الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القرآن محاولة لقراءة مغايرة 36

ضياء الشكرجي

2022 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وَإِذ واعَدنا موسى أَربَعينَ لَيلَةً ثُمَّ اتَّخَذتُمُ العِجلَ مِن بَعدِهِ وَأَنتُم ظالِمونَ (51) ثُمَّ عَفَونا عَنكُم مِّن بَعدِ ذالِكَ لَعَلَّكُم تَشكُرونَ (52) وَإِذ آتَينا موسَى الكِتابَ وَالفُرقانَ لَعَلَّكُم تَهتَدونَ (53)
من أسماء أو ألقاب موسى المعروفة أنه (كليم الله)، إذ كانت له أحاديث وحوارات مع الله، يخاطبه الله، وهو يخاطب الله، ولا ندري ما هي وسيلة هذه المحادثة بينهما، في الوقت الذي يتنزه الله عن الآلة الناطقة والمُسمِعة، ويتوسع العهد القديم في المخاطبة المتبادلة بين الله وأنبيائه بأكثر من أن تشمل موسى حصرا، كما في القرآن. المهم تحدثنا الآية الحادية والخمسون عن مواعدة الله لموسى لمدة ثلاثين ليلة مددت بعشر أخرى، فأصبحن أربعين ليلة. وبينما كان موسى مشغولا في تبادل الكلام مع الله، كان قد اقترح السامري على أن يصنع لشعب إسرائيل إلها على صورة عجل من ذهب يعبدونه، كما للشعوب الأخرى من آلهة مصنوعة من مواد شتى وبأشكال مختلفة، ورغم نصح هارون لهم، أصروا على اتباع السامري إذ استحسنوا منه مقترحه هذا، وخالفوا هارون، لحين رجوع موسى ليقر لهم هذه الفكرة، أو يرى لهم غير ذلك. وهنا تروى القصة بشكل إجمالي، وسيفصل القرآن فيها في مواقع أخرى. ثم تحدثنا الآيتان التاليتان عن عفو الله عن بني إسرائيل، وإيتاء الله لموسى الكتاب والفرقان، ولا تعنينا التفسيرات المتعددة للفرق ما بين الكتاب والفرقان، وما إذا كان المقصود بالكتاب التوراة، وربما بالفرقان بالشريعة الموسوية. وعلى ذكر عفو الله عن بني إسرائيل، فإن العهد القديم يحدثنا بعشرات المرات التي يعصي بنو إسرائيل ربهم، فيسلط عليهم من يعاقبهم، ثم يتوب عليهم، وهكذا بشكل متكرر. كل ذلك فعله الله حسب الرواية القرآنية، وغالبا ما تكون الروايات القرآنية توراتية بالأصل ولكن منقحة وفق استحسان مؤلف القرآن ورؤيته، أو ربما بتأثره بمرويات أخرى؛ كل ذلك أملا من الله أن يكون ذلك سببا لاهتداء بني إسرائيل، المعبر عنه بـ(لعلكم).
وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ إِنَّكُم ظَلَمتُم أَنفُسَكُم بِاتِّخاذِكُمُ العِجلَ فَتوبوا إِلى بارِئِكُم فَاقتُلوا أَنفُسَكُم ذالِكُم خَيرٌ لَّكُم عِندَ بارِئِكُم فَتابَ عَلَيكُم إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ (54)
وهنا يأتي الاختبار الصعب في مدى صدق بني إسرائيل في التعبير عن ندمهم واعترافهم بالذنب واتخاذهم قرار التوبة، فلم يُكتَفَ منهم ذلك، بل أمرهم موسى، لا ندري أباجتهاد منه، أم بوحي من الله، أن يقتل بعضهم بعضا، كتعبير عملي عن صدق توبتهم. ولا يكتفي بأمره أو نصحه إياهم بقتل بعضهم البعض، بل يعد هذا الفعل هو المستحسن من الله أكثر من أي وسيلة تعبير عن الندم والتوبة. وهنا يجدر الإشارة إن القرآن طالما يستخدم عبارة «أنفسكم» أو «أنفسهم» تارة بنفس المعنى الذي تدل عليه العبارة، أي بمعنى «بعضكم البعض» أو «بعضهم البعض»، أو ترك الأمر في بعض المواقع من (المتشابهات) أي ما يحتمل أكثر من معنى، وليس من (المحكمات)، أي ما له معنى واحد لا غير. وحتى هذه الآية يمكن أن تفهم بالمعنيين، أي أن يقتلوا بعضهم البعض، أو أن يقتل كل نفسه، لكن الراجح هو المعنى الأول. فأي اختبار هذا من رب حكيم رحيم. فلو تصورنا أن عدد مجموعة من الناس ثمانون شخصا، وطلب منهم أن يقتل بعضهم البعض، وإذا تصورنا أن كل واحد منهم يقتل واحدا آخر منهم، فسيبقى بعد الجولة الأول للقتل المتبادل نصف العدد، أي أربعون، ثم يقتل هؤلاء الأربعون بعضهم البعض، فيبقى عشرون، ثم عشرة، ثم خمسة، حتى لا يبقى إلا واحد منهم فقط. وحتى لو تصورنا أن عددهم كان ألفا أو عشرة آلاف أو مليون. هل هذا معقول، أم إن هذا الرب المتعطش للدماء سيوقف المجزرة بعد بلوغهم العدد الأدنى الذي يريده، ثم يأتي الأمر بوقف هذه المسرحية الدموية. أيعقل هذا؟ وهل يمكن أن ينسب إلى الله مثل هذا، تعالى وتنزه الله عن ذلك.
وَإِذ قُلتُم يا موسى لَن نُّؤمِنَ حَتّى نَرَى اللهَ جَهرَةً فَأَخَذَتكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنتُم تَنظُرونَ (55) ثُمَّ بَعَثناكُم مِّن بَعدِ مَوتِكُم لَعَلَّكُم تَشكُرونَ (56)
من الطبيعي ألا يكون كل إنسان قادرا على الإيمان بحقائق ما وراء الطبيعة، أو حسب المصطلح القرآني ما هو من عالم الغيب، في مقابل عالم الشهادة، المدرَك بالحواس، ومن هنا يحتاج الكثير من الناس إلى ما يثبت لهم وجودات ما خارج الطبيعة وخارج العالم المحسوس، وهذا ما سيفعله أيضا قوم محمد فيطلبون منه إظهار معجزة تثبت صدق نبوته، ولم يطالب أقوام الأنبياء وحدهم بذلك، بل فعله حتى الأنبياء أنفسهم، حسبما يروي لنا القرآن، فحتى موسى نفسه حسب رواية القرآن قال لربه «أرني أنظر إليك»، ومن قبل قال إبراهيم «أرني كيف تحيي الموتى»، فما الداعي لأخذ السائلين موسى أن يجعلهم يرون الله جهرة، ليصدقوا بوجود الله، ومن ثم بكون موسى نبيا مرسلا من الله ومكلفا منه بتلبيغ رسالاته وشرائعه، بأخذهم بصاعقة من الله يميتهم بها جميعا، ثم ليبعثهم بعد إماتتهم بواسطة الصاعقة من جديد، كي يرى أسيشكرون أم لا يكونون من الشاكرين؟ ثم لماذا هذه الامتيازات، بحيث يري الله معجزاته لقوم موسى من ذرية يعقوب، ولا يفعل ذلك مع غيرهم؟ زماننا هذا ينتشر فيه الإلحاد واللاأدرية واللادينية، فلماذا لا يثبت لنا الله صدق من تحدثوا باسمه وأسسوا أديانا وشرعوا شرائع وتلوا أو كتبوا أو أملوا وصايا وكتبا، على أن كل ذلك صادر من الله. وحتى الذين يؤمنون بالله من غير دين، ويوحدونه وينزهونه فوق تنزيه الأديان، بل ينزهونه عنها، ويؤمنون به إيمانا عقليا أو وجدانيا، تبقى لديهم الكثير من الأسئلة اللامجاب عليها. أيقبل من إنسان عاقل وحكيم وعادل أن يواجه من يوجه إليه أسئلة عن أمور لا يستطيعون فهمها بالعقاب؟ بلا شك لن نقبل من هذا الإنسان ذلك الرد، وسنعتبره خلاف الحكمة وخلاف العدل، فكيف نقبله من الله سيد العقلاء وسيد الحكماء وسيد العادلين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل جميل ومنطقي وانا اسال
سهيل منصور السائح ( 2022 / 3 / 30 - 04:01 )
انا ابن القرن الحادي والعشرين وبيني وبين ظهور الاسلام في الجزيرة العربية 1450ىسنة فهل انا ملزم بالاعتراف به بدون دليل مقنع الا دليل الوراثة او جهنم مصيري؟؟. اي مذهب هو الصحيح وهل دين من عند الله ( تعالى الله عما يصفون) يترك لآراء مجتهدين استنادا على احاديث معنعنة دونت بعد مئتين سنة من بدء الدعوة وغير متفق على رواتها؟؟. هل حقا ان الله الغني المطلق يحاجج مخوقاته او يتوعدهم وكانهم مستقلين ذاتيا؟؟. واذا كان لكل زمان امام كما يعتقد الشيعة الاثتاعشرية فما المانع ان ياتي بالاحاديث الصحيحة والقرآن الصحيح الذي لا لبس فيه اذا كان حقا من عند الله كما انزل ويسلمه لعلماء المسلمين ويريح المسلمين من التقليد والاشكالات التي حوتها الكتب المقدسة ام انه وهم وما الاعتقاد بوجوده الا اداة للعبودية لا غير. سر على درب التنوير والله يوفقك لما تصبو اليه. سلام عليكم.

اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah