الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل استطاع الحوت أن يأكل النبي يونس؟

هيثم طيون
باحث بالشأن التاريخي والديني والميثولوجيا

(Hitham Tayoun)

2022 / 2 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"باكارد" هو صياد أمريكي يبلغ من العمر 56 عاماً ضجت وسائل الإعلام بخبر ابتلاعه من قبل حوت أحدب ثم لفظه بعد حوالي نصف دقيقة في ولاية ماساتشوستس، حيث كان يستقل قارباً هو وزميله وقد قفز في البحر مرتدياً معدات الغوص حسب قناة البي بي سي فشعر بارتطام ضخم واكتشف بعدها أنه في فم حوت يحاول ابتلاعه، ولكن الحوت قذف به في الهواء وسقط في الماء، ولم يعاني باكارد من شيء سوى من بعض الكدمات.
لم تتجاوز اللحظات التي عاشها الغواص بين شدقي الحوت أكثر من ثلاثين ثانية حيث أن الحيتان تقوم بلفظ كل ما كبر حجمه وتعتمد في غذائها على الأسماك الصغيرة.
طبعاً تنفس الغواص عبر عدة الغوص الخاص به نظراً لوجود الماء الملح في فم الحوت وعدم توفر الأوكسجين في شدق الحوت.
ولتشابه الحدث مع قصة دينية فقد طفت على الواجهة أسطورة النبي يونس ابن متى ولن نخوض في الكذب الفيزيائي واللامنطقي أو الحدث الإعجازي ولكن سنتحدث تاريخياً عن أسطورة النبي يونس.
وكأي أسطورة شيقة فقد اعتمد الرواة ورجال الدين قديماً على الخيال الخصب فيها باعتباره مدخلاً شيقاً وجذاباً لرواية مكتملة الأركان أدبياً، حيث تحمل هذه الأسطورة طيات وأحداث براقة في المجمل وتعتمد على الأحداث الخارقة واللامنطقية، ولكنها محاكة بأسلوب بارع يقيدك بالحبكة فتظهر تفاصيلها البعيدة عن منطق العقل البشري مقبولة للبعض.
حيث أن هناك العديد من الخرافات والأساطير العالمية التي تُخبرنا عن بطل يُبتلع بواسطة حيوان بحري خارق وهي مشابهة لقصة يونس بشكل كامل، وأن كانت تصور في معظمها أسطورة الشمس في مسارها باتجاه الغرب والتي تُبتلع من قبل إلهة السماء نوت Nut لتشرق ثانيةً من الشرق بحسب الأسطورة المصرية الفرعونية القديمة .
ويكمن التشابه بين قصتي يونس والشمس بسبب سفره باتجاه الغرب، وابتلاعه في الغرب ، وعودته ليظهر في الشرق من داخل ظلمة جوف السمكة.

و النبي يونس هو يونس/ يوانيس/ أوانيس ( يونان بحسب الصيغة السومرية للإسم العبري "يونا" الذي معناه حمامة) وهو الشخصية المحورية في سفر يونان، حيث تروي قصته الشهيرة أنه عندما صعد على متن سفينة هبّت عاصفة و ضربت السفينة ثم أُلقي منها وجاء الحوت و ابتلعه لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال ثم قذف به الحوت على البر.
تعتمد الحضارة الكلدانية التي قامت في العراق على قصة مشابه حيث يُعبر حوت يونس عن إلهة البحر" ديرستيو " ، حوت دير ، الذي ابتلع وأعاد ولادة الاله أوانيس والذي أصبح كرجل تعاد ولادته من فم الحوت بعد ثلاثة أيام.
ويتشابه اسم الاله الكلداني أوانيس مع اسم يونس /يونان فمعنى" أوانيس " الذي أعيدت ولادته من فم الحوت، وقد ذكر في الكتاب المقدس أن الرب أمر الحوت بقذف يونان أو يونس إلى البر.
وبحسب الروية الإسلامية فإن يونس كان في العراق ومصدر قصته مدينة عراقية تدعى نينوى والتي هي الموصل حالياً ومن هنا نتساءل عن أسباب هذا التشابه في الحدث وفي المكان؟.

كما أن هنالك خرافة هندية ، تشبه الى حد كبير قصة يونان وهي أسطورة سوماديفا بهافتا عن شخص اسمه ساكتيديفا والذي ابُتلع من قبل سمكة ضخمة ثم خرج منها من غير ضرر.
و هذا الحدث في رواية ساكتيديفا يشابه أصل مفهوم الولادة من جديد Born Again في العقيدة المسيحية، فالنبي الذي تحرّك به القبر هو "يونس/ يونان/ يوهان/ يوحنا/ جون" و القبر هو الحوت، و هذه القصة الرمزية شبيهة جداً بقصة قيامة يسوع المسيح من القبر في اليوم الثالث لموته.
فالنبي يونس بقي في جوف الحوت ثلاث أيام و ثلاث ليالي، و يسوع قام من الموت في اليوم الثالث.
أما إغريقياً فأن الحوت ابتلع هرقل او هركليس في مكان يدعى " جوبا " وبقي ثلاثة أيام في جوف الحوت .
حيث أن أمه كانت فينوس ، رحم البحر ، التي سميت دلفينوس والتي عنت كلا المعنين دلفي ، والرحم ، ذلك أن كلمة سمك مردافها في اليونانية رحم.
وتحمل كل هذه الأساطير دلالات فلكية تشير للابتلاع والرمي المتعاقب في اليوم الرابع أو بابتلاع الشمس من قبل الليل . فاليوم أو الشمس يبتلع من خلال الليل ليطلق من جديد عند النهار، وقد دعيت الشمس يونان جونا أو هرقل وغيرهم الكثير ممن جسدوا الشمس والسمكة الضخمة جسدت الأرض .
وتتشابه الكلمات جونا ، جون ،جوانا و ايون بكل وضوح مع الكلمات التالية بعل أدون ، السيد ،الإله أو المبدأ الاول .
كما ادعى الإسكندنافيين بأن اسم الشمس هو جون وكذلك فعل الفرس فلقد اسموها جواناه.
والبطل الشمسي هرقل يكتب هيركليس وهو نفس هار- اكليس والذي بدوره يشير الى حورس أو حور ، بينما كيرشنا يدعى حيري ، الكلمة السنسكريتية للرب الراعي والمخلص .
بوذا يدعى أيضاً " حيري –مايا " والتي تتوافق مع هرمس .
وفي الايرلندية القديمة كلمة بودا كما بوذا تعني الشمس ، النار والكون .

زيادة على ذلك كلمة بعل تعطي إشارة الى السيد أو الإله وقد وجدت في الهند كـ بال راما و ارتبطت بالكلمة بول أي الثور والتي أصبحت مصطلح معروف يشير إلى عصر الثور، ويمكن تعقب جذور كلمة ثور الى "سير " لدى السورين هو مصطلح آخر يشير الى الشمس .
ويمكن التأكيد أن أصل القصة في مصر أرض الفراعنة حيث أعادت الست نون/ الله/ اللة/ اللات ابنها الصقر حور إلى الحياة بعدما ذبحته فبعث من الموت و طار/ حقاً قام/ حقاً طار/ المسيح عيسى بن مريم قام من الموت و طار/ عيسى طار/ عيش-تار/ عِشتار في إشارة للبعث من الموت والحياة والقيامة من جديد في اليوم الثالث بعد أن ذبحته أمه بحسب الأسطورة المصرية الفرعونية القديمة.
لقد أخذت قصة النبي يونس حيزاً كبيراً في التاريخ والأساطير واعتمدت عليها الأديان بقوة لتنفيذ كلمة الرب أو سلطة الله على الخلق والبشر وتحوير تفكيرها والسيطرة عليهم بطرق مختلفة.

المصادر :
[1] Edward B. Tylor, Early History of Mankind, P. 345
[2] Jonah and the Whale is an Ancient Sun Myth








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قصة جميلة
بارباروسا آكيم ( 2022 / 2 / 21 - 11:18 )
والله سبق و أن قرأت هذه القصة سابقاً
و أتذكر بعض التفاصيل

فأن الحوت قد أبتلع النبي يونس ( عليه السلام )
و لكن الحوت بعد برهة شعر بمغص لأن الحوت قد تسمم
بالنبي يونس عليه السلام
و لذلك فقد تغوط الحوت النبي يونس مع باقي الفضلات بعد بضعة أيام لأنه لم يتمكن من هضمه
فوجد النبي يونس نفسه على حافة مدينة ساحلية لبنانية جميلة فأستفاق من رائحة النشادر وروحه المعنوية عالية

يعني شيء بهذا المعنى

على كل حال القصة جميلة و تدعوا للتأمل

تحياتي و تقديري

اخر الافلام

.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ


.. المسيحيون الأرثوذوكس يحيون عيد الفصح وسط احتفالات طغت عليها




.. فتوى تثير الجدل حول استخدام بصمة المتوفى لفتح هاتفه النقال


.. المسيحيون الأرثوذكس يحتفلون بعيد الفصح في غزة




.. العراق.. احتفال العائلات المسيحية بعيد القيامة وحنين لعودة ا