس بأل التعريف لإنه يدرك إنها معرفة هكذا كما هي في لغتها الأصلية ، في اللغة الكوردية ، مثلها مثل كل المفردات في اللغة الكوردية فهي معرفة كما هي ، نفس ، روح ، دنيا ، أسد ، جبل ، شجر .
الملاحظة الثانية : إن الفعل ، سواها ، هو فعل قديم في اللغة الكوردية ، وتعني أربعة معان متقاربة ، فسواها ، سوى الشيء أي صنعه ، أو أنجزه ، أو كونه ، أو فعله . والمهم في هذا الأمر إن الجملة ، ونفس وماسواها ، تعني كما هو المعنى في اللغة الكوردية ، كونها وليس خلقها . لذلك يستخدم كاتب النص الإلهي ، فألهمها فجورها وتقواها ، ويقع في المصيدة كما هو واضح .
الملاحظة الثالثة : فألهمها فجورها وتقواها . أي قد أودع فيها أسباب الشر ، وهو يزعم إنه قد أودع فيها أسباب الخير ، وهذا لايجوز ، بل هو تناقض صريح . فأسباب الشر ، كما هو الأمر لدى الديانتين الزرادشتية والأزيدية ، هي من البنيان الباطني للنفس حيث يوسوس إله الشر ، الشيطان ، ناهيكم عن دور الإفرازات الغددية والهرمونات والغرائز ، في حين إن أسباب الخير هي في تأصيلها من البنيان الخارجي للنفس ، ومرهونة بالضرورة بالعقل من حيث الأصل ، وبالأخلاق والتربية والمنطق الإجتماعي وحالة الجماعة من حيث السيرورة .
الملاحظة الرابعة : والنص الإلهي هو نفسه الذي يؤكد على إن إله الكون قد أودع في النفس الشر وأسباب الفجور ولم يدع فيها أسباب التقوى والخير ، بدليل الآية نفسها : قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها . فهو يقصد الفلاح والنجاة لمن زكا أسباب الفجور ، أي تغلب عليها بالعقل والمنطق والأخلاق ، ويقصد الهلاك والضياع لمن دسا أسباب الفجور نفسها ، أي حينما تستبد به وتخضعه لسيطرتها بل لنزواتها . فإله الكون قد أودع فيها النزوات ولم يدع فيها التقوى . فالفعل الأول من عمل الإله ، والفعل الثاني من فعل البشر . في حين إن الديانتين الزرادشتية والأزيدية تعبران عن هذه الحالة بكل وضوح وصدق ومنسجمتين مع فلسفتهما الكونية الأبدية ، حيث الصراع الأبدي مابين الإلهين ، إله الخير أهورامزدا ، وإله الشر إهريمن .
المقدمة الثالثة : لقد رأينا في المقدمتين السابقتين ، إن الإنسان هو مصدر الشر كما في المقدمة الأولى ، وإن النفس هي المصدر الثاني للشر كما في المقدمة الثانية ، وحان الوقت أن نرى المصدر الثالث للشر ألا وهو الشيطان ، لنر ذلك .
من حيث المنطق العام وروح المفاهيم ، إن هذا الإله ، إله الكون ، هو منذ الأزل حيث هو ، وينبغي بالضرورة أن يكون بمفرده ، وإذا ما وجد كائن آخر فلابد أن يكون هذا الكائن الآخر جزء من إله الكون وإلا سنكون إزاء إشكاليات متعددة أقلها إن هذا الكائن الآخر إله مستقل .
وبما إن إله الكون ، هو منذ الأزل حيث هو ولم يزل ، فإنه قد أراد وقرر أن يخلق الملائكة ، أي أصبح لدينا إله الكون من جهة ، ومخلوقاته الملائكة من جهة ثانية . وكان الشيطان كبير الملائكة وعظيم الشأن لدى إله الكون ، وبالصدفة كانت أسماء الملائكة ، بإستثناء أسم الشيطان ، كلها تنتهي ب إيل ، أسم الإله في اللغة الكوردية القديمة والذي إنتقل إلى الديانة اليهودية ومن ثم إلى الديانة الإسلامية . وحتى هنا كان الكون والوجود والعالم كله في خير تام ، حيث كانت الملائكة تقدس إله الكون وتعبده وتسجد له .
إلى ذلك ، حدث أمر في غاية الخصوصية ، حيث إراد وقرر إله الكون أن يخلق آدم . الآية 30 من سورة البقرة : وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون . والآية 34 من سورة البقرة : وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى وأستكبر وكان من الكافرين . والآية 61 من سورة الإسراء : وإذ قلنا للملائكة إسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طيناٌ .
وهكذا بدأت الحكاية الخرافية مابين إله الكون وإبليس إلى أن إنتهت بقول إله الكون للشيطان : أخرج منها مذءوماٌ مدحوراٌ لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين .
قال فأخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ، قال يارب إنظرني إلى يوم يبعثون ، قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ، قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ، قال فالحق والحق أقول ، لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين .
وهكذا يطلب الشيطان من الله أن ينظره إلى يوم يبعثون ، فيقول إله الإسلام هو لك ، أي إن الشيطان سوف يغوي الناس ، ورب العالمين يوافق على ذلك ، أي إن إله الإسلام هو مصدر الحقيقي للشر في العلاقة مابين الشيطان ومابينه .
نكتفي بهذا القدر ، ونبدي إعتراضنا على النحو الآتي :
أولاٌ : في المقام الآول ، لابد من نقطة وإنتقاد ضروريان لفهم العلاقة مابين إله الكون المزعوم وموضوع الشر . فإله الكون كان في البدء ، في البدء الأزلي ، في بدء البدء ، ولايمكن أن يوجد كائن معه ، فإن وجد فإما أن يكون جزءاٌ من هذا الإله ، أو أن يكون إلهاٌ مستقلاٌ . وهنا تكمن أساس الإشكالية : فياترى ماهو وجه الضرورة ، ماهو وجه الوجوب ، في أن يكون ثمة شر ، بغض النظر عن مفهومه ، عن مجاله ، عن تعربفه . أي ماهو وجه الضرورة ، ماهو وجه الوجوب ، في أن يكون ثمة آخر أصلاٌ . أي ماهو وجه الضرورة ، ماهو وجه الوجوب ، في أن يطرأ على الوجود الإلهي طروء وطارىء . وفي الأصل والتأصيل ، لدينا إشكالية من أربعة جوانب :
من جانب أول إن أي طارىء على الوجود الإلهي إما أن يغير من الوجود الإلهي أو إنه لايغير من الأمر شيئاٌ . ففي الحالة الثانية كإنه لم يكن ، وفي هذه الحالة يكون أساس الفرضية باطلاٌ ، أي لايوجد ماهو طارىء بالأصل . وفي الحالة الأولى إن أي تغير في الحقيقة الإلهية تؤكد على التالي : إما إن هذا الكائن كان إلهاٌ ثم تحول إلى لا إله ، إما إن هذا الكائن لم يكن إلهاٌ ثم أصبح إلهاٌ ، وهذا مرفوض بالقطع في الحالتين . أي إن الوجود يحتمل الوجود الإلهي فقط ، في حال وجوده ، دون أي وجود آخر أو أي طارىء كان .
من جانب ثان ماهي الإشكالية لدى الشيطان أو لديك أو لدى تلك الزهرة أو ذالك الحصان إذا كانت ، كلها ، من مخلوقات هذا الإله ، فإن وجدت إشكالية فهي بالقطع إشكالية إلهية ، وإن وجدت إشكالية إلهية إنتفى الوجود الإلهي كإله . وإذا ما آلفنا مابين الجانبين ، الأول والثاني ، ندرك إن إله الكون لايمكن أن يخلق ماهو مغاير له ، وإذا خلق هذا المغاير ، وهذه فرضية مرفوضة ، فلايجوز لهذا الإله أن يغرس ويودع الشر في مخلوقاته .
ومن جانب ثالث إن الوجود الإلهي ، إما أن يكون ناقصاٌ في ذاته أو كاملاٌ ، فإذا كان كاملاٌ فلا يمكن أن يوجد غيره مهما كان حقيقة هذا الآخر ، الشيطان ، الإنسان ، الشر ، الشجرة ، وإما أن يكون ناقصاٌ حينها لم يعد هذا الإله إلهاٌ ، كما إن هذا الآخر لايستطيع أن يضفي شيئاٌ على الذات الإلهية إنه مخلوق من حيث الأصل ، ويناقض الكمال الإلهي من حيث المبنى .
ومن جانب رابع طالما إن إله الكون هو كلي القدرة ، ولايمكن أن يوجد شيء إلا من خلال مشيئته فلماذا يوجد الشر من الزاوية الإنطولوجية . وفي الحقيقة نحن إزاء فرضين ، الأول أن يتعلق ويرتهن الشر بالوجود الإلهي ، والثاني أن يرتهن بالمخلوقات . في الفرض الأول لايمكن أن يحدث ، ولايمكن أن يدرك ، ولايمكن أن يكون له من معنى . وفي الفرض الثاني ماذنب هذه المخلوقات ، ماذنبك ، ماذنب الشجرة ، ما ذنب الذئب ، ذنب الطبيعة ، ذنب الإنسان ، ذنب الزلازل ، ذنب النفس ، ذنب الشيطان ، إذا كانت كلها تمارس حياتها وفقاٌ لطبيعتها ولقواعد طبيعتها المخلوقة أصلاٌ من قبل هذا الإله العظيم الذي خلقها على تلك الطبائع .
ثانياٌ : برغم سلامة وأستقامة موقف الشيطان من محنته مع آدم وإله الكون ، نفرض جدلاٌ إن كل ماورد في النص الإلهي سليم ومنطقي وما كان ينبغي للشيطان أن يعصي أمر ربه في عدم السجود لآدم . فهل الشيطان ، هنا ، هو مصدر للشر ، الجواب هو في ترتيب وتسلسل الأحداث في النص الإلهي نفسه . في البدء كان الإله ومن ثم خلق الملائكة ، والشيطان من الملائكة ، وكان الكون كله في خير وسعادة وراحة بال ، أي لم يكن ماهو شر على الإطلاق : إلا إن حدثت حدوثاٌ قضية آدم ، فعصى الشيطان أمر ربه ولم يشرك ولم يجحد ولم يكفر ، وطالما إن الشيطان بقي على إيمانه فهو ليس مصدراٌ للشر ، لإنه إرتكب ، فقط ، معصية حسب التوصيف الإلهي نفسه ، وهو لايستحق أن يقول فيه إله الكون : قال فأخرج منها فإنك رجيم ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين . قال أخرج منها مذءوماٌ مدحوراٌ لمن تبعك لأملأن جهنم منكم أجمعين . بل كان من المفروض أن يكافئه رب العالمين ويعاقب بقية الملائكة . وهكذا فإن ماضي الشيطان قبل حادثة العصيان يؤكد إنه ليس مصدراٌ للشر ، كما إن إيمانه بإله الكون ينفي عنه فرضية إنه مصدر للشر ، ولهذا لايجوز لإله الكون أن ينزل عليه لعنته ويطرده من النعيم .
ثالثاٌ : إن الآية الكريمة : والعصر . إن الإنسان لفي خسر . إلا الذين آمنوا ... غير موفقة ، إذ كان من الأجدر القول وبصيغة المفرد وليس الجمع : والعصر . إن الإنسان لفي نعيم . إلا من أشرك بنا وكفر بآياتنا . والسبب يكمن في ترتيب وتسلسل الأحداث في النص الإلهي نفسه . حينما خلق الإله آدم أكرمه وقال للملائكة أسجدوا له ، وأدخله الجنة ، فهل من المعقول أن يدخل الجنة أو يكرمه الرب من كان مصدراٌ للشر .
رابعاٌ : في الحقيقة إن إشكالية الشر في الإسلام تكمن في ذهنية مؤلف النص الإلهي ، وهي ذات الإشكالية بالنسبة للشيطان ، وهي ذات الإشكالية بالنسبة لآدم ، وهي ذات الإشكالية في ثنوية الإسلام ، فالإسلام في جوهره ليس ديناٌ توحيدياٌ ، إنما ديناٌ ثنوياٌ وديناٌ مشركاٌ ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول . والسبب الجوهري في كل هذه التناقضات هو إن مخترع الإسلام قد إقتبس النص الإلهي ، والمعتقدات قاطبة من الديانات التي سبقته ، سيما الزرادشتية والأزيدية والمندائية واليهودية والمسيحية ، وبما إنه كان يجهل الرباط الحقيقي مابين أفكار كل ديانة بمفردها ، إلتبست عليه كيفية إخراج المعاني . من ذلك مفهوم الشر ، سيما في الديانتين الأزيدية والزرادشتية ، فإعترف بوجود الشر في الكون والعالم في أكثر من خمسة وعشرين آية ، وأضطر أن يربط هذا الشر بصاحبه ، الشيطان ، فإخترع هذه القصة المتناقضة التي لا تليق بمفهوم الإله : وهنا ينبثق السؤال الرئيس والجوهري وهو ، ألم يعلم هذا الإله إن الشيطان لن يسجد لآدم ، وإنه محق في ذلك ، وإنه هو نفسه ، أي الإله ، على باطل ، فكيف يلصق تهمة الشر بالشيطان وهو بريء ، ولايلصقها بذاته وهو مرتكب الشر أولاٌ ، فإله الكون ، وحسب النص الإلهي ، قد إقترف مضمون الشر قبل أي كائن آخر ، إرتكبه قبل آدم ، وإرتكبه آدم قبل الملائكة ، وإرتكبته الملائكة قبل الشيطان ، والشيطان لم يرتكب الشر .
خامساٌ : وفي خصوص الشر في العلاقة مابين آدم وتلك الشجرة ، ومن ثم طرده من الجنة : أليس هذا أمراٌ متهالكاٌ متناقضاٌ ، إذ كيف يخلق إله الكون مثل هذه الشجرة . ثم ينبثق السؤال المركزي : هل أراد إله الكون ذلك أم إنه لم يرد ، فإذا كان قد أراد ذلك ، يتحول الأمر إلى مسرحية هزيلة سخيفة ، وفي الحالة الثانية ينعدم العلم الإلهي .
سادساٌ : إن إله الكون ، إله الإسلام ، يعترف رسمياٌ إنه خالق للشر : سورة الفلق ، قل أعوذ برب الفلق . من شر ما خلق . وإلى اللقاء في الحلقة الثالثة والعشرين مابعد المائة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الكاتب
على سالم ( 2022 / 2 / 16 - 18:36 )
شكرا جذيلا لك لكل مقالاتك الرائعه التنويريه , نحن نريد المزيد من هذه المقالات لتنوير العقوال العروبيه الاسلاميه الغبيه والتى لاتزال تعيش فى ظلام دامس وتأخر وبلاده ذهنيه واسعه


2 - شكرا الأستاذ علي سالم المحترم
هيبت بافي حلبجة ( 2022 / 2 / 21 - 13:03 )
كلامك في السليم
وهذه معاناتنا أجمعين
ولك دوام التوفيق
خالص الود

اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل