الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرتدون في الإسلام

حميد المصباحي

2022 / 3 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


122 المرتدون في الإسلام

المرتد في الإسلام من يتراجع عن إسلامه ويعلن خروجه من الملة، المرتد إما أن يبطل إيمانه فيغدو ملحدا أو منكرا لتعاليم ديانته، ولكنه أيضا، من يترك إسلامه ويعتنق ديانة أخرى حتى لو كانت موحدة من ديانات الوحي، كاليهودية والمسيحية، وذلك لا يمكن أن يعلن علنا، فالمرتد جزاؤه القتل، وقد كان هذا الحد ينفذ ويعترف به علماء الفقه والأصول المسلمون حتى إن عطلوه بلغتهم لدوافع حقوقية وإنسانية واتفاقات دولية تأسست على حق الانتماء الديني، وعدم محاسبة الناس بقوانين المعتقد التي فيها الله وحده هو المحاسب وليس في الدنيا، بل الآخرة، لكن هل كل من حكم عليهم بالإعدام الديني أعلنوا ردتهم؟
الردة وفق هذا المنطق ردتان:
الأولى: ما يعلنه المسلم كقناعة فيتخلى عن الإسلام بدون أن يفقد إيمانه، بل يؤمن بالله من خلال ديانة موحدة أخرى، فينتقل من طقوس إلى أخرى، ومن جماعة إلى غيرها بعد أن تمثل قيمها فأعجب بها، وتغذى روحيا بما تحفل به من اعتقادات، لكنه أحيانا، ينجذب إليها أخلاقيا بسلوك أتباعها، إذ وجد فيهم ما افتقده في جماعته الأصلية، وهو بذلك يمارس اختيارا درجات الاقتناع به متفاوتة بتفاوت مدارك الناس وقدراتهم على استيعاب ما اعتبروه حقا إنسانيا لهم.
الثانية: هو تراجع كلي عن الإيمان بكل دياناته، فلم ينتقل من ديانة إلى أخرى، بل ترك الدين بشكل عام، وتنكر لما يوجبه معتقدا في حياة واحدة تزول بانتهاء حياته فينسى كأثر ويفقد ما يدرك به ذاته وعالمه، ويعتقد أن موته نهائي فلا يعترف بميعاد ولا نشور ولا حساب، والسؤال، كيف نسوي بين الردتين رغم اختلافهما وهل ذلك مقبول منطقيا وأخلاقيا؟؟
تقول القاعدة الإسلامية المعممة، الكفر ملة واحدة، وهي أقرب إلى الحنبلية والوهابية المغاليتين في التكفير، من منطق أن أهل الكتاب أيضا كفار أو مشركون كباقي المنكرين لوعد الله وغيبه وحسابه، فهل الردة جريمة وإن كانت كذلك فهي جرم في حق من، هل إعلانها ما يوجب الحساب عليها أم عدم الالتزام بطقوس الإسلام وأركان الإيمان؟؟
لا أحد مطالب بإعلانها ولا نفيها، فطقوس الإسلام تمارس بأشكال متفاوتة، فهناك الصائم بدون صلاة وهنا المصلي بدون زكاة، لكن الكل يصرح بالشهادة ويعترف بالذنب ويرجو مغفرة الله أو شفاعة الرسول، وهكذا الآمال والأفعال، وربما الإيمان نفسه، لا يظل على حال، فهو يزيد وينقص ويفهم ويجهل، ولا أحد له حق المحاسبة إلا القانون عندما لا يحترم فينتج عن ذلك ألحاق الضرر بمصالح الغير، أو تهديد حياتهم وحريتهم وسلامة مساكنهم أو تجارتهم أو حقهم في التجول داخل مدنهم وأوطانهم، لكن ما مصدر هذا الحكم ومبررات وجوده؟؟
عقديا كل ديانة تحمي نفسها بما يجعلها أكثر إقناعا، لكن فيها منتقموها الذين يسعون للعقاب والتشدد فيه، وهو ما يمكن تسميته، بعسكرة العقيدة بفقه جزري لا يستحضر الحق إلا ليعاقب به ويقطع الأيادي والأرجل ويجز الرقاب، وقد كان المسلمون بعد موت الرسول ( ص) متشددون مع الذين ارتدوا لمجرد سماعهم بوفاة النبي، ولولا الردع الذي نالته تلك القبائل لاشتدت المواجهات وعادت سلطة القبيلة إلى ما كانت عليه، ولم يكن الوقت آنذاك يسمح بالجدالات ولا النقاشات، لأن اللحظة ولدت توترات في صفوف المسلمين، الذين كانوا جنودا أكثر منهم مبشرين أو ناصحين، أو قادة عليهم اتخاذ القرارات بسرعة قبل أن تمتد الانشقاقات لباقي الأمصار والأقطار، لكن الانفعالية نفسها بعد كل هذه القرون، ما تزال فاعلة وحذرة مما يهدد وحدة الأمة الإسلامية، التي صارت دولا بحدود وأعلام مختلفة، ولم تعد لحمة الإسلام إلا شكليات يتذكر بها المسلمون في مجتمعاتهم تاريخ وحدتهم وقوتهم....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي