الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تروتسكي و التروتسكية - كيف اندمجت التروتسكية بيسار رأس المال

موقع أصوات أممية

2022 / 3 / 28
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها


السؤال الأساسي المطروح ( هنا ) هو كيف نشأت من أحد الصناع الرئيسيين لثورة أكتوبر المجيدة و الخطيب المفوه للثورة الشيوعية و أحد أبطال الحرب الأهلية ، إيديولوجيا معادية للثورة و معادية للشيوعية اسمها التروتسكية . الحقيقة المرة هي أن تروتسكي نفسه كان الواضع الأساسي للتروتسكية و أن اندماج التروتسكية بيسار رأس المال قد بدأ أثناء حياة تروتسكي و استكمل بشكل نهائي لا رجعة عنه أثناء الحرب العالمية الثانية . لكن يجب أن نلاحظ هنا أن تروتسكي قد مات ثوريًا على الرغم من كل الاخطاء و التشوش الذي أحاط به عند وفاته . لذلك ينتمي تروتسكي و التروتسكية إلى معسكرين مختلفين . لو أن تروتسكي لم يقتل ربما كان قد نأى بنفسه عن التروتسكية . لقد رأينا كيف ابتعدت ناتاليا تروتسكي عن التروتسكيين و لم ترغب أن تعرف و تربط مع الأفعال المعادية للثورة للتروتسكيين . لعب تروتسكي دورًا رئيسيًا كرئيس لمجلس عمال بتروغراد في عامي 1905 و 1917 . و من السليم القول أن تروتسكي كان بعد لينين الشخصية الأكثر أهمية في ثورة أكتوبر المجيدة . بالرغم من ذلك ، و رغم أن الستالينية كانت هي حفارة قبر ثورة أكتوبر البروليتارية فإن دور تروتسكي كان أساسيًا في تطبيق أكثر السياسات المعادية للعمال وحشية مثل عسكرة العمل و سحق موجة الإضرابات في بتروغراد و انتفاضة كرونشتادت و غير ذلك ، حتى ظهر كمعارض في عام 1923 . لوقت طويل التزم تروتسكي الصمت في وجه صعود الثورة المضادة و فضل استرضاء السلطة و الستالينية . مشيرًا إلى نجاحاته في الحرب الأهلية ، شدد تروتسكي على أن هذه التجارب و الخبرات ( العسكرية ) يمكن استخدامها أيضًا على جبهة العمل و أن "عسكرة العمل" لكل الطبقة العاملة يمكن تطبيقها في إعادة إعمار الاتحاد السوفياتي . بعد أن أثبتت شيوعية الحرب عدم نجاعتها ، و التي كان تروتسكي نفسه أحد واضعيها ، أصبح تروتسكي نصيرًا متحمسًا للسياسة الاقتصادية الجديدة ، النيب . و لعب دورًا رئيسيًا في تمرير قرار منع "الكتل" ( داخل الحزب ) و كان دوره مركزيًا كذلك في تقرير تكتيك "الجبهة المتحدة" . لم يستطع تروتسكي أن يفهم التغيرات التي طرأت على الرأسمالية و لم يستطع بالتالي أن يفهم انحطاطها . و عجز أيضًا عن فهم أن شكل تنظيم الطبقة العاملة لا تحدده الطبقة العاملة بل درجة نمو و تطور الرأسمالية . في عصر نمو الرأسمالية كانت النقابات منظمات عمالية لكن مع دخول الرأسمالية عصر انحطاطها اندمجت النقابات بالدولة الرأسمالية . بعض أنصار تروتسكي ، بمن فيهم مانديل ، زعموا أن تروتسكي قد امتلك فهمًا ماركسيًا صحيحًا للفترة الانتقالية ( ديكتاتورية البروليتاريا ) و الاشتراكية و الشيوعية . بالعودة إلى تروتسكي نفسه يمكننا أن نؤكد أن زعم التروتسكيين هذا غير صحيح و أن تروتسكي كان مشوشًا في هذا الصدد . يزعم التروتسكيون أن تروتسكي كان معارضًا جديًا للأطروحة المعادية للماركسية عن "بناء الاشتراكية في بلد واحد" و أنه حاربها طوال حياته . لكن هذا غير صحيح ، ليس فقط أن موقفه من هذه الأطروحة كان ملتبسًا في كثير من الأحيان بل إنه أحيانًا فقد البعد الماركسي و ظهر كمدافع عن فكرة "بناء الاشتراكية في بلد واحد" . لقد أظهرنا أن تروتسكي قد تخلى عن فكرة مجالس العمال على أنها السلطة البروليتارية ( الحقيقية ) لصالح ديكتاتورية الحزب و دافع عن استبدال الأولى بالأخيرة أي ديكتاتورية الحزب مكان ديكتاتورية الطبقة العاملة . في الواقع إن ديكتاتورية الحزب هذه هي شكل ( امتياز ) لا واعي من البرلمانية . أثناء نضال لينين ضد مخاطر الثورة لم يقف تروتسكي إلى جانبه و بقي صامتًا و عمل فعليًا على استرضاء السلطة الحاكمة و ستالين . لم يكتف فقط بإطاعة ستالين بل روج أيضًا لثقافة الخضوع و الانصياع . بالنسبة لتروتسكي كان التأميم يساوي الجمعنة ( التحول الاشتراكي ) ، و هكذا لم تكن المهمة الرئيسية للاشتراكية القضاء على العمل المأجور بل نزع ملكية البرجوازية . في هذا السياق كانت بالنسبة له ، الملكية الخاصة في أيدي الرأسماليين الأفراد تميز الرأسمالية و ملكية الدولة تعني بالنسبة له الاشتراكية . لم يكن تروتسكي قادرًا على إدراك أن البيروقراطية التي كان يتحدث عنها كانت طبقة حاكمة جديدة و تتحكم بوسائل الإنتاج و تستولي بشكل جماعي على فائض قيمة استغلال الطبقة العاملة . فائض القيمة الناتج هذا سيقسم بين أعضاء الطبقة الحاكمة ( الجديدة ) ، أي البيروقراطية . هذه العملية كانت تتم بشكل جماعي ( داخل هذه الطبقة ) . رأى تروتسكي أن الستالينية هي من حيث الأساس دولة عمالية . اعتبر تروتسكي أن حفار قبر ثورة أكتوبر البروليتارية ، أي الستالينية ، أنها بروليتارية . هذه الثورة المضادة التي احتفلت بانتصارها على أنقاض ثورة أكتوبر المجيدة و أصبحت حصنًا للثورة المضادة و تحولت إلى أكبر عقبة في طريق الدفع بالمواقف البروليتارية . لسنوات كان التركيز الأساسي للنضال التروتسكي على إصلاح الأممية الشيوعية ، بكلمات أخرى ، النضال و محاولة إحياء جثة متعفنة ، عوضًا عن تشكيل تنظيم جديد و الدفاع عن المواقف البروليتارية و الشيوعية و النضال ضد الكومنترن الذي كان قد أصبح مركزًا للثورة المضادة . حتى عام 1934 استمرت بعض الصلات بين تروتسكي و التروتسكية و بين اليسار الشيوعي لكن الصدع و الانفصال بينهما قد اكتمل في ذلك العام . كان اليسار الشيوعي قد وصل لاستنتاج أنه بعد اندماج الكومنترن مع المعسكر الرأسمالي في عام 1928 و الهزيمة المؤقتة للبروليتاريا و كمدافع عن استمرار الصراع الطبقي ، أنه لم يعد من الممكن إنشاء حزب جديد على أساس البرنامج البروليتاري . لأن إنشاء هذا الحزب ليس أمرًا طوعيًا ( رغبوي ، إرادوي ) بل نتاج ظروف معينة للصراع الطبقي ، تكون فيها المنظمات و المجموعات الموجودة بالفعل غير قادرة على تلبية حاجات و متطلبات الصراع الطبقي ، يصبح عندها تشكيل حزب عالمي مطروحًا على جدول الأعمال . اعتبر اليسار الشيوعي أن ما نحتاجه اليوم هو إنشاء مجموعات شيوعية للدفاع عن المواقف و البرامج البروليتارية بحيث يمكنها ان تشكل حزبًا جديدًا عندما تتطلب ظروف الصراع الطبقي ذلك . إذا نظرنا أبعد من الرطانة الثورية للبرنامج الانتقالي ، برنامج الأممية الرابعة ( و هو نفس برنامج الحد الأدنى للاشتراكيين الديموقراطيين أو الستالينيين ) يمكننا أن نرى ظهور - اقتراح تشكيل جمعية وطنية ، جمعية تأسيسية ، حرية وطنية ، إصلاح زراعي و ما إلى ذلك . يقول البرنامج الانتقالي أنه على العمال أن يتسلحوا ببرنامج ديمقراطي كخطوة أولى . لماذا إذن عارض البلاشفة ، بقيادة تروتسكي نفسه ، الجمعية التأسيسية في روسيا عام 1917 و اعتقدوا أن السلطة ، كل السلطة ، يجب أن تكون بأيدي السوفييتات ؟ يعكس برنامج تروتسكي الانتقالي ابتعاده عن الماركسية و عودته إلى الاشتراكية الديمقراطية . دعا تروتسكي البروليتاريا العالمية لتكون بارودا للمدافع و وقودًا للدفاع عن الاتحاد السوفيتي . لخمس سنوات دعا التروتسكيون عمال كل البلاد ليذبحوا بعضهم البعض في حرب إمبريالية ، حدث ذلك في الحرب العالمية الثانية و للدفاع عن الاتحاد السوفياتي . تحول التروتسكيين إلى جنود ممتازين دفاعًا عن الديمقراطية البرجوازية و عن الثورة المضادة الستالينية و عملوا على تحويل العمال إلى وقود للمذبحة الإمبريالية . كما أصبح التروتسكيون جنودًا مدافعين عن البورجوازية أثناء الحرب العالمية الثانية أصبحوا عندها بالتالي جزءً من المعسكر البرجوازي . أعلن التروتسكيون أن مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية قد غيرت حظوظ الحركة العمالية ، بكلمات أخرى أن الطبقة العاملة لم تعد القوة الدافعة للثورة الاجتماعية . أن الثورات ضد الاستعمار في العصر الجديد و التي ستأخذ شكل ثورات دائمة ، ستصبح جزءً من الثورة العالمية . بكلمة أخرى أن القوة المادية للثورة العالمية لن تكون الطبقة العاملة بل أنصار الثورات ضد الاستعمار . في عصر انحطاط الإمبريالية ، في العصر الإمبريالي ، كل الحروب رجعية ، كل الحروب إمبريالية ، وحدها الثورة الاجتماعية تقدمية . السؤال الرئيسي الذي يطرح هنا هو ما كان موقف و توجه التروتسكيين في مواجهة الحروب الإمبريالية ؟ كل التروتسكيين و بلا استثناء و تحت رايات و شعارات "الدفاع عن الثورة" , "الدفاع عن الديمقراطية" , "محاربة الفاشية" , "التحرر الوطني" , "حرب التحرير" , و "حق تقرير المصير" , الخ ، في كل الحروب الإمبريالية ، التي ذبح فيها العمال ، عاملوا العمال كوقود لتلك الحروب و دفعوا العمال دفعًا إلى تلك المذابح الإمبريالية . إن معاملة العمال كوقود للنزاعات الإمبريالية توجد في مورثات التروتسكيين ، في حمضهم النووي . لم تندلع أية حرب إمبريالية لم يعمل التروتسكيون فيها على جر العمال إلى المذبحة الإمبريالية . إن دم العمال يقطر من أيدي التروتسكيين . اليوم انحدرت التروتسكية بعد مئات الانشقاقات إلى شيع و طوائف ذات اعتقادات و مواقف متباينة . هذه الجماعات تشكل اليوم منظومة يسار رأس المال . إنها لا تعمل من أجل انعتاق الطبقة العاملة ، بل في سبيل رأسمالية الدولة . ناتاليا تروتسكي ، أرملة تروتسكي ، كانت واحدة من التروتسكيين الذين رفضوا أن ينخرطوا في النشاطات الرجعية و البرجوازية للتروتسكيين و التي عرفت التروتسكي و اعتبرته استمرارًا للسياسات التروتسكية المعادية للثورة . لكنها لم تتمكن مع ذلك من انتقاد التروتسكية نفسها ، أي السبب الرئيسي للمواقف التروتسكية المعادية للثورة . هذه الدراسة تبين من هم الورثة الحقيقيين للشيوعية - اليسار الشيوعي ( رغم أنه في عزلة مطلقة و في أكثر الظروف صعوبة و على الرغم من ضعفه و من التباس مواقفه أحيانًا في كل الحوادث الاجتماعية ) - فقد بقي مخلصًا للمواقف و المبادئ البروليتارية و قدم أفقًا بروليتاريا بالفعل و حاول إثراء الماركسية و أن يصبح جزءً مهمًا من الذاكرة التاريخية للبروليتاريا . لذلك فإن اليسار الشيوعي هو البديل الوحيد الممكن للثورة العالمية القادمة .

للتواصل مع موقع أصوات أممية :
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الولايات المتحدة و17 دولة تطالب حماس بإطلاق سراح الرهائن الإ


.. انتشال نحو 400 جثة من ثلاث مقابر جماعية في خان يونس بغزة




.. الجيش الإسرائيلي يعلن قصف 30 هدفا لحماس في رفح • فرانس 24


.. كلاسيكو العين والوحدة نهائي غير ومباراة غير




.. وفد مصري يزور إسرائيل في مسعى لإنجاح مفاوضات التهدئة وصفقة ا