الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ الجامعي وإشكالية الولاء الوطني !

ثامر عباس

2022 / 3 / 17
التربية والتعليم والبحث العلمي





في ظل دولة تنازلت عن سلطتها للجماعات الطائفية وتخلت عن قوانينها للأعراف القبلية ، يغدو الخروج على كل ما يتعلق بالقيم الوطنية ، والتنصل من الروابط الاجتماعية ، والتحلل من الضوابط الأخلاقية مباحا"للجميع ، باستثناء المساس بمصالح تلك الطوائف والقبائل حتى ولو بالكلام الصريح أو المبطن ، فذلك يعني الاقتراب من منطقة الممنوعات والمحظورات والمحرمات ، التي من شأنها أن تورد صاحبها موارد التهلكة ! . وهو الأمر الذي يفضي بكل من يمتلك شعورا"وطنيا"ووازعا"أخلاقيا"ودافعا"إنسانيا"، الانزواء والركون إلى الصمت وتجنب الوقوع في المشاكل وإيثار فضيلة السلامة ، حتى ولو أدرك أن الساكت عن الحق شيطان أخرس ! .
وعلى قدر ما تعرض الأستاذة الجامعيين إلى الانتقادات والتعليقات – وأنا أحد الذين ساهموا بهذا النقد – على خلفية تورط البعض منهم بمواقف وسلوكيات لا تنسجم بتاتا"مع عظم رسالتهم وسمو مكانتهم وخطورة وظيفتهم ، بقدر ما أخضعوا للكثير من النواهي والمكاره التي قللت من شأنهم الاعتباري ، وقلصت من دورهم التربوي ، وأضعفت من تأثيرهم التنويري . وبما إن المصالح الوطنية العليا تتقاطع مع الأطماع الفئوية والحزبية السفلى ، فان الأستاذ الجامعي المسكون بالروح الوطنية والمهجوس بالهموم الاجتماعية ، والذي يحاول قدر المستطاع وضع امتيازات تحصيله العلمي واكتسابه المعرفي في خدمة القضايا العامة بدلا"من الخاصة ، لابد أن يعرّض نفسه لمكابدات ومعاناة (محنة) كون ولاؤه مظهّر لغايات وطنية / عراقية ، وليس لأحزاب عنصرية أو تكتلات طائفية أو تجمعات عشائرية . لاسيما وان مآرب هذه الأخيرة وأطماعها يدفعها للنظر إلى سلك التعليم الجامعي بمثابة المدخل لولوج أتباعها ومريديها (المؤدلجين) إلى عالم الامتيازات السياسة والاقتصادية ، بصرف النظر عن شروط الاستحقاق الدراسي والتفوق العلمي والولاء الوطني .
وحيث إن الدولة العراقية الكسيحة فوّضت مقدرات سلطتها واعتبارات هيبتها ، إلى تلك الأحزاب والتكتلات والتجمعات بحسب نظام المحاصصة العنصرية والطائفية ، الأمر الذي يجعلها صاحبة اليد الطولى والمقام المعلى ؛ لا في فرض من تريد من أتباعها للانخراط في التعليم الجامعي وإكمال أشواط نيلهم الشهادات العليا (ماجستير ودكتوراه) فحسب ، وإنما – وهنا الكارثة – إلزام العمادات على تأمين قبولهم وضمان استيعابهم بصرف النظر عن الكم والكيف ، حتى وان كانوا يفتقرون للحد الأدنى من الضوابط العلمية والشروط المعرفية المنصوص عليها في الأنظمة والقوانين ، وإلاّ فالويل لمن يبدي تحفظاته من الأستاذة على مثل هذه المهازل . إذ انه سيكون موضع شك وريبة لا يحسد عليهما ، لاسيما ما قد يترتب على ذلك من عواقب إن من حيث تقليص مسؤولياته ، أو تجريده من صلاحياته ، أو حرمانه من امتيازاته ، أو الحجر على مساهماته . وهكذا فهو أمام خيارين أحلاهما مرّ ؛ إما الرضوخ الإجباري والتعاطي مع هذه الحالات بلا امتعاض أو اعتراض ، أو التضحية بمبادئه وخسارة وظيفته والتفريط بامتيازاته ! . فهل هناك محنة أشدّ قسوة يمكن أن يمر بها إنسان ، لمجرد انحيازه الوطني وتمسكه باعتبارات شرف المهنة وأخلاقياتها ؟! .
والحقيقة إن ظاهرتي سوء الظن ب (وطنية) الأستاذ الجامعي العراقي ، فضلا"عن الطعن بجدارته العلمية ، لم تأتيان من الفراغ أو تنبعثان من العدم ، وإنما هي حصيلة تاريخ ونتيجة تجربة . فمنذ أمد بعيد ، كانت النخب (الدينية والثقافية) التي تبني لها علاقة مع رموز السلطة ، سواء عبر مبدأ (التخادم) بين السلطتين السياسية والمعرفية من جهة ، أو من خلال مبدأ (التقاسم) للأدوار والمنافع بينهما ، محل شك وازدراء من لدن جمهور (العامة) المضطهد والمستغل ، بالإضافة إلى البعض من جمهور (الخاصة) المبعدون عن دوائر الضوء والتأثير ، والمحرومون من العوائد المالية والموائد السلطانية التي غالبا"ما تلجأ إليها السلطات أمعانا" منها في إجراءات الإقصاء والتهميش : إما لأسباب سياسية تتعلق بضعف الانتماء للسلطة والولاء للدولة ، وإما لدوافع ترتبط بالاختلافات القومية / العنصرية ، والدينية / الطائفية ، والقبلية / العشائرية .
ولعلنا لا نذهب بعيدا"حين نعمد إلى الاستشهاد بتجربة السلطات العراقية حيال مواقفها من الأستاذ الجامعي ، سواء في زمن النظام السابق أو زمن النظام الحالي – لجهة تأطير انتمائه الحزبي وتظهير ولائه السياسي . إذ لم تكن (الوجاهة الاعتبارية) التي يحظى بها الأستاذ الجامعي تتأتى له بناء على قدراته العلمية ومساهماته المعرفية وخياراته الوطنية ، وإنما على أساس درجة ارتباطه بحزب السلطة الحاكمة ، ومستوى تمثيله لمصالح الجماعة المسيطرة . ولآن جميع الأنظمة السياسية التي توالت على حكم العراق ، كانت الدوافع الأصولية (الأولية) ، هي ما يحدد مواقفها ويؤطر إجراءاتها ويرسم سياساتها ، ليس فقط إزاء الأفراد والجماعات ممن ينتهجون نهج (المعارضة) السياسية و(المناكفة) الإيديولوجية فحسب ، وإنما حيال الأفراد والجماعات الذين يتبنون مواقف (الموالاة) في الحالة الأولى و(المماهاة) في الحالة الثانية أيضا"، وذلك من منطلق ضمان أمنها وتركيز سلطتها وديمومة بقائها .
ولأن أية سلطة سياسية لا تقوم لها قائمة من دون رصيد معقول من (الشرعية) الوطنية ، فهي بحاجة ماسة دائما"لتعزيز مظاهرها وتوفير عواملها ، ليس فقط عن طريق (القوة الخشنة) فحسب , بل وكذلك عن طريق (القوة الناعمة) التي تتمثل بمصادر (الثقافة) و(المعرفة) ، حيث يعتبر الأستاذ الجامعي أحد أبرز تلك المصادر وأهمها . ولذلك تبقى تلك السلطات حريصة كل الحرص على استقطاب واستيعاب جل عناصر هذه الشريحة (النخبوية) ، لاستثمار طاقاتها وتوظيف مهاراتها في هذا المجال الحيوي ، مع السعي لاستمالتها نحو تغليب انتمائها الفرعي وتفضيل ولائها التحتي . من هنا تبدأ إشكالية الأستاذ الجامعي بالتكون والتنامي ؛ (طرديا") مع محاولاته النأي عن تأثيرات وإغراءات السلطة الحاكمة من جهة ، و(عكسيا") مع محاولات تلميع صورته وتسليع خطابه أمام جمهور فاقد لثقته وزاهد بوجاهته ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خامنئي و الرئيس الإيراني .. من يسيطر فعليا على الدولة؟ | الأ


.. مناظرة بايدن-ترامب .. ما الدروس المستخلصة ؟ • فرانس 24 / FRA




.. #فرنسا...إلى أين؟ | #سوشال_سكاي


.. المناظرة الأولى بين بايدن وترامب.. الديمقراطيون الخاسر الأكب




.. خامنئي يدعو الإيرانيين لمشاركة أكبر بالانتخابات | #غرفة_الأخ