الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلق التثاقف عند المهاجرين السوريين

فراس الجندي

2022 / 2 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الآونة الأخيرة تعالت بعض الأصوات الليبرالية من بعض المنظرين السوريين، الذين يعيشون في
بروجهم العاجية متخمين بالاستلاب الثقافي الغربي، ويمارسون كل أنواع السلوك العبودي اتجاه
الرموز الثقافية الغربية حتى أن فرنسيس فوكوياما الذي كتب كتاب نهاية التاريخ والذي اعتبر أن
المجتمع الرأسمالي هو الفردوس وهو نهاية التاريخ، ولكن لم يذكر فوكوياما لنا عن فظاعة هذا
المجتمع الذي يعج بالأمراض النفسية الناتجة عن الكبت والقمع التي تمارسه هذه الأنظمة
المختبئة خلف ستار الديمقراطية. ما يهمنا هنا أن بعض هذه الأصوات المتماهية بشكل سلبي بكل مظاهر
الغرب بدأت تُحمل المهاجرين السوريين مسؤولية عدم اندماجهم في المجتمعات الُمضيفة منطلقا
ً من تنظيرات جون جاك روسو حول العقد الاجتماعي ودولة المواطنة والعدالة الاجتماعية في الغرب.
متناسياً ان الاندماج والتثاقف ليس عملية أحادية الجانب. فالتثاقف والاندماج بالنسبة للمهاجر قسراً أو
المنفي تختلف عن المهاجر بإرادته، فالمهاجر القسري أو المنفي يعتبر مغادرته لوطنه من أشد
العقوبات التي يمكن أن يتعرض لها، حيث يحمل في داخله كل المشاعر المرتبطة بالألم أثناء مغادرته
مجبراً أرض وطنه، إن ألم الخسارة لأرضه أو أملاكه أو عدم قدرته على توديع أهله ويخشى أن يموت
قبل أن يحضنهم، وحسب التحليل النفسي أن الكثير من المُهجرين أو المنفيين قسريا يعتبرون أن
اندماجهم في المجتمع الجديد نوعاً من الخيانة خيانة القضية التي ناضل من أجلها.
إن معاناة السوريون في السويد الذين هُجروا قسراً لديهم الكثير من الصعوبات في عملية الاندماج
في المجتمعات المضيفة، والسويد إحدى البلدان الذي يشعر بها المهاجرين بصعوبات بالاندماج، نتيجة
التغير الجذري في المنظومة الثقافية واللغوية والاجتماعية والسياسية، وفي كل مناحي الحياة، حيث
يتعرض المهاجرين للضغوط نفسية كبيرة نتيجة هذه التغيرات، حيث يحاولون خلق طرق وأساليب
تمكنهم من بناء جسور تساعدهم للوصول إلى حياة آمنة ومستقرة. لقد شهدت السويد في العشر
السنوات الأخيرة توافد عدد كبير من المهاجرين السوريين لبدء حياة جديدة بعيداً الحرب وأتون
الحرائق في سورية، إلا أن المهاجرين بدؤوا يتحسسون الصعوبات والعراقيل في إكمال مسيرتهم
المهنية، وكذلك الصعوبات في عملية الاندماج، فعوائق الاندماج الاجتماعي للمهاجرين تتعلق من حيث
صعوبة وانخفاض فرص العمل، وصعوبة تعلم اللغة، والتقوقع الاجتماعي، والتقوقع والانعزال إضافة
إلى ظاهرة اليمين المتطرف، الذي أصبح الحزب الثالث في السويد ومن أبرز شعاراته معاداة
الأجانب، ورفض الهجرة. إن شعور المهاجرين بعدم المساواة هي من أبرز العوائق التي جعلت
المهاجرين يفشلون بالدخول بعملية التثاقف في المجتمع المُضيف. وهذا ما عبر عنه الباحث السويدي
لودفيغ بيكمان المختص بعلم النفس في كتابه (الاندماج المعقول) حيث يقول إن المشكلة تكمن في أن
الديمقراطية ولدت من رحم الدولة القومية، حيث يفترض أن كل دولة فيها شعب واحد، في السويد يقال سويديون
وفي النرويج نرويجيون وهذا الموقف قديم وكان موجوداً في القرن الثامن عشر ثم تطور بشكل قوي. وهذا
الموقف كان يمكن ان يقود الى ان نستمر في أن يكون لنا بلدنا وديمقراطيتنا وعلى القادمين إلى هنا أن يصبحوا
مثلنا، عليهم الانصهار. وهذا أمر خاطئ تماما، أعتقد ان هذا الموقف خاطئ ويتعارض مع القيم الاساسية التي
تبنى عليها الديمقراطية والتي تعني يجب معاملة الجميع بقدر المساواة".
