الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العهدة العمرية .. وثيقة تشويه الحقائق التاريخية

يوسف يوسف

2022 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الموروث الأسلامي صناعة ماضوية هزيلة للأحداث والوقائع ، فالموروث زور التاريخ ، وأحال الظالم مظلوما ، وجعل من الجلاد مجلودا ، ومن القاتل ضحية ، ومن المغتصب رجلا شهما ، ومن المفكر كافرا ، ومن الفاتح رجل سلام ، وصور سفك الدماء في الأمصار المفتوحة نثرا للورود .. ركام من المرويات ، رقعت ثم أصيغت كي تكون هي الحقيقة ! ، ولكن يجب أن نفقه تماما ، أن ما حصل و حدث فعلا ، وبين هذا الموروث الوهمي ، بون شاسع ، لا يمكن أن تلتئم جروحه ودمامله بالتدليس والتشويه من قبل أئمة الأسلام ، كما أن الحقائق دائما صعبة ومرة في الركون أليها من قبل البعض ! . وموضوع العهدة العمرية وصاحبها - عمر بن الخطاب ، شهادة مزورة للتاريخ الماضوي ، وهذا المقال هو مجرد أضاءة .

المقدمة :
قبل القراءة النقدية للعهدة العمرية ، لا بد لنا أن نعرف بعضا مما ذكر عن شخصية عمر .. فقد جاء في موقع / موضوع ، بعضا من الصفات الشخصية لعمر ( قد شبّهه الرسول بنبيّ الله نوحٍ ، لشدَّته في أمر الله ، ومن غيرته على حرمات الله . سماع الحقّ وقبوله والعودة إليه : فقد عُرف بعدم التّعصّب لرأيه . الورع والوقوف عند أوامر الله تعالى . الخوف من الله والبكاء من خشية الله . الزهد والصبر والشجاعة والكرم ) . فلم تبقى صفة من الصفات ألا ووصف بها عمر . والخليفة عمر هو الذي قال عنه الرسول ( لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ . هذا الحديث رواه الإمام أحمد ، والترمذي / نقل من موقع أسلام ويب ) ، وهو الذي لقبه الرسول أيضا " بالفاروق ، لأنه فرق بين الحق والباطل / وفق تفسير بن كثير " . والتساؤل هنا ، هل هذا الفاروق حقا فرق بين الحق والباطل في وثيقة العهدة العمرية ! . هذا ما سنطلع عليه لاحقا .

الموضوع :
جاءت العهدة العمرية ، بعد أنتصار المسلمين في معركة اليرموك ، فقد جاء موقع / سطور ، التالي ( هي وثيقة صلح بين المسلمين بخلافة عمر بن الخطاب ، وأهل بيت المقدس وعلى رأسهم بطريرك القدس صفرونيوس . عُقدت هذه الوثيقة بين الطرفين بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك سنة 15 هجرية .. ) .
1 . لا بد لنا أن نبين أن العهدة العمرية بنيت على تفسير أركان الأية 5 من سورة التوبة " فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ " - وكذلك على الآية 29 من ذات السورة " قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ " . هاتين الآيتين تشرع لغير المسلمين ثلاث خيارات : أما الأسلام أو القتال أو الجزية ، وهذا ما بنيت عليه العهدة العمرية .

2 . وسوف أتناول بعض المقتطفات من العهدة العمرية / وللقراء الرجوع أليها كاملا من المصادر الذي سأعرضها . في المقدمة ، سأنقل مما جاء من كتاب " شروط العهدة العمرية كما جائت فى تفسير ابن كثير - لمؤلفه : إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي أبو الفداء " ، ( اِشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر تِلْكَ الشُّرُوط الْمَعْرُوفَة فِي إِذْلَالهمْ وَتَصْغِيرهمْ وَتَحْقِيرهمْ وَذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْأَئِمَّة الْحُفَّاظ مِنْ رِوَايَة عَبْد الرَّحْمَن بْن غَنْم الْأَشْعَرِيّ ) ، ومن موقعي المعرفة والكلمة ، أنقل التالي ( هذا ما أعطى عبد الله ، عمر ، أمير المؤمنين ، أهل إيلياء من الأمان .. أعطاهم أماناً لأنفسهم . الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجدِّدوا ما خُرِّب ، ولا يمنعوا كنائسهم من أن ينزلها أحدٌ من المسلمين ثلاث ليالٍ يطعمونهم ، ولا يمنعوا ذوي قرابتهم من الإسلام إن أرادوا ، وأن يوقّروا المسلمين ، وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ، ولا يتشبّهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ، ولا يتكنّوا بكناهم ، ولا يركبوا سرجاً ، ولا يتقلّدوا سيفاً ، ولا يبيعوا الخمور ، وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا ، وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم ، ولا يُظهِروا صليباً ولا شيئاً من كتبهم في شيءٍ من طرق المسلمين ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يضربوا بالناقوس إلا ضرباً خفيفاً ، ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرة المسلمين ، ولا يخرجوا شعانين ، ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يَظهِروا النيران معهم ، ولا يشتروا من الرقيق ما جَرَتْ عليه سهام المسلمين . ولا يشارك أحد منا في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة . وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن . فإن خالفوا شيئاً مما شرطوه فلا ذمّة لهم ، وقد حلّ للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق).

القراءة :
أولا - في موضوع تأريخية العهدة العمرية ، لم يكن هناك من تحقق تاريخي سليم بموضوعها ، وبمن كتبها ، هل كتبها المنتصرون / المسلمون ، أم كتبها المغلوبون / المسيحيون من أهل أيلياء ، فهناك الكثير من الحلقات غائبة بل مفقودة ، وهذا هو الموروث الأسلامي الطامس للحقائق ، فالموروث يذكر عبد الرحمن بن غنم الأشعري " فقيه و إمام شيخ أهل فلسطين ، قال ابن سعد ثقة إن شاء الله بعثه عمر إلى الشام يفقه الناس وكان أبوه صحابيا - نقل من موقع / صحابة رسول الله " ككاتب للوثيقة . ومن موقع / الجزيرة نت ، أنقل التالي وهو مقال للشيخ عصام تليمة ، حول روايات من كتب الوثيقة (( أما نقد متن العهدة العمرية فإن الباحث لا يحتاج إلا لمراجعة ما كتبه " ابن القيم " نفسه في بدء حديثه عن الشروط ، ليرى رأي العين ما في الروايات من تضارب ملحوظ ، فقد نصت الرواية الأولى ( على أن أهل الجزيرة هم الذين كتبوا إلى عبد الرحمن بن غنم ، ثم كتب عبد الرحمن إلى عمر ) ، بينما نصت الرواية الثانية (على أن عبد الرحمن كتب مباشرة لعمر حين صالح نصارى الشام ) ، وتبين الرواية الثالثة ( أن عبد الرحمن إنما صاغ شروط النصارى في كتاب لعمر ) ، فمن العجب العجاب أن يملي المغلوبون على الغالب شروطهم كأنه كان في حاجة إلى أن يوادعوه ! )) .
* أن العهدة العمرية - بأمر لا يقبل النقاش أو الجدل أنها كتبت من قبل المحتل / جماعة عمر ، وليس من عهدة تكتب من قبل المهزوم ، وحتى المرقعين للموروث يحتارون في تدليسهم وفي طمسهم للحقائق ، ولكن البديهيات لا تقبل الشك ! .

ثانيا - من المؤكد أن العهدة أعتبرت من قبل الأسلاميين ، سبقا وحدثا تأريخيا ، أعطت لكل حق حقه ، وأعتبرت لائحة قانونية سابقة لحقوق الأنسان ، بينما هي وصمة عار في جبين الأنسانية ، وأنقل مقطعا من مقال للقس عازر عجاج بهذا الصدد منشور في https://www.nazcol.org ( يعتبر البعض أنّ هذه الوثيقة من أهمّ الوثائق الخاصة بحقوق الانسان ، ويذهب بعض المسلمين الى نقيض ما سبق ، فيعتبرونها لم تأتِ إلّا لإذلال المسيحيّن وتحجيمهم ووضعهم في مكانهم الصحيح في الدولة الإسلاميّة ، علّهم يتّبعون الاسلام ديناً . وأيُّ حديث عن “تسامح دينيّ” ما هو إلا مفهوم عصريّ يُخالف الاسلام . ويختلف المسيحيون في موقفهم منها ، فيتفق مع الفكرة الأخيرة عدد ليس بقليل من المسيحيّن الذين يجدون فيها “ الدلائل التي تؤكد بوضوح على عدم قابلية الإسلام للتعايش مع الشعوب التي لا تدين به” ، ويؤكدون أن ما هي إلا “شروط وُضعت لأذلال ومحو هويّة الأمم التي احتّل الأسلام أراضيها ، والقضاء على الأديان التي يؤمنون بها . ولهذا فهي وثيقة كبت الحرّيات الدينيّة وجعل مواطني الشعوب المُحتلة أقل من درجة العبيد”. بينما يجد أخرون أنها خير دليل على التعامل الإسلاميّ السمح إزاء المسيحيّن ، ويجد آخرون أن ما يُسمى بـالعهدة العمريّة ، ما هي إلا وثيقة لا تمت بأية صلة لعمر لا من قريب ولا من بعيد ، ولا يوجد معنى لنقاشها أو اعتبارها كنموذج لعلاقة المسلمين التاريخيّة بالأقليات الدينيّة) .

ثالثا - وودت أن أناقش بعضا من فقرات العهدة العمرية ، فتقول العهدة " ولا يتشبّهوا / أي المسيحيين ، بالمسلمين في شيء من لباسهم ، ولا يتقلّدوا سيفاً ، وأن يجُزُّوا مقادم رؤوسهم ، وأن يلزموا زيَّهم حيثما كانوا ، وأن يشدّوا الزنانير على أوساطهم " ، وهنا لا بد أن نسمي الأشياء بأسمائها ، فعمر الذي وصف بالفاروق / الذي فرق الحق عن الباطل ، والذي قال عنه الرسول " لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرَ " ، فكيف لهكذا رجل أن يحرر هكذا وثيقة ! أنها وثيقة فصل عنصري ، ولا بد لنا أن نصف العهدة أنها (وثيقة الخزي والعار ، وثيقة المهانة والذل ، فالفاروق أصدر وثيقة لأستعباد الاخرين ، وميزهم حتى في شكلهم / في جز مقادم روؤسهم وفي لباسهم ، ليس من قهر وتحقير للذات البشرية كالذي كتب بالعهدة) .

رابعا - ومن ما كتب في العهدة " الا يُحدِثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا يجدِّدوا ما خُرِّب " ، فكيف يتعبد المسيحيون ! ، وما مصير هذه الكنائس بعد أندثارها / بعد قرون ، وكيف يصلى بها دون تجديد ! ، أيتعبدون في أطلال وخرائب ! ، انه أيحاء أن يبقوا بلا عبادة من أجل تحويلهم الى الأسلام . أم ما كتب عن " ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ، ولا يشارك أحد منا في تجارة إلا أن يكون إلى المسلم أمر التجارة . وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن " ، أي أن لا يبكوا على موتاهم ، ولا أن يتاجروا ألا أن كانت التجارة تؤل لمسلم ، وفوق كل هذا وذاك أن يدفهوا الجزية ! ، أنها وثيقة الموت البطئ للأنسان روحيا وماديا ! .

خامسا - ولا بد أن نتساءل هل أن كل ما كتب عن عمر حقا ما كان عليه ، وهو ما حدث فعلا ! ، وهل حقا أن عمر من قال " مذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا " ، لأن ما نقرأ هو خلاف ما حدث ! فكيف لوثيقة من وثائق عبودية البشر / وهم أهل كتاب ، أن يقول صاحبها هكذا قول ! ، فأما أن العهدة العمرية من صنع الفقهاء ، أو أن كل ما كتب عن عمر كذب وتدليس ، أو أن لعمر شخصيتين متناقضتين ، وأن الفقهاء كانوا ولا زالوا يجهلون المسلمين بهذه الأكاذيب .

أضاءة :
ليس كل ما كتب في الموروث الأسلامي ، يجب أن نصدقه وان نعتبره من المسلمات ، فالكثير منه من هلوسات الفقهاء والمفسرين والأئمة ، ويجب دوما أن نعمل على " تقديم العقل على النقل " .. و ( العهدة العمرية ) هي من منتوجات هذا الموروث - التي وصفت العهدة بصحيفة عادلة لحقوق الأنسان ، ولكنها بالحقيقة وثيقة لأستعباد وأذلال الأنسان ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