الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إدارة الفصل

فيصل بن عثمان تليلي

2022 / 2 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


التخطيط:
المحور الأوّل: تعريف إدارة الفصل ( التصرّف في الفصل: La gestion de la classe)
1. نشأة مفهوم إدارة الفصل
2. تعريف " إدارة الفصل"
3. أهميّة إدارة الفصل في عمل المدرّس
المحور الثاني: نماذج التصرّف في الفصل: نحو التصرّف التشاركيّ في الفصل
1. النّموذج السّلوكيّ (Canter )
2. النّموذج الإنساني (Gordon )
3. النّموذج الإنساني (Glasser )
4. نموذج ( Dreikurs )
5. نموذج (Froyen et Iverson )
المحور الثالث: خصائص الفصل وأساليب التصرّف:
1. خصائص الفصل
2. ممارسات المدرّس خلال إدارة الفصل
3. مراحل التصرّف في الفصل
المحور الرّابع: كفايات التصرّف في الفصل


المراجع:
1. khlifi Ammar, La gestion de la classe, cours à l’institut supérieur de l’éducation et de la formation continue, université virtuelle de tunis, 2015-2016
2. Thérèse Laferrière, Gestion de classe I, cours ENS 19569, Université Laval, 2005
3. الإطار المرجعي التونسي لكفايات المدرّسين





المقدّمة:
يقتضي تطوير المنظومة التربوية تكوين مدرّسين مهنيين خبراء بمتطلبات عملهم. وتعدّ إدارة الفصل ّمن الكفايات الضرورية في التكوين البيداغوجي الأساسي والمستمرّ وأيضا التكوّن الذاتي للمدرّسين وعاملا هامّا من عوامل نجاح العملية التعليميّة –التعلّميّة حيث تخلق بيئة تربوية محفّزة على التعلّم وبناء المعرفة.
يمثّل التصرّف في الفصل في ميدان التربية تحدّيًا في عمل المدرّس إذ تتطلّب منه القدرة على التخطيط والتنظيم والترتيب وحذق كلّ الأساليب والإجراءات التنظيمية لتنمية شخصيّة المتعلّم في مختلف أبعادها بالاستناد إلى المقاربات والنظريات والمعارف والكفايات المهنية ذات العلاقة، وهي كفاية تخضع للتقييم خلال كامل المسار المهني للمدرّسين.
تتأثّر إدارة الفصل بعوامل متعدّدة على غرار مستوى تكوين المدرّس والتجربة المهنيّة والجنس (النّوع الاجتماعي) والعمر إضافة إلى خصوصيات المتعلّمين وحاجياتهم ودافعيتهم للتعلّم.


















المحور الأوّل: مفهوم إدارة الفصل
1. نشأة المفهوم:
تطوّر مفهوم "إدارة الفصل" بداية من تسعينات القرن الماضي ضمن البحوث التربوية المنجزة في أمريكا الشماليّة. وكان يعني في بداية نشأته الانضباط في الفصل (Mc Queen,1992 ) و(Bourdieu,1995 ) حيث وقع التمييز بين السلوكات التي تحيل على الانضباط والسلوكات التي تعكس عدم انضباط التلميذ في الفصل. فكرة حفظ النظام هذه تستند إلى الفلسفة التسلّطية في الإدارة.
تطوّر هذا المفهوم وتوسّع ليشمل كلّ الأفعال والإجراءات التي يقوم بها المُدرّس لخلق مناخ تربوي محفّز على التعلّم وإتاحة الفرصة للنشاط والتفاعل الحرّ في الفصل ( Doylé 1986, Nault 1999).
يبيّن بعض الباحثين في التربية على غرار ( Landry, Tochon 1994) و (Nault 1998 ) في الأدبيات الكنديّة أنّ قدرة المدرّس على التصرّف في الفصل هيّ دليل على قدرته على مُمارسة مهنة التّعليم. ويمكن اعتبار كفاية التصرّف في الفصل كفاية عامّة من الكفايات المرجعيّة للمدرّس تشمل التحكم في المعارف المُدرّسة والمعارف الدّيداكتيكيّة والنفسيّة والاجتماعية والقدرة على التخطيط والتنظيم والتصوّر وإنجاز الوضعيات التعليميّة-التعلّميّة. كما تشمل أيضا إدارة العلاقات مع التلاميذ وتنظيم الوقت. وبالتالي فإنّ التصرّف في الفصل يتضمّن كلّ الإجراءات والآليات والتسيير العقلاني الذي يرتكز عليه السيناريو البيداغوجي.
إنّ المعارف النظرية التي انبثقت عن أعمال الباحثين يمكن أن تساهم في بناء نموذج للتصرّف في الفصل يشمل كلّ الأأفعال التي يقترحها المُدرّس بهدف إدارة وضعيّة بيداغوجيّة مُميّز تُحقّق تعلّمًا ناجحًا وفعّالا (Nault,1999 ). وفعلا فقد مكنت الدّراسات حول المُمارسات المهنيّة للمُدرّسين من وضع إطار للمعارف الضروريّة التي تتطلبها كفاية إدارة الفصل.
يعتبر مفهوم "التصرّف في الفصل" اليوم مفهومًا نفسيّا –اجتماعيّا ( concept psychosociologique) يحيل على طّريقة التنظيم العقلاني للتفاعلات بين المدرّس والمتعلّمين داخل قاعة الدّرس سواء كانت متوقعة أو غير متوقعة.
تاريخيّان انطلق التفكير في التصرّف في الفصل مع ظهور "التربية الجديدة (La nouvelle éducation ) ، ويعتبر "فريني" ( Freinet) رائد فرضية الانضباط مؤكدا أنّ الانضباط والعمل المدرسي مترابطان. ويوضح أنّ "الانضباط لا يتعلّق بالسّمات الشخصيّة للمعلّم بل بالتّنظيم المادّي والتّقنيّ للفصل ، ويعتقد أنّ النجاعة الفكريّة والأخلاقيّة والاجتماعيّة لتعليمنا ليست مشروطة ( كما توقعنا ذلك طويلا) بشخصيّة المربّي بل بالوسائل المُستخدمة وأهميّتها وتوظيفها في العمليّة التعليميّة – التعلّميّة والتنظيم الفنّي للعمل.
يؤكد "فريني" أنّ النظام والانضباط في المدرسة الحديثة هوّ بالأساس "تنظيم العمل" ( Freinet,1964)، ويطرح فكرة ورشات العمل حسب تصرّف مدروس للمكان مقترحا " مخطّطا للمباني" يحسّد في نظره الهندسة المعمارية للمدرسة الحديثة. وعلى المستوى الاجتماعي، ينصح ببعث "تعاونيّة مدرسية" ( ) التي تضطلع بأنشطة التكوين والتنشئة على قيم المواطنة باعتبار أنّ المدرسة، بالنسبة إليه، تمثل مجتمعا صغيرا وأنّ الترابط بين المدرسة والوسط الاجتماعي شديد وعميق.

2. تعريف " إدارة الفصل":
يشير مفهوم "إدارة الفصل" حسب" قاموس التربية " إلى " وظيفة المدرّس التي تتمثّل في توجيه المتعلّمين وجعلهم في اتصال بمهامّ التعلّم". وحسب "رولاند ليجندر" (Ronald Legendre,1993) تتحدّد إدارة الفصل من خلال عوامل متعدّدة تتعلّق بالوقت والمكان وبرامج الأنشطة والمدوّنات والإجراءات ونظام المسؤوليات ونظام العلاقات ونظام التقييم والموارد البشريّة والماديّة".
لم يعد مفهوم إدارة الفصل يعني مفهوم الانضباط وأصبح يشمل جميع الإجراءات التي يقوم بها المدرّس بهدف تشجيع المتعلّمين على الانخراط في الأنشطة والتعلّم في مناخ يتيح المشاركة والتّعاون، أمّا الانضباط فإنّه يشير إلى سلوك التلميذ المناسب أو غير المناسب واحترام قواعد وقوانين المؤسّسة والطرائق التي يعتمدها المدرّس وتدخلاته للتحكم في السلوكات غير المنضبطة.
تتمثّل "إدارة الفصل" في جميع الممارسات البيداغوجيّة والإجراءات التربويّة التي يُنفّذها المُدرّس من أجل توجيه المتعلّمين ومساعدتهم على التقدّم في تعلّمهم وتطوّرهم في ظروف مناسبة للتعلّم وتنمية كفاياتهم ومهاراتهم وسلوكاتهم الاجتماعيّة.
يحيل مفهوم " إدارة الفصل" على معايير اشتغال الفصل والأنشطة المقترحة وإدارة المجموعة وتنظيم التفاعلات الاجتماعية والنظام داخل الفصل" ( Archambault et Chouinard, 2003).
توجد عديد التعريفات لمفهوم إدارة الفصل فهي:
 تتمثل في مجموعة الأنشطة التي يسعى المدرّس من خلالها إلى خلق مناخ مناسب للتعلّم تسوده العلاقات الاجتماعيّة الإيجابيّة بين المدرّس وتلاميذه وبين التلاميذ أنفسهم.
 مجموعة المُمارسات المنهجية واللامنهجيّة التي يؤدّيها المُدرّس أثناء تواجده داخل القسم،
 علم له أسسه وقواعده وفي الوقت نفسه هيّ هيّ فنّ تطبيق هذا العلم.
 العمليّة التي تهدف إلى توفير تنظيم فعّال للدّروس من خلال استيفاء جميع الشروط اللازمة لحدوث التعلّم لدى التلاميذ.
أهميّة إدارة الفصل في عمل المدرّس:
تعتبر كفاية إدارة الفصل اليوم من الكفايات الأساسية الضروريّة للمُدرّسين وهي عنصر أساسيّ في بناء هويّتهم المهنيّة. ولذلك يركز المدرّسون في بداية مسيرتهم المهنيّة على اكتساب معايير إدارة الفصل وتمثلها وخاصّة كلّ ما يتعلّق بالتنظيم والانضباط والأخذ بعين الاعتبار الفروق الفرديّة بين المتعلّمين ومعرفة صعوبات التعلّم في مختلف الموادّ وسبل تجاوزها.
ترتبط إدارة الفصل بخصائص المدرّس والتلاميذ والسياق الاجتماعي والثقافيّ ونمط التسيير الإداري للمؤسّسة، فالإدارة السيّئة للفصل تؤثّر سلبيّا في جودة التعلّم مّما يسبّب حالة من القلق وتوتّر للمدرّسين والمتعلّمين على حدّ السّواء. وقد تكون العواقب وخيمة عندما يتعلّق الأمر بالفشل في خلق مناخ مريح ومناسب للتعلّم، ذلك أنّ غياب الالتزام بالعمل والمسؤوليّة وعدم المشاركة وفقدان التفاعلات بين أطراف العمليّة التعليميّة يقف حاجزا أمام التواصل الجيّد داخل حجرة الدّراسة.
في المقابل يتميّز المدرّس الذي لديه خبرة كافية في إدارة الفصل بالقدرة على تحفيز المتعلّمين وتيسير التّواصل وتيسير التفاعلات الأفقيّة وتشجيع مهارات التفاوض والنقّد وإبداء الرّأي. ولهذا فإنّ الإدارة الجيّدة للفصل تساعد على اكتساب جيّد للمعارف المُدرّسة وبناء شخصيّة المتعلّم في مختلف جوانبها.
المحور الثاني: نماذج التصرّف في الفصل: نحو تصرّف تشاركيّ في الفصل:
1. النموذج السلوكي : ( Lee Canter) ( Le modèle behaviouriste de Canter)
هيّ مقاربة سلوكيّة وضع فيها (Canter) نظامًا تأديبيّا صارمًا، لكنّه يسمح للأولياء والمدرّسين بالتفاعل مع التلاميذ في هدوء. نظام انضباط صارم يعتمد أسلوب الفرض والإلزام ويضبط الحدود بحزم. وفي هذا الإطار يصوغ (Canter) مفهوم "الانضباط الحازم" ( La discipline affirmatimative) .
بالنسبة إلى كانتر ، فإنّ الانضباط الحازم يتم التعبير عنه من خلال موقف إيجابي وحازم ومستمر وليس من خلال المواقف السلبية أو التهديدية أو العبثية.
يتضمن الانضباط الحازم العديد من العناصر التي يجب على المدرّس تطبيقها باستمرار.
* أن يحدّد توقعاته بوضوح.
* أن يكون قادرًا على قول "أحب ذلك" و "لا أحب ذلك".
* أن يكون ثابتا ثابتًا في التعبير عن توقعاته ومشاعره والحرص على تأكيد القواعد والمعايير المدرسيّة.
* أن يستخدم نبرة صوت حازمة
* ضبط النفس والتحذير واستدعاء الأولياء عند الضرورة.
* أن يحافظ على التواصل البصري (النظرات المباشرة)
* أن يستخدم إيماءات معينة لدعم التدخلات اللفظية
* أن يستخدم الإشارات والأسئلة ورسائل واضحة بدلاً من طلبات عامة للسلوكيات المناسبة.
* المتابعة والمراقبة المستمرّة بدلاً من التهديدات.
* أن يكون حازمًا أثناء المواجهات وبيان العواقب التي ستتبعه.
وفقًا ل Canter :
 نحتاج جميعًا إلى الانضباط من أجل سلامتنا النفسية.
 نحن بحاجة إلى الانضباط لمنع السلوكيات التي لن نفخر بها لاحقًا.
 نحن بحاجة إلى نظام متحرّر يسمح لنا بتطوير أفضل سماتنا وقدراتنا.
 الانضباط ضروري إذا أردنا الحفاظ على بيئة تعليمية فعالة.
أساسيات نموذج (Canter):
• للتلاميذ ضوابط وحدود تساعد على التصرّف الحسن في المدرسة.
• المدرّس مسؤول على قيادة المتعلّمين وفرض احترامه وعليه الحرص على مساعدتهم على التصرّف بشكل صحيح.
• المدرس الذي يفشل في إدارة الفصل هوّ المدرّس الذي لا يستطيع فرض الانضباط.
• بعض المدرّسين لهم فهم خاطئ للانضباط، معتقدين أنّ المراقبة المشدّدة هيّ عمل غير إنسانيّ.
• الحزم والسيطرة لفرض الانضباط هوّ عمل إنساني مقبول ومحرّر.
• اللّجوء إلى الدّعم الإداري في بعض الحالات
• هذا التفويض الممنوح للمدرّسين يعطيهم مجموعة من المسؤوليات الأخرى مثل: خلق مناخ مناسب للتعلّم والمحافظة على السّلوك الحسن والتعاون مع الأولياء لتعليم الأطفال الانضباط والسلوك الحسن.
يعتبر "كانتر" أنّ الانضباط هوّ الشاغل الأكبر في النظام المدرسي وهو المفسّر لحالات الفشل الدّراسيّ، وينتقد بشدّة المدرّسين الذين يتردّدون في مواجهة السلوك غير المنضبط والذي يتطلب تدخلا مباشرا من قبلهم ويعاتبهم على أفكارهم الخاطئة ويقترح استبدالها ( مثلا : من الخطإ الاعتقاد أنّ فرض الانضباط الحازم يمكن أن ينتج عنه صدمة نفسيّة).
من الأفضل للمدرّسين تحديد السلوكات المطلوبة من التلاميذ وذلك ضمن قائمة واضحة ودقيقة.
يعتمد نموذج "كانتر" على الأسلوب الحازم ( style affirmatif) تأكيد السلطة وفرضها بتطبيق القواعد واستخدام أساليب متنوّعة خاصّة المكافأة والعقوبات ( تعزيز السلوك المثالي ووضع حدّ للسلوكات غير المنضبطة).
نقد نموذج "كانتر":
واجه "كانتر" نقدًا في خصوص تأكيده على عقوبة التلميذ والشدّة في مراقبته والمبالغة في الصرامة بدلا من جعله يفهم المشكلة لن يكون النموذج ناجعًا عندما تفقد المكافآت والعقوبات تأثيرها. وهذا النموذج لن يكون ناجعًا مع الأطفال الصغار. هذا النموذج أيضا يقوم على عمل المدرّس في غياب مشاركة التلاميذ، وهو لا يهدف إلى تغيير أو تعديل السلوك غير المنضبط بل يهتمّ بضرورة توافقه بدقّة مع النّمط المرسوم.
نموذج "جوردون" الإنساني (Gordon. T ): نموذج الإنصات النشط ( نموذج شبه منظم) : (Le modèle humaniste de Gordon )
هيّ مقاربة إنسانيّة تعتمد أسلوبًا غير تسييريّ وغير توجيهيّ يركز على حاجيات الطفل وتساعده على كيفيّة التّعديل الذاتيّ. يمنح الثقة للطفل ويضعه أمام تحمّل مسؤوليته واتّخاذ القرار يتمّ بصفة مستقلّة من قبله حيث لا يتمّ فرض القرار عليه.
هذا النموذج يعتمد على الاعتقاد بأنّ الأطفال في حاجة لتعلّم التحكم في سلوكاتهم أكثر من تقبل كيفية التصرّف من قبل أشخاص آخرين. ويعود السبب الذي يجعل التلاميذ يتخذون قراراتهم بأنفسهم هو أنّهم وحدهم من يستطيع تحديد مشاكلهم وتحديد ما إذا كانت الحلول المقترحة جيدة بالنسبة إليهم. ويبقى دور المعلم أولا وقبل كل شيء تقديم الدعم، ويتصرّف ليسهّل ويساعد دون نقد، مقتنعًا بقدرات التلميذ العقلانية على تحديد المشاكل وحلّها.
يستوحي " جوردن" نموذجه من نظريّة " كارل روجرس" ( Carl Rogers) التي تختلف مفاهيمها العلاجيّة عن رؤية "فرويد" القطعيّة. فقد تأسّست حركة علم النفس الإنساني التي ظهرت في الولايات المتحدة في الستينيات من قبل علماء النفس الأكاديميين الذين لم يلتزموا بالسلوكية التي كانت سائدة في الجامعات. لقد انتقدوا هذه النظرية لكونها آلية وتحوّل العقل إلى "صندوق أسود"، وبالتالي إهمال الذاتية ومسألة المعنى التي بالنسبة إليهم يبنى عليها الجانب الإنساني للفرد. ولذلك لا يعتقد " روجرس" أنّ الطفل يتصرّف فقط وفقا لدوافعه قبل كلّ شيء. والفرد عندما يكبر هوّ نتاج ما راكمه من خبرات التي تجعله شخصية مميّزة. " روجرز" هو مؤلف طريقة مميّزة للعلاج النفسي، اللاتوجيهية، التي تهدف إلى توضيح المشاعر الغامضة والملتبسة للمعالج عن طريق إعادتها إليه كما في المرآة ليدركها ويجمّع إمكانياته ويتصرّف بنفسه. بينما يبدي الطبيب المعالج متعاطفا وحاضرا لتقديم المساعدة ومنصتًا باهتمام دون قيود أو نقد لكلّ ما يعرضه المعالج لبناء تواصل حقيقي ورسميّ.
يؤكّد " روجرس" في مقاربته التربويّة أنّ المهمة الأساسية للمعلم المتمحورة حول التلميذ، هي خلق مناخ محفّز ومساعد قائم على الترحيب وعدم التهديد يمكّنه من تطوير مفهوم ذاتي واقعي يتناسب مع إمكانياته الحقيقية. عندما يتطور مفهوم الذات يمكن أن تحدث التعلّمات الدالّة.
يمكّن هذا النّموذج من تحقيق الاندماج الذاتي للمتعلّمين انطلاقا من توضيج المواقف والقيم ومساعدتهم على القيام بتمشياتهم الشخصيّة مبديا استعداده لتقديم التسهيلات اللازمة ومطوّرا في نفس الوقت توجهاتهم الطبيعيّة للتعلّم والنموّ ومقيما علاقات تقوم على الصّدق والانفتاح والتضامن واحترام حاجيات الآخرين.
ينبّه " جوردون" إلى الابتعاد عن بعض السلوكات التي تعيق التواصل: الأوامر، التّحذير، التهديد، فرض حلول، الحكم، النّقد، الإذلال، السخرية، المساءلة. ويركز في المقابل على استعدادات الفرد : التجكم في الذات، إدارة سلوكه ، الانضباط الذاتي، التواصل، الشعور بالمسؤوليّة، عدم وجود إجراءات تصحيحيّة أو مكافآت وبناء الثقة بين المدرّس والتلاميذ من خلال الحوار وتجنّب أيّ نوع من أنواع التّهديد أو العقاب.
حدود نموذج " جوردون":
ينقد هذا النّموذج في كونه يؤسّس إدارة الفصل على الأفراد وليس على المجموعة ككلّ، على التنمية الإنسانيّة بقطع النظر عن التعلّم، المجال الواسع الممنوح للحوار. وهو نموذج غير ناجع مع التلاميذ الذين لا يولون اهتماما بعلاقاتهم مع المدرّس.
النّموذج الإنساني المنظم ل "جلاسير": ( William Glasser)
( Le modèle humaniste structuré de Glasser ):
نموذج "جلاسير" (Glasser ) مستوحى من علم النفس الإنساني ل"كارل روجرس"، وذلك هوّ قريب من نموذج "جوردون" ويقوم على:
• إرساء مناخ من الثقة بين المدرّس والتلميذ
• بناء نظام انضباط قائم على القيم والقواعد ونتائج الأفعال
• تجنّب المراقبة والأسلوب البوليسي وتعويضه بالإقناع والتّعاون وتحميل التلميذ مسؤوليّة اختيار السلوك.
• بناء قواعد القيم بصفة تشاركيّة وضمان انخراط المتعلمين في العمل بها
في هذا النموذج المدرّس مسؤول عن التفاهم والتوافق في القسم وله الحقّ في تعديل السلوك غير المنضبط وإقناع التلميذ بنتائجه وتوجيهه إلى اختيارات أخرى للتصرّف. كما ينصح " جلاسير" ببناء قواعد اشتغال الفصل بطريقة تشاركيّة لأنّه يعتقد أنّ التسامح المفرط مدمّر فلابدّ من رفض أي عذر لسلوك غير لائق وتخيّر ممارسات تفضي إلى الحكم على السلوكات ومناقشة عواقبها ومساعدة التلاميذ على الاختيارات الجيّدة والانخراط المستمرّ في انتهاج السلوكات المقبولة. كما يجب على المدرّس تخصيص فترات للنّقاش حول الانضباط خلال اجتماعات تخصّص لحلّ المشاكل.
حدود نموذج " جلاسير": يتطلّب تطبيق هذا النموذج تكوينا معمّقا للمدرّسين في موضوع "السلوك الإنسانيّ" وخاصّة إدارة الوضعيات المعقّدة وكيفية استخدام إجراءات هذ النموذج المنتظم. كما يتطلّب وقتا طويلا لحلّ مشكلات التلميذ (élève difficile) (المشاغب، العدواني، المسيطر...).
نموذج "دريكيرس" : (Le modèle de Dreikurs ) : نظريّة الإدارة والتدريس الدّيمقراطي:
يعتبر السويسري "رودولف دريكيرس" ( Rudolf Dreikurs) أنّ أغلب سلوكات المتعلّمين هدفها تلبية حاجة أساسيّة في أن يكون مقبولا ومعترفًا به. أمّا السلوكات غير مناسبة ناتجة عن أربعة أهداف خاطئة:
• أن يجلب انتباه الآخرين
• امتلاك القوّة
• الانتقام أو اليأس
• إظهار عدم القدرة
يعتقد "دريكيرس" الذي أدخل أفكارا مشابهة لأبحاث " جون ديوي" (John Dewey ) أنّ المدرّسين الدّيمقراطيين وحدهم القادرين على تحقيق نتائج مميّزة، يحدّدون الأهداف الخاطئة ويشجعون التلاميذ على تحديد العلاقة السببيّة بين السلوكات غير المناسبة والعواقب غير المرغوب فيها. في هذا النموذج الأداء السّليم للفصل والمدرسة يعتمد على الانضباط ويفترض حريّة الاختيار بالنسبة إلى التلاميذ وفهم العواقب وتحمّل المسؤوليّة واستخدام العقوبات في حدود ضيّقة عندما تستنزف كلّ المحاولات المنطقيّة.
يحدّد "دريكيرس" ثلاثة أصناف من المدرّسين:
• المدرّسون المتسلّطون
• المدرّسون المتهاونون
• المدرّسون الدّيمقراطيون
يؤكد "دريكيرس" أنّ فئة المدرّسين الدّيمقراطيين هيّ القادرة على تلبية شروط النظام داخل الفصول ووضع الحدود وإشراك التلاميذ في أنشطة المؤسّسة والحفاظ على القواعد وتعزيز التعاون وتأسيس الشعور بالانتماء للمجموعة وحريّة الاكتشاف واختيار السلوكات المقبولة مع إدراك عواقبها.
مقاربة ( Froyen et Iverson ):
طوّر (Froyen et Iverson ) سنة 1999 مقاربة تتجاوز البعد الوحيد للانضباط في إدارة الفصل بتشجيع الإدارة الذاتية وضبط النّفس لتشمل جودة بيئة التدريس وجودة التعلّم. ولهذا يركز هؤلاء الباحثون على ثلاثة مكونات أساسية: إدارة المحتوى وإدارة السلوك وإدارة العلاقات الاجتماعية (اعتبار الفصل نظاما اجتماعيّا).
تتمثّل مكوّنات إدارة الفصل في:
• التواصل التربوي
• الحفاظ على التزام التلاميذ وتعاونهم
• حسن التصرّف في الموارد
• إرساء انتظارات واضحة
• تطوير العلاقات الإيجابيّة
• التحكم في السلوكات الصّعبة
يؤكد ( Froyen et Iverson) أنّ الدّرس يحتاج إلى التخطيط وتنظيم الوقت والوسائل والسيناريو ودون ذلك ستظهر اختلالات أثناء التقييم ممّا يستدعي التعديل. كما أنّ إدارة الانضباط في الفصل الدّراسيّ تعتمد التفاوض وحلّ الإشكاليات بروح تعاونيّة في جوّ من الثقة المتبادلة بين المدرّسين والتلاميذ.
3. المحور الثالث: خصائص الفصل وأساليب التصرّف:
1.3 خصائص الفصل: يمثّل الفصل بيئة خاصّة ويتميّز بالتعدّدية والتزامن والفوريّة وغير المتنبئ به والشهرة والتاريخية. وهي خصائص تعطي للمناخ التربوي بالفصل طابعا مركبا ومعقّدا وهو ما يتطلّب كفاية عالية في إدارة الفصل.
1.1.3. التعدّديّة: يمثّل الفصل، وخاصّة في التعليم الابتدائي، فضاء لعديد الأنشطة والأحداث المتعدّدة والمتنوعة في مكان ضيّق يضمّ عديد الأفراد المختلفين من حيث الملامح والانتظارات والرّهانات والثقافات والمشاريع.
2.1.3. التزامن: بيئة التعليم والتعلّم في الفصل مركبة لأنّها تتطلّب تدخّل أحداث متنوّعة ذات طبيعة ديداكتيكيّة وبيداغوجيّة واجتماعيّة ونفسيّة التي تظهر متزامنة أي في نفس الوقت.
3.1.3. الفوريّة: جودة اتخاذ القرار في الوقت المناسب هي واحدة من كفايات التعامل مع الفورية. فعلى الرغم من أنّ المدرّس يخطط ويعد الأنشطة البيداغوجيّة، ويفكّر مسبقًا في التوقيت المخصّص لكلّ نشاط و في التفاعلات والوساطة والتدخّلات التعديليّة، فإنّ أحداثا غير متوقعة تظهر وتؤثر في المناخ والتفاعلات وفي سيرورة التعلّم. بعض هذه الأحداث تتطلب من المدرّس ردّة فعل مناسبة وسريعة.
4.1.3. عدم القدرة على التنبّؤ: الأحداث التي تظهر في الفصل لا يتم توقعها كلّها أو برمجتها فهي غالبًا ما تكون غير متوقعة ومفاجئة. وهنا يمكن أن تساعد كفاية المدرّس العالية في إدارة الفصل على اتخاذ موقف سليم والتفاعل بطريقة ناجعة.
5.1.3 الشهرة: غالبية التلاميذ يراقبون المدرس باهتمام ويكتشفونه ويلاحظون ممارساته في إدارة الفصل فيستوعبونها ويعتمدونها كقواعد ومعايير يجب اتّباعها ولكنّ بعضهم لا يقدر على فهم الدوافع الخفية التي تتحكّم جزئيا في تفاعلات التلاميذ وردود أفعالهم.
.6.1.3 تاريخية: كلّ فصل هوّ فضاء لأحداث معيّنة وإيقاع خاصّ ونتائج مخصوصة.
2.3. ممارسات المدرّس خلال إدارة الفصل:
• الممارسة الاستبدادية ( التسلّط)
• ممارسة قائمة على رهانات النظام الاجتماعي: يستند المدرّس إلى رهانات ومعايير النظام الاجتماعي المعمول به في الوسط الذي تنتمي إليه المدرسة
• ممارسة قائمة على الدّور الحاسم للضرورات البيداغوجيّة
• ممارسة قائمة على أساس العاطفة الاجتماعيّة: من منظور العاطفة الاجتماعية، ترتبط الإدارة الجيدة للفصل الدراسي ارتباطًا وثيقًا بطبيعة العلاقات التربوية: المعلم -التلاميذ، والتي يجب أن تكون ممتعة ويتناغم معها المتعلّمون. يتفاوض المدرّس التعاوني ولا يلجأ أبدًا إلى فرض حلول للمشاكل أو السلوكيات، بل يحث المتعلّم على أن يبحث بنفسه عن حلول مناسبة بالتعاون مع أنداده.
• ممارسة مستلهمة من التجربة والروتين اليومي: من التجربة البيداغوجية و"الحيل التربويّة"، من العادات اليوميّة والبحوث المهنيّة والقناعات الشخصيّة.
• ممارسة قائمة على تغيير السلوك: مستلهمة من النظرية السلوكية في التربية. أنصار هذا المنهج يتصوّرون أنّ السلوك مكتسب ويجب على المدرّس تشجيع التلاميذ على تبنّي السلوكات المناسبة من خلال التّعزيز (الإيجابي أو السّلبيّ).
• مُمارسة على التّخويف: مراقبة السلوك ,إجبار التلاميذ ودفعهم للطاعة، استخدام السّخرية والقوّة والعقوبة القاسية.
• ممارسة مبنيّة على التساهل: تجنّب إحباط الطفل أو معاقبته أو صدمه، يتصرّف وفق كما يريد دون فرض أو تقييد. زوال الحدود اللازمة لبناء هويّة الطفل وهذا يعيق عملية التنشئة الاجتماعيّة. من نتائج طريقة التساهل لا تخلق بيئة آمنة لأنّ التلاميذ قد يشعرون بالارتباك في غياب القواعد ومعايير التصرّف.
3.3. مراحل التصرّف في الفصل:
تتضمّن إدارة الفصل ثلاث فترات مترابطة:
1.3.3. مرحلة ما قبل النّشاط: هي مرحلة البداية من خلالها يتمّ إنجاز الأنشطة في الفصل، وتشمل كلّ ما يهمّ توجيه العملية التعليمية وإعداد التدخلات التربوية، وفيها يتصوّر المدرّس تخطيط الوضعيات التعليمية-التعلّميّة والوسائل والمحامل البيداغوجيّة ومقترحات لأنواع التفاعلات في الفصل والوساطة البيداغوجية...كما يتمّ تحديد الأهداف وتوزيعها على المدى الطويل والقصير، وتخيّر الطرائق المناسبة وتقنيات التنشيط والأنشطة الفردية والجماعيّة. هيّ مرحلة التفكير المسبّق في سير عمليات التعليم والتعلّم وتأخذ في عين ااعتبار ما تمّ تسجيله سابقا (في مرحلة ما بعد نشاط سابق) من ملاحظات ونتائج.
2.3.3 المرحلة النشطة والتفاعليّة ( خلال الإنجاز): تتمثّل في الإنجاز الفعليّ لما تمّ تصوّره في المرحلة السابقة وتشمل كلّ الأحداث التي تجري أثناء لإنجاز الأنشطة التعليميّة والتفاعلات بين المدرّس والتلاميذ أو بين المتعلّمين أنفسهم.
3.3.3 مرحلة ما بعد النّشاط: هي مرحلة مهمّة لأنّها تنتهي بقرارات للتّعديل وإجراءات تصحيحيّة على إثر ما تمّ إنجازه من أنشطة تعليمية-تعلّميّة في الفصل.
إنّ التصرّف في الفصل يعني أيضا إتاحة الفرصة للمتعلّمين للتعبير واستثمار المعارف ومساعدتهم على تقديم تصوّراتهم حول العالم والتمكن من هدم ما تمّ اكتشافه من عراقيل وأخطاء معرفيّة وخلق مناخ تربويّ مناسب قائم على القيم الأخلاقيّة.
المحور الرابع: المحور الرّابع: كفايات التصرّف في الفصل
• كفاية التخطيط
• كفاية التنظيم
• كفاية الإشراف: يجب على المدرّس التصريح بقواعد اشتغال الفصل، بالإجراءات، بنتائج السلوكات غير اللائقة. يلاحظ ويحلّل ويقيّم الأحداث والتصرّفات وسير الأنشطة وتقدّم العمل للقيام لتوفير الظروف الملائمة للتعلّم.
• كفاية التوقّع: في جميع مراحل التخطيط والإنجاز ومتابعة أنشطة التعليم والتعلّم، يجب على المدرّس إظهار توقّع جيّد لإمكانيات تحقيق الأهداف ودرجة اهتمام التلاميذ وصعوبات التعلّم، ومراحل عمليات التعليم والتعلّم، والمعارف السابقة والتصوّرات سير أنشطة التعلّم.
• مهارة القيادة: تطوير العلاقات، التعديل، حلّ الصراعات بين المتعلّمين ومشاكل الانضباط في الفصل، دفع التلاميذ لإيجاد الحلول تشاركيا وتعاونيّا، جعل المتعلّمين قادرين على المشاركة واتخاذ القرار.
• كفاية تحفيز المتعلّمين
• كفاية إدارة الصراعات
• كفاية أخلاقيّة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في