الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفلام وول ستريت

أميرة أحمد عبد العزيز

2022 / 3 / 5
الادارة و الاقتصاد


(لا يمكن لأي إنسان في ظل الرأسمالية، إلا أن يكون طرفا في علاقة استغلالية، مستغلا أو ضحية لاستغلال، وغاية ما يستطيعه أي إنسان أن يغير موقفه فبدلا من أن يكون ضحية مباشرة يكون مستغلا) دكتور عصمت سيف الدولة

إذا كنت بصدد مشاهدة فيلم يندرج تصنيفه تحت الخيال العلمي أو الخيال ذو البعد الفلسفي مثلا، والتي تكون عادة مرهقة ذهنية للشخص العادي الغير ملم بمختلف العلوم وقد تكون أيضا لغير العادي، فقد يرهق فيلسوف فيلسوفا آخر ذهنيا إذا كان شططه أبعد، وهذه المعارك الفلسفية قد تصيب أصحابها بالجنون، ولكن لما كانت هذه الأعمال تسبح في عالم يغلبه الخيال أو الميتافيزيقيا فيحق لمن يشرد بعقله أن يرسم للعمل صورة ذهنية كما يشاء، حتى إن ابتعد عن رؤية المؤلف، فعالم الفلسفة والخيال والتأمل مفتوح للجميع. وأتذكر أني شاهدت فيلما مع أصدقاء يحمل بين طياته رؤي فلسفية لم نتفق عليها، فقد حلل أحدهم الفيلم بتصور قد يفاجأ المؤلف نفسه.
على نطاق آخر يوجد نوعية من الأفلام التي تتشارك مع سابقة الذكر بأنها مرهقة ذهنية، لكنها على العكس لا تجوب في عالم الميتافيزيقا، بل تمثل الواقع بشروره وبسطحيته، تلك هي الأفلام ذات الطابع الاقتصادي، مثل فيلم (وول ستريت) الصادر عام 1987، والجزء الثاني منه وهو فيلم (وول ستريت، المال لا ينام أبدا) والصادر عام 2010.
هذه الأفلام ليست أفلام وثائقية طبعا بل أفلام روائية ولكن نظرا لأن موضوعها عن الاقتصاد وحركة الناس في هذا الواقع الرأسمالي، فغالبا تجد أنك أصبحت غارق في حسابات وأرقام ومصطلحات اقتصادية وأفكار رأسمالية وموضوعات داخل هذا الحيز، (وول ستريت) بجزأيه يمثل عملا مهما، لكنه يحتاج لتركيز عالي في مشاهدته، كما يحتاج لخلفية لفهم الجوانب الاقتصادية، بل اعتقد أنه يحتاج لما هو أكثر من خلفية في علم الاقتصاد، علوما أخري أو حساسية إنسانية دقيقة.
في جزأي (وول ستريت) شعرت بالإرهاق الذهني الشديد، كنت بحاجة لإيقاف المشاهد لأضع خطوط تحت الكلمات لأبحث عن المفاهيم والأحداث والمجريات والكيفية، إنها أفلام لا تعطيك فرصة للشرود والخيال الجامح، فلا تستطيع أن ترسم واقع مختلف من خيالك لفيلم من هذه النوعية. وما توصلت له بالمشاهدة هو:
- ضرورة الاهتمام بالقراءة في الاقتصاد، وفهم النظام الرأسمالي، والعلوم الاجتماعية المرتبطة، فما يحدث معنا هو استغلال جهلنا بتلك العلوم، وعدم التركيز في الشأن الاجتماعي، وترويج للثقافة الرأسمالية، بخدعة أن الرأسمالية وحرية السوق والاقتصاد الحر هو طريقنا للحرية بل هو الحرية ذاتها، والحقيقة أن الرأسمالية تصنع أغلال وقيود توهمنا أنها قلادات للزينة.
- نحن نحتاج لمواجهة هذا السرطان بالبحث في المتاهة، وتفهم كيف تدور، سنجد أرقاما ومصطلحات وبناء وعمائر وبنوك حتى نصل في النهاية لأفكار بديهية جدا، تتلخص في أن ثروة وإمكانيات المجتمع واحدة، ووجود فقر وعوز شديد وغني فاحش، يعني وجود سارق ومسروق. أما لماذا نحتاج للبحث والدراسة للوصول لبديهيات؟ فذلك لأن العبث بالبديهيات والحقائق صنع صعوبة في التكشف عليها وسط كل هذا العبث، وأصبحت البديهيات تحتاج لإقناع، وبنفس الوسيلة التي يستخدمها الرأسمالي، لغة الأرقام، التي تعطي له مصداقية حين يتحدث بثقة العارف، وإن كان يكذب، ليس في الأرقام الذي يذكرها، بل في إخفاء أرقام أخري مقابلة، والتغافل عن دلالات، والتحايل على الحقائق بتحليلات مضللة.
- أما عن دور العلوم الاجتماعية، فلأننا نكتشف من خلالها منهج هو ضرورة لقراءة الأرقام، فالأرقام لا تتحدث بذاتها بل يتشكل فهمها في ضوء هدف الشخص أو الغاية الاجتماعية. ونستطيع أن نعطي مثالا بسيطا (فإذا كانت دولة ما تحولت من النظام الرأسمالي لأخذ طريقا نحو الاشتراكية، فبدأت هذه الدولة بتأميم مصانع وشركات تخص رأسماليين بالدولة، وأعطتهم في المقابل تعويضا ولنقل إنه مقابل المعدات أو ما شابه، سيجد الرأسماليون هذا التعويض غير عادل، ذلك أن معيار العادل بالنسبة لهم يختص بالمكسب والربح الذي كان يحققه الرأسمالي في ظل نظام رأسمالي، وبه يقيم قيمة مشروعه في ضوء أرباح مستقبلية، لكن مع تحول النظام للاشتراكية فبالضرورة لن يحقق تلك الأرباح في نظام الغاية فيه هو تحقيق احتياجات أغلبية المجتمع، وليس الربح، بل قد يتوقف مشروعه تماما، ويحدث عملية تبدل في الاستخدام، وبالتالي فالمنفعة الفردية لمشروع تختلف بنوع النظام العام في الدولة وليست بعيدة عنه).
- إن النظم الاقتصادية كالرأسمالية لم تكن يوما محايدة اتجاه سلوك البشر، والأمر متعلق بدرجة التأثير، ونظرا أن الرأسمالية مستمرة لسنوات وتسيطر على النظام العالمي لذا هي تنخر أكثر فأكثر في سلوك الناس وأخلاقياتهم، تتحول لسرطان، ثم هي تصنع قلاعا شداد تقف حائلا بين الحرية.

في النهاية أقول إن مثل هذه الأفلام أيضا تعبر في الخلفية عن أفكار فلسفية، وهي أفكار طبقت لتثبت كذبها وخطئها، لكن مع هذا يصر على تطبيقها، أنه المنهج (الليبرالي)، الأساس الفلسفي للرأسمالية، الحرية الطبيعية التي اعتبروها حتمية، فيدعون إن عمل كل شخص في المجتمع على تحقيق مصلحته الفردية سيتحقق حتميا صالح المجتمع كله، كل هذا اثبت خطأه حين أثبت عدم حتميته، بل ثبت أن في الواقع لا يحقق إلا قليلا جدا مصلحتهم الفردية في المجتمع ويكون على حساب حرية الأغلبية، ويكونوا بذلك عائقا في طريق حرية الجميع وحرية المجتمع.
(ليس لإلغاء الاستغلال طريق في ظل الرأسمالية إلا بإلغاء النظام الرأسمالي جملة وأن يستبدل به نظام يتميز أساسا بأن مصلحة المجتمع ككل محددة فيه تحديدا واضحا) دكتور عصمت سيف الدولة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عيد الأضحى في ظل حرب السودان.. غياب للمظاهر ونزوح وأزمة اقتص


.. بموازاة الحرب في غزة.. -حرب اقتصادية- إسرائيلية تخنق الضفة ا




.. أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها الأراضي الفلسطينية بعد حرب غزة


.. خسارة تاريخية تنتظر حزب المحافظين في بريطانيا.. والأزمة الاق




.. ما تداعيات حرب غزة اقتصاديا على الأراضي الفلسطينية خلال عيد