الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-وكان الإنسانُ أكثر شيء جدلا- ...

خالد محمد الزنتاني
كاتب

(Khaled M. Zentani)

2022 / 2 / 28
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"وكان الإنسانُ أكثر شيء جدلا" ...
أكثر مايميز كتب التراث الإسلامي عبارتان - "متفق عليه" و "بإجماع الفقهاء!" - مع أننا لو تعمقنا في متابعة كافة الشؤون الفقهية المتعددة فلن نجد شيئا واحد متفق عليه بين الأئمة، فكلمة إتفاق أو إجماع رغم إستخداماتها الكثيرة إلا انها لا تعبر عن المعنى الحقيقي لواقع الحال، ولو كانت المسائل الدينية قد إتفق عليها بهذه البساطة، وهذا الإجماع، ما سمعنا عن عبارة أخرى شهيرة إقتحمت هي الأخرى مجال الأدبيات الفقهية تقول (إختلف العلماء!) وهي تأتي لتؤكد أن مسألة إجماع الأمة وإتفاقها ما هي إلا حلم قديم وأمل يحدو الجميع لكنه لم يتحقق على الأرض في يوم من الأيام.

تابعنا منذ يومين كيف تحولت (مسألة الإسراء والمعراج) إلى سجال وكر وفر على وقع قنبلة إعلامية ألقاها الكاتب المصري المثير للجدل إبراهيم عيسى في بِركة الحوار البيزنطي العربي الراكدة – وقد تعمدت قول (مسألة) وليس (معجزة) لأن هناك في إعتقادي إختلاف كبير بين المعنيين لا أرى بأس من الأخذ والرد وتقبل التصحيح حولها بكل تجرد وشفافية ونقد بناء!


يُعرٌف معجم المعاني في اللغة العربية كلمة معجزة على أنها "أمر خارق للعادة يظهره الله على يد نبي تأييدا لنبوته!" غير أن هذا التعريف قد أغفل شرطاً مهماً لإكتمال الصورة وهو "وجوب حضور من يرى هذه المعجزة ليكون شاهدا على حدوثها" .. وأعتقد بغير هذا الشرط لا أظن أن تعريف الإعجاز يصبح منطقيا، وإنما يمكن إدراجه تحت خانة الغيب، وبالتالي يصبح مساوٍ للعقائد الدينية من حيث إنقسام الناس حولها ما بين مصدق ومنكر، تارة يغلب عليهم الشك وتارة تُرجح كفة الإيمان، إلا أنها على المدى الطويل تبقى مثارا للخلاف والشقاق مثل أغلب المسائل الإيمانية الأخرى.



وعلى ذِكر عبارة "اختلاف العلماء" لا يفوتنا هنا ان نذكر في هذا المقام أن تاريخ حادثة الإسراء والمعراج قد ظل هو الآخر من بين القضايا التي لم يستقر فيها المؤرخين من أهل السير على رأي قاطع، وكلهم إختلفوا فيما بينهم في العام والشهر واليوم، فمنهم من قال أنها كانت قبل الهجرة بسنة ومنهم من قال بسنة ونصف ومنهم من قال في شهر ربيع الأول ومنهم من قال في ربيع الثاني ومنهم من جعلها في رمضان، أما الأيام فبين قائل في ليلة السبت وقائل في ليلة الجمعة وقول في ليلة الإثنين، ما يدل اننا أمام مسألة لم ترَ إجماعا حتى على وقت حدوثها فما بالك بالإتفاق على تفسير واحد للكيفية التي حدثت بها!


كل ما قرأناه وتعلمناه وعرفناه لا يدعم الرأي القائل أن الدين قام منذ اليوم الأول لظهوره على (الإعجاز المادي)، وهذا بشهادة القرآن نفسه الذي حرص في كثير من المواضع على تقديم القرائن المتكررة على بشرية النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه لا يحمل من رب العالمين سوى رسالة الهُدى والتوحيد وبعدها "من شاء فاليؤمن ومن شاء فاليكفر!" وليس أدل من هذه الآيات التي وردت في سورة الإسراء من أية 90 حتى 93 على تأكيد خلو الدعوة الإسلامية من خوارق العادات حيث يقول الله تعالى : (( وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الْأَرض ينبوعا(90) أوتكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91) أوتسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أوتأتي بالله والملائكة قبيلا (92) أويكون لك بيت من زخرف أوترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرا رسولا (93))) صدق الله العظيم .

إن نبي الإسلام لو أراد "قصف جبهة" الكفار وإلجامهم في هذه الفرصة التاريخية، لما تردد لحظة أن يطلب من ربه تحقيق كل هذه الإعجازات دفعة واحدة حتى يوقف سخرية مكذبيه وتحديهم ولا أظن أننا نحتاج بعد هذا التوضيح الحرفي لهذه الآيات إلى إقحام الدين الإسلامي في منافسة مع معجزات أنبياء الرسالات الأولى، لأن الدين إجمالا ((في إعتقادي أيضا)) أنه دعوة لا يستطيع أحد تقديم دليل مادي ملموس على صحتها، كما لا يمتلك أحد من الجاحدين لهذا الدين في المقابل تقديم دلائل حسية مادية دامغة على بُطلانه، فالمسألة هنا مرهونة بالإيمان الغيبي فقط ولا شيء آخر ولن يكون للإيمان بالدين أي وزن أو معنى لو توفر أمام الإنسان الدليل القاطع والبرهان الساطع على صحته، لأن عند ذلك ستنتفي الحاجة إلى تبرير حالة الكرم الإلهي في الثواب والنعيم والجنة التي عرضها السموات والأرض، كما لن نستطيع بعد ذلك تفسير وفهم حالة العقاب والجحيم الأبدي الذي ينتظر الكافرين رغم كفرهم فترة زمنية محدودة هي كل ما عاشوه في هذه الدنيا والتي لا تقارن بفترة الخلود الطويلة التي تتحدث عنها آيات العذاب!

إن أفضل من قدم المثل الرائع عن التفاعل مع حادثة الإسراء والمعراج هو الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه، فقد ساقت لنا كتب التراث أن الرجل تعرض للمباغتة عندما سُئل فجأة عن رأيه في "قول صاحبه" فأجاب بكل هدوء وروية ومن غير أن يدخل في نقاشات حول شكل البُراق، وسرعة الضوء، وهل كان الإسراء جسدا أم روحا، يقظة أم حلماً، وإنما اجاب في جملة واحدة أقفل بها ملف القضية حين قال : "إن كان قال ذلك فقد صدق"!

هكذا بكل بساطة وعفوية فكك الصديق الحالة إلى مسألة إيمان بالغيب لا تقبل المراجعة ولا تحتمل عصر الأذهان ولي المصطلحات والإستعراض الجدلي السفسطائي العقيم، فأما الإيمان بالغيبيات التي تتجاوز الأفهام وتفوق قدرات البشر العادية، واما السقوط في دوائر الشك والبحث عن اليقين والأدلة التي ستنتهي إلى وقوع الإنسان في فخ تفسير الماء بالماء، لأن مانمتلكه نحن كبشر من أدوات وتصورات تتعلق بعالمنا المعاش تختلف كُليا عن العناصر والظروف والقوانين التي يشتمل عليها الغيب وتحكم عالم آخر مجهول ومغلف بالأسرار، نفتقر فيه إلى فهم كل ما بُني عليه من أسس لا تدخل في محيط معرفتنا العقلية المتاحة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المسألة كلها
عبد المجيد عبد الحميد ( 2022 / 3 / 1 - 10:38 )
المسألة كلها عبارة عن جواز او عدم جواز تصديق ما لم تشهده
هل يجوز ان تشهد مثلا بان فلان قاتل مع انك لم تراه يقتل
فكذلك هل يجوز ان تشهد ان محمد نبي مع انك لم تشهد ذلك
مع الاحترام


2 - المسالة عن عبارة تلقين كان بسسبه اليفين
سهيل منصور السائح ( 2022 / 3 / 2 - 07:40 )
الاخ الكريم عبد المجيد بعد التحية. المسالة عن عبارة تلقين كان بسسبه اليفين ومن شب على شيء شاب عليه وهذا واقع كل المعتقدات. اما من يدعي ان ايمانه قآئم على دليل فهو واهم وكما تفضلت (هل يجوز ان تشهد ان محمد نبي مع انك لم تشهد ذلك) وليس هناك معجزة غير قابلة للنقذ لتؤكد ذالك. لو فرضنا ان الايمان بالرسل هو مبني على فلسفات ـ كما يزعم اصحابها ـ فمن يثق بكتابات رواها اناس بعد مئتين سنة مو موت صاحبها والتحزبات كانت سمة المسلمين.فهل حقا ان دينا سماويا يترك لآراء بشرية تتلاعب به.كم عدد الفقهآء في المذاهب الاسلامية وكل له تابعيه بل بعضهم يكفر بعضا.الحقيقة المبنية على اسس متينة ـ وان كانت نسبية ـ يجب ان تكون ضالة الانسان وليس على التلقين في الصغر. سلام عليكم

اخر الافلام

.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-


.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها




.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24