الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أنا لستُ غنيًا؟1/ 2

داود السلمان

2022 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفقر هو من أشد الأمراض الخطرة التي تعاني منها المجتمعات والشعوب والأمم. بل هو الأشد خطورة على الأطلاق، وتكمُن هذه الخطورة في إنّ الإنسان الذي يصُاب بهذه الداء الوبيل، قد يصبح مجرمًا قاتلاً، يقتل أي إنسان يلقاه في طريقه أو عن طريق السطو المسلح؛ أو بأي طريقة هو التي يريدها، بهدف الحصول على الأموال، ليصدّ بها سهام الفقر الموجهة الى نحره، والتي قد تصيبه بمقتل. وفي كلّ فأن القتل هي قضية اجراميّة.
لا يقل الإنسان فتكًا وضراوة عن بقيّة الحيوانات في حصوله على ما يسدّ رمقه. فالحيوان إذا جاع سيفترس الحيوان الذي هو أضعف منه قوة، ليجعله وجبة غذاء دسمة، وهو لا يفترس بهدف الافتراس وبيان قوته العضلية، وإنمّا يفترس بهدف اشباع غريزته الحيوانية، المتمثلة بالجوع. هذه الغريزة التي هي نفسها موجودة لدى الإنسان؛ فالإنسان إذا جاع قد يقتل أو يسرق في سبيل الحصول على المأكل. والميزة الأخرى، التي يمتاز بها الحيوان عن الإنسان؛ إنّ الحيوان يفترس حينما تستبد به غريزة الجوع، وإذا شعر في غضاضة نفسه أنّه بمنأى عن الجوع، فأّنه لا يهجم على تلك الفريسة التي يجدها أمامه كلقمة سهلة. بينما الإنسان يقتُل ويسلب ويعتدي على ابناء جنسه، متى سنحت له الفرصة ووجد الوقت المناسب، ما يعني إنّ الإنسان يحمل طابعًا عدوانيًا، ونفسًا شريرة تكمن داخل جسده، بعكس الحيوانات الأخرى، ومن هذه الطبيعة الكامنة فيه يصير الإنسان ظالمًا مستبدًا، حينما يتسلط على أبناء جنسه ويمتلك رقابهم، وهذا ما نجده لدى الحكّام والملوك والسلاطين على طول التاريخ الإنساني.
وهنا نقول، الذي يُصاب بداء الفقر قد يصبح لا شعوريًا في بعض تصرفاته، كأن يشذ عن إنسانيته يكون انانيًا دنيئا شرهًا، يرغب بالحصول على ما في يد الآخرين، ويتمنى في اعماق ذاته، أن يصاب بالفقر غيره ، كذلك حتى يتساوى معه، فالشخص المريض المُمددّ على السرير إنمّا يأنس حينما يجد شخصًا راقدًا بجنبه مصاب بالمرض ذاته، ففي نفسه يشعر بارتياح من باب المواساة، كأنه يقول في نفسه أنني لست الوحيد المصاب بهذا الداء، وإنمّا ثمة آخرين يشاركوني ألألم ذاته، والمعاناة نفسها.
وأريد أن اتكلم عن نفسي فأقول: لقد سرقت مني الحياة ما سرقت، واستبد بيّ الزمن ما أستبد، وغربلتني المعاناة ما غربلت، واخذ مني القدر كلّ مأخذ، طيلة أكثر من أربعين عامًا أو تزيد (كغيري الكثير) وأثناء أعوامي الماضية حصلت على مبالغ طائلة من المال ونقود كثيرة، لو بقيَت تلك الأموال التي حصلت عليها لكنتُ من الأغنياء، لكن القدر كان ليّ بالمرصاد على طول الخط، فالأموال التي تأتيني ما تفتأ إلّا أن تذوب كذوبان الملح في الماء القراح. وربما هذا هو قدري بالحياة.
وبالمقابل وجدتُ أحد الأدباء من يمجدّ الفقر ويرى إنَّ الفقر هو الذي يصيح بنا دائمًا: إلى العمل، إلى الكدِّ، فأكثر الذين أمسوا أصحاب ملايين، ومشاهير رجال، وكبار محسنين، ورجال دولة، وعلماء، وأدباء، وشعراء إنمّا هُم من الأشخاص الذين كانوا لا يعلون عليك قيراطًا واحدًا، ولا تفوق أحوالُهم حالك بشيء.
وهذا الرأي، إنْ كان إلى حدٍ ما صحيحًا، إلّا أنّ الفقر يسبب قضايا نفسية تجعل من الإنسان حاد المزاج، إنسانًا لا يطيق الحياة، وقد يُعرّض نفسه الى المهالك بارتكابه حوادث اجرامية، من قتل وتسليب وغير ذلك، خصوصًا الإنسان الذي ظل يلازمه الفقر طيلة حياته، ومهما بذل من كدٍ وكدحٍ فهو ظلّ فقيرًا مُعدمًا، تلازمه الفاقة والحاجة، وفي زماننا هذا كم من شابٍ قد انتحر بعد أن ضاقت به سُبل الحياة واضناه الفقر ونقص الحاجة، وإن كان هؤلاء تعوزهم الحكمة والثقافة والمعرفة، فالإنسان الحكيم المثقف المُطلّع، مهما تستبد به الحياة لا يستسلم للقدر ويحني هامته الى أول هزة نفسية تقف ازاءه، وتعترض في طريقه. إن الحكيم هو الذي ينظر إلى ما وراء الأشياء فيتعرَّف أسرارها، لا تكون له حياةُ الذي يتعلَّق بظاهرها ولا أخلاقُهُ ولا نظرتُهُ؛ هذا الأخير هو في نفسه شيء من الأشياء له مظهرُ المادة و خداعها عن الحقيقة؛ وذلك الأول هو نفسه سرٌّ من الأسرار له روعة السرّ وكشفُهُ عن الحقيقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات الطلبة في فرنسا ضد حرب غزة: هل تتسع رقعتها؟| المسائ


.. الرصيف البحري الأميركي المؤقت في غزة.. هل يغير من الواقع الإ




.. هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحكم في مستقبل الفورمولا؟ | #سك


.. خلافات صينية أميركية في ملفات عديدة وشائكة.. واتفاق على استم




.. جهود مكثفة لتجنب معركة رفح والتوصل لاتفاق هدنة وتبادل.. فهل