الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العيد والقِناع

وديع بكيطة
كاتب وباحث

(Bekkita Ouadie)

2022 / 3 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


إن أعظم الأعياد الدينية عند قبيلة "الدجون" بإفريقيا السوداء هو عيد "سيجي" Sigui وهو يتكرر في نهاية كل ستين عاما، احتفالا بتبديل القناع الأكبر القديم بالقناع الجديد. والقناع الأكبر عندهم هو حامل روح الجد الأول للقبيلة ومؤسسها. وفي هذا الاحتفال يخصصون جماعة من المراهقين حملة الأسرار الدينية والمقدسة، لخدمة هذا القناع وصيانته، والقناع عبارة عن تمثال من الخشب يمثل أفعى هائلة تنتهي برأس دقيقة.
يضحي عندئذ بحيوان وطير، لتنتقل روح تلك الضحايا وتحل في تلك الأفعى الخشبية، فتدب فيها حياة رمزية. وكل قرية لها قناعها الخاص بها. ويلبس المراهقون الذين يشتركون في هذا الاحتفال لباسا مركبا من لباس الأنثى والذكر. وتستمر هذه الأعياد اثنين وعشرين يوما، يقضيها القوم في التنقل والرقص واحتساء الخمر.
والغرض من هذه الاحتفالات أن تغفر خطايا الشباب الذين كانوا سببا في موت جدهم؛ ويهدف بها في الوقت نفسه إلى تجديد الهيئة الاجتماعية بإمدادها بقوى مجددة لحيويتها، وتوثيق عرى الأخوة والاتحاد الروحي بين أبناء القبيلة، باشتراكهم في هذا الشراب، وأما الأقنعة العادية، وهي من خشب لين، فتتخذ أشكالا رمزية معروفة، تمثل الحيوان كـ"الوعل، الأرنب، القرد، الفهد، الطير، أو شخصيات، أو أشكال بيوت...الخ.
تعد هذه الأقنعة أدوات للرقص في الاحتفالات، ويحتفظ بها في مأوى خاص بها، وتتباين نقوشها الرمزية وألوانها وصورها، وتستعمل فيها التربة، والرماد، ودقيق الأرز، وصدأ الحديد، ودم ذبائح الضحية، ويقصد من وراء ذلك الاحتفاظ بالقوى الحيوية للموتى حيةً في تلك الصور، ولهذه الأقنعة محاريب خاصة بها، وتتصل اتصالا وثيقا بالشعائر التي تقام طلباً للخصب أو استسقاء للمطر، ويصحب هذه الاحتفالات رقص في الميدان الكبير أو فوق سطوح المنازل.
يسير موكب الأقنعة حسب نظام مقرر، ويؤدي كل منهم نوعا خاصا من الرقص في الحلبة. والهدف من نحر الذبائح للقربان هو استعادة القوى الحيوية. وكلمة "قربان" في لغة "الدجون" مشتقة من كلمة معناها "إعادة الحياة". فالمرض وارتكاب المحرمات تسبب فقدان بعض تلك القوى، ولا يمكن استعادتها إلا إذا سال دم الضحية وصبغ به المحراب، أو سكب عليه خبيصة مطبوخة من الذرة. وبهذه الوسيلة يستعيد المتعبد تلك القوى التي ضاعت منه، كما تستعيد أسلافه قواها؛ لأن القرابين والضحايا تحدث شراكة روحية بين الأحياء والأموات. والمثل السائر بينهم هو: "إن كل فرد يمنح الجميع ويأخذ من الجميع". (هوبير ديشان. الديانات في أفريقيا السوداء، ص 53-55).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع