الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 34

ضياء الشكرجي

2022 / 3 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَأَقيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاركَعوا مَعَ الرّاكِعينَ (43)
والخطاب موجه إلى بني إسرائيل أي اليهود. كما هو معلوم إن لهم صلاتهم ولهم فرائضهم المالية، ونجد في أتباع كل من الأديان، من هو ملتزم بأحكام دينه، ومن هو أشد التزاما، أو أقل التزاما، وكذلك من هو غير ملتزم. وهذه الظاهرة إذا لم تكن واضحة في الجيل الأول الملتحق بالدين الجديد، فهي تظهر دائما أكثر فأكثر، كلما مر زمن أطول على الدين، مع إن المسلمين الأوائل أيضا لم يخلوا من هذه الظاهرة، فالقرآن يتحدث عن الذين (إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) كما ويتحدث عن الذين (إِذَا رَأَوا تِجَارَةً أَو لَهوًا انفَضُّوا إِلَيهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا)، أي تركوا النبي وهو يصلي بهم صلاة الجمعة. لكن هل المقصود هنا أن يترك اليهود الصلاة والفريضة المالية حسب شريعتهم، ويقيموا صلاة الإسلام ويؤتوا زكاة الإسلام؟ إذن الإسلام أيضا لا يرضى عن اليهود ولا عن النصارى حتى يتبعوا ملته.
أَتَأمرونَ النّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أَنفُسَكُم وَأَنتُم تَتلونَ الكِتابَ أَفلا تَعقِلونَ (44)
ظاهرة المسافة بين النظرية والتطبيق أو بين المبادئ المتبناة أو المدعاة ومدى الالتزام بها، أو الازدواجية، هي ظاهرة نجدها في كل المجتمعات، وتمثل مرضا، بقطع النظر عمن يمارسها، فأن يأمر اليهود الناس بأعمال البر ولا يلتزمون بها، وأن يقول المسلمون ما لا يفعلون، كما في آية أخرى، لم تقتصر على أتباع الدين، فمنها ما يمثل المسافة الطبيعية بين النظرية والتطبيق في الواقع، لصعوبة أن نجد إنسانا مثاليا مئة بالمئة، ولكن عندما تتحول إلى افتراق حاد بين المدعى والسلوك، فهو إما يعبر عن مرض أخلاقي أي النفاق، وإما عن مرض نفسي أي انفصام الشخصية. فهذه الظاهرة إذا افترضنا وجودها في وقت بداية الإسلام في يهود وقتئذ، فهم حتما لا ينفردون بها، بل نجدها في أتباع كل الأديان والثقافات، بقدر أو بآخر.
وَاستَعينوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبيرَةٌ إِلّا عَلَى الخاشِعينَ (45) الَّذينَ يَظُنّونَ أَنَّهُم مُّلاقوا رَبِّهِم وَأَنَّهُم إِلَيهِ راجِعونَ (46)
من عناصر القوة في شخصية الإنسان هو الصبر، بمعناه الإيجابي، وليس بمعنى الخضوع للأمر الواقع؛ من عناصر القوة ذلك بقطع النظر عن إيمان المتحلي بالصبر أو عدم إيمانه، فقوة الشخصية والقدرة على الصبر والتحمل والصمود، أو ضعف الشخصية وعدم القدرة على الصبر، لا يتأثران دائما وفي كل الأحوال بقضية الإيمان، والمعبر عنه هنا بالصلاة، كتسجيد للعلاقة الروحية بين المؤمن وربه، التي يستمد منها ثمة مؤمن الصبر على المصاعب، لكن كثيرا من المؤمنين جزعون غير متحلين بالصبر، مع إن الإيمان يفترض أن يكون عاملا مهما لتقوية ملكة الصبر. ثم إن الإيمان الراسخ بأي قضية، حقا كانت أو باطلا، عادلة أو غير عادلة، يمد صاحبه صبرا على تحمل الصعاب والأذى من أجلها، والمتطرفون دينيا أو سياسيا أو آيديولوجيا يكونون غالبا أشداء وذوي قدرة على تحمل الصعاب، وامتلاك طول النفس في بذل الجهد من أجل عقيدتهم، ومواجهة مخالفيهم، سواء كانوا بادئين بالعدوان أو مدافعين. والآية تقر بعدم قدرة أي إيمان على مد صاحبه بالصبر، فجعلت تحققه أمرا كبيرا أي صعبا، واستثنت من هذه الصعوبة الخاشعين، تعبيرا عن تجذر إيمانهم بالله، والمتجسد عبر الخشوع. ولكن الإيمان بأي قضية أخرى في الحياة، حتى بعيدا عن قضايا الغيب، وعلى رأسها الإيمان بالله كما بينا يمد صاحبه بالصبر. ومن هنا رأينا ملحدين يتحملون أقسى أنواع ودرجات التعذيب في زنزانات الحكومات المستبدة، دون أن يتنازلوا أو يضعفوا، كما لم يوقفوا نضالهم من أجل القضية التي يؤمنون بها، كأن تكون تحرير شعوبهم من الطغيان، أو تطبيق إيديولجيتهم. ثم تعطي الآية التالية توصيفا للخاشعين، بأنهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم، وهنا ثمة مفارقة، فمن ناحية هم ليسوا كأي من المؤمنين، بل من الذين ترسخ الإيمان في قلوبهم فجعلهم مستشعرين الخشوع لله، والمستمدين من هذا الإيمان الصبر على القضايا الكبيرة، التي لا يصبر عليها عامة الناس، ومن ناحية أخرى نراهم يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون، وبالتالي لا يؤمنون بهذه الحقيقة على نحو اليقين، وحتى لو قالت الآية «الذين يؤمنون» وليس بالضرورة «الذين يوقنون» بدلا من «الذين يظنون» لكان الأمر أكثر مقبولية، فكيف يكون إيمانهم بهذه الدرجة من الرسوخ، فيجعلهم يستشعرون الخشوع بين يدي ربهم من جهة، ومن جهة أخرى لا يؤمنون بلقاء ربهم إلا على نحو الظن؟ لماذا استخدم الظن هنا يا ترى، رغم أن الدين يعتمد دائما اليقينيات والمسلمات، فهذا ما لم نجد له تفسيرا، باستثناء تفسيرات وتأويلات مفسري القرآن غير المقنعة. خاصة وإن الإيمان الظني هنا يتعلق بما يفترض أنه لوازم العدل الإلهي، والذي جعله القرآن أحد أهم ثلاثة شروط لتبشير من تتوفر فيه بأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ألا هي أولا: الإيمان بالله، وثانيا: الإيمان باليوم الآخر أي أنهم «ملاقوا ربهم وإليه راجعون»، وثالثا: العمل الصالح، وذلك في النص القرآني «[...] من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
يا بَني إِسرائيلَ اذكُروا نِعمَتِيَ الَّتي أَنعَمتُ عَلَيكُم وَأَنّي فَضَّلتُكُم عَلَى العالَمينَ (47)
سبق وتناولنا تكرار تذكير الله - حسب القرآن - لبني إسرائيل بنعمته التي أنعم عليهم وبتفضيله إياهم على العالمين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah