الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفيا و عقلانيا في الوقت عينه ؟

ثائر دوري

2006 / 9 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من ضمن الثنائيات الزائفة التي يتحفنا بها مثقفونا ثنائية "العقل / العاطفة " . فهم يقدمون العاطفة على أنها غوغائية ، ديماغوجية ،تقود إلى طريق مدمر، فهي محملة بقيم سلبية . أما العقل فعلى النقيض من العاطفة فهو هاديء رصين يقود إلى صلاح الدين و الدنيا .........
في يوم واحد قرأت مقالتين لكاتبين من كتاب جريدة الحياة اللندنية تشتركان بإقامة الثنائية السابقة " عقل / عاطفة ، بمعنى تحقيري للعاطفة و تمجيدي للعقل ، و بالمناسبة إن هذه الثنائية دارجة عند كتاب جريدة الحياة ، فأغلب كتاب هذه الجريدة يميزون بين العقل و العاطفة . فالعاطفة حسبهم محملة بقيم سلبية و تستخدم غالباً لتوصيف انفعالات المجتمعات العربية في لحظات العدوان الصهيو – امريكي ، فهي غير منتجة سوى لخطاب عاطفي ، أي غوغائي ، مدمر ......... .و هم يستخدمون تعبير " عاطفي " لوصف مواقف الجماهير الرافضة للتطبيع و للاستسلام مع العدو ، و المنحازة لخيار المقاومة و المقاومين .
و ينتصب قبالة " العاطفة" " العقل" الهاديء ، البارد ، الذي يعول عليه لبناء الحضارة و حل مشاكل الكون ، حسب زعمهم ، فالعقل ، كما يرون ، هو حلال للعقد و المشاكل ، و هم يستخدمون مصطلح "العقل" و ما يشتق منه من "عقلانية" و سوى ذلك من كلمات لوصف خطاب دعاة التطبيع و التسليم للعدو ........الخ
توسم العاطفة بأنها ذات فعل مدمر عنيف في حين أن العقل هو دبلوماسي بناء بعيد عن العنف ،و بالطبع فهم يقدمون أنفسهم كممثل لتيار العقل ، مقابل الجماهير العاطفية الغوغائية ............الخ ، فالعقل محمل بقيم ايجابية مطلقة عند هذا النمط من الكتاب ، و بالتالي فإن ثنائية "عقل / عاطفة " تستبطن ثنائية " نخب / جماهير " ، يقول أحدهم :

(( علينا أن نتذكر أن الجماهير العربية، التي صفّقت لمغامرة «حزب الله»، التي اعترف بها السيد حسن نصرالله لاحقاً، هي الجماهير نفسها التي صفّقت من قبل لـ «طالبان» و «القاعدة» عندما ضربا مركز التجارة العالمي، ولصدام حسين عندما احتل الكويت. الجماهير العربية بطبعها عاطفية، و»غير مُسيّسة» ولا يمكن أن تكون المقياس الواقعي عند اتخاذ السياسات المعتدلة وتحديد المواقف))
و يقول آخر :

(( أيا تكن إجابات هذه الأسئلة، فإن وجود شعور عربي مشترك، مستقل عن الوقائع السياسية والجيوسياسية التي يعيش في ظلها العرب المعاصرون، أمر أكيد. ونميل إلى الاعتقاد بأن من شأن تسوية معقولة للمسألة الفلسطينية وصيغة نشطة من التضامن بين الدول العربية أن يسمحا بإعادة هيكلة الشعور العربي ليغدو أقل تمركزا حول الذات، وأقل درامية وعاطفية. وهما، التضامن وإنصاف الفلسطينيين..))
و رغم أن الكاتب الثاني أكثر تهذيباً من الكاتب الأول بطرح فكرته إلا ان المقطعين تحكمهما ثنائية " العقل / العاطفة " التي تخفي في ثناياها ثنائية أخرى ، يمكن ملاحظتها بسهولة عند الكاتب الأول و بصعوبة عند الثاني و هي ثنائية " نخبة /جماهير " ، كما ذكرنا ، فالأولى عقلانية واعية و الثانية عاطفية جاهلة .
إن فكرة تقسيم الإنسان إلى متضادات "عقل / عاطفة "و " روح / جسد " ، نشأت في أوربا مع نشوء الرأسمالية حيث استخدم هذا التقسيم في البداية ضد المهمشين في المجتمعات الغربية . و من ثم تلقف الإستشراق هذه الثنائية ، فوّصف الشرق بأنه روحاني عاطفي مقابل الغرب العقلاني صاحب الإنجازات التقنية . و قد تبنى بعض الكتاب العرب هذه النظرة الإستشراقية لكن بشكل مقلوب ، فأصبح الشرق الروحاني العاطفي مصدر فخر و اعتزاز لهم ، مقابل عقلانية الغرب التكنلوجية الباردة . لكن في المحصلة تظل هذه الثنائية تستبطن احتقاراً للشرق العاطفي ، الذي يعيش في أجواء ألف ليلة و ليلة ، و لا يستطيع أن يسيطر على غرائزه و انفعالاته و بالتالي لا يستطيع أن يفكر بشكل سليم لذا فهو لا يستطيع أن يبني حضارة ، كما يمضي هذا الخطاب إلى نهايته المنطقية . تقول الكاتبة اليهودية – العربية ايله شوحاط :
(( ثمة تاريخ لهذا الفهم الذي يفصل بين العقل و العاطفة . ففي خطاب الطبقات العليا الذكوري في أوربا تم تصوير القرويين و النساء و المثليين و العمال كمخلوقات أدنى من ناحية عقلية ، و نتج عن ذلك اعتبارهم غير مؤهلين لإحتلال مناصب قيادية ، و على هذا تم اقصائهم عن مراكز القوة و حرمانهم من المساواة في الحقوق . الإيديولوجيا الإمبريالية روجت لهذه النظرية أيضا و طبقتها على كل ((المحليين ))غير البيض باعتبارهم (( مخلوقات تحركها الغرائز )) . لثنائية العقل / العاطفة المشوهة هذه نسخة أكاديمية أيضاً . فعندما يظهر مثقفون انفعالاً و يتخذون موقفاً في نقاش ما يتم تصويرهم و كأن المنطق و العقلانية تعوزهم ، و يتبع ذلك النظر إلى ما يقدمونه من تحليل بأنه فاشل في محك (( الموضوعية )) . يخضع هذا التحليل لوجهة نظر كلية طبقية و جنسية و تعريقية و قومية و عرقية و عنصرية خفية تحدد ما يليق بالأكاديمي (( رجل العقل )) أن يستخدم من حركات جسم و لباس و كلام و تعبير وجه و صياغة أسلوب كتابة كيما يجتاز امتحان (( العبء العقلاني )) . يتأسس الخطاب المهيمن في الأكاديميا ، و الذي يفصل بين (( الرأي )) و الـ(( الجسد )) ، على فكر ثنائي لا يستطيع استيعاب محاججة تكون منفعلة و منطقية في آن واحد ...))
ايله شوحاط (( ذكريات ممنوعة – ترجمة اسماعيل دبج ))
وفق ثنائية هؤلاء الكتاب ((( عاطفة / عقل )) التي تساوي (( كلام لا قيمة له / كلام مهم )) فإن خطاب فريد الغادري ،الهاديء كالروبوت ، الذي لا ينفعل أبدا مهما وجهت له من إهانات . بل يكرر جمله المحفوظة مسبقا و بنسق فكري لا يخرج عن مسار النص المرسوم سلفاً . هو أهم من خطاب و أفكار أسعد أبو خليل ، الذي ينفعل و يتدفق عفوياً فتظهر عاطفته بشكل جلي أثناء أحاديثه التلفزيونية . و بالتأكيد فإن هذا الكلام لا أساس له من الصحة فلا مجال للمقارنة بين أهمية كلام الرجلين ......!!.
من ملاحظة بسيطة كهذه يمكن تبين أي منظار استشراقي تنظر به النخب العربية نحو أمتها و شعبها .و لا يسعنا إلا أن نعيد سؤال ايله شوحاط على الكاتبين السابقين :
- هل هناك ما يمنع أن يكون المرء عاطفياً و منطقياً في ذات الوقت ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام