الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلاج

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 2 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١١٨ - الحلاج

ورغم ما أكدناه سابقا من الفرق والتمايز بين التصوف والشعر والفلسفة، كممارسات تتعلق بالإنسان الذي يبحث عن معنى للوجود، فيما يخص غائية ومنهجية هذا البحث، فإن ذلك لا يمنع وجود نقاط تقاطع فيما يخص مصدر هذا البحث ومنبعه، وهو " الذات الواعية " أو الـ "أنا" التي تحدثنا عنها سابقا، والتي كانت الشغل الشاغل للعديد من كبار المتصوفة، فالذات الواعية هي التي تعيش هذه التجارب المختلفة. وها هو الحلاج يصرح لنا بكل وضوح عن قلقه من عرضية هذه الـ "أنا" وإنزلاقها خارج وعيه، وعدم إمكانية إحتوائها أو ثباتها :
" لست أنا ولست هو، فمن أنا ومن هو، لا و"أنا" ما هو أنا، و"لا أنا" ما هو هو"
وهناك مقاطع عديدة من أقواله وأشعاره وما يسمى بالشطحات يبدو فيها الحلاج "مسكونا" بشخصية أخرى تتكلم بإسمها على لسانه، ويؤكد فيها فقدانه لذاته، وهو ما يسمى في علم النفس بـ " اضطراب الهوية الانفصامية Dissociative Identity Disorder " الذي ذكرناه سابقا. غير أن الذي يجعل الحلاج متصوفا وليس مجنونا أو فصاميا، هو وعيه بهذا الحلول في جسده من قبل قوة روحية يعشقها ويهواها :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا، نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته، وإذا أبصرته أبصرتنا
فالوعي المطلق للحلاج تمكن من طرد "الأنا"، التي يكونها "الوعي" عادة لتضمن التواصل الفكري والإجتماعي ودوام الذات الخارجية، نظرا لعدم حاجته إليها من ناحية، ومن ناحية أخرى لإرتباطها في، نظره، بالجسد والذي لا يرغب فيه هو الآخر.
وقد حاول الباحث قاسم محمد عباس في دراسته عن الحلاج، الإحاطة بـ "شخصية " هذا المتصوف الكبير بتحليل "الأنا" داخل منظومته الفكرية، فيرى " أن "الأنا" لدى الحلاج ليست إلا "أنا" مزيفة، لا توجد من أجله، والتي لا يستطيع أن يجزم أنه يملك عنها أي تصور، أو يتفاعل معها بأي هم، ما يجب أن نحدده هو أن الحلاج لا ينتمي إلى ذاته، لأنه يستطيع أن يتخلى عن ذاته للآخرين، وعليه فإن التناقض المنتج بسبب الصراع بين الشخصية الداخلية والخارجية لا مكان له هنا، إنه تناقض مضلل خادع يشكل جذر الأخطاء التقديرية التي يمكن لأي منا أن يرتكبها إزاء ذاته، إن كينونة الحلاج ليست في ذاته .. " هذه الرؤية الإنفصامية تجعل الحلاج يرى أناه من الخارج كأناة شخص آخر، وهنا لا يمكننا إلا أن نتسائل، كما تسائل الحلاج نفسه من هو الحلاج إذا ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة