الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلافوى جيجيك: تسعُ نكاتٍ

وليم العوطة
(William Outa)

2022 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


سلافوي جيجيك : تسعُ نكاتٍ

ترجمة: وليم العوطة
المصدر: ‏http://www.critical-theory.com/the-10-best-zizek-jokes-to-get-you-through-finals/‎


مقدمة المترجم
تحيلُ علاقة الفلسفة بالنكتة (والمزحةِ، والسخرية و الضحك..الخ) إلى ما يبدو، بالظاهرِ، تناقضًا أو ‏إستبعادًا متبادلاً بين الجدّية والحصافة و العمق والإتزان الفلسفيّ، وبين الهزلِ والإبتذال والبساطةِ الشعبية ‏للنكتةِ. وقد يظهرُ إنّ النكاتَ أو التهكمّات التي أطلقها فلاسفة على مر العصور، سرعان ما تستدعيّ تبدّلاً ‏في سحنة قارئها، فهي وإن أثارات الضحك بدايةً سرعان ما تستدعيَ، مرةً أخرى، الجدية والهدوء للتأمّل في ‏مغزاها العميق، لكأنّ على الفيلسوف أن يتلبّسَ لبوسَ المتزّن الصارمِ العبوسِ، وكأن الفلسفة تقصي ‏بطبيعتها حسًّا لطيفًا من الطرفة والظرافةِ، ففي بدئها دهشةُ وفي نُهيتها وِحشةُ، وهذه لا تثير ضحكةً أو ‏سرورا. إلاّ أنّ هذه الصورة التقليدية للفلسفة وللفيلسوف لا تثبتُ أمام تحدّي هؤلاء الفلاسفة الكثًر الّذين، ‏ومن ومنظوراتهم المختلفة، أعطوا للتفكير الفلسفيّ سمةَ الإنشراحِ والغبطةِ والفرح، وأحيانًا بفعلٍ فلسفيّ ‏تهكّميّ تتواطىء فيه النكتةُ والعمق، الضحكةُ والذكاء، التهكّم والنقد الجذريّ. والنكتة الفلسفية فعلٌ سياسيٌّ ‏أمام سلطانٍ يعمم سيطرته وسيادته بإحزان الناس وإشقائهم، وإن تسامح السلطان في بثّ النكات وإضحاك ‏الناس فلكي يحتكر صناعة الضحك والنكاتِ، ولكي يسكّن حماسةً الناس بالخلاص منه؛ بينما نكتة ‏الفلسفة تفضحُ سياسات التحكّم والقمعِ والغمّ، وهي أبعد ما تكون عن الإبتذال، لأن هذا حليفُ السلطانِ، ‏وأن يكن الفكرَ مبتذلاً وسهلاً معناه أننا لا نعِش الحياة سوى إرتكاسًا وأننا منفعلين متلقّين، بينما أن نعيش ‏الحياة حقًا معناه أن نختبر إثباتيتها حين نجهد في تقوية قدرتنا على الوجود والمنحِ والإبداع والفعلِ ‏والمشاركة في صناعة العالم. والنكتة في الفلسفة إبداع لأن الفلسفة إبداعٌ بعد دهشةٍ، إبداعٌ لآلة الفكرِ في ‏إقتدارها على طرح الأسئلة والشكوك وصناعة المفاهيم وسيرورات الفهم، وإستفزاز كلّ يقينٍ وعقيدةٍ وتسليمٍ. ‏
أمّا بالنسبة إلى الفيلسوف والناقد الثقافي السلوفينيّ الفذّ سلافوي جيجيك، تبدو النُكاتُ قصصًا ممتعة تقودنا ‏عبر طريقٍ مختصرٍ إلى الحصافةِ الفلسفية. أيًّا من قرأ كتبه أو سمعه يعرفُ أنّ النكاتَ هذه تتبوّأ موقعًا ‏مركزيًا في خطابه، موقعٌ يستحيل فصله عن فلسفة الفيلسوف الجدّية وتنظيراته السياسية التي تمزج بين ‏الماركسية واللاكانية وتعطي الأولوية للهيغيلية. يمنحنا جيجيك حسًّا منعِشًا لما ندعوه ""خِفّةِ العمق"، و ‏‏"المرحَ الساحرَ لأسياد الفلسفة الكبار، وربّما نبدأ في التعرّف على الفلسفة نفسها، في أعلى أعلى مراتبها، ‏بإعتبارها أقرب إلى الضحكِ والمِزاح"!‏
في ما يلي مقدّمة من جيجيك ومن ثمّ تسعُ نكاتٍ مع تعليقات من الفيلسوف على بعضها.‏

مقدّمة بقلم سلافوي جيجيك : دور النُكاتِ في صيرورةِ القردِ إنسانًا
تذكرُ واحدةٌ من الأساطير الشعبية المنتشرة في أنظمة أوروبا الشرقية أنّه وُجِد قسمٌ للشرطة السريّة إختصّ ‏بإختراع (وليس تجميع) وتسويق النكات السياسية ضد النظام وممثلّيه، ذلك أنّ هؤلاء كانوا على درايةٍ ‏بالوظيفة الإيجابية للنكات في تثبيت الوضع القائم (فالنكات السياسية تقدّم للناس العاديين طريقةً سهلة ‏ومُطاقة من أجل التنفيس عن غضبهم، وتخفيف إحباطاتهم). أسطورة جذّابة من دون شكّ، ولكنّها تغفل ‏عن سمةٍ نادرًا ما تمّ الإشارة إليها ولكنّها على غاية من الأهمية: لم يكن للنكات أبدًا مؤلّفٌ ما، كما لو أن ‏السؤال عن مؤلّفها كان سؤالاً مستحيلاً! النكاتُ "تُقال"، وهي دائمًا سبق أن "سُمِعَت من قبل" (فلنتذكر ‏القول المتكرر :" هل سمعتَ تلك النكتة عن..؟"). هنا يكمن غموضُ النكات: إنّها متفرّدة جدًا، إذ تشيرُ ‏إلى الإختراع الفريد للّغة، ومع ذلك هي "جماعية"، مُغفلة ‏anonymous ‎، من دون مؤلّف، تظهرُ فجأة ‏أمامنا قادمةً من لامكان. أمّا فكرة وجود مؤلّفٍ للنكتةِ فهي بالتحديد بارانوية [عظامية] : طالما تعني أنّ ‏هناك " آخرًا للآخر"، للنسقِ الرمزيّ المُغفَل، كما لو أنّ على القوّة التوليدية العرَضية والملتبسةِ للغة أن ‏تكون مشخصنة، ومموضعة في فاعلٍ يتحكّم بها ويسيّرها كما يشاء.‏
لهذا السبب، ومن ومنظور لاهوتي، يكون الربُّ النكّاتَ الأكبر! هذه هي فكرةُ إسحق عظيموف في قصّته ‏القصيرة "النكّات"، التي تدور حول مجموعة من مؤرّخي اللغة، والّذين، بقصد دعم اطروحة أن الربَّ خلق ‏الإنسان من القردة بعد أن أخبرها بنكتةٍ ما (إذ قال للقردة، والتي كانت حتّى حينه مجرّد حيوانات تتبادل ‏الإشارات، النكتة الأولى التي تولّدت عنها الروح) [الّذين] حاولوا إعادة بناء هذه النكتة، "أمّ النكات كلّها". ‏‏(بالمناسبة، وبالنسبة لعضوٍ في التقليد اليهودي-المسيحيّ، يبدوعمل هؤلاء المؤرّخين لا لزوم له، طالما نعلم ‏أن النكتة كانت :" لا تأكل من شجرة المعرفة!" – هذا التحريم الأول، الّذي من الواضح كونه نكتةً، هو ‏إغراء مربكٌ وغير مفهوم).‏

 النكتةُ الأولى: الحرية الزائفة
في نكتةٍ قديمة من جمهورية ألمانيا الديمقراطية البائدة، يحصل عاملٌ ألمانيّ على وظيفةٍ في سيبيريا، ولأنّه ‏كان مدرِكًا أن كل رسائل البريد تحت عين الرقابة، قال لأصدقائه :" دعونا نخترع رمزًا: إذا كانت الرسالة ‏التي تصلكم منّي مكتوبة باللون الأزرق المعتاد فهذا يعني أن مضمونها صحيح؛ وإذا كانت مكتوبة ‏بالأحمر، فهذه معناه أنّه كاذب". بعد شهرٍ، إستلم أصدقاؤه الرسالة الأولى، مكتوبة بالأزرق:" هنا كل شيءٍ ‏رائع! المخازن ممتلئة، الطعام وفير، المساكن فسيحة ومكيّفة بشكلٍ جيّد، السينما تعرضُ أفلامًا غربية، ‏والكثير من الفتيات الجميلات جاهزات للعلاقات الغرامية... ولكنّ الشيء الوحيد المفقود هو الحبر ‏الأحمر". ‏
أوليست هذه حالنا اليوم؟ لدينا كل الحريّات التي نريدها، أمّا الشيء الوحيد المفقود فهو "الحبر الأحمر": ‏‏"نشعر أنّنا أحرار" لأن ما ينقصنا هو اللّغة بذاتها الّتي تسمح لنا بأن نعبّر عن لاحريتنا. ما يعنيه هذا ‏النقص للحبر الأحمر هو أنّ كل المصطلحات التي نستخدمها لكي نشير إلى الصراع الحاضر – "الحرب ‏على الإرهاب"، "الديمقراطية والحرية"، " حقوق الإنسان"..الخ – هي مصطلحات زائفة، تشوّه إدراكنا للحالة ‏بدل أن تسمح لنا بالتفكير فيها. المهمّة اليوم هي أن نعطيَ المحتجّين حبرًا أحمرَ.‏
 النكتة الثانية: السلطة
هي نكتة يهودية قديمة، أحبَّها جاك دريدا ، عن مجموعة من اليهود في كنيسٍ وهم يعترفون على الملأ ‏بإنعدام وجودهم أمام الربّ. أولاً وقف الحاخام قائلاً:" يا إلهي، أعرف أن لا قيمة لي، أنا لا شيء!". وبعد ‏أن انتهى إعترافه، أتى دور رجل أعمالٍ ثريّ فوقف صائحًا وهو يلطم :" يا ربّي، أنا أيضًا لا أساوي شيئًا، ‏أنا المهووس بالثروة المادية أنا لا شيء!". وبعد هذا العرض، جاء يهوديّ فقيرٌ، وقف أيضًا وقال:" إلهي، ‏أنا لا شيء!". نكز الثريّ الحاخام وهمس في اذنه ممتعضًا:" يا لهذه الوقاحة! من هوهذا الّذي يتجرّأ على ‏الإدّعاء بأنه لا شيء أيضًا؟!"‏
 النكتة الثالثة: الأنا لا تتعرّف على نفسها بنفسها ‏
هاكم نكتة ظريفة عن يسوع المسيح: لأنه أراد أن يستريح من عمله المجهِد في التبشير والقيام بالمعجزات، ‏قرّر يسوع أن ينال قسطًا من الراحة عند شاطىءٍ على بحر الجليل. وخلال لعبة غولف مع أحد حوارييه، ‏إعترضته رمية صعبة، نفّذها يسوع بشكلٍ سيّء إذ انتهى مسار الطابةِ في الماء، لذلك قام بخدعته ‏المعتادة: مشى فوق سطح الماء إلى حيث مكان سقوط الطابة، نزل فوصل إليها وإلتقطها. حين قرر رميها ‏مرّة أخرى، أخبره الحواريّ أنّها رمية صعبة جدًا، بحيث أنّ شخصًا مثل تايغر وودز فقط بإمكانه تنفيذها؛ ‏ردّ يسوع عليه صارخًا :" اللعنة! أنا إبن الربّ، بإمكاني أن أقوم بأكثر ممّا يقوم به تايغر وودز"، و نفّذ ‏رميته. مرةً أخرى سقطت الطابة في الماء، وأعاد يسوع الكرّة مرّة أخرى ماشيًا فوق سطح الماء متّجهًا نحو ‏مكان سقوط الطابة. وقتها، كانت مجموعة من السائحين الأميركيين على مقربة من الرجلين، وإذ بأحدهم ‏قد شاهد ما حدث، إلتفت إلى الحواري قائلاً :" يا إلهي، من هو هذا الرجل هناك؟ هل يظنّ نفسه يسوع أم ‏ماذا؟" ردّ الحواريّ :" كلاّ، هذا الأخرق يظنّ نفسه تايغر وودز"!‏
هكذا يعمل التعريف الهواميّ ‏fantasmatic‏: لا أحد، حتّى الربّ نفسه، هو مباشرةً نفسه ، الجميع ‏بحاجة إلى نقطة تعريف خارجية و غير متمركزة.‏
 النكتة الرابعة: الإيمان المسبق
نكتةٌ تعود إلى ستينيات القرن الماضي وتحيل إلى مفارقة الإيمان المفترض مسبقًا. بعد أن قام يوري ‏غاغارين، أول رائد فضاء، برحلته الفضائية، استقبله نيكيتا خروتشيف، الأمين العام للحزب الشيوعي ‏السوفياتي، وأسرّ إلى هذا الأخير له سرًّا:" أنت تعلم يا رفيق، هناك في السماء، رأيتُ الفردوس والله ‏والملائكة..المسيحية كانت على حقّ!"؛ خروتشيف همس ردًا عليه :" أعلم، أعلم، ولكن لا تخبر أحدًا". في ‏الأسبوع التالي، زار غاغارين الفاتيكان، واستقبله بابا الكنيسة، تكلّم مع هذا الأخير وإعترف له :" أتعلم، ‏أيها الحبر الأعظم، كنتُ هناك في السماء، ولم أرَ الله، ولا الملائكة..."قاطعه البابا :" ..أعلم، أعلم، ولكن ‏اسكت، ولا تخبر أحدًا"!‏
 النكتة الخامسة: تعلّم، تعلّم، تعلّم
في الأيام الجميلة لبلد "الإشتراكية المحققة"، لُقِّنَ كل تلميذٍ، مرةً تلو الأخرى، عن كيف كان لينين يقرأ ‏بغزارة، وعن نصيحته للأجيال الشابة:" تعلّموا، تعلّموا، و تعلّموا". بهذا الخصوص ظهرت نكتة تقليدية ‏ولّدت تأثيرًا تخريبيًا لطيفًا حين تم استخدام هذه النصيحة/ الشعار في سياق غير مألوف: سُئِل كل من ‏ماركس، إنجلز و لينين عمّن يفضلونه، الزوجة أو العشيقة. ماركس، ذو المواقف المحافظ من القضايا ‏الحميمة، أجاب:" الزوجة". إنجلز، الّذي كان يجيد الإستمتاع بالحياة، قال :" العشيقة"؛ أمّا المفاجأة فأتت ‏من لينين الّذي ردّ قائلاً:"أفضّل الإثنتين، الزوجة والعشيقة!"فهل كان لينين يخفي سعيه المحموم للملذات ‏الجنسية المفرطة؟ لا، لأنه سرعان ما استطرد :" بهذه الطريقة، بإمكانك أن تخبر عشيقتك أنك كنت مع ‏زوجتك، وتخبر زوجتك أنك في طريقك لزيارة عشيقتك.... بينما أنتَ ماذا تفعل في واقع الأمر؟.... تذهبُ ‏إلى مكانٍ منعزلٍ و تتعلّم ، تتعلّم وتتعلّم!".‏
 النكتة السادسة: المنطق الهيغيلي الثلاثي ‏
نبدأ بالمشهد الكلاسيكيّ: رجلٌ رغب بممارسة الجنس مع زوجته التي تردّ عليه قائلةً:" آسفة حبيبي، أعاني ‏من صداعٍ نصفيّ رهيب، لا أستطيع فعل ذلك الآن!". هذا الموقع التأسيسي قد إنتفى وإنعكس لاحقًا مع ‏بروز التحرير النسوي – الآن هي الزوجة مَن يطلب ممارسة الجنس والرجل الفقير المتعب هو من يرد ‏بالقول " آسف عزيزتي، لديّ صداع نصفي رهيب...". في خلاصة نفي النفي الّذي يقلب مرةً أخرى المنطق ‏بأكمله، جاعلاً من الحجّة مع حجةً ضدّ، تشتكي الزوجة:" عزيزي، أعاني من صداعٍ رهيب..فلنمارس قليلاً ‏من الجنس حتّى أرتاح!" حتّى أنّه يمكن للمرء أن يتصوّر لحظةً كئيبةً إلى حدٍّ ما من النفي الجذري بين ‏النسخة الثانية والنسخة الثالثة: الزوجان يعانيان من صداعٍ نصفيّ ويتفقان فقط على تناول مجرد كوب من ‏الشاي.‏
 النكتة السابعة: التقشّف ‏
حين زار الكاتب الشيوعي الروماني بانيت إستراتي الإتحاد السوفياتي في منتصف الثلاثينات، زمن ‏التطهيرات الكبرى، وكان قد شاهد المحاكمات القائمة حينها، حاول سوفياتي مواليّ للحكم أن يقنع الكاتب ‏بالحاجة الماسّة إلى العنف ضد الأعداء مستشهدًا بالمثل الشهير:" لا يمكنك أن تصنع العجّة من دون أن ‏تكسر البيض"، فأجابه إستراتي :" آه حسنًا، أرى البيض المكسور ولكن أي هي العجّة؟"‏
وعلينا اليوم أن نقول الأمر عينه عن إجراءات التقشّف التي فرضها صندوق النقد الدولي على اليونانيين ‏مثلاً الّذين يحقّ لهم أن يقولوا :" طيب، ها نحن نكسر البيض كرمى لعيون أوروبا كلّها، ولكن أين العجّة ‏التي تعدوننا بها؟".‏
 النكتة الثامنة: لماذا أجد آلان باديو إشكاليًا
لأنه، بالنسبة لي، هناك خطأ ما بالتحديد مع مقولة أنّه يمكن للمرء، وبشكلٍ مفرط ، أن "يفرضَ" حقيقةً ما: ‏يميل المرء في هذه الحالة إلى إستدعاء منطقِ مزحةٍ ذكرها لاكان:" خطيبتي لا تتأخر أبدًا عن موعد لقائنا، ‏لأنه في اللحظة التي تتأخّر فيها عن ذلك، لن تكون خطيبتي!". الحقيقة لا يمكن أن تُفرَض، لأن في ‏اللحظة التي يشتغل فيها الوفاء للحقيقة على شكل فرضٍ مفرط ، معناه أننا لم نعد نتعامل مع حقيقة، بل ‏مع وفاءٍ لها.‏
 النكتة التاسعة: التحليل النفسي والدجاجة
هي نكتة كلاسيكية تداولها اللاكانيون لعقودٍ من الزمن لكي يعطوا مثلاً على المعرفة الخاصّة بالآخر:‏
رجلٌ يعتقد نفسه حبّة قمحٍ تم إدخاله مستشفى للأمراض العقلية حيث بذل الأطباء كلّ مجهودٍ ممكن من ‏أجل إقناعه أنّه ليس حبةَ قمحٍ بل رجلاً؛ على أية حال، حين شُفيَ هذا الرجل من مرضه وسُمِح له بمغادرة ‏المستشفى، سرعان ما عاد راكضًا وهو يصرخُ خائفًا:" هناك دجاجة في الخارج وأخاف أن تلتتهمني!" ‏الطبيب محاولاً تهدئته :" يا رفيقي ..تعرف جيدًا أنّك لستَ حبّة قمحٍ بل رجلاً"..."طبعًا طبعًا" قال الرجل " ‏ولكن هل تعرف الدجاجة هذا الأمر؟"‏
هنا يكمن الرهان الحقيقي للعلاج بالتحليل النفسي: لا يكفي أن نُقنِع المريض بالحقيقة اللاواعية لأعراضه ‏المرضية، بل يجب إستدعاء اللاواعي بحد ذاته من أجل أن يقتنع بهذه الحقيقة. والأمر نفسه ينطبق على ‏النظرية الماركسية حول صنمية البضاعة: يمكننا أن نتصوّر برجوازيًا يحضر دروسًا في الماركسية حول ‏صنمية البضاعة؛ وبعد إنتهاء الدروس سوف يعود إلى استاذه وهو يشتكيّ من كونه ما زال ضحية لهذه ‏الصنمية. يخبره الاستاذ :" ولكنّك تعلم الآن كيف تسير الأمور، أن البضاعة ليست سوى تعبير عن ‏العلاقات الإجتماعية، وأنّ لا شيءَ سحريّ فيها!". وسوف يردّ البرجوازيّ :" بالطبع، بالطبع أعلم، ولكنّ ‏البضاعة التي أتعامل معها لا يبدو عليها أنّها تعلم ذلك!". هذا ما أراد لاكان أن يقوله في إدّعائه أن ‏التركيبة الفعلية للفلسفة المادية ليست "الله غير موجود" بل "إنّ الله غير واعٍ"!.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في