الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرشوة المشروعة

ماجد الحداد

2022 / 2 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هذا تحليل نفسي انثروبولوجي مبسط لنشأة الطقوس منطقيا وتاريخيا ولا يعبر عن عقيدة كاتب المقال ...

الطقوس لم تنشأ إلا من خوف الإنسان من الكون وشعوره بضآلة حجمه وقدراته بالنسبة له ، فأخترع طريقة بسبب جهله لكيفية عمل الكون ، مضمونها إستئصال جزء من ممتلكات الإنسان وتقديمها للوضع المراد التحكم فيه سواء بتغييره أو درء شر تغير استقراره ، وأحيانا يقوم الإنسان بتكرار أفعال في أوقات معينة شروطها الإيمان العميق أنها ستغير الواقع وتحافظ على التوازن أو تحقيق الأماني ...
ولأن الإله او اوامره او من يتكلمون بلسانه يقولون انه يريد منا دوما الانصياع والطاعة والعبادة لكي نحصل على رضاه يؤكد سنقول .
فالطريقة براجماتية نفعية ... اعترف بي واعطيني خضوع وانا اغدق عليك بالعطايا تماما كرئيس لجماعة او ملك على شعب ... صورة بشرية بحتة ...
ومجمل تلك الطقوس يقول أن الإنسان يتحايل بمكر مع قوى الطبيعة ويتصرف بذكاء يفوق إلهه الذي يتصور على شاكلته لذلك سيتعامل معه بنفس منطق تعامله مع ملك قبيلته او دولته ، و يرشيه ويتعامل معه مثلما كان يتعامل مع وحش بري يقدم له طعاما أو حيلة ما ليصرف ذهن هذا المتوحش عنه ويتركه يعيش بسلام ويفرغ ساحة الكون والوجود له ليستطيع الإنسان الحصول على ما يريد دون التعرض لأي مخاطر احتمالية ، ويظل الكون في جانب مصلحته ولا يوضع اي مطب من مطبات الجانب الفوضوي أو المظلم من الوجود والذي يعطل الحصول على المرادات صراحة
إن الإنسان له عذره من هذا الخوف خصوصا عندما تنعدم لديه المعرفة العلمية السليمة لطريقة عمل الأشياء ، فيلجأ لنفس حيلة تعامله القديمة أيام ماكان يعمل في الصيد (الرشوة النفعية)... او ( التجارة مع الله ) كما يستخدم المصطلح الديني ... من خلال صيام صلوات بخور كلمات وأدعية وتعاويذ... حتى يصل الطقس الأهم لمنتهاه _ طقس الدم _ وفي هذا الطقس يتعمد الإنسان فعل شئ غريب جدا وهو ( القتل ) ، وبذلك يجمع كل الشرور المتوقعة التي ممكن أن يقابلها أو تواجهه بسبب ذنب أو خطأ اقترفه أو تهدئة وضع ما كوني قد يحيق به فينهي وضع المخاطر المحتملة بإستباقها بصنع العنف بيديه أمام إلهه بحجة إرضائه ، فيهدأ الإله المتمثل في أحد القوى الكونية ويجلس رابضا قرير العين على حراسة الإنسان نفسه من أي مخاطر ، وهنا يستبق الإنسان الكون ليحقق بنفسه التوازن بين القوتين لمصلحته ...
هذا يشبه بضربة مطرقة تحت حزام الطبيعة مجيبة لرغبات الإنسان ... بإحداث فاجعة فيها تربكها .
هكذا يفكر لاوعي المضحي بقربان الدم ... وطبعا عبر عنها القصص الابراهيمي في قصة قابيل وهابيل عندما تقبل قربان الدم ولم يتقبل قربان السلام الزراعي ... وايضا في ذبيختي الخطية والسلامة ، وذبيحة الاله لإبنه الذي يسمى ( حَمل الله ) كما سماه يوحنا المعمدان .
طبعا كل ذلك سيختفي تماما بمجرد استبدال الطقوس الذاتية المحلية لطقوس تفاعلية أخرى مع حقيقة القوى التي نتعامل معها ، وهنا سنجد تحولا عجيبا من الكاهن إلى العالم ، ومن المتعبد إلى العامل العارف ... ومع مرور الوقت تتعامل الحيلة النفسية للتعامل مع القلق من اللبيدو _ الهو او الغريزة _ الى اعلائه وتجريده واصبحت الطقوس _ احيانا _ تمارس كنوع من الاحترام او بشكل اعلائي لقيم نفعية ايضا للحصول على مكافئة نهاية الخدمة بعد الموت يعطيك اياها المعبود وستطالبه انت بها لأنك لن تكون سعيدا خذلك .
وبسبب حالة الإعلاء تلك وضعت فكرة انك ستدخل الملكوت والجنة بالرحمة وبالإيمان وليس بالعمل وعلى مقاييس الهك وليس مقاييسك فهذا كانت اجابة سد ثغرة لسؤال منطقي لماذا يعاملني الإله بتلك النفعية ماذا لو خذلني ولم يعطيني حقي في تعبي من اجل تمجيده ؟
هذه المنظومة مهمة جدا لصحة الإنسان النفسية والاجتماعية ولا يمكن ان تقوم المجتمعات البسيطة بدونها ...
وعندما يتطور ويتعقد الأمر مع المجتمعات العاطفية تتحول الطقوس والدين لطريقة للتكسب سواء المادي المباشر لو لكسب الثقة في امور حياتية اخرى مع افراده ...
وهو ما حدث بالفعل مع تبديل الشكل الابراهيمي لتلك الطقوس بالشكل البوذي الداعم لديانة العصر الجديد من خلال القربان الذاتي من الصيام وااتحويع وتحريم اكل اللحوم _ ليس فقط بسبب انها احفورة انثروبولوجية لفكرة التناسخ الآسيوية بل لتخطي فمرة القربان الحيواني كله واعتبار هذا تطور للقربان من وجهة نظر اخرى لأن الصيام قربان متطور ظهر اول ما ظهر في الوعي الانساني بسبب الحفاظ على بواكير الثمار كما قال عالم الانثروبولوجيا ميرسيا الياد و كل من الدكاترة
لويز تويتو 1 * ، سالومون إسرائيل 1 ، إيتامار سيمنسون 2 وأرييل كنافو نوام 1 * في الجامعة العبرية في القدس في بحثهم عن الاشباع المتاخر للحصول على المكافأة لدى الاطفال _
وفب تأخير اكل بواكير الثمار يسمح لها بالنضوج والحصول على طعم افضل وحجم فاكهة اكبر ، حتى تطور الامر لانتظار المكافأة في نهاية خدمة العمر ما بعد الموت بناء على الايمان بالبعث .
اما في الشعوب الاخرى سترى فيها شيئا لا نفع له مادامت تستطيع تحقيق ذلك بالعلم وغياب الثقة في المكافأة المتأخرة _ كما اوضح دكتور سيسلت كيد وآخرون في بحثهم عن تاخير حافز الاشباع بالحلوى في مركز العلوم المرئية ، جامعة روتشستر الولايات المتحدة ، وايضا هذا يفسر تخطي الحاجز النفسي من الخوف من التعامل مع
المجهول .
لذلك شرط الثقة ومدى معقوليتها في من يعد بمكافأة اشباع متأخر في المستقبل لها عامل كبير جدا على اتخاذ قرار تأخير الاشباع . ثم كان الصيام طقسا سهلا غير مكلف للطبقات الفقيرة ، حيث يجد فيه قدرته البسيطة على القربان لإرضاء الاله بدون تكلفة مادية وخصوصا انه معتاد على الجوع من جانب ، ومن جانب آخر توفر الامل لتحسين الحال مستقبلا لتأخيره الاشباع حتى لو كان سيحصل عليه في عالم آخر .
لكن الفروق الاقتصادية قد تجعل الاغنى يؤخر الاشباع لعدم الانفاق والادخار لتطوير ثروته وليس في تجويع نفسه لوفرة الغذاء لديه ، لكن بمجرد ان يتحول طقس الصيام من حقيقته الانثروبولوجية الاقتصادية الى الانثروبولوجية الدينية تجد السبب ان الكاهن يعطي سببا للغني لمشاركته الفقير قربان الصيام لمشاركته في الشعور بالجوع كنوع من المشاركة الوجدانية العاطفية مع الفقر توبياس بروش وديفيد ساندر في كتابهما كتيب القيمة بناؤ على علم الاقتصاد وعلم المخ والأعصاب و النفس والاجتماع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك