الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوبزبوم والتاريخ ... جدل ومعرفة - الجزء الاول.

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2022 / 2 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هوبزباوم و التاريخ ... جدل ومعرفة .....

انطلق في هذا المقال من قول لهوبزبوم في محاضرة القاها سنة 1993 في جامعة "اوربا الوسطى" في بودابست تحت عنوان " التهديد الجديد للتاريخ" يقول" اذا لم يكن هنالك ماض مناسب فان بالامكان دائما اختراعه" هذا وهو يقصد به تاريخ دول او قوميات واثنيات وطوائف او ماشابه، لذلك تحاول بعض الدول التي هي بتمثلاتها الحاضرة جغرافيا وسياسيا، تعتبر دولا حديثة النشأة وحتى شعوبها التي سكنتها لا يتعدى تاريخها بضع مئات من السنين تحاول ان تخترع ماض لها من حضارة قدرها على سبيل المثال خمسة الاف سنة، متشبثة بكل شاردة وواردة لادعاءاتها هذه ، وهنا على سبيل المثال نسمع او نقرا بين الحين والاخر عن كشوفات تاريخية ولقى اثرية في منطقة الخليج العربي خصوصا دولة الامارات العربية تعود هذه الكشوفات بتاريخها لخمسة الاف او اربعة الاف سنة مضت يقولون عنها انها تمثل الانسان "الامارات القديم" وهذا كلام غير منطقي تماما فالانسان الذي يسكن الامارات اليوم ليست له اية علاقة لا من قريب ولا بعيد مع اولئك الاقوام التي سكنت الارض قبل خمسة الاف سنة، فقد تكون تلك الاقوام قد مرت من هناك او سكنت ثم هاجرت او ابيدت او انهم كانوا يتبعون حضارات مجاورة لمناطقهم حتى ان العرب - اسلاف الاماراتيين الحاليين - لم يسكنوا المنطقة قبل اربعة الاف سنة ناهيك عن ان تكون هنالك لقى تميز بها الانسان الاماراتي القديم، حتى ان كلمة الامارات مثلا عمرها اقل من مائة عام فكيف تنسب حضارة عمرها اربعة الاف سنة او اقل واناس الدولة التي تدعي هذا الانتساب لم يتعد وجودهم التاريخي الف عام ونيف من السنين، وهنا يسوق هوبزبوم مدعما قوله الذي ذكرناه فيما سبقانه راى كتابا بعنوان (خمسة الاف عام من عمر باكستان) ويقصد مؤلفوه الحديث عن حضارة "وادي اندوس" التي يقول عنها هوبزبوم انها لا تنتمي لا من قريب ولا من بعيد لمن يسكن باسكتان اليوم واسم باكستان حتى انه لم يكن مطروقا الا من قبل طلاب عام 1932-1933 واستقلال الدولة عام 1947 . هكذا تصنع بعض الدول او الطوائف التي ليس لها تاريخ معين او بعض القوميات او حتى بعض السياسيين او بعض العوائل بالتالي يشتغل البعض على هذا التزوير او الاختراع للماضي كما اسماه هوبزبوم فقط لكي يثبتوا وجودا تاريخيا مضللا يدعم انتهازيتهم ووصوليتهم ، من هنا ممكن ان يكون التاريخ وتزويراته مرعبة مجتمعيا وثقافيا ، يقول هوبزبوم " كنت اظن ان مهنة التاريخ بخلاف الفيزياء النووية ، مثلا :على اقل تعديل لا تستطيع ان تتسبب باذى ، الان اعرف انها قادرة على ذلك ، فان دراساتنا يمكن ان تتحول الى معامل لانتاج القنابل على غرار الورشات التي تعلم بعض الجيوش تحويل السماد الكيمياوي الى مادة متفجرة" وهكذا فان تزوير التاريخ ممكن ان يوصل الاذى الى كل مفاصل المجتمعات ، وهكذا يعمل المستبدون والدكتاتوريون باختراع ماض موهوم لهم يفصلوه على مزاجهم وافكارهم ويدعمونه بشتى انواع الاحاديث والحيل، كما يفعل بعض سياسيي الصدفة اليوم بان يغطوا على اعمالهم السيئة وفسادهم الذي ازكم الانوف باختراع ماض موهوم محاط بهالات قدسية كاذبة ، ويبقى امر لم يتطرق له هوبزبوم ، وهو ان من يخترع ماض له ستكشفهالبشرية عاجلا ام اجلا ، فعليه الا يفرح به كثيرا، وهذه رسالة الى مزوري التاريخ على اختلاف مسمياتهم والقابهم سواء اكانوا يتلفعون بالقاب دينية ام سياسية ام ما شابه ، اما من يصنع التاريخ فهو الذي يقدم حاضرا تعتز به اجيال المستقبل وهذا هو الفرق الاكبر بين ان : تصنع تاريخ او تخترع ماض؟؟؟؟؟؟؟
• وهنا يقول هوبزبوم في هذا الصدد ايضا" ويقول كذلك" ان مهنة التاريخ نشأت اساسا بوصفها جماعة من الاشخاص الذين يخدمون انظمتهم ويبررونها"
وهنا نجد في تاريخنا الاسلامي مثلا نماذج على مؤرخي السلطة الذين خدموها وبرروا اعمالها الوحشية في كثير من الاحيان كما سنرى في القادم من البحث....


نوستولوجيا العودة الى الماضي ......
استكمالا لما طرحناه في صحيفة الصباح حول مفهوم اعادة انتاج الماضي برؤية هوبزبوم نجد ان العلاقة بين الاعادة الفعالة للماضي والاعادة الرمزية قد تكون علاقة معقدة حقا ويضيف هوبزبوم "ان من المرجح عاجلا ام اجلا ، بلوغ نقطة لا يعود من الممكن عندها اعادة انتاج الماضي حرفيا او حتى ترميمه وعند هذه النقطة تحديدا يصبح الماضي بعيدا عن الواقع الفعلي او حتى الواقع المحفوظ في الذاكرة " مثلا على ما ذكر :
اعادة توحيد الدول العربية اليوم.
اعادة اخلاق اجدادنا السابقة
اعادة الاسلام بأسسه الاولى التي يدعو لها رجال الدين ، ويمكن للماضي الذي يستحضر على هذا النحو ان يصبح شيئا مصنوعا او ملفقا ...
والسؤال : هل بالامكان ان تكون هنالك اعادة فعالة للماضي ؟ اعتقد ان هذا الموضوع شائك جدا فكما ورد في اعلاه فان من الصعب بل من المستحيل ان يعاد توحيد الدول العربية كما في سابق العرب في عهودهم الغابرة ، او اعادة العراق اليوم لوضع ما قبل 2003 كما يحن لذلك بعض محبي الاستبداد والنستولوجيا لعهود الفاشية ، كما ان اعادة الاسلام باسسه الاولى وكما ظهر لاول مرة يعد اليوم من الصعب بل من المستحيل ، وذلك لاختلاف الزمن والامكنة واختلاف الظروف الموضوعية الحاكمة ، فهل من الممكن معاقبة السارق على سبيل المثال بعقوبة قطع اليد ، تعد اليوم مخالفة تماما لمنهجية حقوق الانسان وشرعتها ، فمن الممكن معاقبته اليوم في ظل ظروف موضوعية تعتمد الزمان الذي نعيشه اليوم ، اذن تبقى اعادة الماضي او الدعوة الى اعادته ضمن المفهوم الرمزي فالتمسك بالاخلاق الفاضلة الموروثة من الاجداد جميل جدا ولكن اعادتها تماما صعب جدا لذلك من الممكن ان تكون هنالك اعادة رمزية لهذه الاخلاق لان الظروف الموضوعية تبدلت بل حتى ان اجبار الاولاد على ممارسة اخلاق الاجداد بات مستحيلا ، حتى ان الحديث الموروث عن الامام علي بن ابي طالب "لا تجبروا اولادكم على اخلاقكم فانهم ولدوا في زمن غير زمنكم " واضح جدا في هذا المضمار ، وتبقى الاسس الانسانية للاخلاق واضحة للجميع .
ان اعادة الماضي على ما هو عليه يعد امرا مشينا في كثير من الاحيان يقول هوبزبوم" الادعاء الصهيوني بالعودة الى ماضي ما قبل الشتات في ارض اسرائيل كان في الممارسة نقيض تاريخ الشعب اليهودي على امتداد اكثر من 2000عام"
فهنا اسرائيل سيطرت على ارض فلسطين بدعوى العودة الحتمية للماضي ما قبل الشتات بان ارض فلسطين هي ارض يهودية سكنها العرب والمسلمون وبالتالي وجب العودة اليها اي العودة الى ما قبل 2000 سنة ، بالتالي فان هذه العودة سببت كوارث في منطقة الشرق الاوسط كما تسبب اليوم التنظيمات الارهابية كوارث بدعوى العودة الى الماضي وتطبيقه بحذافيره بدون قراءة الظروف الموضوعية قراءة واعية التي تحيط بالناس والبلاد.
• التجديد هنا هو الحل في نظر هوبزبوم ، لكن السؤال المرافق للتجديد .. كيف يصاغ نموذج للمجتمع حين لا يعود الماضي قادرا على توفيره؟ وكيف يتم الاعتراف بالتجديد وشرعنته ؟؟ يتم تقبل اي شيء جديد داخل المجتمع او التجديد المتواصل يتقبل بسهولة اكبر بقدر تعلقه بسيطرة الانسان على الطبيعة غير البشرية مثل العلم والتكنولوجيا ، لان الكثير منه نافع بوضوح حتى للاشد ارتباطا بالتراث والتقليد، بمعنى اخر لو اردنا ان نطبق كلام هوبزبوم حول التجديد على المجتمع اليوم لرأينا : ان العلاقات الجنسية مرفوضة في مجتمعنا لكن التكنولوجيا غيرت هذا الواقع أذ جعلت العلاقات الجنسية تتم عبرها بسلاسة اذ وفرت وسائل التواصل الاجتماعي هذه الميزة بحرية تامة بعيدة عن سلطة الرقيب ، فكل شيء يمارس اليوم بحرية تحت ظل التكنولوجيا دون سيطرة تذكر من الكهنوت، ايا كان توجههم، كذلك فان العلم اليوم يقدم صورة مختلفة للحياة عبر وسائل الاتصالات العظيمة التي جعلت اي خبر وان كان صغيرا يتصدر عقول الناس بسبب وسائل التواصل ، هذا الامر جعل الكثير من رجالات الدين يراقبون احاديثهم ومواقفهم كي لا يقعوا اضحوكة للناس بسبب الsocial media والتي يسميها احد رجالات الدين المعاصرين ( الشيصير ميديا) !!!!
التجديد اليوم اصبح متقبلا بشكل كبير حتى من اشد الناس راديكالية لانه شيء نافع ومفيد ومن الصعب بل من المستحيل ان يتم تحريمه من قبل الفقهاء لان الفقيه يوقن انه اذا ارتكب هكذا حماقة سيكون مثارا للتندر والضحك عليه، فما يقوله رجل الدين قبل وجود الانترنت اصبح اليوم يراجع نفسه مائة مرة قبل قوله كي لا يكون اضحوكة ، مع ذلك فبعضهم ما زال متجاهلا او متناسيا ذلك!! مع ذلك فان المقاومة لهذا التجديد موجودة الا انها لا تذكر ، يقول هوبزبوم" ان التغيير المتسراع والمتواصل في التكنولوجيا المادية ، يمكن ان ينال ترحيب الاشخاص ذاتهم الذين يغتمون غما عميقا بخبرة التغيير المتسارع في العلاقات الانسانية كالعلاقات الجنسية والعائلية والذين قد يجدون في الواقع من الصعب ان يتصوروا حدوث تغير متواصل في مثل هذه العلاقات وحيث يرفض التجديد المادي/النافع، حتى بصورة محسوسة فان السبب عموما وربما دائما، هو الخوف مما ينطوي عليه من تجديد اجتماعي ، اي الخوف من الانقطاع الذي يفضي اليه مثل هذا التجديد" وسؤالنا حول كلام هوبزبوم هذا ، كم ساهمت التكنولوجيا اليوم باحداث تجديد اجتماعي كبير على مستوى :
1- العلاقات الاجتماعية .
2- العلاقات بين الجنسين ذات الطابع الحميم.
3- العلاقات مع الاديان ورجال الدين.
4- العلاقات المجتمعية مع الواقع السياسي ، ورهاب السياسيين الفاسدين منهم من وسائل التواصل .
5- المساهمة الكبيرة التي تقدمها وسائل التواصل الاجتماعي للجوانب الاقتصادية . وهكذا .
وهنا فان رجالات الدين مثلا والذين يمثلون الدين الشعبي على الرغم من خوفهم الكبير من وسائل التواصل الا انهم وجدوا فيها متنفسا لهم، ومكانا يقدموا فيه افكارهم ولم يتوانوا للحظة في نقل خطبهم وما شابه الا ان سلطة هذه الوسائل بدت واضحة عليهم وبشكل مطرد، وكما بينا.
في الحالة المثالية فان كل جيل ينسخ ويعيد انتاج سابقه قدر الامكان ويعتبر نفسه متخلفا عنه بقدر فشله في هذا المسعى ، ان هيمنة الماضي هيمنة تامة من شأنها ان تقطع الطريق على اي تغييرات وتجديدات مشروعة ، التجديد يقع على ماذا؟ هنالك فواصل في الماضي مرنة ممكن ان يقع عليها التجديد مثلا/ وسائل النقل ،فمن غير المعقول البقاء على وسيلة النقل المتمثلة بالخيل مع وجود السياسة اذن التكنولوجيا تنتمي الى القطاع المرن الذي يقع فيه التجديد. التنظيم الاجتماعي والايديولوجيا او نظام القيم ينتميان الى القطاع غير المرن، /التراث، الطابع الطقوسي الشديد (( التغيير والتجديد الذي يأتي بالقسر او بالاستيراد من الخارج دون ارتباط في الظاهر بقوى اجتماعية داخلية لايتعين ان يؤثر بحد ذاته في منظومة الافكار السائدة داخل الجماعة حول التجديد)) والاعتقاد بأن المجتمع التقليدي مجتمع سكوني ولايتغير انما هو خرافة من خرافات علم الاجتماع المبتذل. لكنه مع ذلك يمكن ان يبقى تقليديا الى حد معين من التغيير :يستمر قالب الماضي في تحديد شكل الحاضر او هكذا يفترض به. وهنالك امر اخر يشير اليه هابزبوم ( تعيش بعض الشعوب في بلدان خابت آمالها بماضيها ولعلها خائبة الامل بحاضرها من حيث الاساس وغير واثقة من مستقبلها ، وهذا وضع شديد الخطورة فالناس سوف يبحثون عن احد يحملونه مسؤولية اخفاقاتهم وتوجساتهم ، وهكذا فان اسهل الاشياء هو دائما القاء اللائمة على الغرباء)( هوبزباوم، دراسات في التأريخ ،ت:عبدالاله النعيمي، المدى، 2002، ص20). فالاشارة الى المجتمعات السكونية هذا غير واقعي تماما والدليل اننا نرى اليوم نرى انتفاضات الجماهير من قبل مجتمعات كان يظنها البعض ساكنة لا تتحرك.
والجماعات الاجتماعية لها ادوار متعددة في نظر هوبزباوم فالفلاحية منها جزء من نظام اجتمااقتصادي او حتى سياسي اشمل تحدث التغييرات في مكان ما داخله دون ان تعيقها النسخة الفلاحية من التراث او انها تحدث في اطار تقاليد تتيح قدرا اكبر من المرونة كالتقاليد المدينية على سبيل المثال . وهذه الادوار كانت مهمة عبر التاريخ فاصحاب المهن كانت لهم ادوار ثورية في ثورات عبر التاريخ ومنهم على سبيل المثال ما فعلوه في الثورات الفلاحية التي اجتاحت الدولة العباسية وكذلك ثورات فلاحية في باريس وكيف كان الدور الاكبر لعوام الناس في الثورة الكبرى. ولا ننسى كومونة باريس وكيف كان لها الدور الكبير في الحكم . ان هيمنة الماضي لاتعني صورة للجمود الاجتماعي فهي تنسجم مع النظرة الدورية الى التغيير التاريخي وتنسجم بكل تأكيد مع الارتداد والكارثة اي :((الفشل في اعادة انتاج الماضي)) ويشير هوبزبوم بشكل واضح بان التغيير الاجتماعي عند حدوثه يجب ان يكف الماضي عن ان يكون نمط الحاضر ويمكن في احسن الاحوال ان يصبح انموذجا له ، وهنا اقول : اذا كان الماضي مهيمنا على الحاضر فهنا يقع التخلف بمستوياته المتقدمة ، مثلا ان تطبق تعاليم عمرها اكثر من 2000 سنة على مجتمع حديث سواء كانت هذه التعاليم دينية فكرية ايديولوجية ، ادبية الخ. فالاصح ان يتبقى منها ما يلائم تطور وتقدم المجتمعات وهنا يقول هوبزباوم ( حتى اذا بذلت محاولة بمعناها الحرفي لأرجاع عقارب الساعة الى الوراء، فانها في الحقيقة لاتعيد الايام الخوالي بل اقساما معينة فقط من النظام الرسمي للماضي الواعي تختلف الان اختلافا وظيفيا) ومن المرجح حسبه عاجلا ام آجلا ، بلوغ نقطة لا يعود من الممكن عندها اعادة انتاج الماضي حرفيا او حتى ترميمه وعند هذه النقطة يصبح الماضي بعيدا عن الواقع الفعلي او حتى الواقع المحفوظ في الذاكرة ، واذكر امثلة على قول هوبزباوم هذا :الادعاء الصهيوني بالعودة الى ماضي ما قبل الشتات في ارض اسرائيل، والادعاء الداعشي باعادة دولة الخلافة الى الاراضي التي سيطرت عليها داعش الارهابي ابان 2014.
• ( نحن نسبح في الماضي كما السمك في الماء، ولا حض لنا منهخ ولكن انماط معيشتنا وتحركنا في هذا الوسط تتطلب تحليلا ومناقشة) .
• ممكن ان يكون التاريخ مرجعية الحاضر ، هذا ما قاله هوبزبوم اي بمعنى اذا كان الحاضر لايبعث على الارتياح بمعنى ما فان الماضي كان يوفر النموذج لاعادة بنائه بشكل يبعث على الارتياح ، فيدعو البعض الى استلهام اخلاق الماضي على سبيل المثال لتكون الحاضر وهنا تقع اشكالية عدم موافقة بعض هذه الاخلاقيات للحاضر ، ومن الممكن ان نقرأ النص ونحلله بشكل فالتاريخ يصبح مرجعية الحاضر اذا كان تاريخا عظيما يستحق الاستلهام اما مجرد الحنين النوستالجي لا يكفي ( الدين سابقا هو الافضل ، قيم المدن والعوائل، الايمان بكافة اشكاله ) وهنا تصدمنا الحقيقة " ان الحاضر ليس نسخة كاربونية ولا يمكن بناؤه على صورة الماضي بأي معنى عملياتي" اي بمعنى : لا يمكن ان نعيد قيم العوائل القديمة في مدننا ، اذ نسمع عن عوائل الباشا عيان وغيرها على سبيل المثال ، ولكن هل بالامكان اعادة الامور لهذه العوائل على ماكانت عليه ، من المستحيل طبعا وجدا ، كذلك الايمان بالاديان على شاكلته قبل قرون من المستحيل اعادته اليوم على ما كان عليه مع التغير الكبير الذي نشهده على مستوى العالم.
• ولكن من الممكن ان يكون التاريخ مرجعية الحاضر بضرورة قراءته والاستفادة منه وهذا ما نقوله دوما ، لمعرفة خصوصية المدن مثلا ، نرى الثورات في الماضي عندما تحدث في مدن معينة من الممكن ان نقرا الحاضر على ضوء النفوس الثائرة في الماضي ، خذ مثلا العراق الذي لم يهدأ طوال عهوده الغابرة من الممكن ان يكون تاريخه مرجعا لسياسيي الحاضر للاستفادة من هذا التاريخ لمعرفة التعامل مع شعبه وارضائه بشكل طبيعي والبعد عنه الفساد الريعي الذي مني به اغلب حكام العراق منذ نشاته وحتى سياسيي ما بعد 2003 الذين لم يستفيدوا من حقب الدكتاتورية سيما حكم صدام وزبانيته فعملوا ما هو اسوء من صدام وادهى وامر من دون ان يكون تاريخ العراق مرجعية لهم كي لا يقعوا بالاخطاء التي وقع بها المستبدين ، هكذا يكون التاريخ مرجعية للحاضر .وهنا يقول هوبزبوم" ان دروس التاريخ نادرا ما يجري التعلم منها او الاستماع اليها "وهذا خطر جدا ، في هذه اللحظات وانا اكتب يقوم العراقيون بثورة كبيرة على افسد نظام حاكم حكم العراق منذ تاسيسه في العصر الحديث حيث الشباب يعتصمون في كل مكان وهنالك دعوات للاضراب العام، لم تستفد الطبقة السياسية الحاكمة ما بعد 2003 وحتى وقت كتابة هذه السطور 2019 من دروس التاريخ وكيف استعمل صدام الريع في فساده وفساد طبقته الحاكمة في حروب جرت الويلات على البلاد والعباد وهاهم يعاودون الكرة فغضب الشعب غضبته عليهم والتي حتما ستكون كاسحة لوجوههم العفنة. ومن دعمهم من رجالات دين وبؤس . وهكذا لم يستفد هؤلاء من حالة اللامساواة التي تنفي العدالة الاجتماعية وتسبب الثورة ضد الظالمين .... يقول هوبزبوم" هذه اللامساواة الداخلية شبيهة من بعض النواحي باللامساواة المعروفة والمتعاظمة بين الاقلية من البلدان الغنية والمتطورة او التي تشهد تطورا، والعالم الفقير المتخلف وفي كلتا الحالتين تزداد الفجوة اتساعا ، ويبدو انها اخذة في الاتساع، ومن الواضح في كلتا الحالتين، ان النمو الاقتصادي من خلال اقتصاد السوق ، مهما كان باهرا، لم يكن الية فعالة بصورة تلقائية لتقليل اللامساواة الداخلية او العالمية " وهنا فان اللامساواة تقود الى اللاعدالة وهنا تقع الانتفاضات والثورات ، هنا يتحدث هوبز عن العلاقات بين البلدان ، وهنا نطبق هذا الحديث عن العلاقات بين الاقليات الثرية والاكثريات الفقيرة فاللامساواة واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء يؤدي الى تفاقم مشكلات خطيرة ، اقتصادية وسياسية قد تقود بل تقود الى ثورات وانتفضاات جماهيرية ولن يكون الاغنياء بمأمن منها ابدا مهما تحصنوا بحصون وقصور مسيجة ومكهربة ( فالفقراء والبلدان الفقيرة – اي : اللامساواة بين الفقراء والاغنياء في داخل البلد او بين البلدان الفقيرة والغنية بشكل متعاظم- ضعفاء وغير منظمين وتقنيا غير اكفاء ، وفي بلداننا نستطيع ان نتركهم يتلظون في الغيتوات ، او بوصفهم طبقة متدنية بائسة ونستطيع ان نحمي حياة الاثرياء وبيئتهم وراء تحصينات مكهربة تحرسها قوى امنية خاصة وعامة ) وهكذا ما نراه اليوم في العراق يتحصن قادة وميليشيات اثروا على حساب المال العام بدعاوى فارغة وهم يتحصنون بقصور ومزارع ويغلقون الطرق المؤدية لبيوتهم متناسين غضبة وفورة الشارع الذي ان ثار عليهم لا يبقي عليهم باقية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا