الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصير القضية الكوردية خلال الصراع الأوروبي

محمود عباس

2022 / 3 / 11
القضية الكردية


أحد جوانب الاختلاف بيننا ككورد والأوكرانيين هي مدى معرفة واستخدام اللغة السياسية، وقد تبينت من خلال الاهتمام الدولي بالقضيتين.
سذاجتنا هذه رغم غنى جغرافيتنا أدت إلى الإهمال الدولي بقضيتنا، بعكس ما حصل في أوكرانيا، لكن الوجهين المتناقضين لم تنقذهما من المآسي والكوارث.
لا نلوم بجوانبها بقدر ما تدركها النخبة السياسية الأوكرانية، بعكسهم نبحث عن أصدقاء دائمين يفضلون القيم والأخلاق، والتعامل بمنطق العاطفة على المصالح في عالم السياسة، بعكس الأوكرانيين الذين استخدموها بخباثتها، لكنها مع ذلك أسقطتهم في مستنقع المصالح الدولية. فهل هناك مفاهيم مخفية في هذا التناقض الغريب، عصية على كلا الطرفين معرفتها؟ وهل البحث فيها، تحتاج إلى أدوات خاصة تمكنهم من دخول الأروقة الدبلوماسية والسياسية؟
أين كانت الأسباب، كلينا من الضحايا العديدة المعانية من صراع القوى العظمى، فضياع مصالحهم مع استمرار حالة الحرب الباردة، تدفعهم لترجيح نزعة استخدام الحروب الساخنة لبلوغ مآربهم، رغم إدراكهم التام أنه انتحار على كل الأصعدة، والطفرات الناتجة عنها، من التطور الناتج على رفات الملايين من البشر، إلى تغيير الجغرافيات السياسية، وهجرات الشعوب من أماكنها، وما ترافقها من المآسي والكوارث، والتي ترسخ كوصمة عار على جبين الإنسانية، لا تعطي للأجيال اللاحقة دروسا بعدم تكرارها، وكأن للجريمة جينة؛ مغروزة في الإنسان منذ الخليقة، ولا يمكن تلطيفها مهما رقيت ثقافة الشعوب، بل هي أكثر عنفا في عالم السياسة.
1- أهمية كوردستان:
فكما نعلم كوردستان كجغرافية من أحد اهم مسارح الحروب الكارثية طوال القرون الماضية، ولا يستبعد، أن تجلب ثانية أنتباه القوى المتخاصمة، أمريكا وروسيا، وتدرج بين المناطق التي سيتم التحاور عليها، وحيث بدايات ظهور القطبين، وريما أقطاب تبحث عن مناطق نفوذ.
فهي وعلى خلفية غنى جغرافيتها بالطاقة، ستكون ضمن التقاطعات الإستراتيجية الدولية والإقليمية، خاصة بعدما ظهرت التحركات الدبلوماسية الأمريكية من أجل تأمين مصادر بديلة عن النفط الروسي، وكانت فنزويلا القبلة الأولى، علما أنها من بين الدول الدارجة ضمن الحصار الأمريكي، وتعرف كدولة معادية، مع ذلك أرسلت وفد رفيع المستوى، ليتم الاتفاق على فتح أبواب استيراد وتصدير الطاقة، وللتغطية قبلت فنزويلا أطلاق سراح بعض حاملي الجنسية المشتركة من سجونها.
الخطوة رجحت احتماليين، في مسار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، إما تصعيد الاهتمام بالكورد وقضيتهم للضغط على الدول المحتلة لها ومن بينها إيران فيما لو رفضت شروطها في جنيف، أو ظهور نتائج غير متوقعة من المباحثات الأمريكية الإيرانية، كإزالة الحظر على صادراتها النفطية، بل وقد تكون أمريكا من أوائل مستورديها. أدى الاحتمال الأخير إلى تحرك اقتصادي-دبلوماسي على مستوى المنطقة:
الأول، رضخت الإمارات والسعودية على رفع سقف أتناجهما من النفط، وبالتالي تم خفض سعرها عالميا، وزيادة الإنتاج هي لتلبية احتياجات أمريكا وأوروبا، المتوقعة حدوثها من الحظر على النفط الروسي.
الثانية، التحرك الإسرائيلي، وبضغط ما فتحت الأبواب بينها وبين تركيا، ولقاء بين إسرائيل وروسيا، حتى ولو كانت تدرج كعمل دبلوماسي يخص الصراع الروسي الأوكراني، لكن في بعد ما كانت على خلفية الحد من العداء الإيراني لها في حال عودتها إلى مسرح الصراع بقوة اقتصادية.
وفي هذا الخضم المتلاطم من التغيرات السياسية، والإستراتيجيات الجديدة، سيضعون كوردستان، على مائدة مصالحهم، والنتائج ستكون مرتبطة بمدى قدرة الدول المحتلة لها تأمين مصالح الدول الكبرى.
2- الدور التركي:
فعلى الأرجح، تركيا ستعمل الكثير من أجل رأب الصدع بينها وبين الناتو وأمريكا، مع عدم قطع التقارب مع روسيا، وبالتالي ستكون المعادلة الكوردية ضمن جدلية التوازن التركي بين القوتين، وقدرتها في الحفاظ على تطورها الاقتصادي المرتبط وبقوة بمساعدات الشركات الرأسمالية العالمية.
فهل هذا الموقف سيؤثر على مصالح الدولتين الكبريين، وإن كان فهل سيستخدمون القضية الكوردية، كأحد الأدوات الممكنة استخدامها ضد تركيا، علما أن أنظمتها المتعاقبة نجحت طوال القرن الماضي في الحفاظ على مصالح الدول الكبرى بحيث لم تحتاج أي منهم على استخدام الورقة الكوردية، وحزب العدالة والتنمية لا تقل عن سابقاتها خباثة إن لم يكن أحنكهم في هذا البعد، أي عمليا، القضية الكوردية أمام مسيرة إهمال أبشع من الماضي. والسؤال هنا: الحراك الكوردي أحنك من الماضي وستتمكن من التأثير على مصالح العلاقات الدولية؟
3- وفي البعد الإيراني:
لا نتوقع أن تتجرأ إسرائيل في استخدام الأداة الكوردية ضدها، لكن في حال التعنت الإيراني مع أمريكا، من الممكن أن تستخدمها أمريكا، علماً أن النظام الإيراني أكثر حذقا، فهي لم تقف مع روسيا في هيئة الأمم، وقد كانت خطوة سياسية ناجحة لمصالحها، فقد وضعت احتمالية الموافقة الأمريكية على بعض من شروطها في جنيف بالاعتبار، بعدما تم إبعاد روسيا من المعادلة. وهي بهذا تحجم من تأثير إسرائيل على مواقف روسيا وأمريكا، وإبقائها مرعوبة من التمدد الإيراني. وبالتالي فإن مصير القضية الكوردية في إيران لن تكون خارج معادلة الإهمال شبه المطلق في الساحات الدولية.
4- قادم الإقليم الفيدرالي الكردستاني:
ولربما في حال تم الاتفاق على بنود في جنيف، ستكون لها تبعاتها السلبية على قادم الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، ولا يستبعد أن تزيد بغداد والمكون الشيعي من هيمنتهم، كالحد من تصديرها للنفط على سبيل المثال، وإلغاء المادة 140 كليا، وغيرها من الخطوات لإضعافها كإقليم فيدرالي، وإعادتها إلى نظام مشابه لنظام المحافظات، علما أن هذه الجدلية فيها بعض الصعوبة من البعد الدولي، لكونه نظام معترف في هيئة الأمم، لكن من جهة أخرى شاهدنا كيف أن هذه الهيئة تتغير تحت الضغوطات الدولية.
وبالتالي يتوجب على حكومة الإقليم لمواجهة القادم، تقوية الداخل الكوردستاني وتنقيتها، في البعدين الإداري والعلاقات الداخلية، وفتح الأبواب مع كل القوى الكوردية والكوردستانية، أي أن تستند على الذات الكوردستانية لإقناع القوى الكبرى وخاصة أمريكا، بأنها بالإمكان، ولها القدرة في الحفاظ على مصالحها ضمن المنطقة.
5- وبالتأكيد، غرب كوردستان:
ومصيرها، مدرجة ضمن المعادلات الدولية هذه، وخاصة بين روسيا وأمريكا، اللتين كانا على أتفاق ما، بتوزيع الملفات السورية فيما بينهم، حتى قبل الحرب الجارية، ورغم استمرارية تبادل المعلومات العسكرية بينهما، إلا أن قادمها ومصير سوريا، والطموح الروسي بالسيطرة على جغرافيتها وخيراتها النفطية ستتصاعد خاصة بعدما يتزايد نزيفها الاقتصادي مع تضييق الحصار وتفاقم مصاريف الحرب في أوكرانيا.
وشرق الفرات، بل وربما عفرين من بين مخططات روسيا القادمة، فإما بإقناع قسد والإدارة الذاتية في فتح الحوارات مع النظام، وبالمقابل سيتم الاعتراف بها كمنطقة، كما يقدمونها، إدارة ذاتية تابعة للسلطة المركزية، خاصة وأن مؤسسات السلطة بكل فروعها العسكرية والإدارية والاقتصادية موجودة، فقط ستحتاج إلى ضمانة روسية.
لكن ستكون بهذه الخطوة قد أدرجت المنطقة ضمن الجغرافيات التي سيتم فيها استنزاف قوتها من قبل أمريكا وحلفائها، وقد تشترك فيها تركيا، للحفاظ على طموحاتها في شمال سوريا، بعدما أصبحت بعض من مناطق عفرين تدار كمقاطعة تركية تحت أسم المعارضة.
6- الحلول الممكنة:
أمام الإدارة الذاتية ومعها الحراك الكوردي عامة، لإنقاذ ذاتها من التهميش أو الزوال، هي:
1- طرح النظام الفيدرالي ضمن سوريا الفيدرالية اللا مركزية، وبها ستكون قد فرضت ذاتها على روسيا والنظام والمعارضة وتركيا معاً، ووضعتهم في مواجهة مباشرة مع أمريكا وأوروبا، لأنها ستحصل على الدعم الأمريكي، والمتوقع أنها لن تغادر المنطقة، ما دام الصراع مستمرا في أوروبا، وما كان يتم الحديث فيه حول سحبها لقواتها من الشرق الأوسط أصبحت جدلية مشكوكة فيها ضمن الأروقة السياسة الأمريكية، ومن قبل الحزبين معاً.
2- فتح كل الأبواب الممكنة مع حكومة الإقليم الفيدرالي الكوردستاني، ومن ثم قبول معظم أطراف الحراك الكوردي في غرب كوردستان، كالعمل ضمن الإدارة إلى حرية العمل السياسي والثقافي، بغض النظر عن الخلافات الإيديولوجية والحزبية.

7- من أوجه المقارنة بين كوردستان وأوكرانيا:
فمن حيث جدلية المصالح الدولية، الشعبين الأوكراني والكوردستاني، يتذوقون مراراتها حتى ولو كانت على سويات مختلفة وأوجه متنوعة، والتي أدت إلى ما قاله فلاديمير بوتين بحق القومية الأوكرانية وجغرافيتها في صباح الهجوم الروسي، والتي لم تختلف عما تبديه الأنظمة المحتلة لكوردستان تجاه الشعب الكوردي ورؤيتهم وحول تقسيم كوردستان والتبريرات المطروحة تحت مظلة الأوطان الافتراضية. ففي الأولى بني الإنكار على موقف سياسي مفاجئ، وفي الثانية تعكس مرحلة طويلة من الشوفينية، لا يفصل بين الموقفين، إلا قدر الشعبين والتفاوت الهائل بينهما كوطن وتاريخ، ومدارك الأوكرانيين مقارنة بالكورد الغارقون في الضحالة المعرفية أو عدم فهم للغة السياسة، والسذاجة في الساحات الدولية، إلى حد إثارة العجب، المرافق لتعجبنا من إهمال الدول الكبرى لقضيتنا.
فنتناسى أو لا يدرك معظمنا، أن الدول، أصدقاء وأعداء في نفس الزمن وعلى ساحات مختلفة، والتي تشوبها التناقضات غير المفهومة لدينا، كالعلاقات الروسية التركية، الأوروبية الروسية، والروسية الأمريكية؛ ما بين إدارتي ترمب وبايدن، وعلاقاتهما مع دول الشرق الأوسط، والأمريكية مع معظم دول العالم، والتي تتعامل مع الجميع من منطق الإمبراطورية، ومثلها الموقف الصيني من الصراع الدائر بين أوروبا وروسيا، واحتمالات ظهور أقطاب في العالم وليس قطبين كما في زمن الحرب الباردة الماضية.
فلماذا لا تعي وتتعلم اطراف الحراك الكوري والكوردستاني، والإدارات الكوردية، شيء من هذه المنطق، والجدلية السياسية هذه؟ والتي بدونها قضيتنا والإدارتين ستظل أمام مصير مظلم مرعب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جدل على وسائل التواصل بعد اعتقال عارضة الأزياء اليمنية خلود


.. المحكمة الجنائية الدولية تدين زعيما مرتبطا بتنظيم القاعدة با




.. -العربية- في مخيمات النازحين الأيزيديين بالعراق.. موجات حارة


.. ما مدى خشية تل أبيب من إصدار المحكمة قرار باعتقال نتنياهو وغ




.. الجزء الثاني - أخبار الصباح | الأمم المتحدة تعلق مساعداتها إ