هذا رأي الباحث السويدي فيما يتعلق بموضوع الاندماج والتثاقف ، ولكن يخرج لنا صوت ليبرالي مستلب ليحمل
مسؤولية الاندماج فقط على المهاجرين، ويقول أن مسؤولية الاندماج هي مسؤولية المهاجر وليس المجتمع
المُضيف. علماً أن مسؤولية الاندماج تقع على عاتق المهاجر والمجتمع المضيف، ولكن الصوت الليبرالي يُحمل
المهاجرين مسؤولية عدم الاندماج لأنهم لا يعرفون كيف يتعاملون مع المجتمع المدني والديمقراطي والمواطنة
في الغرب. نحن نعرف أن جميع المهاجرين السوريين أو المهاجرين من بقية البلدان العربية خرجت وهي مثقلة
بترسانة من ثقافة الاستبداد والقمع وأن أنظمتها التربوية الرسمية والأسرية تقوم على الاستبداد والقهر وسلوك
الطاعة والعبودية، لذلك ينقل المهاجر معه ثقافته إلى المجتمع الجديد، والمهاجر قسراً والمنفي رغماً عنه يعاني
من اضطراب ما بعد الصدمة وبالتالي يجد صعوبة فبي عملية التعلم والاندماج هذا ما يؤكده علم النفس، لذلك فإن
عملية الاندماج والتكيف تحتاج إلى مدة زمنية لكي يعود المهاجر ويتفاعل مع المجتمع الجديد ويدخل في عملية
التثاقف.قبل اتهام المهاجر بتحمل مسؤولية عدم الاندماج. لذلك لابد من توضيح مفهوم التثاقف والإحاطة به.
التثاقف :
الاتصال بين الشعوب من مختلف الثقافات ليس ظاهرة جديدة. عبر تاريخ البشرية، حيث سافر الجنس
البشري حول العالم لأسباب مختلفة، إما بحثاً عن مراعي أكثر اخضراراً، أو الفرار من الاضطهاد
والكوارث الطبيعية، أو التجارة، أو الغزو والاستعمار، أو البحث عن مغامرة أو متعة. وقد نتج عن
هذه الأنشطة لقاء شعوب من خلفيات مختلفة. أدت هذه العملية إلى تغييرات في الأنماط الأصلية من
حياة وثقافات الشعوب المعنية، وكذلك تكوين مجتمعات جديدة. لقاء الثقافات والتغيرات الناتجة عنها
أصبح يعرف باسم التثاقف. وإذا سألنا الشخص العادي عن معنى مصطلح التثاقف ،
ستكون الاجابة المحتملة بالإشارة إلى المهاجرين من البلدان النامية للوصول إلى بلد صناعي
ومواجهة الحاجة إلى تعلم اللغة، وتطوير فهم للعادات الجديدة، والتفاعل مع الناس الذين تختلف
قيمهم ومعتقداتهم عن قيمهم ومعتقداتهم. هذه الصورة ربما عرض نموذجي للتثاقف. ومع ذلك، هذه
الصورة هي مجرد غيض من الجبل الجليدي. التثاقف الذي يشمل العديد من التغييرات التي تحدث
عندما يتلامس الناس من ثقافات مختلفة مع بعضهم البعض، يمكن ملاحظتها بين مجموعة واسعة من
الناس بالإضافة إلى المهاجرين، مثل اللاجئين الذين أجبروا على مغادرة بلدانهم الأصلية، والأشخاص
الذين يعيشون في الخارج الطلاب الأجانب أو الموظفين في الشركات الدولية، والسكان الأصليين
والشعوب التي تتعامل مع تعددية الثقافات الأخرى. يواجه كل هؤلاء الناس التحديات والضغوط
والفرص التي تؤدي إلى تغييرات في حياتهم، أحياناً للأفضل وأحياناً للأسوأ. فالطرق التي
تكشف عمليات التغيير تعتمد بشكل كبير على ثقافة الفرد الأصل والسياق الثقافي الحالي، وكذلك
الخصائص الشخصية مثل العمر والجنس ومكان الميلاد والتعليم وخصائص مجموعة الفرد، مثل
الحجم والبنية، والوضع، والقيم، والمعتقدات. فالتجارب المتنوعة الناتجة عن الثقافات المترابطة كانت
واضحة عبر تاريخ البشرية، وقد كتب عنها مراقبون من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر. حيث
أصبح هذا المجال المتوسع في الواقع مجالاً واسعاً للدراسة في علم النفس، ولمعالجة القضايا النفسية
التي أثارتها الثقافات في الاتصال. لذلك سنحاول التعرف على ظاهرة التثاقف ثم محاولة التعرف على
خصائص هذه الظاهرة، وكذلك إلى القلق الذي يصاحب عملية التثاقف وما يخلفه من آثار على
مستوى الفردي والجماعي وعمليات الاندماج الاجتماعية وعلى مستوى الصحة النفسية والجسدية لدى
الأفراد.
أول استخدام معروف لمصطلح "التثاقف" في العلوم الاجتماعية كان بواسطة جون ويسلي باول في
تقرير لمكتب الإثنولوجيا الأمريكي في عام 1880. عرف باول المصطلح لاحقاً على أنه التغييرات
النفسية التي تحدث داخل الشخص بسبب التبادل الثقافي الذي يحدث نتيجة لزيادة الاتصال بين الثقافات
المختلفة. لاحظ باول أنه أثناء تبادل العناصر الثقافية، يحتفظ كل منهما بثقافته الفريدة.
فكانت الأبحاث حتى نهاية العشرينات مركزة على الشعوب البدائية من هذا القرن الماضي، لكن في
عقد الثلاثينات من القرن الماضي عرف اهتماماً جديداً لدى الإنسيين بالمجتمعات الزراعية مثل اليابان
والصين أشهرهم مالينوفسكي وقد كانت أول دراسة عبر ثقافية في هذه المرحلة وربما في تاريخ علم
النفس نشرها مالينوفسكي عام 1927. (السباعي،2013،28،18 )
أما بالنسبة لعلماء النفس الميداني والإكلينيكي فقد ركزوا على الجانب السلبي لهذا المفهوم في صورة
قلق التثاقف وأثره على مستوى الصحة النفسية والاجتماعية للأفراد والمجتمع. وبالتالي وجدوا التثاقف
هو عملية يقوم من خلالها شخص أو مجموعة من ثقافة ما بتبني ممارسات وقيم ثقافة أخرى، مع
الاحتفاظ بثقافتهم الأصلية. غالباً ما تتم مناقشة هذه العملية فيما يتعلق بثقافة الأقلية التي تتبنى أجزاء
من ثقافة الأغلبية، وهو ما يحدث عادةً مع مجموعات المهاجرين التي تختلف ثقافياً أو عرقياً عن
الأغلبية في المكان الذي هاجروا إليه. ومع ذلك، فإن التثاقف هو عملية ذات اتجاهين، لذلك غالبًا ما
يتبنى أولئك الموجودون في ثقافة الأغلبية أجزاء من ثقافات الأقلية التي يتعاملون معها. تتم العملية بين
مجموعات لا توجد فيها بالضرورة أغلبية أو أقلية. يمكن أن يحدث على المستوى الفردي والجماعي
ويمكن أن يحدث نتيجة للاتصال الشخصي أو الاتصال من خلال الفن أو الأدب أو الإعلام. التثاقف
ليس هو نفسه عملية الاستيعاب، على الرغم من أن بعض الناس يستخدمون الكلمات بالتبادل. يمكن أن
يكون الاستيعاب نتيجة نهائية لعملية التثاقف ، ولكن يمكن أن يكون للعملية أيضاً نتائج أخرى، بما في
ذلك الرفض، والاندماج، والتهميش، والتحويل.
نظرية تعلم الثقافة:
نهج التعلم الثقافي له جذوره الاجتماعية والتجريبية في علم النفس وقد تأثر بشدة بعمل Argyle s
(1969) في المجال الاجتماعي للمهارات والسلوكيات الشخصية. فالنهج يعتمد على الافتراض
أن المشاكل بين الثقافات تنشأ لأن المبتدئين الثقافيين يواجهون صعوبات إدارة اللقاءات الاجتماعية
اليومية والتكيف، لذلك يأتي في شكل من أشكال تعلم المهارات الخاصة بالثقافة المطلوبة من أجل
الحصول على مهارات جديدة بالوسط الثقافي. (Jasinskaja،190،2000))
تاريخياً، أكد الباحثون الذين اعتمدوا نهج التعلم الثقافي للتواصل والتغيير بين الثقافات أكدوا على
أهمية المتغيرات الخاصة بالثقافات في عملية التكيف. حيث تم إيلاء الاهتمام بشكل خاص على
الاختلافات في أساليب الاتصال بين الثقافات، بما في ذلك اللفظية والمكونات غير اللفظية،
وكذلك القواعد والاتفاقيات والأعراف، وكيف يؤثر على الفعالية بين الثقافات.
إن العمل المبكر لستيفن بوشنر يؤكد رؤية تأثير نظرية تعلم الثقافة في دراسات الاتصال المبكر
والتي أظهرت أن الكفاءة اللغوية هي دافع التثاقف ، وإمكانية التواصل بين الأشخاص ووسائل
الإعلام. وأن المحددات الرئيسية لكفاءة التواصل بين الثقافات. ويسلط ستيفن الضوء على أهمية
الاختلافات الثقافية في عملية الاتصال ويقدم عدداً من الاقتراحات حول كيفية تقليل الاتصالات
الفاشلة عبر الثقافات. (Jasinskaja،196،2000)
تظهر تأثير نظرية التعلم الثقافي أيضاً في نهج التواصل الفعال. حيث يتضمن نموذج
Gudykunst مكونًا رئيسياً للمهارات، مع التركيز على القدرة على جمع واستخدام المعلومات
المناسبة والقدرة على التكيف في التواصل بين الثقافات. على الرغم من وجود عدد من
الدراسات التي أثبتت أن كفاءة الاتصال مرتبطة بـالتعلم الثقافي، ويميل معظم الباحثون على
التركيز على الدور العلني لسلوكيات الاتصال والآليات النفسية الاجتماعية الكامنة وراء الاتصال
السلوكيات. مثل تكرار الاتصال بين الثقافات والآخرين ومستوى الطلاقة اللغوية، وركزوا اهتماماً
أقل على جودة اللغة. (Jasinskaja،198،2000)
قلق التثاقف:
هناك دراسات عديدة تناولت القلق كعامل مؤثر على عملية التثاقف. وجد Roccas and Brewer (2002)
أن القلق يمكن أن يكون ضاراً بأداء المهمة عندما يلزم الانتباه والجهد المتعمد، كما في
حالة تعلم لغة أجنبية. في كثير من الأحيان، وتصور الدراسات القلق كنتيجة للتثاقف. ليس هناك
شك في أن المهاجرين يواجهون مجموعة متنوعة من الضغوطات أثناء عملية التكيف مع المجتمع
الجديد. يواجه المهاجر مشاكل في العثور على عمل وسكن، واكتساب لغة جديدة، والتعامل مع
لوائح وسلطات الهجرة، التكيف مع نظام تعليمي مختلف، والتعامل مع نظام مختلف القيم
والمعتقدات والعادات وما إلى ذلك. وفي دراسة قام بها كل من تشاتواي وبيري (1989) حول
إجراءات الإجهاد والقلق والتكيف والتقييم بين ثلاث مجموعات من الطلاب في كندا - هونغ كونغ

الصينية والفرنسية الكندية الإنجليزية الكندية. ووجدوا أن الطلاب الأجانب الصينيين في هونغ
كونغ أفادوا بسمات أعلى للقلق المرتبط بصعوبات الاتصال والتوتر التثاقفي، والحاجة إلى
الإغلاق المعرفي وجدت الدراسات أيضاً روابط وثيقة بين "الحاجة إلى الإغلاق المعرفي والتوتر
والقلق التثاقفي.(Berry،42،43،1997)
وفي أبحاث (Kosic ، 2002) وجد أن المهاجرين الذين يعانون من ارتفاع نسبة عدم تحمل
الاكتئاب قد عانوا مزيداً من الإجهاد، معبراً عنه بالاضطراب العاطفي والأعراض النفسية
الجسدية، على الرغم من عدم إمكانية إنشاء روابط سببية بين المتغيرين. ولكن الحاجة من أجل
الإغلاق المعرفي قد يكون ناتجاً عن المواقف المتطلبة والمرهقة، وكذلك الحالة العضوية (مثل
التعب). من ناحية أخرى، فإن المواقف العصيبة المختلفة التي يواجهها المهاجرون يمكن أن تؤدي
إلى التعب، والذي بدوره قد يؤدي إلى الحاجة إلى الإغلاق المعرفي. من ناحية أخرى، الحاجة إلى
الإغلاق المعرفي - يُعبر عنه بالحاجة إلى النظام والقدرة على التنبؤ والانغلاق العقلي، وعدم
التسامح مع الغموض قد يؤدي إلى ارتفاع مستويات التوتر في المواقف الجديدة والغامضة.
(Brown،2002)
وفي دراسة أخرى أجرها كروجلانسكي ، بييرو ومانيتي ، 2004). حاولت هذه الدراسة ربط
الواقع الاجتماعي عند الوصول إلى البلد المضيف، والمقارنة الاجتماعية، واستراتيجيات التثاقف
أظهرت الأدلة أن المهاجرون عند وصولهم للبلد المضيف والتقاءهم بشبكة الدعم الاجتماعي
المكونة من عرقية مشتركة، لديهم نسبة أعلى بالتشبث بشدة بثقافتهم "الأصلية". هذا يعود إلى
أن الدعم من ذات الإثنية المشتركة بمثابة مصدر مرضٍ للواقع الاجتماعي. مثل هذا الوضع قد
يعيق المهاجرين من استيعاب الثقافة الجديدة. وفي المقابل، إذا كان المهاجرون هم في الغالب لا
يتواصلون مع أعضاء مجتمع الاستيطان خلال فترة ما بعد الدخول الأولية، فإن وجودهم سيمثل
واقعاً اجتماعياً جديدًا بارزاً للمهاجرين، وفي حال دخول المهاجرين بالتواصل مع المجتمع
المضيف فإن الواقع الاجتماعي القديم يتلاشى بسرعة، ويكون لديهم الفرصة في استيعاب
الثقافة المضيفة، بينما المنفردين" أو المعزولين عرقياً، قد يكونوا ذوو نسبة منخفضة من
استيعاب الثقافة المضيفة. (Johansson،45،2013)
وفي دراسة كيم وآخرون Kim et al حول العلاقة بين التثاقف والأعراض الاكتئابية الذين اعتمدوا
فيها على نظرية استراتيجيات التثاقف لعالم النفس الكندي جون بيري. تمت هذه الدراسة على عينة
قوامها 11 مراهقا أمريكيا ذو أصول صينية وكورية ويابانية مع عينة أخرى من 661 راشد مهاجر،
أسفرت النتائج إلى أن الراشدين والمراهقين الذين حصلوا على درجات عالية في إستراتيجية التهميش
على مقياس التثاقف يظهرون نسبة عالية من الأعراض الاكتئابية.(Shaughnessy,146,2003)
