الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوعي وال - أنا - المتعالية

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2022 / 2 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


أركيولوجيا العدم
١٢٠ - الوعي وتلاشي الأنا


الأنا أفكر، يعتبره سارتر " تجويف زائد، وإنتفاخ طاريء وتورم مرضي وتضخم في الأنا وفراغ لا ضرورة له " يقول حسن حنفي، مترجم كتاب سارتر عن تعالي الإيغو " يضغط سارتر هذا الأنا حتى يتم تفريغ الهواء، ويقضي على التجويف من أجل خلق أنا مصمت لا فراغ ولا تجويف ولا أورام فيه، أنا تمتاز بالهبوط النفسي وبالخوف من نفسها، ويقضي بذلك على الداخل من أجل الخارج، وعلى الذات من أجل الموضوع، وعلى الأنا من أجل العالم ويصبح الأنا هو الأنا موجود مع الآخرين، وفي العالم، وتتحدد علاقاته مع هاتين الدائرتين، وتصبح الأنا خارجية محضة بلا داخلية، ووجودا محضا بلا عقل ". سارتر في هذا الكتاب لا يعالج قضية العقل بتاتا، ولا شك أن المترجم يعني " أنا بلا وعي"، وبالتالي فإن هذه الأنا تصبح "كينونة محضة بلا وعي"، ذلك أن الأنا ليست في الوعي لا على نحو صوري ولا على نحو مادي، فهي موجودة في الخارج، أي في العالم، فهي من كائنات هذا العالم، ووجودها شبيه بوجود الأنا عند الآخرين. وكتاب سارتر بهذ الخصوص " تعالي الإيغو La transcendance de l Ego "، أراد به تحرير المجال الترانسندنتالي وتطهيره من كل الشوائب التي تمنع صفائه وشفافيته المطلقة، وكل ما له علاقة بالأنا. فكل الأشياء الطبيعية والنفسية والجسمية - النفسية، كل الحقائق والقيم خارجة عن هذا المجال، والذات نفسها لم تعد جزءا منه، فهو إذا أصبح لا شيء، فراغ سرمدي لا داخل ولا خارج له، ولكن هذا اللاشئ المطلق هو كل شيئ في نفس الوقت، لأنه وعي بكل هذه الموضوعات. وبذلك لم تعد هناك ضرورة لإفتراض خرافة الحياة الباطنية أو الداخلية للوعي أو اللاوعي، فالشكوك وتأنيبات الضمير وتشتت الذات، بإختصار كل ما يشكل ما يسمى باليوميات أو المذكرات الشخصية - والأدب والكتابة على طريقة بروست -، ما هي إلا تمثلات وإبداعات للوعي. نحن نعرف الآن بأنه عندما يتحدث شخصان عن شيئ ما، كهذا الكرسي مثلا، فإنهما يتحدثان بالضبط عن نفس الكرسي، هذا الكرسي الذي يأخذه أحدهما ليجلس عليه هو نفس الكرسي الذي يراه الآخر، وهذا ليس مجرد توافق في الصور، بل يوجد موضوع واحد. ولكن أغلبية الناس تعتقد بوجود عالم غامض لا يدركه إلا الآخر، فعندما يحاول شخص ما أن يفهم حالة نفسية للآخر، فإنه لن يمكنه أن يدرك هذه الحالة التي لا يدركها إلا الآخر إدراكا حدسيا، اما هو فإنه سيبحث عن معادل لها ويخلق تصورات فارغة لإدراك واقعة ترفض أساسا عملية الإدراك، وبذلك يتم التواصل النفسي بالمماثلة par analogie ولكننا اليوم وبفضل الدراسات الفينومينولوجية نعرف بأن الحالات النفسية هي موضوعات، وأن العواطف مثل الحب والكراهية والغيرة هي مواضيع مفارقة ولا يمكن "إدخالها" في الوعي. فإذا تحدث شخص ما عن الحب الذي يكنه الآخر لأمه مثلا أو لصديقه أو صديقته، فليس صحيحا أن الأول يتحدث عن شيئ يجهله ويلجأ للمماثلة ليدرك إحساس الآخر وحبه الذي يدركه حدسيا، الحقيقة أنهما يتحدثان عن نفس الشيئ، وإن كانا يدركانه بطرق وزوايا مختلفة، وقد تكون هذه الطرق حدسية أيضا، وليست عاطفة الآخر الذي يحب أكثر يقينا من الأول الغير معني بهذا الحب، بما أن الحالات النفسية ما هي إلا موضوعات، فيمكن إذا الإتصال بين الذوات ومعرفة الحالة كموضوع لمن لا يعانيها. فنحن نستطيع إذا إدراك ذات الآخر وحالاته النفسية كما ندرك ذواتنا وحالاتنا حدسيا، بنوع من البداهة الغير مطابقة. وهكذا لم يعد هناك شيئ " لا يمكن النفاذ إليه "، سوى وعي الآخر، ولكن هذا الوعي هو جوهريا غير قابل للإدراك لا بواسطة الحدس ولا بواسطة الفكر بالإضافة إلى أنه لا يحتوي أي شيئ كما سبق القول. فلا يمكن تصور وعي الآخر دون إحالته إلى موضوع لأنني لا يمكنني تصوره على أنه وعيي، لأنه يجب التفكير فيه كداخلية مطلقة وكمتعال في نفس الوقت وهذه هي الإستحالة التي لا حل لها، وهي موضوع الدراسات الفينومينولوجية. وهكذا بما أن الذات أو الأنا ما هي إلا موضوع، فنحن لا نستطيع القول : "وعيي - عندي وعي" إلا مجازا، فالأنا لا يستطيع أن يتملك الوعي، بل هو موضوع للوعي. يقول سارتر بخصوص الكوجيتو الديكارتي وكوجيتو رامبو : وإذا فهم أحد "الأنا أفكر" بحيث يجعل من الفكر إنتاجا للأنا فإنه يكون بذلك قد نظر إلى الفكر من قبل على أنه سلبية وعلى أنه حالة، أي موضوعا، ويكون قد ترك أرضية او مستوى التأمل أو التفكير الخالص حيث تظهر الأنا بدون شك ولكن في أفق التلقائية. ويمكن التعبير بدقة عن هذا الموقف التأملي بعبارة رامبو المشهورة - في رسالة الرائي "أنا هو آخر"، وسياق النص يبرهن على أنه لم يرد إلا القول بأن تلقائية الوعي لا يمكن أن تنبثق من الأنا، بل تذهب نحو الأنا وتنضم إليه وتسمح له بأن يدرك، من خلال سمكه الشفاف، ولكنها تطرح ذاتها قبل كل شيئ كتلقائية متفردة ولاشخصية individuée et impersonnelle. الذات إذا في نهاية الأمر كائن معاصر للعالم وله نفس الخصائص الجوهرية. سارتر في نهاية الكتاب يرى أن المادية التاريخية، كمنهج وكطريقة عمل شديدة الخصوبة، لا تحتاج إلى فرضية لا معقولة مثل المادية الميتافيزيقية، فليس من الضروري أن يسبق الموضوع الذات l objet précède le sujet كي تتلاشى القيم الروحية الزائفة وكي تستعيد الأخلاق أسسها في الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي، يكفي أن تكون الذات le Moi مصاحبة للعالم، حتى نتخلص نهائيا من ثنائية الذات والموضوع - وهي ثنائية منطقية فقط - وتتلاشى من الإهتمامات الفلسفية. العالم ليس خالقا للذات، والذات ليست منتجة للعالم، لكنهما موضوعان بالنسبة للوعي المطلق اللاشخصي la consciene absolue impersonnelle، وهذا الوعي هو الرابط بين الذات والعالم، ولا يكون لدى هذا الوعي، عندما يتخلص من الأنا Je أي خاصية من خصائص الذات sujet ولا يكون مجرد مجموعة من التمثلات. إنه سيكون شرطا أوليا وضرورة ومصدرا مطلقا للوجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة