الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين الطاقة الجنسية والإبداع

يوسف ليمود

2006 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان الوعي بالجنس كطاقة وكمحرك رئيسي يمكن رصده في العملية الإبداعية واحدا من أسباب تطور الفنون في كل الحضارات التي تركت بصمتها وآثارها في التاريخ (يجدر هنا التأمل في نتاجات الحضارة الفرعونية من فنون وعلوم وما توصلوا اليه في مجال الفلك , ونفس الشيء في الحضارات القديمة بأمريكا اللاتينية) , فمثلا في الحضارة الآيرفيدية في الهند القديمة وصل التأمل في الطاقة الجنسية الى درجة ربطها بالطاقة الكونية التي تحرك الأجرام والأشياء , واعتبار أن إهدارها هو إهدار للطاقة الكونية ذاتها وليس مجرد فقدانا على المستوى الفردي فحسب , وأن التحكم فيها والاحتفاظ بها من شأنه أن يوصل صاحبه الي مستوى الإتيان بالمعجزات التي تصل حد القدرة على الطيران والتجول في الأزمنة وفوق النجوم بينما هو جالس في مكانه لم يحرك اصبعه . ربما كان مثل هذا التفكير هو بداية نشوء الفكرة الإرتقائية التي تعمل على تحويل هذه الطاقة من المستوي الجسدي العابر الي المستوى الروحي الخلاق الذي يتحقق ويرسخ في عمل فني او اسلوب حياتي ما . وفكرة التحويل هذه عبرت عن نفسها في كل الثقافات والأزمنة تحت مفاهيم ومسميات مختلفة , كما نلمس حضورها في تعاليم كل الأديان تقريبا من خلال فكرتي المقدس والمدنس . وسوف نجد إحياء لهذه الفكرة في العصر الحديث على يد الشعراء الرومانسيين الألمان في القرن الثامن عشر حتى تأخذ منعطفها البارز عند الألماني نيتشة وتتجلى في بهاء في كتابه هكذا تكلم زاردشت , ليتسلمها منه فيما بعد الفيلسوف النمساوي رودولف شتاينر* صاحب الفلسفة الروحية المعروفة بالأنتروبوصوفي , ومنه الي الفنان الألماني الشهير يوزيف بويز الراحل في 1986 الذي وسع مفهوم الإبداع ليشمل كل شيء في الحياة مركزا على عنصري الوعي والإرادة المنبثقين أساسا من تحدي فوضى الغريزة وانتشالها من الزحف في سراديب النفس المظلمة الي شمس البصيرة والخلق .

لو نظرنا الى طرفي التعامل مع الغريزة في اقصي امتداد لهما سنجد طريقين واضحين بينهما تشعبات من طرق: الأول طريق الزهد والتحكم , والثاني الإفراط والغرق في المتعة , وليس من شأن هذه السطور على أية حال أن تفاضل بين النتاجات الفنية لأي من الطرق التي يتم التعامل بها مع الطاقة الجنسية سواء كانت زهدية أو حسية , فالعملية الإبداعية أكثر تعقيدا وتملصا من أن تُحصر في زاوية ما بهذه البساطة , وكما يمكن للزهد أن يكون مصدر ابداع يمكن لإطلاق الغريزة أن يكون أيضا مصدر إبداع لايقل خصوبة وهناك بالفعل إبداعات كبيرة وكثيرة خرجت من المعطف المشبوه المسمي بالإنحلال , غير أن الفارق الحاسم في المسألة فيما نعتقد هو درجة الوعي وأيضا ما تلمسه طرق الإبداعات المختلفة من مناطق داخل النفس المتذوقة عند المتلقي . فهناك كثير من الأعمال الفنية توصف بأنها جميلة أو رائعة ولكنها تعجز عن إشعارنا بمعاني السمو والعظمة والجلال , في المقابل نتذكر بعض الحالات الإبداعية البارزة في التاريخ والتي اتسمت نتاجاتها الفنية بما يمكن أن يشعرنا بمثل هذه المعاني والتي عاش أصحابها نتيجة أسباب مختلفة حياة الزاهدين , علي سبيل المثال بيتهوفن ونفحاته , نيتشة وأسلوبه المهيب , غاندي ورؤاه , تولوستوي وضخامته , تراث المتصوفة العرب... الخ

في بعض مدارس اليوجا والتانترا (وهي طريق روحي أو اسلوب في الحياة له قوانين وقواعد وتمارين صارمة يمارسها طالب الإستنارة الذي يتبع هذا الطريق) يصل التحكم في هذه الطاقة الى حد الاستمتاع بالممارسة الجنسية بين الرجل وشريكته بمفهوم اللعب والفانتازيا والاتصال بالنظرات ولغة العيون دون الوصول الى القذف الذي يعتبر في نظرهم إهدار... وقانا الله وإياكم شر الإهدار.

............

* تنتشر الآن في أوروبا مدارس تعليمية للنشء تسمى مدارس شتاينر(بمفهوم المدارس الخاصة في بلادنا) تعتمد في الأساس على تفعيل الملكات الخلاقة الموجودة في الأطفال بتفاعلهم الفطري مع الطبيعة وعناصرها , وليس على أساليب البرمجة وحشر دماغ الطفل بالمعلومات الباردة والمغلوطة في الغالب والتي تعتمدها مدارس الدولة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تتقرب سوريا من الغرب على حساب علاقتها التاريخية مع طهران؟


.. حماس: جهود التوصل لوقف إطلاق النار عادت إلى المربع الأول




.. هل تنجح إدارة بايدن في كبح جماح حكومة نتنياهو؟


.. الجيش يوسع عملياته العسكرية على مناطق متفرقة بشمال قطاع غزة




.. مقتل العشرات في فيضانات جرفت قرى بولاية بغلان بأفغانستان