إن جميع الدراسات النفسية المتعلقة بدراسة التثاقف والاندماج تؤكد على الصلة الوثيقة بين الحالة
النفسية للفرد وثقافته، بمعنى أن أي تقاطب يعيشه الفرد في ثقافته من خلال ازدواجية الخطاب
الثقافي الموجه له في مجتمعه سيقابل باضطرابات نفسية وجسدية واجتماعية لدى الفرد خاصة إذا
عجز عن تحقيق التوازن بين متطلبات الحداثة، مقابل الرغبة في الحفاظ على التقاليد وشريعة
الأسلاف. وتتميز سياسة الاندماج في السويد على المستوى اليوم بأنها عملية متبادلة يشارك فيها
الجميع ويجب أن يتشارك الأطراف في المسؤولية. وبالتالي، فإن الاندماج ليس مجرد مسألة تتعلق
بالمهاجرين. لذلك لابد لنا أن نقول لبعض الأصوات الليبرالية التي وقعت فريسة التماهي السلبي مع
الأفكار النمطية الغربية عن المهاجرين القادمين من الشرق، وأصبحت تُحملهم مسؤولية عدم
الاندماج لأنهم خرجوا من رحم مجتمعات استبدادية وقمعية تعاني من قمع ديني وسياسي
واجتماعي، قبل إعطائهم الفرصة للدخول في عملية الاندماج بعد الشفاء من اضطراب ما بعد
الصدمة، وإعادة التأهيل النفسي والسياسي والقانوني، إن مسؤولية الاندماج تقع على عاتق
المهاجرين والمجتمع المُضيف، لأننا نعيش في مجتمع يتسم بالتنوع العرقي والثقافي، فالاندماج
مسؤولية جميع الناس في المجتمع وعليهم أن يكملوا بعضهم البعض، وأن يساهموا فيه بمهاراتهم
وخبراتهم. إن الفصل الطوعي أو القسري والاستيعاب القسري هو شيء غير مرغوب فيه في
المجتمع. اليوم، الاندماج يؤثر على العديد من مجالات المجتمع مثل الديموغرافيا والتعليم وسوق
العمل والدخل والأسر والسكن، والمساواة في الحقوق يجب أن تُطبق على الجميع، وأن تُتاح الفرص
للجميع، بغض النظر عن الخلفية العرقية والثقافية، وأن يُحترم داخل الحدود التي يعيش فيها من
أجل تنمية الشعور بالانتماء إلى المجتمع المضيف.

فراس الجندي: باحث أكاديمي
المؤهلات التعليمية
ماجستير بعلم النفس الديناميكي
دكتوراه سنة أخيرة بعلم النفس العام
المراجع:
١السباعي، عبد الناصر. علم النفس عبر الثقافي. سلسلة الكتاب العربي للعلوم النفسية 27 إصدارات شبكة العلوم النفسية العربية، 2013.
Berry,J.w (1997) Immigration Acculturation,and adaptation.Applied Psychology:An international
Bryman---,A (2011 ) Samhällsvetenskapliga metoder .Stockholm:Liber
Johansson,T ,Lalander,P ,(2013) Vardagslivets socialpsykologi. Stockholm.Liber
Jasinskaja -Lanhit Langa (2000) Psychological Acculturation and Adaptation among, Russian –speaking Immigrant Adolescents in Finland ,Helsinki
Shaughnessy, J., Zechmeister, E., Zechmeister, J. (2003). Research methods in psychology (6th ed.). McGraw-Hill Comp.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة