الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 28

ضياء الشكرجي

2022 / 2 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَبَشِّرِ الَّذينَ آمَنوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ كُلَّما رُزِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِّزقًا قالوا هاذَا الَّذي رُزِقنا مِن قَبلُ وَأُتوا بِهِي مُتَشابِهًا وَّلَهُم فيها أَزواجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَّهُم فيها خالِدونَ (2/25)
هذه البشارة، وإن كانت من تأملات مؤلف القرآن وتصوراته، وبقطع النظر عن كل من مصداق (الإيمان) و(العمل الصالح)، فهي موافقة من حيث المبدأ لأساس العدل الإلهي من حيث استحقاق من يؤمن ويقترن إيمانه بالعمل الصالح، لثواب الله في الحياة الأخرى. طبعا الذي يعنيه القرآن بمفردة (الذين آمنوا) هم (الذين آمنوا بالإسلام)، وهنا تكمن المشكلة، حيث يكون أول انتقاص من أساس العدل الإلهي. وأما مصطلح (العمل الصالح) قرآنيا فهو الآخر مقوَّم مدى صلاحه بمقدار انطباقه على معايير الإسلام للصلاح. ولكن معايير الإسلام، ومعايير الدين عموما، منها ما تلتقي مع معايير الفلسفة الأخلاقية، وهنا لا شك أن يكون المتحلي بالأخلاق الإنسانية مستحقا للثواب بمقدار درجة تحليه بها، والمعني هنا الأخلاق العامة، أو الأخلاق بمعايير العقل الأخلاقي، أي العقل المُحسِّن للحسن والمُقبِّح للقبيح، وليست الأخلاق الدينية التي تشمل السلوك الشخصي المحض في كثير من مفرداتها. ولكن حتى في هذا الجانب من الأخلاق هناك ثمة مشتركات بين أخلاق الدين وأخلاق العقل الأخلاقي، كالزهد، وعدم الإفراط، والتواضع، والعطاء، وغيرها، أما الأمور الشخصية المحضة التي لا تضر ولا تنفع أحدا، كأحكام الطعام وأحكام العلاقات الجنسية وغيرها، فالأخلاق الفلسفية غير معنية بها. والله حسب معايير العدل فلسفيا لا دينيا يثيب على العمل الصالح ذي البعد الاجتماعي، أي ذي التأثير على الآخر غير الفاعل للفعل الأخلاقي، بل المتوجه إليه ذلك الفعل، وعدل الله لا يدخل الإيمان شرطا للثواب. نعم يمكن ربما، مع التأكيد على (ربما) أن يكون الإيمان عاملا إضافيا للثواب، ولكن ليس شرطا له. ربما يكون الأمر أحيانا – ولا نقول في كل الأحوال – بالعكس تماما، بحيث يكون العمل الصالح غير المنطلق من الإيمان عاملا أكثر لاستحقاق الثواب، لأن فاعله لم يفعل الخير انتظارا للثواب، بل حبا لذات الخير.
نعم إذا فعل المؤمن بالله فعلا حسنا، بسبب حبه لذات فعل الخير، ولكن مقرونا بحب التقرب إلى الله لعلمه أن الله يحب فعل الخير وفاعله، دون أن يكون انتظار الثواب هو المحرك الأساس لفعل الخير، فمن غير شك يستحق مثل هذا الإنسان ثوابا لعمله الصالح، وثوابا لإيمانه وحبه لله. أما عن كيفية الثواب بقول (أَنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ كُلَّما رُزِقوا مِنها مِن ثَمَرَةٍ رِّزقًا قَالوا هاذَا الَّذي رُزِقنا مِن قَبلُ وَأُتوا بِهِ مُتَشابِهًا وَّلَهُم فيها أَزواجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُم فِيها خالِدونَ). فهذا من خيال الأنبياء، ولكن لا يبعد من ناحية الإمكان العقلي أن يكون الثواب في جانب منه مشابها لبعض الصور القرآنية، أو ما صورته سائر ما يسمى بالكتب المقدسة، بل قد يكون من العدل أن يعوض الله الإنسان الذي فاته الكثير مما كان يتحسر على التمتع به في الحياة الأخرى. والأزواج أو لنقل التمتع بلذة الممارسة الجنسية المقترن بسعادة ونشوة الحب، شيء جميل، بشرط التكافؤ في ذلك بين الجنسين. هذه الآية يمكن أن تفسر أنها تشمل الجنسين، ولكننا عندما نلحظ استخدامات القرآن لمفردة (زوج) أو (أزواج)، فهي تعني في الغالب الزوجة، أي المرأة. مع هذا يمكن القول أن ليس من دليل على عدم شمول هذه الآية للجنسين، ولكن معظم آيات القرآن عن متع الجنس في الحياة الأخرى، إنما تناغم غرائز الرجل دون المرأة، والتمييز محال على عدل الله، ويبرر بعض المفسرين ذلك إن الله لم يبشر المرأة المؤمنة بالمتع الجنسية في الحياة الأخرى، من أجل ألا يخدش حياءها. وهنا تكمن المشكلة في الثقافة الدينية عموما، وليست الإسلامية وحدها، في تعاطيها بمعايير مزدوجة فيما يتعلق بالمسألة الجنسية، فنجد تمييزا بين الرجل والمرأة، ولو إن التشريع الإسلامي على ما عليه أكثر مساواة في هذه المسألة بين الجنسين من الثقافة الشعبية بأعرافها وتقاليدها في المجتمعات الشرقية، ولو إن الدراسة الشاملة للقرآن توصلنا إلى أن الله بالصورة القرآنية متحيز كليا للرجل، بل لديه مشكلة مع المرأة، وهذا ما فصلته في كتابي «مشكلة الله القرآني مع المرأة». فليس من مبرر معقول يجعل الكلام عن المتع الجنسية للرجل غير خادشة للحياء، بينما الكلام عنها بالنسبة للمرأة يكون خادشا له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفكار محمد باقر الصدر وعلاقته بحركات الإسلام السياسي السني


.. مشروع علم وتاريخ الحضارات للدكتور خزعل الماجدي : حوار معه كم




.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran