الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبدالجبار الرفاعي سيرة وفكر

حيدر جواد السهلاني
كاتب وباحث من العراق

2022 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


المقدمة:
يسعدني ويشرفني أن أتحدث عن الدكتور عبدالجبار الرفاعي، والذي نعتقد فيه أنه يمثل الخط الفكري المتنور ومعتدل الخطاب، وجامع ومتقبل لكافة الهويات العربية وغير العربية، المتفقة معه بدينه والمختلفة معه، إذ حارب التعصب بكل أشكاله، ورفض المذهبية المغلقة منذ ريعان شبابه، وهذا ما يذكره من ترك العمل الحزبي منذ عام 1985، وعمل على إشاعة الفكر التنويري وتقبل الآخر بكل اختلافاته، أن سيرة الرفاعي والتي لا تخلوا من صعوبات وضنك في العيش هي مسيرة مشرفة بكل معنى الكلمة، فحياته البسيطة والمتواضعة ملهمة لكل إنسان منفتح ويحب أخيه الإنسان، إذ يمتلك الرفاعي رؤية فلسفية إنسانية، وذلك بتحيزه للفكر العقلاني، والعمل على بسط قيم الحوار والتواصل والتعارف حول تحديث مناهج التفكير الديني، والتي تبنى على رؤية التبادل والجدال والحكمة، والتأكيد على أن قيمة السلام هي سبيل الأمن الاجتماعي والعيش المشترك، ولا نجاة للعالم إلا بالتثبت بالوسائل السلمية لحل المنازعات والتخلص من بواعث العنف والحروب، والعمل على إشاعة التراحم والمحبة بين الناس جميعاً، ويدعو الرفاعي إلى ضرورة تقديم قراءة جديدة للإسلام، عن طريق الأخذ بعين الاعتبار السياق الزماني والمكاني التاريخي للأحكام، إذ الزمن يفضي لتغيير الحكم، و يصف الرفاعي نفسه بأنه " مسكون بمتعة الاكتشاف والبحث عن كل ما يثير الدهشة التي تبعث عن كل ما هو غريب ومولع بالهرولة وراء كل ما هو جديد". وفي نهاية هذه المقدمة البسيطة أتمنى كباحث مبتدئ أن يوفقني الله(جل جلاله) بإيفاء حق بسيط للمفكر العراقي الكبير الدكتور الرفاعي.
حياته:
عبدالجبار الرفاعي من مواليد ذي قار عام 1/7/1954، في قضاء الرفاعي في قرية آل حواس، ويذكر الرفاعي أنه عاش طفولته وشبابه بفقر مادي، وبصعوبة العيش في مدينته، وفي الحقيقة أن الفقر يبدو أنه صفة المحافظات الجنوبية والوسطى من العراق، وإلى يومنا هذا تعاني هذه المحافظات من الفقر وقلة الخدمات وانتشار الفقر بشكل واسع، ومن المفارقات أن المدن الجنوبية تعتبر بأرضها وتاريخها وموقعها الجغرافي من المدن الغنية والتي لو استثمرت بشكل صحيح لكانت اليوم تنافس الدول المتقدمة بتطورها، ولا اعرف ما هو السبب في الإهمال المتعمد للمدن الجنوبية، وأيضاً وسط العراق، وهذا لا يعني أن شمال العراق والمحافظات الغربية أفضل حالاً بكثير بل بقليل جداً، أن قضية معاناة الشعب العراقي من الجوع وعدم الاستقرار الأمني، قضية لا يمكن القول هي مرتبطة بأخطاء السياسيين، بل أيضاً تقع الملامة على الدول العربية المتفرجة، والتي ساهمت في الكثير بعدم استقرار العراق.
اكمل الرفاعي دراسته الابتدائية في مدرسة تبعد عن قريته (5) كيلومتر، ويعتقد الرفاعي أنه كان محظوظاً بوجود مدرسة هنا، ولولاها لكان عاش أمياً ثم جندياً ومقاتلاً في الحروب العبثية، ثم أكمل الرفاعي دراسته المتوسطة والاعدادية ثم الجامعة ثم الحوزة العلمية في النجف ثم في قم، ثم انخرط الرفاعي في العمل السياسي الحزبي في منتصف السبعينات في حزب الدعوة، وقد كان مسؤول الحزب في مدينة الرفاعي، لكنه في منتصف الثمانينات 1985، ابتعد عن التنظيم، بعد أن وجد الحزب يقوم بأدلجة الدين والتراث، ويذكر الرفاعي أن من دفعه للدراسة الدينية هي أمه فيقول " كان لأمي أثراً واضحاً في توجيهي الديني، إذ كانت تبدأ يومها وهي تردد بعض العبادات الدينية، فقد ظلت التجربة الدينية لأمي منبعاً، لا ينضب يستقي منه تديني، وهي من غرست المنحى الميتافيزيقي في حياتي، وإلى نمط عيشها الفطري والعفوي، يعود الفضل في رسوخ إيماني وتجذره ومقاومته لأية مجالات أو مناقشات أو إشكالات أو قراءات تشكيكيه". وقد كانت للحوزة العلمية الأثر الواضح على سيرة الرفاعي الفكرية فيقول: " اكتشفت في الحوزة العلمية مسالك التراث ودروبه الوعرة، وتذوقت فيها لذة النصوص الفلسفية والعرفانية وغيرها، ونتعلم في الحوزة العلمية مفاتيح المعارف التراثية، في مراحل ثلاثة، وهي المقدمات والسطوح والبحث الخارجي وتستوعب هذه المراحل دراسة النحو والصرف والبلاغة، والفقه والأصول وعلوم الحديث والتفسير والمنطق والفلسفة والعرفان وعلم الكلام، وتدرس كلاسيكيات النصوص، ونتمرن سنوات طويلة على تفسيرها، وتفكيك ألغازها وضمائرها، ونغور في ما تحل إليه من مضمرات ومعان حافة يتسع لها فضاؤها الدلالي، ونادراً ما نعود إلى الحواشي والتعليقات والشروح، فالحوزة العلمية كانت غنية لي بتجارب عميقة متميزة، في مجتمع لا يشبه عوالمي الأخرى في القرية والعمل الحزبي السري، إذ دراستي في الحوزة العلمية أضاءت أفاق رؤيتي للماضي والحاضر والمستقبل". ونعتقد أن الرفاعي لم يخرج من عباءة الحوزة العلمية والدراسة المشبعة في الحوزة العلمية، فيمتاز أسلوب الرفاعي وحتى المفردات التي يستعملها هي مفردات حوزوية وفقهيه وتجد الأثر الحوزوي الشيعي واضحاً جداً على طروحاته الفكرية.
غادر الرفاعي العراق بسبب انتمائه إلى حزب الدعوة الذي كان محارباً من قبل الحكومة( أي حزب البعث الحاكم)، وأدى هذا الخروج إلى الاطلاع على تجارب كثيرة واحتكاكه بالكثير من المفكرين العرب والإيرانيين، وقد ساعده هذا الاحتكاك بتوسيع فكره وتنويره، فبدأ واضحا عبر كتاباته.
حصل على عدة شهادات أكاديمية منها دكتوراه فلسفة إسلامية، بتقدير امتياز، 2005، وماجستير علم الكلام ، 1990،وبكالوريوس دراسات إسلامية، 1988، ودبلوم فني زراعي 1975، وحصل على لقب الأستاذية سنة 2012، وأشرف وناقش أكثر من 60 اطروحة دكتوراه ورسالة ماجستير في الفلسفة وعلم الكلام والدراسات الإسلامية.
اشتغل الرفاعي مديراً لدار التوحيد للبحث والتأليف والنشر ما بين عام 1982 إلى عام 1984، كما عمل استاذاً للدراسات العليا لمادة الفلسفة الإسلامية والمنطق وعلم الكلام واصول الفقه، ومديراً لمركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، ورئيساً لتحرير مجلة قضايا إسلامية معاصرة، واعتمد الرفاعي مستشاراً لمجموعة من المجلات والدوريات من بينها الوعي المعاصر والحياة الطيبة ونصوص معاصرة والتوحيد والفكر الإسلامي الصادرة من لندن ومقايسات ومدارك ومجلة الكوفة الصادرة عن جامعة الكوفة، وقد كان للرفاعي عدة نشاطات فكرية منها، أصدر مجلة قضايا اسلامية، وهي مجلة فكرية سنوية تعنى بتحديث التفكير الديني، ورأس تحريرها للسنوات 1994-1998 ، وتوقفت سنة 1998.، ثم أصدر مجلة قضايا اسلامية معاصرة سنة 1997 ورأس تحريرها، وهي مجلة فصلية تعنى بالهموم الفكرية للمسلم المعاصر، ومازالت تصدر منذ 25 عامًا، وعمل مدير مركز دراسات فلسفة الدين في بغداد، وأصدر المركز أكثر من 300 كتابًا، وأصدر سلسلة كتاب "قضايا اسلامية معاصرة"، ورأس تحريرها، صدر منها أكثر من 100مائة كتاب في بيروت، وأصدر سلسلة كتاب "فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد"، ورأس تحريرها، وصدر منها 30 ثلاثون كتابًا مرجعيًا في بيروت. و أصدر سلسلة كتاب "ثقافة التسامح" الدورية في بغداد سنة 2004، ورأس تحريرها، صدر منها 20 عشرون كتابًا. وأصدر سلسلة كتاب "فلسفة وتصوف" في بيروت، ورأس تحريرها، وصدر منها عشرة كتب. و أصدر سلسلة كتاب "تحديث التفكير الديني" في بيروت سنة 2013، ورأس تحريرها، صدر منها 15 خمسة عشر كتابًا. وعمل مستشار كرسي اليونسكو لدراسات حوار الاديان في العالم الاسلامي في جامعة الكوفة، ويرأس الرفاعي حالياً مجلة قضايا اسلامية معاصرة، منذ تأسيسها عام 1997، و أيضاً مستشار لكثير من الدوريات في بغداد وبيروت، ولايزال يشارك في الكثير من المؤتمرات والندوات الفكرية، وأيضاً له نشاط واضحة على البرامج التواصلية( كفيس بوك وتليجرام)، فتجده متفاعل ويشارك في التعليقات في الكثير من الاحيان.(1)
أسس الرفاعي عام 1997 مجلة قضايا إسلامية معاصر، خارج العراق، وهي مجلة فصلية وتصدر إلى يومنا هذا، وقد كانت مركزاً لجميع الثقافات وموقع استقطاب للكثير من المفكرين العرب المعروفين فيقول الرفاعي عن المجلة: " تعتبر المجلة تعبيراً عن احلام وتطلعات بتجديد واجتهاد وإعادة بناء وتحديث للتفكير الديني، بما يواكب متطلبات العصر ووتيرة التغيير المتسارع في عالمنا، بعد أن لبثت تلك الأحلام عقداً من السنين يتداولها في حلقات نقاشية نخبة من الدارسين العراقيين في الحوزة العلمية في قم".
في عام 2004 وبعد عودته للعراق أسس "مركز دراسات فلسفة الدين ببغداد"، وأصدر المركز حتى اليوم أكثر من 250 كتاباً في عدة سلاسل، مثل: كتاب "فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد"، وكتاب "تحديث التفكير الديني"، وكتاب "ابستمولوجيا السيسيولوجيا"، وكتاب "ثقافة التسامح"، وكتاب "فلسفة وتصوف"، وكتاب "قضايا إسلامية معاصرة". ويقول الرفاعي عن المركز " هو محاولة لتدشين أسلوب جديد في دراسة الدين، وينفتح على أفق واسع ويتواصل مع المعطيات الحديثة والراهنة للعلوم الإنسانية، ومكاسب العقل والخبرة البشرية، ويوظفها في تفسير وتأويل النصوص الدينية ومراجعة التراث وغربلته ونقده، وأيضاً نقد التعاطي معه باعتباره منجزاً بشرياً محكوماً بمشروطيه زمانية ومكانية خاصة، وتعبيراً عن واقع سياسي واقتصادي وثقافي ولغوي، ويسوده بيئة معينة كما يوظفها في تحليل واستنباط التجارب الدينية والخبرات الروحية والاحاسيس والعواطف والمشاعر المنبثقة من الدين، ونمط المعنى الذي يخلعه الدين على حياتنا، وقيمه وأثر ذلك المعنى في إرواء ضمأنا الانطولوجي، وإثراء عالمنا الباطني وبث السكينة والطمأنينة فيه، مضافاً إلى تهذيب سلوكنا، واكتشاف المنابع الدينية لمختلف الظواهر السائدة والمترسخة في مجتمعاتنا، والتعرف على آثارها في بناء أو تفتيت هذه المجتمعات".(2)
من مؤلفاته:
نظرات في تزكية النفس 1985، حركة القومية العربية( دراسة نقدية في بواعثها الايديولوجية) 1985، مصادر الدراسة عن الدولة والسياسة في الإسلام 1986، التبليغ والأعلام الإسلامي 1989، معجم ما كتب عن الرسول وأهل البيت في اثني عشر مجلدا 1991-1995، ترجمة كتاب شرح المنظومة في الفلسفة الإسلامية للأستاذ مرتضى المطهري، في أربعة أجزاء 1992-1993، معجم الدراسات القرآنية (مجلدان) 1993، متابعات ثقافية (مراجعات وقراءات نقدية في الثقافة الإسلامية) 1993، المرأة والأسرة في الإسلام 1993، معجم المطبوعات العربية في إيران1993، موجز تاريخ الطباعة 1994، احياء التراث العربي في ايران منذ ظهور الطباعة حتى سنة 1992، نشر سنة 1994، ترجمة كتاب( محاضرات في الفلسفة الإسلامية للأستاذ مرتضى المطهري) 1994، الاختراق الثقافي( معجم ببليوغرافي تحليلي) 1995، موسوعة مصادر النظام الإسلامي في عشرة مجلدات 1996، منهج السيد محمد باقر الصدر في تجديد الفكر الإسلامي 1997، تطور الدرس الفلسفي في الحوزة العلمية 2000، مناهج التجديد 2000، الفكر الإسلامي المعاصر( مراجعات تقويمية) 2000، محاضرات في أصول الفقه (مجلدان)2000، مبادئ الفلسفة الإسلامية (مجلدان)2001 ، جدل التراث والعصر2001، مدرسة أهل البيت في المدينة والكوفة 2001، تحقيق ودراسة كتاب(موجز في أصول الدين للسيد محمد باقر الصدر) 2001، فلسفة الفقه ومقاصد الشريعة 2001، علم الكلام الجديد وفلسفة الدين 2002، مقاصد الشريعة 2002، نحن والغرب( جدل الصراع والتعايش) 2002، الاجتهاد الكلامي( مناهج ورؤى متنوعة في الكلام الجديد) 2002، ترجمة كتاب العقلانية والمعنوية بالاشتراك مع مصطفى ملكيان2005، ترجمة كتاب التدين العقلاني بالاشتراك مع مصطفى ملكيان 2005 ، مقدمة في السؤال اللاهوتي الجديد 2005، الإسلام المعاصر والديمقراطية 2005، التسامح ومنابع اللاتسامح 2005، الدرس الكلامي والفلسفي في الحوزة العلمية2005، التسامح ليس منة أو هبة 2006، معجم ما كتب في الحج والزيارة 2007، تحديث الدرس الكلامي والفلسفي في الحوزة العلمية 2010، إنقاذ النزعة الانسانية في الدين2012، تمهيد لدراسة فلسفة الدين 2014 ، الدين وأسئلة الحداثة 2015 ، الايمان والتجربة الدينية 2015 ، الدين والظمأ الأنطولوجي 2015، الحب والايمان عند كيركجارد 2015 ، علم الكلام الجديد( مدخل لدراسة اللاهوت الجديد وجدل العلم والدين) 2016، الهرمنيوطيقا والتفسير الديني للعالم 2017، الدين والاغتراب الميتافيزيقي 2018،الشيخ أمين الخولي( الهرمنيوطيقي الأول في عالَم الإسلام) 2020، مقدمة في علم الكلام الجديد 2021، الدين والكرامة الإنسانية 2021.(3)
الجوائز:
منح الدكتور الرفاعي عدة جوائز وذلك تقديراً وتكريماً لمنجزه الفكري، واعترافاً بالمهمة التي يسعى لها وهي الحث على تحديث الفكر الديني، ومحاولته نشر ثقافة التسامح والعيش المشترك رغم الاختلاف، والذي ينظره له الرفاعي أنه مصدر قوة، لكن نلاحظ أنه لم يتم تكريمه من قبل مؤسسات الدولة الرسمية أو منح دكتوراه فخريه على غرار بعض السياسيين والذين لم يكن لهم منجز يذكر قط، لكن لا عجيب في ذلك فالسلطة السياسية في العراق على مر العصور لا تكرم علمائها، ويذكر لنا المفكر والمؤرخ السياسي حسن العلوي، أنه في السبعينات طلب منه عالم الاجتماع العراقي علي الوردي أن يوصل طلبه إلى الرئيس في وقتها، وأن يسهل عليه مهمة وهي كانت له شقة في أحدى الدول الأوربية، وذكر له أنه عالم عراقي وعليهم أن يكرموه قبل مماته، فرد الرئيس بهامش على طلبه( إلى جهنم وبئس المصير)، هذا التكريم الذي نحصل عليه من قبل السلطة.
من الجوائز التي حصل عليها الرفاعي وهي: الجائزة الأولى للبطريركية الكلدانية في العراق على الأعمال الفكرية، بوصفها أهم انتاج فكري منجز في العراق للعام 2020. الجائزة الأولى للإنجاز الثقافي في الدوحة على منجزه الفكري الرائد وآثاره في تأصيل المعرفة وثقافة الحوار وترسيخ القيم السامية للتنوع والتعددية والعيش المشترك، الدوحة – قطر 14 ديسمبر 2017،وتتألف الجائزة من درع ذهبي، وقيمتها المادية البالغة 100000 مائة ألف دولار. الدرع الذهبي للحركة الثقافية بأنطلياس في لبنان، لدوره في إغناء المنجز الثقافي في العالم العربي، 2013. اعترافا بالمهمة التي نهضت بها في الاجتهاد والتجديد وتحديث التفكير الديني، وبوصفها الدورية الأهم المتخصصة في الأديان بالعربية، وخصص "المعهد البابوي في روما" التابع للفاتيكان كتابه السنوي 2012 ،لمجلة قضايا إسلامية معاصر، الجائزة الأولى على أطروحته للدكتوراه، في مباراة تنافست فيها أكثر من 200 رسالة وأطروحة جامعية، نظمها مكتب الشهيد الصدر سنة 2009. الجائزة الأولى لكتاب الوحدة الإسلامية في طهران على جهوده في الكتابة والنشر والدعوة للوحدة والعيش معاً في فضاء التنوع والاختلاف، سنة 2005. الجائزة الأولى للمؤرخ العلامة حسن الأمين في بيروت على منجزه المعرفي والثقافي، 2003.
الفلسفة:
يرى الرفاعي أن كلمة فلسفة لها معان متعددة عبر التاريخ واتسع معناها في بعض المراحل لتستوعب العلوم العقلية بأسرها، فيما تقلص هذا المعنى في مراحل أخرى فاستعمل عند بعضهم كما في التراث الإسلامي، في ما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص.
يعتقد الرفاعي كما يرى الكثير من الفلاسفة والمفكرين، أن أول من اطلق على نفسه فيلسوف هو فيثاغورس، وقد جعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل، وعرف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الأشياء، والفلسفة كما يفهمها الرفاعي حاجة عقلية، وذلك أن الإنسان العاقل تدهشه باستمرار المواقف والمشاكل المتواجدة في العالم، مما يدعوه إلى التفكير، فيثير استفهامات وأسئلة متنوعة، والفيلسوف هو من يبدع النظريات ويعني بصياغة منهج تنتظم في إطاره عملية التفكير، كما أنه يوجه العقل لسبر أغوار الواقع والتعرف على حدود العالم وتخومه وأفاقه واستجلاء حقيقة الوجود على ما هو عليه أو بما هو موجود.
أن المعيار والمظهر الذي يتجلى به الرقي الحضاري في حياة أية أمة من الأمم هو ازدهار التفكير الفلسفي، فالفلسفة تؤسس للنهضة، فنمو عدد الفلاسفة في حياة أي أمة وشيوع التفكير الفلسفي علامة نهوض الأمة، وذلك أن النهضة دائماً تتأسس على وعي فلسفي مستنير، لأن تغيير العالم أنما يجري عبر تغيير وعي الناس وتحول أفكارهم ومفاهيمهم، وهذا ما تتكفل فيه الفلسفة، والفلسفة تسبغ على الذهن نزعة تحليلية نقدية تطهره من كافة العناصر التي تفسد التفكير، وتمنحه أدوات تتوكأ عليها كل عملية تفكير مبرهنة، ويعتبر توليد الفلسفة لهذه الأدوات من مهامها التحليلية النقدية الاساسية، لأنه لما كانت الوظيفة الكبرى للفلسفة هي اكتشاف الواقع وإدراكه كما هو والتعرف على الحقيقة بتمام ابعادها، والحقيقة عادة ما تغلفها حجب موهومة، يصطنعها جهل الإنسان من هنا تبدو الأهمية البالغة للأدوات النقدية التي تنتجها الفلسفة، إذ بواسطتها يجري تحطيم الحجب، التي تتسبب في نشوء الوعي الزائف بالحقيقة، وإدراك الحقيقة كما هي، والوظيفة الأهم للفلسفة هي إيصال الإنسان إلى الحقائق الإلهية، عبر تزويده بما يلزم عملية الاستدلال على ما وراء الطبيعة، والبرهنة على التوحيد، وترسيخ هذه العقيدة بنحو تصبح معه هي المحور الذي تنبثق عنه تمام رؤى الإنسان ومفاهيمه عن الكون والحياة، وتتولى الفلسفة تزويد الفيلسوف بما يهدي عقله إلى المبدأ المعاد، وتقوده في نهاية المطاف إلى نيل الحقائق الإلهية، فيطابق ما يدعو إليه الدين الحق ما تؤديه الفلسفة، والفلسفة أيضاً هي بصمة العقل في كل الثقافات، ولغة العقل بين كل المجتمعات، و كتابة تنطقها كل اللغات، و تفكير نقدي حر يتحرك خارج الأطر والأوعية والأسوار، وأية محاولة لتعليبه في أوعية جاهزة تسجنه، وتنتهك حريته، فالفلسفة لا عقيدة لها، و لا هوية لها، وهي كونية، لا بوذية، ولا يهودية، ولا مسيحية، ولا إسلامية، ولا مذهبية، ولا قومية، ولا محلية، ولا جغرافية، وقد ولدت الفلسفة في سياقات معرفية وميتافزيقية مختلفة، تنوعت بتنوع بيئات وعصور الفلاسفة، وعلى هذا يمكن التعبير عن الديانة والموطن الجغرافي والزمن والثقافة والمجتمع الذي ولدت الفلسفة في فضائه، مثل فلسفة المسلمين، أو فلسفة اليهود، أو فلسفة المسيحيين، أو فلسفة البوذيين، أو فلسفة الغربية، أو فلسفة الشرقيين، أو فلسفة قديمة، أو فلسفة حديثة، أو فلسفة معاصرة، ولو كانت الفلسفة أسيرة معتقدات دينية أو مقولات أيديولوجية فإنها تصبح لا هوتا، أو علم كلام، أو عقيدة، أو أيديولوجيا.
يرفض الرفاعي الفكر القائل بأن الفلسفة نشأت مع اليونان، ويرى أن الإرث العقلي الذي عثر عليه في حضارة وادي الرافدين والنيل والصين والهند، برهن بشكل واضح على حضور الوعي الفلسفي، فيقول: " لو حاولنا أن نقرأ تاريخ الوعي الفلسفي في حياة الإنسان، عبر تفكيك مكونات الفكر اليوناني وتحليلها، ثم إحالة كل عنصر منها إلى الروافد الأصيلة التي استقى منها لرأينا، أن ما لدى اليونان ما هو إلا ميراث يأتلف من عناصر متنوعة راكمته إنجازات حضارات سالفة ممتدة في اعماق الزمان، فالفلسفة اليونانية لم تكن مقطوعة الصلة عما يدور في وادي النيل واسيا الصغرى، التي كانت بدورها على اتصال جغرافي وتأريخي من جهة الشرق بحضارات ما بين النهرين، وأنه لا يمكن اكتشاف حجم ابداع اليونانيين إلا بمعرفة المصادر الشرقية للمعارف اليونانية." أن مسألة وجود الفلسفة مع اليونان أم قبلهم، هذه المسألة اشتغل عليها الكثير من الفلاسفة والمؤرخين للفكر سواء من الغرب أم العرب، فتجد فلاسفة ومفكرين من يقول بعقلية اليونان في اصطناع الفلسفة من الغرب والعرب، ومن يقول عكس ذلك، لكن نعتقد أن الفلسفة عرفت في تاريخ الفكر الإنساني من خلال اليونان، وأن كانت موجودة في الحضارات التي سبقتها سواء حضارة وادي الرافدين أو النيل أو الهند أو الصين، فالفلسفة عندهم منغلقة على نفسها وأيضاً على ثقافتهم ولم يظهر المشتغلين بها بطريقة عقلية، فكان المفكر عندهم يظهر على شكل قديس، فلذلك الفلسفة عند الحضارات امتزجت بالخرافة، أما فلاسفة اليونان فلم تمتزج الفلسفة عندهم بالخرافة، بل وضعوا لها أسس وتم تعريف مصطلحاتها وتقسيمها، وفي الحقيقة أن الفلسفة وجدت في هذه الحضارات، لكنها لم تؤسس وتصبح لها نظريات ومشتغلين إلا مع الفلسفة اليونانية، لذلك نعتقد أن الفلسفة لها جذور في حضارات وادي الرافدين والنيل والصين والهند، لكنها لم تؤسس إلا مع الفلسفة اليونانية، وبالتأكيد أن الفلسفة اليونانية وفلاسفتها استلهموا من الفكر الذي كان موجوداً في الحضارات المذكورة.
يعتقد الرفاعي أنه ظهرت محاولات في الإسلام تعمل على "أسلمة الفلسفة"، وتحاول أن تصوغ فلسفة مشتقة من الكتاب والسنة، ومؤطرة بإطار الوحي، و تبدأ هذه المحاولات عادة بمقدمات منطقية وفلسفية لكن تنتهي إلى نتائج كلامية، ويتجلى ذلك بوضوح في آثار صدر المتألهين الشيرازي ، الذي صاغ نظاماً فلسفياً يلتقي فيه القرآن الكريم بالبرهان والعرفان، وكان يحرص على تجنيس فلسفته بهوية اعتقادية، تستلهم العرفان النظري لمحيي الدين بن عربي، ومفهومه عن الولاية والإنسان الكامل ورتبته في العوالم الربوبية، وكما لم يستطع الدرس الفلسفي في حواضر العلم التقليدية في عالم الإسلام، كالأزهر في القاهرة والحوزة في النجف وقم ، أن يتحرر من أدوات المنطق الأرسطي في قراءة ونقد الفلسفة الغربية الحديثة، ولم يستطع هذا الدرس أيضاً أن يتحرر من مناهج علم الكلام في قراءة ونقد تلك الفلسفة، بل استعار بعض الباحثين علم أصول الفقه ومناهج استنباطِ الأحكام الشرعية في قراءة النص الفلسفي.( في الحقيقة أن الفلسفة لها قدرة برهانية وعقلية وجدلية وأيضاً تشكيكيه كبيرة، وعند احتكاك العرب بالثقافات التي تحمل ثقافة الفلسفة، تفاجأوا بعدم قدرة البراهين الإسلامية على الاقناع، لذك أقتنع المسلمون بضرورة احتضان الفلسفة، لكنها صدمت من البعض برفضها وتكفير العاملين فيها، لذلك بدأ الكثير من الفلاسفة والمتكلمون البحث في النصوص القرآنية ونصوص السنة النبوية ،لجعل الفلسفة موجودة ومقبولة إسلامياً، وبدأ البحث وخاصة في نصوص القرآن الكريم وذكر بعض الآيات التي وردت فيها كلمات مثل الحكمة والتفكير والعقلنة والخ...، وبذلك بدأ الكثير من الفلاسفة الرجوع إلى النصوص القرآنية لصياغة فلسفة بطعم الإسلام، وبهذا أن الفلسفة منذ دخولها للفكر العربي الإسلامي هناك محاولات جادة من قبل الكثير لفصل أو جعل هناك فلسفة إسلامية، لكننا نعتقد بعالمية الفلسفة، ولا يمكن وضعها بوضع جغرافي أو ربطها بشخوص، وإن كانت هناك تسميات مثل الفلسفة اليونانية والإسلامية والحديثة والمعاصرة، لكنها تبقى عالمية المنحى، ونعتقد أن هذا ما أوقع الكثير بخطأ فهم الفلسفة، فالفلسفة لا يمكن فهمها من خلال قراءة عن الفلسفة اليونانية أو الإسلامية، ولذلك المفكرين العرب لم تجد لهم صدى عالمي، وهو بسبب تقديمهم قراءة فلسفية تراثية مرتبطة بموضوع الإسلام والتراث، أو مقلدين لنظريات غربية، وهناك سبب آخر في عدم ظهور المفكر العربي عالمياً، وهو بسبب الثقافة والهيمنة السياسية، التي هي الآن ليست عربية بل غربية، فتجد ما يقوله علمائهم البسطاء مقارنة مع علمائنا تجد لهم صدى واسع وتنهال عليه القراءات والتكريمات من كل المؤسسات السياسية وغير السياسية).(4)
الفلسفة في العراق:
يرى الرفاعي أن الحوزة العلمية كانت تدرس الفلسفة، وكانت الفلسفة في الحوزة العلمية شعلة لا تنطفئ، وأضحت هي المدرسة الأم التي تشع منها الدرس الفلسفي إلى حواضر مهمة في العالم الإسلامي، فأوقد فيها جذوة المنحى العقلي في التفكير.(في الحقيقة أنه في الحوزة العلمية ظهرت فيها فلسفة انتقائية، أي بمعنى ليس كل الفلسفة تدرس فقط ما يخدم المذهب الإسلامي المتبع في الحوزة، أو تدرس نظريات ضد الدين، وبالمقابل يتعلم الدارس كيف يرد على هذه النظرية ، أي بمعنى يدرس ويشبع أيديولوجياً ، أما الحوزة العلمية هي الشعلة التي ينطلق منها الدرس الفلسفي، فلا اعتقد بذلك فلم تنتج لنا على سبيل المثال مفكرين معروفين، أو لهم نظريات معروفة بالفلسفة، أعتقد أن الحوزة العلمية مؤسسة دينية وبالتالي هي انتقائية للفلسفة، وليست فضاء مفتوح لكل الأطروحات الفلسفية).
أما الدرس الفلسفي في الجامعات العراقية، فقد تميز بالانفتاح على الفلسفة الغربية الحديثة والمعاصرة، والاهتمام بالفكر العربي الحديث والمعاصر، وامتاز مؤسسو هذا الدرس، بتكوينهم الأكاديمي الرصين في الجامعات الغربية العريقة، وتكوينهم اللغوي المتعدد، مضافاً إلى خبرتهم وجديتهم في التفكير والتعليم والبحث الفلسفي، لكنه سقط الدرس الفلسفي في الجامعات العراقية منذ سبعينيات القرن الماضي ضحية حصار مارسته سلطة البعث على كل تفكير حر، ففرضت على الأساتذة مقررات، لا تخلو من مقولات هجينة مشبعة بأيديولوجيا تعصبية، وتسلطت عليهم عصابة من تلامذتهم، تتعامل معهم باستعلاء متعجرف، بعد ان احتكر "الاتحاد الوطني لطلبة العراق" الفضاءَ الجامعي، والاتحاد منظمة حزبية طلابية، أكثر منها مهنية، مهمتها التبعيث، وغسل الأدمغة، وفرض رقابة أمنية صارمة على نشاطات التلاميذ والأساتذة، وملاحقة وتقصي أنشطتهم العلمية وعلاقاتهم الاجتماعية، واستبعدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تلك المدة جماعةً من الأساتذة المعروفين بتكوينهم الأكاديمي الرصين، عندما أحالتهم على التقاعد قبل بلوغهم السن القانوني، فاضطروا للهجرة خارج الوطن، واعتمدت الوزارة سياسة قبول في الدراسات العليا متعسفة، لا تكترث بموهبة التلميذ وعلاماته ورغبته كأساس في القبول، وانما وضعت بموازاتها لائحة شروط سياسية وأمنية، كالإيمان بفكر حزب البعث، وعدم كون أحد أقارب التلميذ من الأموات أو الأحياء معارضاً للنظام. (لا نوافق الرفاعي بأن الفلسفة في السبعينات أو في ظل حزب البعث، أنتهى الدرس الفلسفي وبدأ بالتراجع، كما يعتقد ، بل الرجوع إلى الواقع نجد أن في هذه الفترة كان اغلب الاساتذة الأكاديميين هم من كبار المفكرين بالفلسفة ونذكر منهم حسام الألوسي وعرفان عبدالحميد وياسين خليل ومدني صالح وغيرهم الكثير، بل كما يحكي لي أحد الاشخاص الذي يكبرني عمراً، وبائع للكتب منذ ذلك الزمن قلت له لماذا تقرأ ومولع بالفلسفة، قال لي في ذاك الوقت أي قبل 2003، أنه كانت أغلب الكتب محظورة فقط الكتب الفلسفية لم يتم حضرها).
انتجت هذه السياسات التعليمية كما يرى الرفاعي واقعا أضعف الدرس الفلسفي وعلوم الانسان والمجتمع في الجامعات العراقية، وبدد جهوداً مهمة أنجزها مؤسسوه، وكان من أبرزها:
1- مناهضة أيديولوجيا حزب البعث للفلسفة:
الفلسفة وعلوم الانسان والمجتمع تقوض الأيديولوجيا، بما تمنحه للدارس من مناهج ومفاهيم تفسيرية ونقدية، فتمكن من يتعلمها أن يفضح تزوير الأيديولوجيا للواقع، ويفكك المعتقدات المغلقة، وقد كانت أيديولوجيا حزب البعث مناهضة لكل تفكير حر تنتجه الفلسفة خارج أنساقها المغلقة وأدبياتها الهشة وشعاراتها الصاخبة، ومما يؤسف له أن الجامعة العراقية لم تتحرر كلياً من هذا الموقف حتى اليوم، فمازال أكثر وزراء التعليم العالي والبحث العلمي ورؤساء الجامعات من خارج تخصصات الفلسفة وعلوم الانسان والمجتمع، ومن الغريب أن هذه الوزارة منعت البعثات للجامعات العالمية في هذه التخصصات، بذريعة وفرة حملة الشهادات العليا فيها، على الرغم من علمها بافتقار الكثير من ذوي الألقاب العلمية للتأهيل الأكاديمي الجاد، وتفشت نظرة تبخيسية للفلسفة وعلوم الانسان والمجتمع، رسختها مواقف أكثر وزراء التعليم العالي، الذين اتخذوا قرارات تتعاطى مع هذه العلوم وكأنها فائضة عن الحاجة، وتمنع المتخصصين فيها من بعض المناصب القيادية الجامعية، إن هذا الموقف السلبي من الفلسفة وعلوم الانسان والمجتمع هو ضرب من مناهضة العقلانية النقدية، لأن هذه العلوم تتكفل تفسير وفهم ونقد الظواهر المجتمعية المختلفة، وإرساء رؤى ومفاهيم حديثة للبناء والتنمية الشاملة، ولا يمكن تغيير المجتمع من دون تفسير علمي لما يتفشى فيه من ظواهر متنوعة وتحليلها ونقدها، واعادة بناء حياته الفكرية والأخلاقية والروحية.
العراق بحاجة ماسة الى الفلسفة وعلوم الانسان والمجتمع، اذ لا يمكن بناء البلدان من دون خبراء في هذه العلوم، ففي علوم الابدان يمكننا الاستعانة بخبراء من جنسيات مختلفة، لكن لا تكتمل خبرة الباحث في علوم الانسان والمجتمع مالم يكن من داخل المجتمع المدروس، ومن الضروري أن يتنبه وزراء التعليم العالي والمدراء وكل المسؤولين في هذه الوزارة إلى أن الغرب الحديث لم يصنع نهضته إلا بعقل فلسفي حديث، فوراء كل مكتشف واكتشاف في العلوم الطبيعية فيلسوف وفلسفة، إذ ليست العلوم الطبيعية فقط هي من صنعت الغرب الحديث، بل صنعت الفلسفة الحديثةُ عقله قبل ذلك، وهذا العقل هو الذي صنع العلوم الطبيعية، وفعل الكثير مما كان يعد مستحيلاً.
2- سقوط جماعة من الباحثين في الفلسفة في فخ الأيديولوجيا:
تارة يقع الدرس الفلسفي في الجامعة العراقية تحت سطوة الأيديولوجيا اليسارية، وأخرى القومية، وثالثة الاسلامية، فقد خضع الباحثون في الفلسفة لغوايات أيديولوجيا السلطة، وتشوهت كتاباتهم بتزوير الأيديولوجيا لكل شيء، حتى أضحت هذه الكتابات ليست مفرغة من أي مضمون فلسفي وحسب، بل هي الضد للفلسفة، إذ الفلسفة معرفة كونية، لا تتحيز لمعتقد أو أيديولوجيا، وإلا ستنفي ذاتها إن تحيزت فاتخذت مرجعية لها من: المعتقد الديني، أو الأيديولوجيا، أو الهوية، أو ما هو قومي، أو محلي، أو جغرافي، والفلسفة لا تستمد حياتها من كلِ ذلك، ولا تفتقر إلى مشروعية غير العقل تستعيرها من المعتقدات، لا مشروعية للفلسفة خارج عقلانيتها النقدية، وتحررها من تسلط أية مرجعية على العقل، ومن نتائج السقوط في فخ الأيديولوجيا ظهور "موضة الفلسفة"، أي إن غوايات أيديولوجيا السلطة أفضت إلى شيوع موضات تعصف بالدرس والكتابة في الفلسفة، تبدأ تلك الموضة بهيمنة السلطة الجديدة، وتتنامى تبعاً لتغولها، حتى تبلغ بعض الكتابات حداً تصبح فيه مرآة لأيديولوجيا السلطة وأدبياتها وشعاراتها، وتفرض موضة الفلسفة في كل حقبة سياسية عناوين ووجهة عدد غير قليل من رسائل واطروحات الدراسات العليا والبحوث الجامعية، التي تسعى للتعاطي مع كتابات لا فلسفية لمؤسسي الأحزاب الحاكمة وكتابة أدبياتها وتصنفها بوصفها نصوصاً فلسفية.
3 – الحضور الهامشي للفلسفة الناطقة بالألمانية:
مازال حضور الفلسفة الألمانية ضئيلا في الدرس الفلسفي في العراق، فالفلسفة الناطقة بالألمانية فلسفة دقيقة، شديدة التركيب والوعورة، حتى أنها تبدو للقارئ المبتدئ تخدع عقله، لأنه لم يتأمل النسيج الغامض لمفاهيمها، إنها لا تبوح بأسرارها بقراءة عابرة، أو نظرة عاجلة، بل يتطلب الفهم والاستيعاب الدقيق لأحد اتجاهاتها سنوات طويلة من الدراسة على يد خبراء، كما يتطلب تفكيكها ونقدها وغربلتها الكثير من المطالعات المتبصرة والنقاشات الصبورة.
4- التعاطي مع الفلسفة وكأنها فائضة عن الحاجة:
اعتمدت وزارة التعليم العالي في وطننا تقليداً في القبول صنفت فيه الفلسفة بالمرتبة الدنيا من معدلات النجاح في الثانوية العامة، ووفقاً لهذا المستوى من المعدلات يتم القبول في تخصصات علوم الانسان والمجتمع، بنحو أصبح معه معظم تلامذة الفلسفة وهذه العلوم هم الأضعف معدلاً بين جيلهم، ولم ينظر إلى استعداد التلميذ ورغبته ونوع قراءاته السابقة في قبوله، في حين تظفر الفروع الطبية والهندسية بتلامذة هم الأعلى معدلاً في نجاحهم، فصارت كأنها مقبرة للموهوبين من الأبناء، وأضحى حلم كل التلامذة القبول في هذه التخصصات، إثر تفشي تقاليد مجتمعية تبجل من يتخصص بالطب والهندسة، ولا تعبأ بقيمة الفلسفة والآداب والفنون وعلوم الانسان والمجتمع.
5 - القطيعة بين الدرس الفلسفي في الحوزة والجامعة:
لا أعرف تواصلاً ديناميكيا بين الدرس الفلسفي في الحوزة في النجف وأقسام الفلسفة في الجامعات العراقية، فلكل منهما انشغالاته واهتماماته ومقرراته وأساليبه في التعليم والكتابة والانشاء الفلسفي، وعلى العكس من الدرس الفلسفي الحوزوي، الذي يسرف في تدريس مؤلفات الملا صدرا الشيرازي وتلامذة مدرسته، فإن الدرس الفلسفي في الجامعة قلما يهتم بدراسة مؤلفات الفلاسفة الغربيين وتلامذة مدارسهم، بينما يستنزف جهودَ التلامذة في دراسة تاريخ الفلسفة ومراحل تطورها، منذ العصر اليوناني حتى اليوم، بجوار الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في الفكر العربي. ويمكن القول: إن مساري الدرس الفلسفي في الحوزةِ والجامعةِ متوازيان، أي إن كلا منهما متموضع في مساره، لذلك لم يلتقيا حتى اليوم، وربما لن يلتقيا غداً، إن لبث كل منهما مرتهناً بآفاق رؤيته ومشاغله ومصطلحاتِه ومقولاته. (لم يوضح لنا الرفاعي الفائدة من لقاء الاستاذ الحوزوي، مع الاستاذ الاكاديمي، والذي نؤمن أن الاستاذ الحوزوي هو داخل مؤسسة دينية مهمتها هي الحفاظ على المذهب، وبالتالي هي انتقائية للفلسفة وتنظر للفلسفة بنظرة ايديولوجيا، وما يوافق الدين تأخذه، أما ما لا يوافق لا تأخذه، أما الجامعات في الحقيقة هي مهملة جداً لقسم الفلسفة، وهذا القسم اصبح منبوذا جداً واعرف الكثير من دارسيه لا يقولون نحن ندرس الفلسفة، لأنه اصبح معيباً وهذا كله تتحمله الجامعات العراقية، أضف إلى ذلك أغلب دارسي الفلسفة من دراسات أولية وعليا، واساتذة أيضاً، يفهمون الفلسفة بنظرة تأريخيه، وكأننا نعيش في زمن افلاطون وارسطو، ولا تدرس مواد الفلسفة القريبة من الواقع، مثلاً تدرس مادة الفلسفة اليونانية، على مرحلتين، أما الفلسفة الاخلاقية والسياسية، على مرحلة واحدة، ولا تدرس النظريات الحديثة في الفلسفة، ولحد الآن تنتهي الدراسة في الفلسفة، مع مارتن هايدجر وكارل بوبر ولا يعرف تلاميذ الفلسفة، سلافوي جيجك ولا داريوش شايغان ولا مارسيل غوشيه، وفي الفكر العربي تتوقف مع أمام عبدالفتاح وعبدالرحمن بدوي، ولا نطلع على منتج المفكرون الذين يكتبون في وقتنا الحاضر مثل فتحي المسكيني ومحمد عثمان الخشت والخ...)(5)
الهوامش:
1_ ينظر عبدالجبار الرفاعي: الدين والنزعة الإنسانية، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، ط3، 2018، 227. وأيضاً عبدالجبار الرفاعي: دعوة للخلاص من نسيان الإنسان في أدبيات الجماعات الإسلامية، ضمن مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، العددان 53_54، 2013، ص4_5_6_7_8. وأيضاً عبدالجبار الرفاعي: الدين والظمأ الأنطولوجي، الفكر الجديد، ط3، 2020، ص201_202_224.
2_ ينظر عبدالجبار الرفاعي: الدين والنزعة الإنسانية، ص228. وأيضاً عبدالجبار الرفاعي، مجلة قضايا إسلامية معاصرة والإشكاليات الراهنة للتفكير الديني، ضمن مجلة قضايا إسلامية معاصرة، مركز دراسات فلسفة الدين، العددان 45_46، 2011، ص4.
3_ ينظر عبدالجبار الرفاعي: الدين والنزعة الإنسانية، ص227_228.
4_ ينظر عبدالجبار الرفاعي: تحديث الدرس الكلامي والفلسفي في الحوزة العلمية، المدى، ص145_146_151_153_154_160_161_162_163_164_192_193.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|