الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجهم بن صفوان……. طروس في زوايا قباء مظلم

ظافر اكرم قدوري

2022 / 3 / 10
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الجهم بن صفوان……. طروس في زوايا قباء مظلم
( ‏وأن لم يكن جهم معتزليا فقد كان موحدا) ابن الريوندي
( الجهم : ‏أن لي أمان من ابنك.
سلم بن احوز : ‏ما كان له أن يؤمنك ولو فعل ما أمنتك ولو ملأت هذه الملأة كواكب ، وأنزلت إلي عيسى ابن مريم ما نجوت ، والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى اقتلك.)
من نص الحوار الاخير الذي دار بين جهم بن صفوان (صاحب الجهمية ) وقاتله سلم بن احوز المازني ، بهذه العبارات انتهت حياة الجهم . وهو الذي اخفي الكثير من تاريخه او تعرض للتشويه كما كان من قبله الجعد بن درهم ، وانت تقرأ تاريخ الجهم بن صفوان المتناثربين صفحات التاريخ ورواياته لتعثر بين ذلك الركام المخفي على رجل لا يعرف له تاريخ لمولده حاله حال الكثيرمن رجالات التاريخ والفكر عند ولادتهم لكن بعض الروايات ترجح ان ولادته ربما كانت في النصف الثاني من القرن الاول الهجري وكما اختلف في تاريخ ولادته اختلف كذلك في مكان ولادته فبين بلخ وترمذ تعددت الروايات وكذلك الاختلاف .لكن ما لا يمكن تجاوزه رحلته الى الكوفة والتي على ما يبدو طبعت في ذهنه الكثير من ملامح تفكيره فقد التقى بابي حنيفة ( ت150 هجرية ) مؤسس المذهب الحنفي ، وصاحب مدرسة الراي في العراق وبين بيئة الجهم القادم من سمرقند حيث ارث الساسانيين والزرادشتيين والمانوية ، وبين حوارات في الكوفة تجسدت في لقائه مع ابي حنيفة تشكلت تلك العقلية التي نشر فكرها في ترمذ المدينة التي ذاع صيت مناظراته فيها ، وقد قادت تلك المناظرات الى نفيه منها بعد ان زرع بذور التفكير المعتزلي قبل حتى ظهور المعتزلة ، وهو ما دعى ابن القيم الجوزية (ت 751 هجرية ) ان يسعر حربه ضد الجهم مع ما بين الاثنين من الدهر الدهير والسنوات الطوال (افيظن اافراخ المعتزلة ومخانيث الجهمية ومقلدوا اليونان ان يضعوا لواء رفعه الله تعالى ) رغم ان الجهم كان قد قتل عام (126هجرية ) بحد السيف كان ذلك الصراع الفكري المستعر الذي كانت نيرانه تخبو حينا وتعود حينا اخر ومثل الجهم هذه الشخصية التي جمعت الاضداد في توجهه وتفكيره ، فبين مثبت للقدر وبين ايمانه بالجبرية بشكل مطلق ، وبين نفيه للصفات وقوله بخلق القران _ وهي ذات الافكار التي نادى بها المعتزلة بين كل هذا كان جهم قد اثار فكرا جديدا ربما كان الرجل يتخفى حينها من قبضة الامويين وملاحقتهم لخصومهم في السياسة والفكر .
وانت تبحث في مخلفات الافكار التي انتجها الجهم لتسرح في خيالك بعيدا لتصل الى انه وان لم يكن في عصر الاعتزال _ ظهور المعتزلة وتشكلهم تاريخيا _ الا انه احد اركانه المهمين بل وربما المؤسسين له الا ان المعتزلة اداروا للجهم ظهر المجن وانكروا فضله في فكرهم . وعدوه خارج الاعتزال رغم انه اعطى للعقل دوره الاول في الحوار وصولا الى الاقناع ويظهر هذا في مناظراته مع احدى الطوائف الدينية التي كانت في الهند ( السمنية ) والتي يبدو انها تركت فيه اثرا لا ينسى فقد تعرضوا للذات الالهية وهم يحاورون الجهم حتى اعياه الجواب اول الامر فترك الصلاة اربعين يوما ( لا اصلي حتى يثبت لي لمن اصلي ) والمناضرة موجودة في كتب التاريخ وروايات مؤرخي الفرق الاسلامية ، وهي تنتهي بانتصار الجهم . ولو ان ذلك النصر اشارت اليه رواية القاضي عبد الجبار المعتزلي بانه ما كان ليتم لولا تدخل واصل بن عطاء مؤسس الاعتزال الاول حيث كان الاعتزال على مدارج تاسيسه وهو يخوض في ( المنزلة بين المنزلتين ) .
ترك ذلك الصراع الكثير من العقول في حيرة بين ما تركه الجهم من افكار وبين منتقديه _ ابن القيم الجوزية وغيره _ ورغم ان الجهم كان مغرقا في جبريته وهو القائل ( لا فاعل الا الله تعالى ) ( وان العباد مضطرون الى انواع تصرفهم كما يضطر الريح الى حركاتهم ولم يثبتوا كسبا ولا استطاعة ) وربما لهذه الجبرية المغرقة حد النخاع عند الجهم سببا وراء ترك المعتزلة ذكره في طبقاتهم وهم المؤمنون بحرية الارادة .انتهى الجهم صريعا بسبب صراع سياسي عسكري مع الامويين لكن تلك القتلة لم تكن بعيدة عن الافكار التي حملها ونادى بها الجهم ، فما دار في نفس سلم بن احوز ظهر يتردد على لسانه في ذلك الحوار الذي تطرقنا اليه في اول المقال واذا ما قرنا بين هذا الافتراض ورسالة الخليفة الاموي هشام بن عبد الملك ( 105_ 125 هجرية ) الى سلم بن احوز التي يامر فيها الاخير ان يقتل جهما حيثما لقيه ، واذا ما عرفنا ان هشام توفي قبل ان يقتل الجهم بن صفوان تيقنا ان لمقتله غاية اخرى غير اشتراكه في الثورة على الامويين .
رحل الجهم صريعا بسيوف السياسة ورجالات السلطة التي افنت عقولا وفكرا في سوح الصراع اللامتناهي بين القديم والجديد بتجدد الحياة ، انها ازلية الحياة ( فالميت يمسك بتلابيب الحي ) وسيف عنترة بن شداد لن يقوى امام البندقية رغم ان ذاك السيف كان مضربا للامثال على مر عصور التاريخ ، نهاية الجهم كانت بداية عصر ظهور الجهمية ، القى الجهم حجرا في بركة راكدة بقى ترددها ازمانا وعهودا وسيبقى بقاء الخالدين في ذكرى مراحل التاريخ احدث ضجيجا خرج من ذلك القباء المظلم الذي دفن فيه فكره
( ولا تحسبن المجد زقا وقينة _ فما المجد الا السيف والفتكة البكر
وتضريب اعناق الملوك وان ترى _ لك الهبوات السود والعسكر المجر
وتركك في الدنيا دويا كانما _ تداول سمع المرء انمله العشر ) المتنبي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي
ابو ازهر الشامي ( 2022 / 5 / 6 - 20:44 )
الجهم نسب اليه القول بالجبر
رغم ان هذه التهمة غير منطقية
ولا دليل عليها
الا انها قد تكون السبب في ادارة المعتزلة الظهر له

اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة