الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بدون عنوان

فؤاده العراقيه

2022 / 3 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


في الوقت الذي تكون الحياة في الخارج صاخبة وبحركة مستمرة بشوارعها وبأسواقها التي تعج بأناس مسرعين بحركاتهم المتشابهة ذهاباً وإياباً ومن ثم يتكرر المشهد في اليوم الذي يليه وتتكرر الأيام على نفس المنوال دون جديد يذكر بها ,وكأن الوضع قد توقّف رافضاً أي تغيير ,يقف المكان في مكانه بيدين مكتوفتين وبلسان ممتد للخارج يتحدى عجزنا على التغيير, وفي نفس الوقت هنالك فوضى وحركة مستمرة تناقض هذا السكون وغير محسوبة على الحركة لكونها حركات آلية لأناس صاروا مثل ريبورتات يتحركون هنا وهناك ,بعضهم يفرح لولادة جديدة وبعضهم يحزن بموت قريباً له , عِرساً يمرُ من هنا وسيارة تمرُّ من هناك تحمل نعش أحدهم ,طقوس الأعراس والأحزان مصبوبة بنفس القالب منذ سنوات , عادات وتقاليد هي نفسها لا تتغير إلا ما ندر منها بعد أن يلفظها قانون الطبيعة المتغير دوما فتفرض عليها التغيير ,بالموت تُقام الفواتح ومعها الولائم وكأنها اعراساً يجتمع بها الأقارب للقاء بعضهم البعض وتبدأ الأحاديث الخارجة عن الموضوع وبين حين وآخر يتذكرون احزانهم ويبكون على مصائرهم ثم يتهامسون ضحكاً وكأنهم مجانين ,يرفعون صوت القرآن الذي ارتبط بلا وعيهم بالموت ليجلب لنفوسهم المزيد من القهر والكآبة ويذكّرهم بمصيرهم الحتمي وهو الموت , ولكنها ذكرى تتشكل بلاوعيهم ولا تحمل لهم أي تفسيرا فلسفيا للموت ,تذكرهم بعذاب القبر وبالنار الابدية التي سيصلون بها , ويكذب من يقول بأن نفسه تهدأ وترتاح حين سماع تلك الكلمات التي تتكرر على مسامعه منذ الطفولة ,وربما يكون صادقا أحيانا لكونه عاش حياته دون حياة في مجتمع سحب منه الحياة والحرية وخصوصا حياة وحرية المرأة التي يرى بأن حريتها مرتبطة بجسدها فقط وجسدها ملكاً له . يبدؤون بالنواح بدلا من أن يتأملوا الموقف.
أما في الاعراس فيُستبدل القرآن بالموسيقى الصاخبة وأكيد الولائم ستكون على رأس القائمة كما هي الفواتح فلا نعرف الاستمتاع ما لم تكن هناك تلك الموائد مصوبة وعامرة بما تشتهي الأنفس من مأكولات ومشروبات,فلقد تركنا العقل واحتفظنا بعاداتنا وبغرائزنا .
أما في الداخل عندما نركن بزاوية البيت حيث الابتعاد والسكون والاختلاء مع الذات نرى بأن الاشياء مختلفة تماما وواضحة المعالم لكونها بعيدة عن التشويش الذي يُحدثه الخارج علينا, فنرى الصورة واضحة ومدى حجم القبح الذي بدأ يستفحل بهدوء لغاية ما اصبح حقيقة تعايش معها الناس , في الداخل سكون مميت من حولنا رغم الفوضى العارمة والكامنة التي التصقت بنا من الخارج , ووضع قاتم وحزين وأمل أصبح شبه مفقود بتغيير هؤلاء الناس الذين هم في تردّي مستمر ولا يهمّها شيء سوى الإبقاء على غريزة الأكل التي استفحلت لديهم تليها غريزة الجنس المستمرّة لتزيد الأعداد ومن ثم يأتي دورهم في التباهي بتلك الأعداد حيث كلما كثرت كلما ازدادت عزوتها "ولكن" نتوقف كثيرا عند هذه الكلمة ,فمن من هؤلاء فكّر بنوعية نسله وبإمكانية تحسنيه ؟
من فكّر ماذا تعني لهم هذه الأعداد التي يأتون بها لحياة لم تعد تحمل سوى أسمها فقط , حياة لا تمت بصلة للحياة لا من قريب ولا من بعيد بل صاروا يعتقدون بأن الحياة هي هذه التي يعيشونها ولا يوجد سواها , الحياة لديهم طعام وجنس فقط , فما معنى أن نتعب بفهمها وهناك يتربص لنا قدرنا المكتوب منذ الولادة ,وهنالك من يُنظّمها لنا رغم إن التنظيم مفقودا ,هكذا يفكرون ومن يسألهم عن الإبداع تكون وقع الكلمة غريبا على مسامعهم ويبدو السائل كائنا فضائيا لا يمت لهم بصلة, اشعر بأن محاولات التغيير باتت كالمعجزة أمام هذه العقول الخرِبة , وكأنها صارت محاولة لنفخ الروح في جثث ماتت منذ ولادتها ,أو بقربة مثقوبة لا نحصل سوى ضياع الجهد واستنزاف للطاقة التي نناضل لاستجماع بعضها, يبحلقون بعيون تستغرب من مفردة التغيير بحجة إن الوضع صار مزريا تماماً وهنالك متطلبات الحياة الكثيرة والتي تعيقنا عن أي تغيير, فما معنى التغيير من وجهة نظرهم القصيرة ؟ كلمة غريبة ومُخيفة في الآن نفسه , التغيير وحرية الاختيار تصيبهم بالدوار وعدم الاتزان لكونهم فقدوا توقهم للأشياء الجميلة .
هم مُتضررين بلا شك ولكن ما معنى الحياة ونحن نقبع تحت سقفها الذي جمع تحته قطيعا من الخرفان ؟ ما معنى الحياة عندما نخرج عن المألوف فتمتدٌ الأيادي لتُرجعنا بعد أن يكيلوا التهم ويطعنوا بالشرف في زمن لا شرف به؟
لا معنى لنا عندما نسكن بين هذه الجموع المُحطمة والتي صارت عبارة عن حيطان جامدة لا تغني النفس ولا تروي عطشها ,فكم هو قاسياً ذلك الشعور الذي يعيش به الإنسان الحياة بلا أمان , أن نكون بحاجة لكلمة واحدة لتُشعرنا بالأمان ,وهناك من هو مُستعد للوقوف إلى جانبنا وتقديم العون , وأحيانا كلمة واحدة قادرة أن تُعيد لنا توازننا ,شعور غاية في التعاسة بأننا نعيش وسط دائرة تضيق بنا يوما بعد يوم لغاية استنفاذ كل الطرق, كل الطرق تكون عثرات لننهض من واحدة ونسقط باثنتان لغاية أن نصل لحالة من استنزاف لجهودنا ولطاقة العقل لدينا وبالمقابل لا شيء ,بل هو اتعس الأشياء , بعد أن اجهدتنا مشاكل الحياة والمحيطين بنا الذين استنفذوا اوكسجين حياتنا تدريجيا لغاية ألنفاذ ,والأدهى من هذا هو أن نكون وحيدين ونواجه موتنا بسكون لنُعلن عن عجزنا وعن عدم قدرتنا على تحمّل المزيد.
ولكن تُجبرنا الحياة في احياناً كثيرة للذوبان مع احداثها الغير مجدية ومع هذا الذوبان يكون الانسلاخ عن ذواتنا , فنلهو بها لتأخذ من أعمارنا القسط الأكبر ,ليس هذا فحسّب ولكننا مجبرين للانصياع لها وبالتالي ضياع أعمارنا سدى , حيث علينا أن نغرس ذواتنا مع تلك الشخصيات المزدوجة التي تعفنت من الداخل ولكنها في الخارج تكون طبيعية جدا بدون أي ملامح ولا حتى معالم للحزن تظهر عليها لكونها مخفية داخل النفوس التي انهكتها الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصل جديد من التوتر بين تركيا وإسرائيل.. والعنوان حرب غزة | #


.. تونس.. مساع لمنع وباء زراعي من إتلاف أشجار التين الشوكي | #م




.. رويترز: لمسات أخيرة على اتفاق أمني سعودي أمريكي| #الظهيرة


.. أوضاع كارثية في رفح.. وخوف من اجتياح إسرائيلي مرتقب




.. واشنطن والرياض.. اتفاقية أمنية قد تُستثنى منها إسرائيل |#غرف