الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد

فراس الجندي

2022 / 2 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تكاد صورة السويد تكون أسطورية عند الكثير من اللاجئين ، معتقداً البعض منهم أنّه بمجرد وصوله للسويد ستنقلب حياته رأساً على عقب ، وأنّه سيعيش حياته بطريقة ملوكية ، وستنتهي مشكلاته المادية وغير الماديّة ، غير مدركاً أن رحلة العذاب قد بدأت منذ وطأت قدميه هذه البلاد المكسوة بالثلج وصقيع الصمت ، فبلد كالسويد تبلغ مساحته ثلاثة أضعاف مساحة سورية ، ويقطنها 10 ملايين نسمة ، يجد اللاجئ نفسه فيه عاجزاً عن الحركة في مجتمعٍ مختلفٍ كلياً عن مجتمعه الأصلي ، فمشكلة الاندماج والتوافق في المجتمع الجديد وتأمين العمل والسكن وغيرها من المشكلات ستجعله يقع فريسة سهلة في براثن الضغوط النفسية والاضطرابات النفسية ، فالضغوط النفسية والأحداث الصعبة ظاهرة بارزة في الحياة الإنسانية يُعايشها الإنسان في أوقات ومواقف مختلفة ، وهو لا يستطيع أن يُبعد نفسه عن الأحداث الضاغطة ، طالما أنه يسعى إلى تحقيق أهدافه في الحياة عبر شبكة من التفاعلات مع الأخرين في المجتمع ، حيث يجابه العديد من العقبات والصعوبات ، وتبرز في طريق الفرد معوقات تحول دون قيامه بدوره الكامل ، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في إحساس الفرد بالعجز عن تقديم العمل المطلوب ضمن المستوى المتوقع منه ، إذ غالبا ما يترتب على ذلك حدوث اضطرابات وحالة من الاجهاد تضعه تحت وطأة الضغوط النفسية التي تعكس طبيعة الحياة التي يعيشها الإنسان في عالم اليوم ، وما يعانيه من مشكلات واضطرابات نفسية ، حتى أصبح كل من القلق والضغوط النفسية والاحتراق النفسي وغيرها ظواهر نفسية تتطلب مزيدا من جهد الباحثين وتفكيرهم بهدف الكشف عن طبيعة كل منها وتحديد مسبباتها وكيفية تفادي آثارها السلبية ، فنتيجة لظروف الحياة الصعبة التي يمر بها الأفراد وما يرتبط بها من عقبات قد تفوق مجرى حياتهم ، فالمشكلات والمواقف الضاغطة التي يتعرضون لها تجعلهم في حالة عدم استقرار نفسي ، نظرا لتراكم مثل هذه المشكلات وتعقيدها ، ويزداد الأمر سوءاً إن لم يكن الفرد مهيأً لمثل هذه الظروف ، بحيث لا يمتلك الطرق والأساليب المجدية التي تمكنه من التعامل الفعال مع هذه المواقف ، أو أنه يجهل طبيعة هذه المشكلات التي تؤرقه ، وعندما يعجز عن مواجهة المشكلات التي تعوق تحقيق أهدافه يصبح عرضة للتأثيرات السلبية للمواقف الضاغطة التي تؤدي إلى استنزافه جسمياً وانفعالياً ، وأهم مظاهرها فقدان الاهتمام وتبلد المشاعر ، ونقص الدافعية ، ومقاومة التغير وفقدان الابتكارية ، مما يجعله أن يكون فريسة للاحتراق النفسي ، وقد أثارت ظاهرة الاحتراق النفسي اهتماماً واسعا في الدراسات السيكولوجية على مر السنوات الأخيرة ، وذلك نظراً لما تسبّبه من أثار سلبية تؤدي إلى سوء التوافق . وقد أوضح ابن خلدون في كتابه المقدمة " أن البيئة الجغرافية لها أثراً في اختلاف البشر جسمياً ونفسياً واجتماعياً، كذلك إذا تغيرت هذه الظروف البيئية إلى بيئة جديدة تختلف عن سابقتها هنالك مجموعات تستطيع أن تتوافق وأخرى تعجز عن ذلك"، من هنا نرى أن اللاجئ يجد صعوبة في عملية الاختلاط مع المجتمع "الاسكندنافي" بسبب طبيعة المجتمع السويدي المحافظة، وبالتالي تزداد لدى اللاجئ المشاعر السلبية تجاه الضغوط النفسية والحياتية، ولكون اللاجئ قد ترك بلاده بسبب الحرب المدمرة التي مازال يحمل في ذاكرته أتون حرائقها، فتشتد عليه الضّغوط لتصل لمستوى الاحتراق النفسي، ويجد صعوبة في عملية التوافق. فإن كانت الحياة سلسلة من الضغوط والتوترات ، لابد للفرد من معايشتها ، على أن تكون بقدر ومستوى معيّن ، حيث لا شك بأن قدرا معتدلاً من الضغوط مطلوب وضروري ليبقى الفرد في حالة من النشاط والإنجاز ، فكل فرد يستطع الحفاظ على مستوى من التوافق الشخصي والاجتماعي في ظل مستويات عادية من الضغوط ، لكن الضغوط الحادة والمزمنة في مستواها تنطوي على العديد من النتائج المعرفية والانفعالية والسلوكية السلبية ، التي من شأنها أن تعيق قدرة الفرد على التوافق داخل العمل والمجتمع ، ولهذا نجد أن اللاجئين السوريين من حملة الشهادات العليا يعانون من ضغوطات نفسية مستمرة تصل إلى حد الاحتراق النفسي ، الذي يظهر في شكل فقدان اللاجئ للاهتمام بعمله ، فينتابه شعور بالتشاؤم وتبلد المشاعر واللامبالاة والإهمال وقلة الدافعية وفقدان القدرة على الإبداع ، بالإضافة إلى كثرة الشكوى من الأمراض التي يُصاب بها بسبب الضغوط النفسية التي وصلت لدرجة الاحتراق النفسي ، إذ يُعد الاحتراق النفسي حالة إرهاق جسدي وانفعالي ناتج عن التعرض المستمر لمواقف ووضعيات مشحونة انفعالياً ، ويترافق هذا مع مجموعة من الأعراض ، كالتّعب الجسدي والإحساس بالعجز والخيبة والأفكار السلبية عن الذات تجاه البيئة التي يعيش فيها ، ويقوم اللاجئون في سبيل التوافق النفسي بالتعامل مع الضغوط والتقليل من الآثار السلبية بمجموعة من الاستراتيجيات المعرفية والسلوكية ، بهدف خفض الآثار الناجمة عن الاحتراق النفسي ، حيث يستطيع بعض اللاجئين مواجهة هذا الاحتراق في حين يفشل البعض الآخر منهم في مواجهته، ويميل إلى الانسحاب والإنكار وغيرها من الإستراتيجيات بهدف تحقيق التوافق النفسي ، وذلك نظر اً للآثار السلبية التي يعاني منها اللاجئ من إنهاك بدني وعقلي وانفعالي نتيجة المتطلبات والأعباء التي تفوق قدرته على احتمالها . ولأن اللاجئ قد ترك بلاده بسبب الحرب المدمرة التي مازال يحمل في ذاكرته أتون حرائقها تشتد عليه الضغوط لتصل لمستوى الاحتراق ويجد صعوبة في عملية التوافق النفسي والاجتماعي. ويري أصحاب نظرية التحليل النفسي أن الاحتراق النفسي ناتج عن عملية ضغط الفرد على الأنا لمدة طويلة، وذلك مقابل الاهتمام بالعمل، مما قد يمثل جهدا مستمرا لقدرات الفرد، مع قدرة الفرد على مواجهة تلك الضغوط بطريقة سوية أو أنه ناتج عن عملية الكبت أو الكف للرغبات غير المقبولة بل المتعارضة في مكونات الشخصية مما ينشأ عنه صراع بين تلك المكونات ينتهي في أقصى مراحله إلى الاحتراق النفسي، وأنه ناتج عن فقدان الأنا المثل الأعلى لها وحدوث فجوة بين الأنا والأخر الذي تعلقت به، وفقدان الفرد جانب المساندة التي كان ينتظرها، كما أنه يمكن استخدام فنيات مدرسة التحليل النفسي لعلاج الاحتراق النفسي كالتنفس الانفعالي.(الراشدان (1995)

