الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العدالة الانتقالية ... تجربة عربية لم تكتمل !

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2022 / 2 / 26
حقوق الانسان


تعتبر العدالة قيمة إنسانية واجتماعية مثلت محور المعتقدات الدينية والأخلاقية، فالعدالة هي الحل التشريعي والنفسي الذي تقترحه كل الأديان لمعضلة البشر الأزلية: صراع الخير مع الشر. وبالتالي، فإن جوهر أي دين يمكن اختزاله بموضوع العدالة.
والعدالة نوع من القيم الاجتماعية الحتمية، فهي توفر الحماية للمجتمع من الانحلال والتفسخ والفساد، وتجعل كافة الأفراد متساوين في الحقوق والواجبات، بل ويجب على كل أفراد المجتمع، حكاماً ومحكومين، الاتفاق عليها وحمايتها، وهذه الحماية تكون بفرض القانون وتنفيذه والاحتكام إليه من طرف الجميع.
ومنذ بداية البشرية، كانت العدالة تختزل بقاعدة فقهية بسيطة مفادها "السن بالسن والعين بالعين"، ثم نظمتها الاديان عبر الكتب السماوية، وأصبحت تحتكم إلى قوانين وإجراءات قضائية وعقابية مختلفة، لكن تطور مفهوم العدالة في أغلب المجتمعات العالمية لم يحقق مفهوم العدل ببعديه الانساني والفلسفي، نظرا لان التطبيق يفتقر إلى عنصري الحياد والاستقلالية في أغلب المجتمعات.
وخلال القرن العشرين، بدأت تظهر مسميات عديدة للعدالة طبقا للدلالة الإنسانية المراد وصفها، فقد برزت العدالة الاجتماعية والعدالة الجنائية والعدالة الاشتراكية، والعدالة التنظيمية، والعدالة الراديكالية، وأخيرا العدالة الانتقالية، وهي محور الدراسة.
والعدالة الانتقالية مفهوم جديد في العلوم الاجتماعية عموما، وعلم القانون والعلاقات الدولية خصوصا، ويرتبط الى حد كبير بالمجتمعات التي تحملت ارثا كبيرا من انتهاك حقوق الانسان والظلم وافتقدت معاني الحرية والديمقراطية في ظل نظام دكتاتوري قمعي وأحكام عرفية، لذلك اخذ المفهوم ينتشر تدريجيا في العالم منذ منتصف القرن الماضي، وتعلق بسلسلة تدابير قضائية وغير قضائية تقوم بتطبيقها الدول من اجل معاجلة ما ورثته من انتهاكات جسيمة بحق مواطنيها.
ويثير مفهوم "العدالة الانتقالية" نوعا من الغموض والالتباس بسبب الجزء الثاني من المصطلح "الانتقالية"، حيث يعتقد البعض ان العدالة مفهوم دائم ببعديه الانساني والاجتماعي، ولا يجوز ان يرتبط بمرحلة انتقالية، كما يطرحون اشكالية الفرق بين العدالة الانتقالية، والعدالة التقليدية المرتبطة بأحكام القضاء واللجوء إلى المحاكم بأنواعها، لكن اهل الاختصاص من رجال القانون يرون ان العدالة الانتقالية ليست نوعاً خاصاً من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع والحرب الأهلية والظلم الى مرحلة الاستقرار والأمن وإعادة تأهيل مؤسسات الدولة في اطار نظام سياسي وقانوني جديد.
وذلك بهدف محاولة تحقيق المحاسبة وتعويض الضحايا، والاعتراف بحقوق الضحايا وتشجيع الثقة المدنية، وتقوّية سيادة القانون والديمقراطية.
من هنا، تكمن اهمية العدالة الانتقالية في تحقيق العدل بدلالاته الشمولية للأفراد وإعادة الحقوق الانسانية للضحايا والحصول على تعويضات عادلة، ومعرفة الحقيقة الكاملة، ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة والجرائم.
ويشمل مفهوم العدالة الانتقالية العديد من المصطلحات التي تدخل ضمنه مثل: إعادة البناء الاجتماعي، المصالحة الوطنية، تأسيس لجان الحقيقة، التعويض للضحايا، وإصلاح مؤسسات الدولة العامة التي غالبًا ما ترتبط ﺑﻬا الشبهات اثناء النزاعات الأهلية الداخلية المسلحة مثل الشرطة وقوى الأمن والجيش.
واخذ مفهوم العدالة الانتقالية يتبلور في العديد من التجارب الدولية، وفي مختلف مناطق العالم، خاصة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، فيما يخص ضحايا النازية الألمانية، وتحديدا بعد تقسيم المانيا من جانب دول الحلفاء. وطبقت العدالة الانتقالية بمفهومها الجديد في دول امريكا اللاتينية، خاصة بعد الانقلاب العسكري الذي قاده بينوشيه في تشيلي عام 1973م.
وشهد العالم منذ مطلع العقد السابع في القرن الماضي، أكثر من ثلاثين تجربة للعدالة الانتقالية، من أهمها تجربة (تشيلي والارجنتين والبيرو والسلفادور ورواندا وسيراليون وجنوب افريقيا وتيمور الشرقية وصربيا واليونان) ويمكن اعتبار البرتغال وإسبانيا والدول الاشتراكية السابقة بأنها شهدت نوعاً من أنواع العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.
ومنذ عقدين ونيف، بدأت فكرة العدالة الانتقالية تدخل الوطن العربي، واخذ الأدب القانوني والسياسي الحقوقي يتحدث عن تجارب دولية لتلك العدالة لمقاربة تطبيقها على الصعيد العربي، لاسيما وان تجربة لبنان ما بعد الحرب الاهلية (1975-1989) ومؤتمر الطائف، تعتبر شكلاً من أشكال العدالة الانتقالية.
فبدأت جهات ومؤسسات دولية وعربية تبحث امكانية تحقيق المصالحة الوطنية ومحاولة تطبيق تدابير العدالة الانتقالية في كل من العراق والمغرب والجزائر ومصر وليبيا وتونس، من خلال نشر الثقافة الديمقراطية بشكل عام والثقافة الحقوقية بشكل خاص.
كما أن ولادة العديد من مؤسسات المجتمع المدني، منذ مطلع التسعينات، بعد انتهاء الحرب الباردة وموجة التغيير التي اجتاحت أوروبا الشرقية، قادت إلى تحوّلات ديمقراطية أنهت الأنظمة الشمولية، وفتحت الباب على مصراعيه لإشاعة الحريات وتعزيز دور المجتمع المدني وإعلاء قيمة الفرد سياسيا واقتصاديا، وغيرها من السياسات الانفتاحية التي انتقلت إلى العديد من دول امريكا اللاتينية وبعض بلدان آسيا وأفريقيا، حيث اعتبرت الديمقراطية واحترام حقوق الانسان القيمة العليا، التي يقاس بموجبها تقدم أي مجتمع، وهو الأمر الذي يفترض علاقة جديدة بين الحاكم والمحكوم على أساس اختيار المحكومين للحكام بشكل دوري، وفصل السلطات، وتأكيد استقلال القضاء، وتطبيق مبدأ سيادة القانون والمساواة والمواطنة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #