الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قراءة النصوص المقدسة
كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
2022 / 2 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يحتاج الدارس المتخصص للنصوص التراثية المقدسة والتاريخ وأيضاً الواقع، إلى منهجية في الدرس. لا يُشترط للقارئ العادي امتلاكها، والذي قد يخرج دون هذه المنهجية بمجرد انطباعات، لاشك لها دلالاتها. لكنها تفتقد للثقة الواجبة والمفترضة فيما يُنتج لنا الدارسون الجادون.
ذلك لكي يخرج لنا الدارس من ركامها الهائل بخطوط عامة. نستدل منها على الاتجاه الذي تدفع إليه هذه النصوص من يقدسونها. ولكي نستطيع أن نستدل على الاتجاهات العامة لمسارات التاريخ. وكذا نتمكن من قراءة مسارات الواقع قراءة صحيحة.
فبدون المنهجية العلمية الصحيحة في القراءة، نقع في فخاخ أقوال أو أحداث متفرقة مبعثرة في خضم الأحداث والمدونات. ونتصور أننا بها قد وضعنا أيدينا على لب النص أو التاريخ أو الواقع. فيما نحن في الحقيقة قد فشلنا بتعثرنا في شذرات، ألهتنا عن اكتشاف السياق والمسار الحقيقي لما نحن بصدده.
نقول هذا ونحن نشهد الآن الكثير من المعالجات، التي تبحث عن جذور العنف في النصوص المقدسة والتاريخ.
دون أن يمتلك بعض ممن يتعرضون لهذه المعالجات منهجية علمية، تعينهم على المعالجة الصحيحة للأمور.
إذا كنا بصدد البحث عن جذور العنف، فعلينا الالتزام بمنهجية تمكننا من النظر للأمر بنظرة بانورامية، نهبط منها تدريجياً لمعاينة التفصيلات. هذا بعكس ما يفعله كثيرون، من التعثر في تفصيلات. يهرولون بها لتخيم في تصورهم على مجمل المسار والسياق.
العنف المقدس الذي يتسبب فيه اعتناق دوجما نوعان:
1- نتيجة الشكل الدوجماطيقي.
2- نتيجة ما تحتوي الدوجما من مضمون.
أولاً من حيث الشكل:
فإن مجرد الإيمان بامتلاك الحقيقة المطلقة، يعطي دافعاً تقوياً للمؤمن، ليتخذ ما يستطيع من مواقف حادة تجاه الآخر. منطلقاً من رؤيته لنفسه أنه من حزب الإله، فيما هذا الآخر لابد بالتبعية أن يكون من حزب الشيطان. ما يعطيه دافعاً ومبرراً مقدساً، لأن يرتكب فيما يعتبره جهاداً مقدساً أبشع الجرائم.
وهذا النوع من العنف الإطاري للعقائد المقدسة، تشترك فيه جميع المعتقدات المغلقة المطلقة. لذا لا يكاد يخبرنا تاريخ الإنسانية ببراءة تامة لمعتنقي أي عقيدة دينية من العنف المصاحب لإيمانهم. بالطبع مع فروق هائلة في درجة العنف، بين مختلف الشعوب حسب ظروفها وطبائعها، ومختلف العقائد حسب نوعياتها.
ثانياً من حيث المضمون:
تختلف صنوف الدوجما من حيث درجة اعتمادها العنف كوسيلة مقننة لنشر دعواها بالإجبار. فلابد لكي نحسن قراءة النصوص التراثية أن ندرك طبيعة تركيبها.
فالنصوص التراثية الدوجماطيقية ليست تدويناً لمجوعة أفكار مركزية تنتمي لمحور موحد، بحيث يمكن لنا البحث عنها والتعلق بها.
هي نصوص شفاهية، تعدد مدونوها سراً وعلانية. وتحوي ما تحوي من متناقضات. وتجدها حمالة أوجه، وتحوي "ألف صنف وصنف". لذا ليس من الموضوعية تصيد عبارة هنا أو هناك، للتدليل بها على ما قد نكون افترضنا نحن منذ البداية من أحكام مسبقة.
تؤخد الأمور مثل البحث عن العنف الدوجماطيقي أو المقدس، بالعثور على السياق العام لمجمل النص. كما لا يجب الخلط بين التحريض الرسمي الممنهج على العنف المهيمن على نص مقدس، وبين التفسيرات التعسفية لبعض المؤمنين المتحمسين المتهوسين، الذين يتصيدون عبارات مدفونة داخل سياق النص، ليتخذوا منها مبرراً أو سنداً، لذهابهم باتجاه العنف.
فالعثور في جبل أصفر على بضعة حبات سوداء، لا يعني أن الجبل أسود. كما أن العثور في جبل أسود، على بضع حبات بيضاء، لا يعني أن الجبل أبيض.
الكم هو الذي يحدد الكيف.
كم العنف في نص ما، هو الذي يحدد كيفيته، إن كان عنيفاً أم لا. أو بالأحرى درجة تحريضه على العنف. وليس التقاط بعض جمل أو أحداث، لتعميمها على مجمل النص.
هناك أيضاً جانب آخر في دراسة النصوص المقدسة وتأثيرها على الحاضر. وهو وجوب التفرقة بين الأجزاء والشذرات المنسية في خضم النصوص، وغائبة عن تفاعلات الحاضر، وبين تلك التي مازالت حية في الأذهان.
لا نقول بتجاهل الأولى. لأن مجرد وجودها ضمن التراث المقدس، يشكل ذخيرة يمكن أن يرجع إليها المتهوسون الباحثون عن سند للعنف المقدس في أي وقت. كما أنها تظل شاهداً على النصوص ذاتها، إذا ما كنا في معرض تقييم النص في ذاته. لكن ما نقصده هو أن نعطيها وزناً في حساباتنا، دون ذلك الذي نعطيه للأجزاء الحية الفاعلة.
الحرص على المعالجة الموضوعية العادلة، قد يحمل خطر الذهاب للمساواة بين أقطاب غير متساوية. . فلنحذر الانجراف للظلم ونحن نسعى للعدل.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. أدب الدين وأدب الدنيا .. ما لفرق بينهما ؟
.. الرئيس السيسى يصل الرياض للمشاركة فى القمة العربية الإسلامية
.. لحظة وصول الري?يس السيسي ا?لى السعودية للمشاركة في القمة الع
.. بوليتكو: العرب والمسلمون صوتوا بنسب غير مسبوقة لصالح ترمب
.. النشرة الصباحية | قمة عربية إسلامية بالرياض.. وإسرائيل تُسقط