الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مداخلة حول - المثقف والسلطة-

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2022 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ورقة مداخلتي في الحلقة النقاشية حول كتاب "المثقف والسلطة"
للكاتب والمفكر " إدوارد سعيد" في منتدى " التجمع العربي للتنوير"
------------------------------------------------------------------------------
الحق أنني لم أكنْ قد قرأت هذا المُنجز الفكري الثَرّ من قبل، لكنْ الآن، بعد أن أنهيت قراءتي الأولى له، ثم هذا العرض الشيّق، والتلخيص الوافي للأستاذ في قسم الفلسفة في جامعة عين شمس ، الصديق والتنويري الرائع د.حسين علي، أصبح بإمكاني القول - نوعاً ما - أنني قد اطلعتُ عليه جيداً، وربّما بشكلٍ كافٍ و وافٍ.
في البداية استطيع أن أقول أنّ كتاب "المثقف والسلطة" شكّلَ خطوة هامة في مناحي عاقليتي، حيث ساعدني هذا العرض الشامل في الإطلاع جيداً على مرامي هذا الكتاب الهامة والمُتعددة، و التعمّق بشكل مناسب في فهم و تشخيص نوع المثقف وعلاقته الاشكالية بالسلطة.
و لا بدّ وأن أذكر أنّ هذا العرض الممتاز للدكتور "حسين علي"، أستطاع أنْ يتماهى مع الأسلوب الشمولي والموسوعي للمؤلف الإنساني"إدوارد سعيد"، الذي بيّن لنا بإسهاب سلس وعميق نوع و دور المثقف، وشرح بحنكة المهام التي تقع على عاتقه..
من جهتي، لقد أعجبت جداً بتركيزه على ضرورة أنْ يمتلك المثقف وعياً موضوعياً نقدياً لتفسير الواقع. وإلا ينساق بوعيه وراء رُهاب الفكر الوثوقي المغلق.
في اعتقادي لقد أدرك المؤلف صعوبة البحث في موضوع السؤال عمن هو المثقف..؟ ولهذا دعانا أكثر من مرة إلى وعي الغموض الاشكالي حول كلمة "المثقف"بشكل حاص.
وربما لهذا السبب بالتحديد، نجده قد أسهب في تناول الجوانب المختلفة لهذه الدلالات الكثيرة والمتشابكة للفرد المثقف أو الفاعل الثقافي بشكل عام مستعيناً بكثير من آراء المفكرين..
بالطبع الاجابة عن هكذا سؤال معرفي كبير، من هو المثقف..؟
ستستدعي تعريفاً محدداً للمثقف، وربما للثقافة أولاً ..
فهل الثقافة هي حرفة أو مهنة الفكر .؟، و هل ياتُرى فعل الثقافة يجب ان نقول به، فقط عندما يقوم به الفرد القارئ الحصيف والمتعلم المحترف أو المتخصص في المجال النظري وحسب؟
أم أنّ المثقف هو انسان متعلم بالضرورة، و لكنه ذو فاعلية تفكير شمولية عامة، و صاحب فكر حر ، وقارئ متعدد مناحي الاطلاع..؟!
أما الحديث عن علاقة النخب الثقافية بالأنظمة الحاكمة والسلطات المختلفة فهو في تقديري حديث ذو شجون معقدة للغاية،
في تقديري الشخصي، أرى أن الثقافة هي سلطة على نحو ما، وأنّ الإنسان المثقف هو الفهم الواعي الذي يحمل على عارضيه قيم الحق والعدل، و يقوم بدوره الدؤوب في إحقاقها على أكمل وجه بين أفراد المجتمع، لذلك يمكن القول عنه، أنه وعي مميز يمتلك سلطة ما، وفاعلية اجتماعية مؤثرة على نحو من الأنحاء.
والمثقف ذو الفهم الحي هو مفكر مشاغب وناقد بالضرورة ، و حتى عندما لا يستطيع أن يعبر صراحة عما يجول في ذهنه تماماً، - من حقائق سواء ضد حرب أو فعل شائن أو سلوكيات خاطئة من قبل السلطة التي يعيش بين ظهرانيها - فهو غالباً مايلجأ الى التلميح والكناية وأساليب الاحتجاج و التعبير غير المباشر عن رأيه .
لكن مع كل هذا تبقى العلاقة بين السلطة والمثقف غالباً محكومة بظروف وتقادير عديدة، يعود معظمها إلى إختلاف وجهات النظر المعرفية التي يحملها كل مثقف، ونوع سلوك السلطة ضده، ومستوى ردود أفعالها العنيفة، مع ما يرى ويعتقد من سبل لتحقيق الأمثلة في المجتمع، والحياة الفضلى التي يؤمن بها ويناضل من أجل تحقيقها.
ناهيك عن اختلاف منهل الثقافة المثال و الاساس ( أوروبياً أو مشرقياً) المنهل الذي يعود إليه ذهن كل مثقف، كي يشكل من خلاله المقياس والمنهج في البحث عن الحقيقة، وبالتالي إختلاف المرجعية فيما يعتقد أنه الحق والأصوب..
ولربما كان هذا المنهل هو أصل اعتقاد البعض بأن اهتمام المفكر أو المثقف بالشأن الاوروبي فقط، من منطلق أن أوروبا هي مركز إشعاع فكري وثقافي هو خيانة للثقافة العالمية والمثقفين الآخرين.
عموماً ، و كما أذكر، فإن المفكر "إدوارد سعيد" في كتابه " الاستشراق" كان قد بيّن لقرائه، أنه لم يعدْ يعتقد بما يسمى بـ مركزية الثقافة الاوروبية، (وأنا أوافقه جدا في ذلك) و اعتبر نفسه من الذين يُقرّون بخصوصية الثقافات المختلفة، وبأن لكل ثقافة سياق تاريخي مختلف عن الثقافات الأخرى، من حيث المشكلات و النقائص وكذلك في الميزات والخصائص.
مرة أخرى، لقد أستوقفتني بشدة عبارة المؤلف التي تعبر بشكل رائع وعميق عن أولئك المثقفين المُتلونين الانتهازيين، الذين يوجهون بوصلة أفهامهم دائماً نحو رضى السلطة وسخي عطائها، ألا وهي :
((من أبشع الحيل الفكرية أن يتكلم المرء كلام العليم بكل شيء عن المثالب في مجتمع آخر، ثم يلتمس العذر لها حين تقع في مجتمعه هو.))
واعتبرها بحق من الأفكار المدهشة في التعبير عن العلاقة غير السوية بين المثقف و السلطة، وهي تحدث حين يَعبد ذاك المثقف الـ "أرباب دائبة الخذلان"، ورمز المؤلف بكلمة " الأرباب" إلى أنواع السلطة، التي يتخذها المثقف الانتهازي، كـ ربٍّ، في الإرضاء والاتباع الأعمى، وعندئذ سيتخلى عن موضوعيته وعن الجرأة النقدية عليها، مما يعني تخليه عن وظيفته الاساسية في إشهار الحق والحقيقة أمام الجميع. وقد يصبح كل ديدنه التماهي معها ، وتقليب خطابه الفكري كي يتناسب مع مصالحها وتوجهاتها أيّاً كانت سوءأتها.
ولعل هذا بالضبط، ما جعل الكاتب يرْبأ بالمثقف، من أن يجعل من نفسه ألعوبة بيدِ تلك الأرباب ، أو إمّعة تسوق لها سياساتها، لأنّها في تقديره، أي تلك الأرباب أو السلطة بأنواعها )، لا تعرف في الحقيقة إلا ذاتها ومصالحها، وستخذل حتما عبادها المخلصين من المثقفين عاجلا أم آجلاً. ..
مع أطيب التحايا للجميع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفاوضات الهدنة: -حماس تريد التزاما مكتوبا من إسرائيل بوقف لإ


.. أردوغان: كان ممكنا تحسين العلاقة مع إسرائيل لكن نتنياهو اختا




.. سرايا الأشتر.. ذراع إيراني جديد يظهر على الساحة


.. -لتفادي القيود الإماراتية-... أميركا تنقل طائراتها الحربية إ




.. قراءة عسكرية.. القسام تقصف تجمعات للاحتلال الإسرائيلي بالقرب