الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موقف الكنائس المسيحية من عقوبة الاعدام

ألفى كامل شند

2022 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعنى عقوبة الاعدام تنفيذ القتل على شخص بحكم قضائى لارتكابه جريمة ، باتت فى العقود الاخيرة مثار جدل واسع على تطبيقها من قبل بعض الحكومات دوليا ، حيث تطالب منظمات حقوقية الغاؤها بحجة ان الروح البشرية هبة من الله مقدسة ، ولاتٌقّوم الجريمة بجريمة مماثلة .
موقف المسيحية من عقوبة الاعدام :
تقول الوصية الخامسة من وصايا الله العشر الاساسية فى الاديان الابراهيمية " لاتقتل" على العموم . والسيد المسيح رفض تطبيق عقوبة الاعدام على المرأة الزانية مع ان شريعة موسى قضت رجم الزانية بالحجارة حتى الموت (يو 3 : 8 – 11) من منطلق ان ليس هناك شخص معصوم من الخطأ ، وكل شخص معرض لارتكاب جريمة ، ولاتقوم جريمة بجريمة .
تشير النصوص التاريخية ، ان الكنيسة الاولى لم تطبق عقوبة الاعدام المدنى فى احكامها . فلقد نص القانون الكنسى الذى وضعه اباء الكنيسة فى مجمع انقرة الذى دعا اليه الامبرطور قسطنطين الكبير فى عام 314 ميلادية ، بعد اعلان ميلانو ، الاعتراف بالمسيحية كديانة رسمية للامبراطورية الرومانية ، فى المادة 21 يعاقب من يجهضن الجنين أو يصنعن العقاقير للاجهاض بقضاء عشر سنوات قى التوبة . أما من يقتل متعمدا يحرم من الشركة الكنسية . وليبق مع الراكعين (المحرومين من العشاء الربانى) ولايسمح له بالشركة التامة الا فى اخر حياته . وكانت العقوبة المقررة مدنيا عشرين سنة .
الا ان الكنائس المسيحية ومازال البعض يتقبل عقوبة الإعدام. وحجتهم ان المفهوم الصحيح لموقف المسيح رفض رجم المرأة الزانية ، وقوله للجماهير الذين كانوا يبغون رجمها "من منكم بلا خطية فليرجمها اولا بحجر" ان موقفه ليس رفض العقوبة ، إنما رفض ان يحكم احاد الناس على أخيه ، وتوقيع العقوبة عليه لان ذلك من اختصاص القاضي وحده الذي له انزال العقوبة بعد التحقق ، وتوافر الادلة القاطعة التي تجزم بادانة الشخص المتهم.
كانت الكنيسة الكاثوليكية فى السابق لا تمانع من استخدام عقوبة الإعدام في بعض الحالات ، اتباعًا لكتابات أغسطينوس و توما الأكويني التى ترى عقوبة الإعدام إجراءً رادعًا ضروريًا.
ففى كتابه "مدينة الله" الذى نشر في عام 426 ميلادية ، كتب القديس اغسطينوس في الفصل الأول ما يلي:"نفس السلطة الإلهية التي تحرم قتل الإنسان تضع استثناءات معينة ، كما هو الحال عندما يأذن الله بالقتل بموجب قانون عام ، أو عندما يعطي تفويضًا صريحًا لفرد(الحاكم) لفترة محدودة. يضيف : الوكيل الذي أعدم القتل لا يقتل. إنه أداة كما السيف الذي يقطع به. فشن حرب بأمر من الله ، أو أن يقوم ممثلو السلطة العامة بقتل المجرمين ، وفقًا للقانون" ، ذلك لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع الوصية "لا تقتل". . ويوضح أغسطينوس عبارة يسوع فى انجيل متى "فمن يأخذ بالسيف ، بالسيف يهلك" (منى 26 : 22).
فيقول أنه المقصود به حمله على غير وجه حق، أي بدون سلطان الدولة .
.وكان توما الاكوينى كما ورد فى كتابه "الخلاصة اللاهوتية" من مؤيدى عقوبة الإعدام على أسس النظرية الموجودة في القانون الأخلاقي الطبيعي ، التي مفادها أن الدولة ليس لها الحق فى الاعدام فحسب ، بل من واجبها حماية مواطنيها من الأعداء ، سواء من الداخل أو من الخارج. .. وذهب الى ان الرجال الذين هم في سلطة على الآخرين لا يرتكبون أي خطأ عندما يكافئون الخير ويعاقبون الشر من أجل الحفاظ على الوفاق بين الناس ، وان من الضروري توقيع عقوبات على الأشرار. فالصالح العام أفضل من الخير الخاص لشخص واحد ، مثلما يقوم الطبيب بشكل صحيح ومفيد بقطع عضو مريض إذا كان ضارا للجسم كله . . لذلك ، فإن حاكم دولة يعدم الرجال حتى لا يزعزع سلام الدولة.
استند الاكوينى في موقفه على قول بولس فى رسالة كورنثوس الأولى 5 ، 6: "هل تعلم أن خميرة صغيرة تفسد قطعة العجين بأكملها" وكورنثوس الأولى 5 ، 13: "أبعدوا الشرير من أنفسكم" ؛ رسالة بطرس الأولى 2 ، 13-14: "اخضعوا إذن لكل مخلوق بشري من أجل الله: سواء ليكونوا على الملك على أنه ممتاز ، أو للولاة الذين أرسلهم لعقاب فاعلي الشر ومن أجل مدح الخير". رفض الاكوينى الحجة القائلة بأنه ينبغي السماح للأشرار بالعيش على أمل أن يتوبوا ويخلصون ، واعتبرها حجة تافهة. فاذا لم يتوبوا في وجه الموت ، فمن غير المعقول الافتراض أنهم سيتوبون على الإطلاق. " .
وهو موقف خاطىء ، فبموجب هذه الحجج التى ساقها الاكوينى حكم على البرىء يسوع الناصرى بالصلب وهى عقوبة الاعدام التى كانت سائدة فى ذلك العصر وبحجة انه يفسد الناس ، ويثير الشعب ضد رؤساء الكهنة من اليهود والسلطات الرومانية الحاكمة ، وحكم على عدد من العلماء من قبل الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى بالاعدام ، للأنهم طرحوا نظريات علمية لا تستقيم مع ما ورد فى الكتاب المقدس مع أنه ليس كتابا للعلوم . وهناك من قتل المئات من المسيحيين ، وتاب عن جريمته وصار رسولا للامم (يدعى بولس ) داعيا للمحبة والايمان والرجاء .
موقف الكنائس المسيحية من عقوبة الاعدام :
خلال العصور الوسطى وحتى وقت قريب صنفت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية بشكل عام عقوبة الإعدام "قتل شرعي".
أجاز الكرسي الرسولي البابوى لمحاكم التفتيش تسليم من يناقض تعاليم العقيدة الكاثوليكية إلى السلطات المدنية العلمانية لتنفيذ حكم الإعدام بحقهم، حيث يحظر القانون الكنسي دائمًا على رجال الدين إراقة دماء البشر . كذلك قامت الولايات البابوية بتنفيذ عمليات إعدام بحق مرتكبي مجموعة متنوعة من الجرائم.
وكانت عقوبة الإعدام تطبق فى دولة الفاتيكان بين عامي 1929) - 1969)فى حالة اغتيال البابا فقط، لكنها لم تطبق على الإطلاق حتى أزال البابا فرنسيس هذه العقوبة من القانون الأساسي للفاتيكان .
ولقد تطورت تعاليم الكنيسة الكاثوليكية بشأن عقوبة الإعدام ببطء منذ عهد البابا يوحنا بولس الثاني( 1978 - 12005) . ففى رسالته البابوية بمناسبة عيد الميلاد عام 1998، تمنى "للعالم أن يكون هناك توافق في الآراء بشأن الحاجة إلى اتخاذ تدابير عاجلة وكافية.. لإنهاء عقوبة الإعدام". .ودعا خلفه البابا بنديكتس السادس عشر، في وثيقة نشرت في نوفمبر 2011، قادة المجتمع "إلى بذل كل جهد ممكن للقضاء على عقوبة الإعدام".
وأبدى البابا فرنسيس معارضته للإعدام . فقد كتب إلى رئيس اللجنة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام في مارس 2015 "أن عقوبة الإعدام اليوم غير مقبولة، مهما كانت جريمة المدانين خطيرة ". وأضاف: "أن عقوبة الإعدام تنطوي على معاملة قاسية ولا إنسانية ومهينة وغير مقبولة أبداً ، وان احتمال الخطأ القضائي فيها وارد ، ويمكن تغييرها في ضوء المخاوف الحالية. وأن الكنيسة الكاثوليكية ستعمل على إلغاء تلك العقوبة حول العالم" .
أما الكنائس البروتستانتية ، تتفاوت رؤية أكثر من 700 طائفة يطلق عليها البروتستانتية بشأن عقوبة الاعدام ، فالكنائس التى تتبنى فكر الزعماء الاصلاحيين: مارتن لوثر وجون كالفين لاتمانع تطبيق عقوبة الاعدام ، مع ان مارتن لوثر
أثناء مناظرة "لايبزيغ" الشهيرة قبل حرمه الكنسي ، أدلى بتعليق ينتقد أخلاق حرق الزنادقة حتى الموت التى جرت أثناء محاكم التفتيش ، وكانت هذه العبارة واحدة من العبارات التي تم توجيه اللوم إليه على وجه التحديد.
وتستند الكنائس الاصلاحية فى تأييد عقوبة الاعدام على نصوص من الكتاب المقدس وردت فى سفر التكوين 9:5-6 ورسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 13:3-4 وسفر اللاويين 20: 1-27 كأساس لإباحة تطبيق عقوبة الإعدام .
وترفض الكنائس الأرثوذكسية بمختلف عائلاتها ( البيزنطية والاسكندرية والانطاكية ) عقوبة الاعدام جملة وتفصيلا ، عملا بقرار مجمع انقرة 314 ميلادية ـ وترى أن القتل أمر خاطئ في كل الظروف.
والملاحظان أغلب الكنائس المسيحية الشرقية الموجودة فى ـأنظمة سياسية سلطوية ، تتحفظ على إبداء موقفها صراحة فى امسألة عقوبة الاعجام ، وتستخدم التعبير الدارج "المسيحى مواطن صالح لايحق له المطالبة بتشريع مخالف للقانون الوطنى .
وتبيح اليهودية عقوبة الاعدام ، لكن ألغي تطبيقها فى المجتمعات اليهودية بناء على نصوص من التلمود . ويبيحها الدين الإسلامى ولا يحرمها في حالة القصاص أى قتل القاتل . و ثمة خلاف في الرأي بين أتباع الديانة البوذية فيما يتعلق بما إذا كانت البوذية تحرم عقوبة الإعدام أم لا. على الرغم من أن الوصية الأولى من الوصايا الخمس للبوذية تدور حول الامتناع عن تدمير الحياة.
لذا من المستحيل العاء عثوبة الاعدام العاء ناما . ويمكن التوافق العالمى فى خطوة الغاء العقوبة جزئيا . أن القانون الدولي ينص على أن استخدام عقوبة الإعدام يجب أن يقتصر على الجرائم الأشد خطورة ، ، وبتحديد تعريف عبارة "الاشد خطورة " وقتصرها على القاتل العمد فقط ، يتناسب مع الاجتهاد فى الفكر الاسلامى . ففى الدول التى تعمل بها ، تطبق على نطاق واسع على عديد من التهم االسياسية والدينية والاخلاقية.
وخلال السنوات الماضية صك تحت ضغط من المنظمات الحقوقية عدد من الاليات المناهضة لاستخدام العقوبة ، مثل البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
فى الختام ، يمكن القول ان عقوبة الاعدام ، ليست قضية جدلية دينية فحسب ، إنما تتباين المواقف حولها في كل مذهب دينى أو سياسي أو نسق ثقافي. . وتشير دائما استطلاعات الرأي حتى فى اادول الديمقراطية إلى أن الأغلبية تؤيد تطبيق العقوبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعقيب
على سالم ( 2022 / 4 / 21 - 15:22 )
لاشك ان الكنائس هنا مختلفه فى تطبيق عقوبه الاعدام مابين مؤيد ومعارض مما يدل على ان المسيحيه كعقيده تتخبط فى تفسير الكتاب المقدس مما ينتج عنه بلبله وفوضى فكريه وشك


2 - لا تقتل بجد
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 4 / 23 - 14:15 )
اذا كانت الوصية لا تقتل فماذا عن اوامر القتل بالعهد القديم
الحقيقة انه وبعد بحث الظاهر ان الوصية ليست لا تقتل
وانما لا تغدر او شيء من هذا القبيل
نشكر السيد المترجم الذي
شوش الحقيقة لنا وعلى غيرنا

اخر الافلام

.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها


.. كاهنات في الكنيسة الكاثوليكية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الدكتور قطب سانو يوضح في سؤال مباشر أسباب فوضى الدعاوى في ال


.. تعمير- هل العمارة الإسلامية تصميم محدد أم مفهوم؟ .. المعماري




.. تعمير- معماري/ عصام صفي الدين يوضح متى ظهر وازدهر فن العمارة