الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيخ طنطاوي … البابا شنودة … ذكرى طيبة

فاطمة ناعوت

2022 / 3 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


Facebook: @NaootOfficial

في مثل هذه الأيام على أبواب "الربيع"، غادرنا شيخان جليلان، تاركيْن لنا أرضَ “الخريف”. ربما لأن كلاًّ منهما كان "ربيعًا" في حقله، وبردًا وسلامًا على أبناء وطنه. في هذا الأسبوع من شهر مارس نتذكر رمزين عظيمين جمع بينهما ربيعُ الرحيل، مثلما جمعت بينهما الوطنيةُ والحكمةُ والنبلُ والتحضّر؛ فكانا ويظلان رمزين دينيين وطنيين خالدين في ذاكرة مصر والمصريين. يوم 10 مارس 2010، غادرنا الشيخُ الدكتور “محمد سيد طنطاوي"، الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، وأستاذ أصول الدين. ويوم 17 مارس 2012، غادرنا قداسةُ البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
أتذكّرُ خبرًا قديمًا قرأته في "دوتش ڤيله" الألمانية يقول إن أحد الآباء الكاثوليك في كنيسة ألمانية أطلق حملة تبرعات بين روّاد الكنيسة للمساهمة في بناء مسجد بمدينة كولونيا بألمانيا. وقف القسُّ الألماني "فرانس مويرر" أمام مذبح كنيسة سان تيودور، يحثُّ المُصلين الكاثوليك على تقديم هدية رمزية لأشقائهم المسلمين الذين يعيشون معهم في المدينة ويبلغ عددهم حوالي65000 مسلم. وخرجت تصميماتٌ هندسية بديعة لمسجد شاهق سيكون الأكبر والأبهى في ألمانيا، تسمو مئذنته نحو السماء بارتفاع 55 مترًا. واستجاب الألمانُ وبدأت حملة تبرّعات موسّعة. لكن حادثًا إرهابيًّا خسيسًا أجهض الحلم الطيب. الشرُّ يقتلُ الخير.
وتذكَّرتُ مصريًّا نبيلا كان على نفس القدر من تحضّر ذلك القسّ الألماني. عام 2009 أقرَّ الإمام الأكبر د. "محمد سيد طنطاوي"، بجواز تبرّع المسلم بالمال لبناء كنيسة، لأن الكنيسةَ دارٌ للعبادة لها قداستها واحترامها وطهارتها؛ وأكّد أن الشرع لا يمنع المسلمَ من بناء كنيسة. ثم دعا اللهَ أن يرزق "المنحرفين" فكريًّا الهدى والمحبة.
ونتذكّرُ مصريًّا نبيلا آخر هو قداسة البابا شنودة الذي قال: “أبذلُ عمري من أجل مصريٍّ مسلم، مثلما أبذلُه لأجل مصريٍّ مسيحيّ. وإن كانت أمريكا ستحمي كنائسنا، فلتحترق الكنائسُ، ولتحيا مصرُ حرّةً. ولن أسافر إلى القدس حاجًّا، إلا ويدي في يد شيخ الأزهر، بعدما تتحرر." كان البابا شنودة رحمه الله رجلاً وطنيًّا عاشقًا لمصر شأن جميع باباوات مصر، وهذه نعمةٌ من نعم الله علينا. أحب البابا شنودة بلاده وتحمّل الكثيرَ من أجل استقرارها ووحدة صفّها. ترفّع عن الصغارات والدنايا. فلم يغضب يومًا من بذاءات يُطلقها في حقّه متطرفون فارغو العقل فقيرو الروح. وكان يمنع شعبه من الغضب لأبيهم الروحي ورمزهم الدينيّ. حتى حين كان ينفجرُ الأمرُ بإحراق كنيسة أو قتل مسيحيين كان يردد على مسامع شعبه قولته: "كلّه للخير، مسيرها تنتهي، ربنا موجود." ثم يُصليّ للمسيئين طالبًا من الله ألا يُقيم عليهم خطاياهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. حملَ مصرَ في قلبه لأنه أجاد قراءتها خلال دراسته تاريخَ مصرَ الفرعونيّ والقبطيّ والإسلاميّ، ثم التاريخ الحديث. وكان يحثُّ أبناءه على دراسة التاريخ قائلاً إن المعرفة لا تكتمل بغير الخبرة. والخبرةُ لا تتكوّن من تجارب الإنسان وحسب، بل من تجارب الآخرين كذلك. وهو ما يحدث بتأمل التاريخ بما يحمل من خبرات السالفين، مردّدًا البيت الشعري: "مَن وعى التاريخَ في صدره/ أضافَ أعمارًا إلى عمره." عمل البابا شنودة على بناء كنائسَ قبطية للمصريين في المهجر؛ حتى لا تذوبَ هُويتُهم المصريةُ القبطية في هويات مهاجرهم الغربية التي يعيشون فيها. فكأنما بهذا يمدُّ خيوطَ المواطَنة بين أبنائه وبين وطنهم مصر، فلا يبرحونها مهما طالت تلك الخيوط وتشعّبت وتشتتت في أرجاء الأرض. وحينما تعالت بعضُ الأصوات المتطرفة بدعوة أمريكا لحماية الكنائس المصرية التي عمل الإخوان والإرهابيون على إحراقها، قال البابا شنودة: "إن كانت أمريكا ستحمي الكنائس في مصرَ، فليَمُت الاقباطُ وتحيا مصر." لم يعش قداسةُ البابا شنودة ليشهد لحظة طيبة مَنَّ اللهُ فيها علينا برئيس متحضر يحمي الكنائسَ المصرية ويُشيّدها مثلما يشيّد مساجدنا في "الجمهورية الجديدة"، لكنني على ثقة من أنه يرى "مصر اليوم" ويطيبُ قلبُه بما صنع الرئيس السيسي.
الشيخ طنطاوي والبابا شنودة كلاهما كان بشوشَ الوجه بتلك النظرة الطيبة المطمئنة التي تشي بقلب يحمل نور الله، وعينين تشرق فيهما روحُ السلام. سُرَّ مَن نظرَ إليهما. كلاهما كان يكره العنفَ والدماء، ويدعو للتآخي والمحبة بين الناس كافة. كلاهما كان حلو اللسان؛ لم نسمع من أيهما كلمةً جارحة، مما تعجُّ به ألسنُ أدعياء الدين. إلى جوار رسالة كلّ منهما الدعوية، كان مشروعُ كلٍّ منهما يكرِّس الوحدةَ الوطنية ونبذ الفتن العقدية والطائفية، حمانا اللهُ من ويلاتها. رحمَ اللهُ الشيخين الجليلين وطيّب ذكراهما. "الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن”.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 145-An-Nisa


.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال




.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟


.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى




.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت