الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعددت الأنظمة .. و الفكر واحد

محمد حسين يونس

2022 / 2 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تأملات في أسباب إغتيال السادات .
صباح 7 أكتوبر 1981 .. كنت أجلس في كافيتريا بفندق هيلتون نيويورك مع صديقة إنجليزية تدرس هناك للحصول علي الدكتورا في الأقتصاد السياسي .. لفت نظرى شخص جالس في مواجهتي .. يقرأ جريدة صباحية .. عنوانها الرئيسي بالإنجليزية ((Sadat shot by his men )) أو (( إطلاق النار علي السادات بواسطة رجاله )) ..
توقفت عن الحديث مع (كيت ) .. و أشرت لها علي العنوان ..ثم قلت إطلبي من الرجل أن يعطينا الجريدة لنقرأ التفاصيل .
كان وجهي يعبر عن حالة من القلق و الرعب ..فقد كنت بعيدا عن الوطن من قبل بدايات سبتمبر .. و كانت تصلني .. أخبار متفرقة عن تطور الأحداث هناك خلال هذا الشهر التي إنتهت هكذا بمحاولة إغتيال الرئيس.
ردت ((نحن لسنا معتادين علي مثل هذا السلوك)) .
فقمت من مكاني لأذهب لكونترالرسيبشن و أشترى نسخة أعرف منها الأخبار .. و لكنهم هناك لم تكن لديهم هذه الخدمة.. اى أن يبيعوا الجرائد للمرتادين .
في هذه اللحظة كانت تلح علي فكرتين .. أحدهما أن أحداث سبتمبر التي سجن فيها السادات عدد كبير من مثقفي مصر و معارضيها .. ((اعتُقل ما يزيد عن 1536 من رموز المعارضة السياسية في مصر إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين ، والغاء اصدار الصحف المعارضة ))..هي السبب في إطلاق النار علية.
والفكرة الأخرى ... أنه ربما يكون إنقلابا عسكريا قد حدث بسبب كامب دافيد و معاهدة السلام التي يناهضها بعض من رجال القوات المسلحة و أننا .. بهذا الإنقلاب ..سنبدأ من المربع صفر سلسلة المعاناة المعتادة مع حكم الضباط المباشر .. نعيد بها مأساة 1952
لقد كان شكل الدولة - رغم خلفية السادات العسكرية - يحمل الطابع المدني .. و هو - في رأى - أفضل من تلك الحكومات عسكرية الطابع التي إبتلينا بها بعد 52
عندما رأت ( كيت ) قلقي و إرتباكي .. خرجت من الفندق و عبرت الشارع ( رغم هطول المطر ).. و إشترت نسخة .. و عادت بها .
لافهم أن جنود من الجيش المصرى .. أطلقوا الرصاص علي السادات و هو جالس في المنصة يستعرضهم بمناسبة الإحتفال بمرور ثمان سنوات علي عبور 6 أكتوبر..و أنه نقل للمستشفي .. للعلاج.
بدأت أهدأ قليلا وأنا أحاول تفهم الموقف و أناقشة مع صديقتي بعد أن قالت .. هل تحبه لهذه الدرجة ؟
لقد أدت تجربة الإنقلاب الأول عام 52 إلي خراب وهزائم و ضياع و سقوط .. إستمر لمدة ثلاثة عقود ..
و كان السادات بعد 73 قد بدأ نظاما مغايرا علي النمط الفاشيستي الهتلرى..( ديموقراطية المخالب و الانياب ) ..بواسطة وزارة مدنية يرأسها بنفسة ((من 14/5/1981 الى 6/10/1981))..مع السماح لعدد من الأحزاب بالعمل من خلال برلمان هيكلي يسيره وفق إرادته و دستور مهما كان عوارة .. خير من تلك المغامرات السياسية لحكم الإنكشارية العسكرية المباشربعد 54.
عندما شرحت هذا (لكيت ) ردت .. و لماذا تريد أن تعود لنظام بهذا الشكل .. إبق هنا ( في أمريكا ) بعيدا
لقد كان هناك ما يسمي بالإنفتاح .. و كانت البلد تعج بعدد من الشركات الأجنبية .. و منها شركة(كوجيمي ) الإيطالية المصرية التي أعمل بها .. و التي كانت تسعي لتنفيذ مشروع كبير ممول بواسطة (الأيد) الأمريكي لرفع كفاءة محطة تنقية مياة الشرب بروض الفرج بالتعاون مع شريك أمريكي ( فيش باك أند مور ).. وكنا ندرس معا تفاصيل العطاء الذى سنتقدم به .. و عائد بالنتائج و الدراسات لمصر لإستكماله .و لا أستطيع أن أضيع جهد عمل شهروأخون ثقة أصحاب الشركة .
و مع ذلك فقد كان كلامها هذا عين العقل فقدعرضت (فيش باك أند مور) العمل معهم .. و أنا أرجأت الرد والأن يصبح من الغباء التردد إذا ما وضعنا في الإعتبار ما فعلته حكومة السادات قبل أيام قليلة .
عندما إعتقل وزير الداخلية النبوى إسماعيل 1563 مفكر و سياسي صنفهم السادات علي أساس ((469 جماعة تكفير وهجرة 235 جماعات إسلامية ، 100تطرف ديني من إخوان مسلمين وأعضاء جمعيات دينية إسلامية وأئمة مساجد ، 259 تعصب واعتداءات متبادلة مسلمين ومسيحيين ،107 قيادات مسيحية ، 240 مثيرو شغب و57 مجرمين من أصحاب السوابق الجنائية، متهمون بحوادث الزاوية الحمراء ، 36 من الأحزاب التي سماها السادات بالمناهضة (بدلا من معارضة ) منهم 16 حزب التجمع، 7 من حزب العمل، 3 وفد ، إضافة ل12 مضبوطين بتهمة التخابر مع السوفييت))
أسماء من إعتقلوا تدعوا للدهشة فهم من كريم المثقفين المصريين .. و من أساتذتنا الذين لم يطبلوا و يزمروا لمغامرة كامب دافيد و معاهدة السلام ..مثل
((فؤاد سراج الدين ، محمد حسنين هيكل، فتحى رضوان، الشيخ المحلاوى ، الدكتور محمود القاضى، صلاح عيسى ، عادل عيد، المهندس عبد العظيم أبو العطا ( وزير الرى مع السادات )، إبراهيم طلعت ، أبو العز الحريرى ، الدكتور عصمت سيف الدولة ، محمد فايق ، فريد عبد الكريم ، حمدين صباحى، كمال أبو عيطة، عبد المنعم أبو الفتوح ، نوال السعداوى ، لطيفة الزيات، محمد عبد السلام الزيات، شاهندة مقلد، فريدة النقاش، الدكتورة عواطف عبد الرحمن، الدكتورة أمينة رشيد، الدكتور حسن حنفى، عبد العظيم مناف ، عبد العظيم المغربى، كمال أحمد، الدكتور محمد حلمى مراد، عمر التلمسانى، محمد عبد القدوس، محمد سلماوى ،الدكتور كمال الإبراشى، والمحامى عبد العزيز الشوربجى، وحسين عبد الرازق، والشيخ عبد الحميد كشك، والأنبا بنيامين .. و دكتور ميلاد حنا آخرين)).
((أبعد الرئيس السادات البابا شنودة الثالث من منصبه كبابا لكنيسة الإسكندرية وكبطريرك للكرازة المرقسية،))
وكان على رأس الذين تم اعتقاله الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، رغم أنه ظل لسنوات طويلة صاحب علاقات وثيقة بدائرة صنع القرار السياسي في مصر،
((هيكل إختلف بعد حرب أكتوبر 1973 مع الرئيس السادات حول التعامل مع النتائج السياسية للحرب ، واتخذ الرئيس قراراً بتعيينه مستشاراً، واعتذر عن قبول المنصب وتفرغ للكتابة، وكان كل ما يكتبه ينشر خارج مصر وهو يعيش داخلها)).
((و فؤاد سراج الدين لأنه شبه السادات بالملك الفرنسي لويس السادس عشر ، وقال إن ثورة يوليو أخطأت عندما لم تعدمه ، ))
ومن الوجوه المعتقلة و أصبحت الأن نجوما ..مصطفى بكري رئيس تحرير جريدة الأسبوع، وحمدين صباحي رئيس تحرير جريدة الكرامة، حيث لعبا دورا رافضا لمعاهدة كامب ديفيد، والقيادي الإخواني الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح.. ومن بين الكتاب المعتقلين صافيناز كاظم وتقول: ((انتهى الخطاب وقد أدركنا أننا وقعنا في يد المجهول. منعت عنا كل الحقوق، فلا زيارات، ولا طعام إلا طعام السجن غير المناسب للاستهلاك الآدمي، وبالطبع لا صحف ولا رسائل إلخ))..
أيضا تضمنت القائمة فتحي رضوان، الشيخ المحلاوي، نوال السعداوي، فريدة النقاش، وشاهنده مقلد، والدكتورة أمينة رشيد، حفيدة إسماعيل صدقي باشا رئيس الوزراء في العهد الملكي، وأستاذة الأدب الفرنسي بكلية الآداب جامعة القاهرة، والمعروفة بفكرها الماركسي،
إلى جانب د. عواطف عبد الرحمن الأستاذة بكلية الإعلام، د. لطيفة الزيات، ومن كلية الآداب المنقولين لمؤسسات حكومية الدكتور عبد المحسن طه بدر، ود. عبد المنعم تليمة ود. جابر عصفور ود. سيد البحراوي ود. صبري المتولي ود. حسن حنفي.
و مع أن الأمر كان واضحا بأن فئات المصريين الذين لا يصفقون لسياسة السادات البوليسية القمعية المصاحبة لمعاهدة السلام مع إسرائيل .. سيصيبهم الضرر .. و قد أكون أنا أحدهم ..إلا أنني تمسكت - بصورة رومانسية - أن أعود للوطن و أنهي المهمة التي كلفت بها ..لالحق بأخر طيارة سمح لها بدخول المجال الجوى المصرى قبل إغلاقة إستعدادا لترتيبات الجنازة .
في مصر عرفت وقائع ما حدث .. و أن بعض رجال القوات المسلحة من المنتمين للتيارات الدينية ..دبروا أمر إغتيالة .. و أن زملاء لهم قاموا .. بسلسلة من الأعمال الإرهابية في الصعيد ( المنيا ) .. و أنه لم يكن إنقلابا عسكريا بقدر ما كان محاولة من التيارات الإسلامية لإزاحة السادات والسيطرة علي الحكم.
الأحداث من 3 سبتمبر 1981 حتي 6 أكتوبر ..كان لها تأثيرا كبيرا علي مسارالحياة السياسية في بلدنا لاربعة عقود ..و كانت تحتاج لوقفة تأمل و تعلم من دروسها الأمر الذى نفتقده دائما - مع شوشرة أجهزة الإعلام الحكومية لتبرير المايلة و تحويل الفسيخ لشربات و تحويل النكسات لإنتصارات .. فلا نتعلم من خسائرنا . .
دراسة تلك الأحداث لم تتم ..إلا في حالات نادرة منها ما قاله محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب
بإن عملية الانقضاض بدأت فجر يوم 3 سبتمبر عقب عودة السادات من واشنطن، وكان من خلال حملة اعتقالات واسعة شملت 3 آلاف شخص، وكانت بعض الاعتقالات بين صفوف الشباب من الطلبة وأعضاء الجماعات الدينية سهلة نسبيا، ولكن اعتقالات الساسة والمثقفين وعدد من القيادات الدينية من المسلمين والمسيحيين، جرى تخطيطها بعمليات شبه عسكرية
حديث السادات للشعب (في الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى في الخامس من سبتمبر). يروي وجهة نظر الحكومة ((عن فتنة كانت تُحاك ضد الدولة و أن فئات مخربة كانت تسعى لخلق فتنة طائفية بين المصريين)).
و ((أن تلك الجماعات تحاول إعاقة مسيرة التنمية والازدهار والديموقراطية ( في نظره ) و رغم أن الحكومة حاولت أن ثنيهم عن اتجاههم بالنُصح والإرشاد أكثر من مرة، إلا أن الفترة الأخيرة شهدت أحداثا هددت وحدة الوطن واستغلتها تلك الفئة وسلكت سبيل العنف وإرهاب الآمنين، أو حاولت تصعيد الأحداث، الأمر الذي إستلزم في رأيه إعمال المادة 74 من الدستور المصري))
المادة المذكورة تنص علي
(( أن لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر، ويوجه بياناً إلي الشعب ويجري الاستفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوماً من اتخاذها)).
في بيانه المذكور اصدر عددًا من القرارات لا تقل خطورة عن حملة الاعتقالات. أهمها، حظر استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية أو حزبية، وأردف بكلمات بطيئة مؤثرة: ((لا دين في السياسة، ولا سياسة في الدين)).
لم يعتقل السادات أشخاصًا فحسب، بل اعتقل مؤسسات وهيئات أيضًا، وأعلن تحفظه على أموال جماعات وجمعيات ومنظمات بنفس التهم التي اعتُقل الأفراد بسببها.
وحلّ ببساطة العديد من الجمعيات المَشهرة والرسمية، كما ألغى التراخيص الممنوحة للعديد من الصحف والمطبوعات، وصادر مقارها وأموالها.
((أساتذة الجامعات وأعضاء هيئة التدريس لم يغيبوا عن قرارات السادات. طالهم البيان بقرار نقل كل من وُجدت دلائل تشير إلى أنه ساهم في تكوين الرأي العام، أو تربية الشباب ذوي الفكر المناهض للدولة. وبنفس التهمة أيضًا أصدر قراره بنقل بعض الصحفيين والعاملين في الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتلفزيون والمجلس الأعلى للثقافة))
ومن بين القرارات الأخرى صدر قرار بإعفاء الأنبا شنودة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من منصبه. لم يُعقب السادات كثيرًا حول دوافع هذا القرار، لكنه أعلن تشكيل لجنة للقيام بالمهام الباباوية مكونة من 5 أساقفة.
لقد قام السادات .. بكل هذه الأعمال بسرعة و مفاجأة ..بمساعدة وزير الداخلية و مديرالمخابرات ..في الفترة من 3 سبتمبر حتي 6 إكتوبر .وكانت مبرراته وقتها (( أنه لا صوت يجب أن يعلو علي صوت المعركة، معركة ترتيبات معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، لأنه كان يخشي أن تتخذ إسرائيل من هذه الأجواء حجة للتهرب من عدم تنفيذ ما وقعت عليه معه.))
إذا القضية لم تكن صراعات دينية .. بقدر ما كانت تكميم المعارضة لمغامراته الكامب دافيدية .. و معاهدة السلام .. و طمأنه إسرائيل أنه قادر علي فرضها علي الشعب المصرى بحيث قال مناجم بيجن رئيس وزراء إسرائيل في وصفه للمعتقلين
((إنهم أعداء للسلام، لأنهم ينشرون الكراهية لكل الأديان والأمم الأخري، ولدينا ثقة في قرار الرئيس السادات المؤمن المخلص لدينه، ويسعدنا أنه استنتج أنهم يمثلون خطرا مباشرا علي دينه الإسلام والسلام والمؤسسات التي رسخها في مصر))
و رغم الاف المعتقلين .. و الإرهاب الواضح للمثقفين فلو عاودنا قراءة الصحف الرسمية فى مصر الصادرة يوم 6 سبتمبر 1981، سنتعرف علي مدى سخف و تضليل الإعلام حين يزين طريق الخطأ للحاكم،
وسنعرف صورة بالغة الدلالة عن حالة الكراهية المتبادلة بين الرئيس أنور السادات وكل أطياف المعارضة فى مصر.
((ثورة العمل الداخلي))، كما سمتها الأهرام... أو(( قرارات ضرب الفتنة،)) كما كتبت الأخبار... و وصفت صحيفة الجمهورية الحدث بـ ((ثورة جديدة للسادات، ))مثل ثورة 15ة مايو
و رأت جريدة الدستور أن السادات أراد عندما أصدر أوامره باعتقال كل النخبة السياسية والحزبية والصحفية والفكرية والدينية المعارضة له أن يضع خصومه جميعا في سلة واحدة داخل السجن وخلف أسواره بدعوى حماية الوحدة الوطنية وتأمين المجتمع في انتظار استكمال الانسحاب الاسرائيلي من شبه جزيرة سيناء تنفيذا لمعاهدة السلام
وهكذا اتفقت جميع الصحف أن حملة الاعتقالات هذه حدث تاريخي يصحح به السادات الأوضاع في البلاد.
الصحف الحزبية والمعارضة لم تشارك في حملة التصفيق هذه..لأنها كانت قد أُغلقت تمامًا أو عُطلت بحلول وقت الخطاب الذي استلهمت منه الصحف عناوينها، وانطلق من خلاله كبار الكُتّاب الذين ظلوا خارج المعتقل في التبرير لما قام به الرئيس.
فيما بعد إغتيال 6 أكتوبر ربطت صحيفة جارديان البريطانية ، بين الاعتقالات وحادث المنصة، وذكرت ((أن الرئيس السادات على الرغم من أنه كان مسلما يؤدي الشعائر الدينية إلا أن مجموعة اغتيال انتحارية نفذت القتل فيه ، وعلى الرغم من أنه هو الذي أطلق الجماعات الإسلامية من قمقمها )).
النبوي اسماعيل وزير داخلية مصر أثناء أحداث سبتمبر 1981، في حوارات عدة أجرتها معه صحف مثل المصري اليوم والدستور، قال
((أن بعض الدول العربية الرافضة لسياسة السادات كانت خلف ثورة المعارضة عليه، مستخدمة الفتنة الطائفية والإرهاب للضغط على مصر، وكان لابد من إسكات المعارضة مؤقتا حتى يتم الانسحاب الإسرائيلي وجلاء آخر جندي إسرائيلي كما هو مقرر في أبريل 1982.))

لقد كان شهر سبتمبر من هذه السنة شهريحمل الكثير من المتناقضات ففي اللحظة التي كانت فيها مصر كلها متهمة بواسطة السادات بمحاولة خلق فتنة طائفية ..وآلالاف في المعتقلات، و غسيل مخ الملايين جارى علي أشده عبر وسائل الإعلام .
أقيمت حفلة عالمية بناء علي تعليمات السيدة الأولي لـخوليو اجلاسيس في 10 سبتمبر 1981 احتفت بها الصحف المصرية. و في نفس الشهر أقيمت بطولة العالم لكمال الأجسام تحت سفح الأهرام.. إنه نفس ما يجرى الأن من محاولات التعتيم ة والإلهاء . بالإحتفال و المهرجانات . ( غريبة البلد دى ) لم تغير أنظمة الحكم أساليبها .. منذ 52 حتي الأن
ما دّبره السادات كان معلومًا لدى وزير الداخلية ورئيس المخابرات العامة فقط فقد التقى بهما السادات في الساعات الأولى من شهر سبتمبر 1981.
((أما منصور حسن، وزير شئون الجمهورية ووزير الإعلام آنذاك، فلم يبلغ و كان لدية شعور بأن هناك ما يخطط له فحاول مقابلة السادات ليعرف ماذا يجري، لكن دون جدوى.))
بعد أن نفذ الثلاثة حملتهم ، اعترض منصور، فأخرجه السادات من وزارته وعينه وكيلًا لمجلس الشعب.
لم يحتمل السادات أن يسمع صوت وزيره المُقرب، فلم يكن صوت في هذا الشهر يعلو على صوت السادات، إلا صوت طرق أمن الدولة على الأبواب.
أبواب يسكن خلفها معارضون ومؤيدون،ولا تفسير لدى المعتقلين عن أسباب اعتقالهم ولا توضيح للإعلام حملة بدأت في 3 سبتمبر 1981 واستمرت على أشدها حتى الخامس من نفس الشهر.
((وقع أكثر من 3000 فرد ضحيةً لها، 1536 منهم اعتقلوا في الأيام الثلاثة الأولى. سكنوا جميعًا زنازين متشابهة لا فرق بين أستاذ جامعي وطالب ناشئ.
الفرق كان في طريقة إحضارهم للمُعتقل. الطلاب والأعضاء الصغار في الجماعات الدينية اعتقلتهم قوات أمن بسيطة، أما كبار الساسة والمثقفين وقيادات الجماعات الدينية والمسيحية فكانت عمليات اعتقالهم أقرب للعمليات العسكرية))..
معظم أسئلة الصحفيين الأجانب المتابعين للأحداث كانت عن هيكل وما يجري معه في المعتقل. لذا انبرت الصحف القومية في مهاجمة هيكل بكل قوتها.
ويروي هيكل ما حدث معه وما عرفه عن اعتقالات سبتمبر في كتاب خريف الغضب.
السادت ذكر أكثر من مرة أن علاقة هيكل بالرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران لا تعطيه حصانة. وأن علاقته بالصحف الأجنبية لا تعني أنه لن يُساءل على ما يفعل. بل حرص السادات أن يفرض رقابة صارمة على كل ما يكتب هيكل.
أما ما حدث من خلاف مع الأخوان المسلمين فقد ذكر في الأهرام العدد الصادر صباح 4 سبتمبر عن اعتقال 553 مُحرضًا على الفتنة الطائفية. أغلبهم من الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية في مقدمتهم مرشد الإخوان آنذاك، عمر التلمساني.
وركز السادات في خطابه باليوم التالي على الإخوان قائلًا بأنّه ((تفضل عليهم حين وصل إلى الحكم بإخراجهم من السجون وإعادتهم إلى وظائفهم ومنحهم فرق الرواتب عن فترة اعتقالهم)). لكنه أردف بأنّه ((من الواضح أن الجماعة لم تنس ثأرها مع ثورة 23 يوليو 1952)).
عبدالمنعم أبو الفتوح، عصام العريان، أبوالعلا ماضي كانوا من أوائل من فُتحت لهم الزنازين في سبتمبر
. يقول أبو الفتوح في شهادته على الأحداث ((إنّ سجنهم كان سجنًا حديثًا بناه السادات متأثرًا بالذوق الأمريكي)).
كما يقول ((إنّه كان قبلها بأيام في إيطاليا وأبلغه أحد الدبلوماسيين المصريين في سفارة روما أن السادات سيتخذ إجراءات ضد المعارضة في خطابٍ سيلقيه 5 سبتمبر. لكن رغم ذلك قرر أن يعود إلى مصر. ))
ولأن عددًا مؤثرًا من المعتقلين لم يكونوا إسلامي التوجه، فوضعت الجريدة سطرًا يقول: ((إن قلة حزبية ركبت موجة الفتنة الطائفية)).
من بين المعتقلين كان الدكتور: عبدالعظيم أبو العطا، وزير الزراعة في حكومة السادات. اُعتقل أبوالعطا لخلافات سياسيّة بينه وبين السادات وبقي في المعتقل حتى مات فيه.
وهكذا كان السبب المُعلن في الاعتقالات دينيًا لذا لا بد أن نسعى لمعرفة كيف علقت الجهات الدينية .
الخميس 10 سبتمبر 1981 نُشرت كلمة لمفتي الجمهورية جاد الحق علي جاد الحق يتمنى أن يكون ما قام به السادات عبرة وحماية ووقاية من الفتن.
أما زكريا البري، وزير الأوقاف، فصرّح لجريدة المصور بأن معظم الأئمة الذين تم التحفظ عليهم هم من أئمة المساجد الأهلية غير التابعة للأوقاف...وأكدّ أن الشيوعية لم تخرج من مصر، بل حاولت التنكر في زي الإسلام وإثارة فتن مُتعمدة.
أما الأزهر فقد نشرت الصحف عن أسماء مُتعددة من رجالاته قولهم إن قرارات السادات كان لا بد منها لحماية الوحدة الوطنية.
بمعني أن الجميع عليهم دعم السادات، من يتساءل فقط تزوره قوات أمن الدولة فورًا. ..حصار فرضه السادات على الدولة بكاملها لا المعارضة فحسب. انسدادٌ للأفق السياسي، كأنما دخلت الأمة بكامل قواها نفقًا مظلمًا لا ترى فيه شيئًا.
و هكذا لم تكن المعادلة لتُحل، ولم يكن ليظهر ضوء في آخر النفق، إلا بحل شديد التطرف. إذ أن الحصار الذي فُرض في سبتمبركانت لا عودة منه، ولا يمكن أن يخرج طرفاه بحل وسط.
إما تُسحق المعارضة للأبد أو يختفي السادات للأبد. و هكذا قد لا يمكن الجزم أن اغتيال السادات كان ناتجًا مباشرًا لاعتقالات سبتمبر 1981، لكن لا يمكن نفي الأمر كذلك.


.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - امراض الشخصيه المصريه
على سالم ( 2022 / 2 / 17 - 04:08 )
يعتبر المدعو انور الساداتى كارثه ومصيبه على مصر بدون منازع , انا هنا اذكر اسمه الحقيقى وهو انور الساداتى وليس السادات كما كان يتفاخر باللقب , محمد حسنين هيكل شرح هذه الجزئيه فى كتابه خريف الغضب , الساداتى زور فى اوراق ثبوتيه رسميه وبدل لقبه من الساداتى الى السادات وهذه جريمه تزوير وعقابها ثلاث سنوات سجن واسم الساداتى حقيقه معناه مهين جدا , الساداتى كان شربه علقم تجرعها كل المصريين البؤساء عديمى الحيله الاذلاء , يعنى بلاء شديد واتكتب علينا , الامراض المصريه العديده كان مصاب بها هذا الساداتى المريض واهمها الاستبداد والديكتاتوريه والساديه , هنا يجب ان نكون صرحاء مع انفسنا قليلا , شخصيه الساداتى المضطربه المريضه تجدها فى نسبه كبيره من افراد الشعب المصرى اذا سنحت لهم الفرصه فسوف يتفوقوا على هذا الساداتى بل واكثر , هذا هو قدرنا الاسود , المهم من المفيد ان نقرأ مقالاتك دائما , لانها اشعه واضواء تبين امراضنا والسبب والعله فى الامنا وعذاباتنا وماهى اليه التغيير نحو الاحسن , شكرا لك


2 - الأستاذ علي سالم
محمد حسين يونس ( 2022 / 2 / 17 - 08:03 )
أشكر مرور سيادتك و إضافتك ..في الحق هناك فعلا مشكلة لدى المصريين أنهم و لمدة 70 سنة لا يستمعون إلا لصوت واحد .. هو خطاب الحاكم ..
الإعلام تحول إلي وسيلة سيئة لتضليل الناس .. بحيث قلب .. بعض الأيام السود في تاريخ بلدنا إلي نصر .. و إحتفال ..
و هو الأمر الذى قد يستمر لمدة طويلة حتي ينتهي حكم الضباط و يحل محلة ديموقراطية تسمح بأكثر من صوت .. و أكثر من وجهة نظر .
من الأيام السود في تاريخنا التي قلبت نصرا ..بالإضافة إلي يوليو 52 .. سنجد مارس 54 عندما إنقلب عبد الناصر علي رئيس الجمهورية .. وحول النظام إلي ديكتاتورية فردية .. يوليو 56 عندما أمم قناة السويس و عرض البلاد لغزو فوق طاقتها ..مايو 67 عندما اغلق مضيق تيران و تسبب في هزيمة عسكرية ..ومايو 71 عندما إنقلب السادات علي النظام ..سبتمبر 81 عندما إعتقل كل التيارات المعارضة .. وفبراير 2011 عندما سلمنا مبارك لضباط الجيش ..يوليو 2013 عندما خرج الناس في مظاهرات ضد الحكم و أتت بالضباط . و نوفمبر 2016 مع تعويم الجنية و خفض قيمته .
الأحداث مقلوبة في عقل المصريين ..و الأصوات المعارضة شحيحة .. تحياتي

اخر الافلام

.. في الذكرى الـ17 لسيطرتها على غزة.ماذا قدمت حماس؟|#غرفة_الأخب


.. معارك متواصلة بين الجيش السوداني والدعم السريع في الفاشر عاص




.. البيان الختامي لقمة مجموعة السبع يدعو حماس إلى قبول اتفاق وق


.. مراسل الجزيرة: 9 شهداء ومصابون جراء استهداف الاحتلال منزلين




.. بدء الحملات الانتخابية لسباق الرئاسة في موريتانيا