وحسب المدرسة السلوكية، فإن الاحتراق النفسي هو حالة داخلية شأنه شأن القلق والغضب، لهذا نجد أن النظرية السلوكية ترى أن الاحتراق النفسي نتيجة لعوامل بيئية، وإذا ما تم ضبط تلك العوامل فإنه من السهولة التحكم في الاحتراق النفسي وهذا ما تؤمن به العديد من الدراسات والنظريات العلمية حاليا في أهمية وضرورة تعديل السلوك لضمان درجة عالية من الأداء والإنتاجية في مختلف المجالات". (حرب،1993 )

بينما نجد أن أصحاب النظرية الوجودية يركزون في تفسيرهم للاحتراق النفسي، على وجود المعنى في حياة الفرد، فحينما يفقد الفرد المعنى والمغزى من حياته فإنه يعاني من نوع من الفراغ الوجودي، الذي يجعله يشعر بعدم أهمية حياته، ويحرمه من التقدير الذي يشجعه على مواصلة حياته، فلا يحقق أهدافه مما يعرضه للاحتراق النفسي لذلك فالعلاقة بين الاحتراق النفسي وعدم الإحساس بالمعنى علاقة تبادلية فهما وجهان لعملة واحدة إن جاز لنا القول ( الربضي ,29,2010)

1-التوافق الشخصي والانفعالي:

يتمثل التوافق الانفعالي في إدراك الشخص للجوانب المختلفة للمواقف التي تواجهه، ثم الربط

بين هذه الجوانب وما لديه من دوافع وخبرات وتجارب سابقة من نجاح وفشل تساعده على تعيين وتحديد نوع الاستجابة التي تتفق ومقتضيات الموقف الراهن، وتسمح له بتكييف استجابته تكييفا ملائما ينتهي به الفرد إلى التوافق مع البيئة والمساهمة الإيجابية في نشاطها، وفي نفس الوقت ينتهي إلى حالة من الشعور بالرضا والسعادة.

فالتوافق الشخصي، يعني أن يتميز الفرد بالثبات والاتزان الانفعالي مما يؤثر إيجاباً على نظرته لنفسه، وهذا لم يتوفر للفرد إلا إذا كان على وعي بانفعالاته وقدرته الكاملة على إدارتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة. إن توافق الفرد لا بد أن يكون محوره الأساسي ومركزه هو الجانب الانفعالي، فالتوافق الانفعالي ليس شيئا قائما بنفسه منفصلا عن غيره، لأن انفعالية الفرد تتداخل في مجاله المهني والأسري أو غير ذلك من المجالات، فقد تمثل انفعالية الفرد صورة من صور الاضطراب. فالثبات الانفعالي بمثابة الصميم واللب للعملية التوافقية كلها (فهمي،2009، 78)

ويتضمن التوافق الشخصي السلوك الانفعالي الناضج والتعبير الانفعالي المناسب لمثيرات الانفعال، وحل المشكلات وقد ذكر (دانيال جولمان) أن الفيلسوف اليوناني "أرسطو "أكد أن الانفعالات يجب أن تناسب الموقف والظرف تماما، وفي حالة كبت الانفعال فذلك يؤدي إلى العزلة، والخروج عن إطار السيطرة، ويتحول إلى اضطراب نفسي (القلق، الاكتئاب، الغضب...) إن ذلك مؤشر لسوء التوافق (جولمان، 2000، 87)

كما أن الاتزان والثبات الانفعالي يلعبان دورا كبيرا في توافق الفرد مع نفسه، وشعوره بالرضا مما ينعكس إيجابا على حياته، وفعاليته اليومية، وقد أكدت الدراسات أن العواطف السلبية كالغضب والقلق... تؤثر سلبا على صحة الإنسان، وتوافقه. (لصويط,56,2008)

كما يتضمن التوافق الشخصي، التوافق العقلي الذي يتحقق بقيام كل العمليات العقلية بوظائفها كالإدراك والتفكير والقدرات بدورها كاملا وبالتنسيق مع باقي العمليات. ويقول مايرو سالوفي "Mayer salovey" أن الأشخاص الذين يتميزون بالوعي الذاتي واعين بحالتهم المزاجية، يتمتعون برؤية إيجابية لانفعالاتهم ويتمتعون بصحة نفسية جيدة ولديهم رؤية إيجابية للحياة. (القذافي,59,1981)



سوء التوافق:

السلوك غير المتوافق هو ذلك السلوك الذي يعجز فيه صاحبه عن تحقيق التناغم والانسجام والتآلف بين ذاته والآخرين، وهو ما يتمخض عنه من عدم الإمكانية والفشل في خفض التوتر وعدم استغلاله لإمكانياته المتاحة، وما يترتب عن ذلك من مشاعر عدم الأمن والرضا والسعادة مع نفسه ومع الآخرين. إن الشخصية المتوافقة تكون سوية بقدر ما تنطوي عليه من حرية ومرونة تجاه المتطلبات الغريزية البيولوجية، ومتطلبات العالم الخارجي الاجتماعية والأخلاقية، إلا أن هذه المرونة تفتقدها الشخصية السيئة التوافق غير المتزنة، الأمر الذي يجعل صاحبها يتخبط بصورة عشوائية وغير عقلانية من أجل الوصول إلى غايته التي يفشل في الوصول إليها في نهاية المطاف، وهذا هو ما نسميه بالسلوك الشاذ غير السوي. (الرحو، 2005، 373)

فقد تركز معظم الجدل في الآونة الأخيرة حول مسؤولية المهاجرين في عدم اندماجهم في المجتمع الجديد، من قبل بعض المثقفين العرب، علماً أن هذا الرأي أيضاً هو رأي اليمين المتطرف في السويد. وهم ينظرون للنموذج الغربي بإنه النموذج الصالح للعيش في كافة المراحل، متناسياُ البعض منهم عن عمد أن هذا الموضوع يتعلق بالخصائص النفسية والثقافية للمهاجر أو اللاجئ، ولست مسألة تنظير سياسي فقط. فالدراسات التجريبية التي أجريت من قبل علماء النفس تربط بالتكيف وبمستويات التثاقف المقاسة لهؤلاء الأفراد. بالنظر إلى أن المهاجرين من مختلف الأجيال تظهر سلوكيات تأقلم مختلفة، ويمكن أن تتنوع سلوكيات التأقلم بين المهاجرين والمجموعات العرقية وفقاً لمستوى التثاقف. بالإضافة إلى العلاقة بين التأقلم والتثاقف وطريقة التعامل مع المهاجرين، فالتمييز العنصري والتهميش والاستبعاد كلها عناصر تساهم في عرقلة عملية الاندماج وتزيد من حدة الضغوط النفسية التي تصل لمستوى الاحتراق النفسي.



١الربضي، وائل(2009) :التوافق النفسي وعلاقته بمهارات مواجهة الضغوط النفسية لدى عينة من الطلبة المتفوقين في محافظة عجلون، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية، العدد:18,الأردن

٢الرحو, جنان سعيد (2005)أسياسيات في علم النفس، ط1,الدار العربية للعلوم،بيروت، لبنان.

٣القذافي,رمضان (1981): علم النفس العام،دار المعارف العربية، طرابلس ,ليبيا

٤الرشدان، مالك أحمد (1995): الاحتراق النفسي لدى أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأردنية الحكومية وعلاقته ببض المتغيرات

٥حرب، يوسف (1993): ظاهرة الاحتراق النفسي وعلاقتها بضغوط العمل لدى معلمي المدارس الثانوية الحكومية في الضفة الغربية، رسالة ماجستير غير منشورة،جامعة الأردن

٦جولمان، دانيل (2000): الذكاء العاطفي، عالم المعرفة، العدد:262,ص,248, الكويت

٧فهمي، مصطفى (1979): التوافق الشخصي والاجتماعي، ط,1,مكتبة الخانجي للنشر، القاهرة، مصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حول طبيعة المجتمع السويدي
جلال عبد الحق سعيد ( 2022 / 2 / 17 - 23:10 )
مساء الخير
ورد في مقالك توصيف للمجتمع السويدي بأنه محافظ ذكرت على سبيل المثال مايلي
أن اللاجئ يجد صعوبة في عملية الاختلاط مع المجتمع -الاسكندنافي- بسبب طبيعة المجتمع السويدي المحافظة
اعتقد ان هذا التوصيف يحتاج المزيد من التوضيح كيف يعني المجتمع السويدي محافظ من اي ناحية وهو عكس مانقرأة ونسمعه عن المجتمع السويدي والسويد يوجد بها اعراق قومية كثيرة من بلدان الشرق
ثم انك تحدثت عن الاحتراق النفسي عند اللاجئين السوريين في السويد هل هذا الاحتراق والمعاناة في الاندماج موجودة ايضا عند النازحين العرب الاخرين مثلا اللاجئين العراقيين في السويد وهم هناك بمجاميع كبيرة ولم لايقوم النازحين السوريين بمحاولات للتواصل والاندماج مع بقية النازحين العرب الاخرين
ارجو افادتي مع جزيل الشكر


2 - رد
فراس الجندي ( 2022 / 2 / 19 - 17:31 )
عندما نقول ان المجتمع السويديس محافظ في طبيعته المقصود بناء جسور للعلاقة مع الثقافات المتعددة في المجتمع ،أما وجود أعراق مختلفة في المجتمع السويدي لا يعكس طبيعة والبنية النفسية للفرد السويدي وكيف ينظر للآخر
أما الاحتراق النفسي يمكن أن يصاف به كل مهاجر يتعرض للضغوط النفسية وصعوبة الاندماج وهذا الموضوع كان اطروحة الماجستير التي تقدمت بها

اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. ”قاتل من أجل الكرامة“.. مسيرة في المغرب تصر على وقف حرب الا




.. مظاهرة في جامعة السوربون بباريس تندد بالحرب على غزة وتتهم ال


.. الشرطة الأمريكية تعتقل عددا من المشاركين في الاعتصام الطلابي




.. بعد تدميره.. قوات الاحتلال تمشط محيط المنزل المحاصر في بلدة